العنف الجنسي... انتهاك يثير الاستياء

 

شبكة النبأ: يعد العنف الجنسي من ابشع الجرائم التي تنتهك حقوق الانسان، لما يتركه في نفسية المعتدى عليه من اضرار مادية ومعنوية، أضافة الى تدمير المجتمعات إنسانيا، وقد بات يشكل هذا النوع من العنف آفة إنسانية متفشية بشكل مضطرد وخاصة أثناء النزاعات المسلحة، وسط جهود دولية ضعيفة وغياب الرقابة والتثقيف والقوانين الرادعة وضعف العامل الديني والاخلاقي. إذ يرى نشطاء حقوقيون انه على الرغم من ابرام اتفاق تاريخي حول مكافحة العنف الجنسي في مناطق النزاعات الا ان وضع حد للعنف الجنسي لايزال يشكل تحديًا هائلاً، نظرا لتزايده كالهشيم في النار في مناطق النزاعات، فضلا عن المفاهيم الاجتماعية المتخلفة، التي قد تحمل الضحية المسئولية عن هذا الفعل.

كما يرى بعض الخبراء بهذا الشأن إن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، الذي يحصل على حد سواء في حالتي الحرب والسلم، لن ينتهي إلى أن يحصل تغيير واسع في المواقف تجاه المرأة، ويتم فرض وتطبيق قوانين ضد العنف.

وعلى الرغم من كل المعالجات التي تقوم بها الجهات المعنية على المستوى العالمي، باتت هذه الظاهرة خطرا مستداما على هذا العالم.

إذ يتضح انتشار هذه الظاهرة من خلال صدور كثير من الدراسات والتقارير والقرارات التي صدرت في الفترة الأخيرة حول سبل احتواء ظاهرة العنف الجنسي، إلا ان أداء الأسرة الدولية في هذا المجال لايزال ضعيفا وقد يبقى كذلك على المدى البعيد.

اتفاق تاريخي لمكافحة العنف الجنسي

فقد ابرم وزراء خارجية مجموعة الثماني "اتفاقا تاريخيا" في لندن مع تخصيص 27,5 مليون يورو لمكافحة العنف الجنسي في مناطق النزاعات، كما اعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، وقال هيغ في مؤتمر صحافي بحضور الوزراء السبعة الاخرين في مجموعة الثماني والممثلة انجيلينا جولي وزينب حواء بانجورا الممثلة الخاصة للامم المتحدة المكلفة مكافحة العنف الجنسي في النزاعات المسلحة "توصلنا اليوم الى اتفاق تاريخي بين وزراء خارجية دول مجموعة الثماني من اجل العمل سويا لوضع حد لاعمال العنف الجنسي خلال النزاعات".

واضاف "صادقنا على قرار تاريخي يعتبر الاغتصاب واعمال العنف في مناطق النزاعات جرائم خطيرة بنظر معاهدة جنيف، تماما مثل جرائم الحرب". بحسب فرانس برس.

وتابع ان "ذلك يحملنا مسؤولية البحث وملاحقة كل شخص متهم بهذه الاعمال مهما كانت جنسيته والمكان الذي وقعت فيه تلك الجريمة في العالم، واحالته على القضاء او تسليمه الى السلطات المعنية لمحاكمته"، واعلن ايضا اعداد "بروتوكول دولي حول التحقيقات في مجال الاغتصاب والعنف الجنسي في مناطق النزاعات" ستبادر اليه "هذه السنة" بريطانيا بمساعدة "خبراء دوليين"، وسيحدد البروتوكول "المعايير الدولية للتحقيقات" حول تلك الوقائع.

وقال هيغ ايضا "اعلنا ايضا انه لا يجوز ابدا العفو عن الاعتداءات الجنسية في اتفاقات السلام"، وتابع "نحن في حاجة الى هذا الالتزام لوضع حد للتعامل مع الاغتصاب والعنف الجنسي كمشكلة ثانوية ولوضع المرأة وحقوق المرأة في قلب تسوية النزاعات"،ومن اجل القيام بهذه المهمات اعلن هيغ "تمويلات جديدة متوافرة فورا" قيمتها "36 مليون دولار" (27,5 مليون يورو).

وقالت زينب حواء بانجورا "لدينا فرصة غير مسبوقة للقضاء على هذا الشر القديم"، واكدت ان "العنف الجنسي في مناطق النزاعات ليس قدرا واستئصاله ليست مهمة مستحيلة" داعية الى ان يتمكن هذا الاتفاق من "وضع حد لهذا الوباء الذي يطاول البشرية".

من جانبها قالت انجيلينا جولي الموفدة الخاصة للمفوضية العليا للاجئين للامم المتحدة "اليوم، وجدت اصوات الضحايا من يسمعها"، واضافت "احيي هذا الموقف الذي طالما انتظرناه والذي اتخذته اليوم مجموعة الثماني".

معظم جرائم في مناطق النزاع

فيما ذكرت منظمة (انقذوا الأطفال) الخيرية في تقرير نشر إن معظم ضحايا العنف الجنسي في مناطق الصراعات من الاطفال إذ يتعرضون للاغتصاب وسوء المعاملة بمعدلات مروعة، وتابعت انه في أكثر الدول تضررا مثل سيراليون وليبيريا يمثل الاطفال أكثر من 70 بالمئة من الضحايا. بحسب رويترز.

وتضمنت الدراسة قصصا مروعة عن قتل اطفال بعد اغتصابهم وسوء معاملة اطفال اختطفتهم جيوش وجماعات مسلحة. وأضافت أن اطفالا صغارا لم يتجاوز عمرهم عامين سقطوا ضحية أشخاص تحينوا فرص اختلائهم بهم كالمعلمين ورجال الدين وافراد قوات حفظ السلام، ولفظ المجتمع كثيرين من هؤلاء الضحايا بعد ما اصابهم.

وقال جاستن فورسيث المدير التنفيذي للمنظمة "من الصادم أن يتعرض الاطفال في مناطق الصراع حول العالم لجرائم اغتصاب وانتهاكات بمثل هذا المعدل المفزع"، وتابع "العنف الجنسي احد الفظائع الخفية للحرب والضرر الذي يسببه يدمر حياة اناس."

واكتشفت منظمة (انقذوا الأطفال) أن أكثر من نصف ضحايا العنف الجنسي في مناطق الصراع من الاطفال واشارت لدراسة في ليبيريا -التي لازالت تتعافي من حرب اهلية انتهت قبل عشرة اعوام- خلصت إلى أن أكثر من 80 بالمئة من الضحايا في 2011-2012 يقل عمرهم عن 17 عاما والغالبية العظمى تعرضت للاغتصاب.

وفي سيراليون في فترة ما بعد الصراع ذكر التقرير أن أكثر من 70 في المئة من حالات الاغتصاب التي رصدتها لجنة الانقاذ الدولية كانت ضحيتها فتيات دون 18 عاما وأن أكثر من 20 من المئة دون 11 عاما. وفي الكونجو الديمقراطية شكل الاطفال نحو ثلثي ضحايا حالات العنف الجنسي التي سجلتها الأمم المتحدة والغالبية فتيات قاصرات.

القضاء على العنف الجنسي لا يزال صعبا

وجاء في خطاب ستاينبرغ نائب مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الذي ألقاه في ندوة عقدت تحت شعار "السلام المفقود: العنف الجنسي في حالات النزاع وما بعد النزاع"، إن "الحقيقة المزعجة هي أنه على الرغم من الجهود التي نبذلها، إننا لا نحقق بصورة جماعية سوى القليل جدًا من التقدم في الكفاح في سبيل محاربة الاعتداء الجنسي والإفلات من العقاب، والاستثناء المنهجي لمشاركة النساء في عمليات السلام وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاعات."

وقد صرح ستاينبرغ قائلاً إنه، "في الكثير من النزاعات يستمر استخدام الاغتصاب بلا هوادة كسلاح حربي. ولا تزال تُستثنى أصوات النساء في أحيان كثيرة جدًا من مفاوضات السلام، ما أدى إلى اتفاقيات لا تعكس الواقع الحقيقي على الأرض، ولا تحظى بالدعم الشعبي، ومن المرجح لها أن تفشل كما أن تنجح. ونتيجة لذلك، تستمر القضايا المتعلقة بالاتجار بالبشر، والرعاية الصحية الإنجابية، وتعليم الفتيات، والمساءلة عن الانتهاكات السابقة في الضياع ضمن هذا الخليط."

ووفقًا لستاينبرغ، يُرسل في أحيان كثيرة المقاتلون المسرّحون قبل الأوان إلى مجتمعاتهم الأصلية التي تكون قد تعودت على العيش من دونهم خلال عقود من النزاعات. وتكون النتيجة النهائية: موجة الإدمان على الكحول، والعنف المنزلي، والاغتصاب. وعلاوة على ذلك، فإن الأطراف المتحاربة "لا زالت تبدأ عمليات السلام في غالب الأحيان بمنح العفو العام لبعضها البعض على الجرائم البشعة المرتكبة أثناء القتال – منح عفو إلى الرجال المسلحين يسامح رجال المسلحين الآخرين عن الجرائم المرتكبة ضد النساء."

إلا أن ستاينبرغ اعتبر بأنه على الرغم من هذا الوضع الباعث على التشاؤم، فقد تحققت خطوات واسعة في تصحيح الأعراف والمواقف.

ومن ناحية أخرى، شدد ستانبرغ على أنه "لن يكون مقبولاً على الصعيد الدولي تمرير قرار لمجلس الأمن الدولي لمعالجة نزاع مستمر أو لتنظيم مهمة لتحقيق السلام وفرض تطبيق السلام من دون أن يشمل صيغة تحمي المدنيين، بوجه عام، والنساء المهددات بالعنف الجنسي، بوجه خاص"، ملاحظًا أيضا أن ذلك أمر ممكن التحقيق بفضل قرارات مجلس الأمن الدولي 1325، و1888، و1960.

وذكر ستاينبرغ أنه بالنسبة "للحكومة الأميركية، فإن المشاركة الكاملة للبيت الأبيض، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وغيرها من الوكالات في تنفيذ خطة العمل القومي للنساء والسلام والأمن تتجاوز إلى حد كبير مجرد تنفيذ ما تشمله الخطة."

وغالباً ما كان الرئيس أوباما يتحدث، بما في ذلك في خطابه الأخير عن حالة الاتحاد، حول أهمية تمكين المرأة بالنسبة لمصلحة الأمن القومي الأميركي وكذلك لعكس القيم الأميركية في الخارج."

وأضاف ستاينبرغ، "وبنفس الأهمية، أعتقد أن الشعب الأميركي يدرك ذلك. إنهم يريدون العيش في عالم تُحترم فيه الحقوق الإنسانية والكرامة الإنسانية، ولكنهم يعرفون أيضًا أن البلدان التي تحترم النساء، وتمنع إساءة معاملتهن، وتشركهن كمساهمات كاملات في عمليات السلام والمصالحة الوطنية، لا تميل إلى الاتجار بالبشر أو الأسلحة أو المخدرات، أو نقل الأمراض المعدية، أو إرسال أعداد كبيرة من اللاجئين عبر الحدود والمحيطات، ولا تجعل موانئها ملاذًا آمنًا للقراصنة أو الإرهابيين، أو، ربما ما هو أكثر أهمية من ذلك، لا تحتاج الى وجود قوات أميركية على أراضيها."

وأشار ستاينبرغ إلى أن المشاريع المقترحة الجديدة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية تتضمن ما يعادل "تقييم حول تأثير المرأة" وإلى إطلاق مشاريع جديدة لإنشاء مدارس آمنة للفتيات، ولتوسيع تنظيم الأسرة، ولمكافحة العنف ووفيات الأمهات أثناء الولادة خلال الكوارث.

واختتم ستاينبرغ كلمته قائلاً، "أنا أتشجع كثيرًا عندما أرى أن الناس قد بدأوا ينبرون – من السودان إلى الشرق الأوسط، ومن كينيا إلى كولومبيا، ومن كولورادو إلى غواتيمالا – لحماية وتمكين المرأة في حالات النزاع حول العالم. ونحن ندين لهم بأقوى الدعم الممكن."

تغيير العقليات أمر ضروري لإنهاء العنف الجنسي

الى ذلك قالت ميلاني فيرفير، التي تولّت حتى وقت قريب منصب السفيرة المتجولة لقضايا المرأة العالمية في وزارة الخارجية، إن أصعب ما يواجه الجهود الرامية لإنهاء العنف ضد المرأة، يكمن في التعامل مع العقليات والأعراف وتغيير المعايير الاجتماعية. وقالت فيرفير في واشنطن، خلال حلقة نقاش عقدت في 14 شباط/فبراير، في "ندوة السلام المفقود عام 2013" التي استضافها مركز السلام الأميركي، وهو مركز مستقل غير حزبي لدراسة إدارة النزاعات، كان قد أنشأه الكونغرس الأميركي، إن "المرأة لا تُقدّر حق قدرها في أحيان كثيرة، وهذا الأمر ينبغي أن يتغير."

وشددت فيرفير على أنه ينبغي مقاضاة مرتكبي العنف الجنسي، وبخلاف ذلك فإننا نرسل إشارة إلى المجتمع بأنه يتعين عليه تحمل مثل هذا السلوك. وأردفت موضحةً، "ما من شيء يتحدث بصوت أعلى من دفع ثمن ما ارتكبته."

كانت فيرفير أحد المتحدثين الرئيسيين في ندوة دامت ثلاثة أيام هدفت إلى تبادل المعلومات بين باحثين أكاديميين، وصانعي سياسات، ومنظمات متعددة الأطراف، ومسؤولين حكوميين، وناشطين حول أسباب ونطاق وأنماط العنف الجنسي.

وفي كلمة معدّة سلفًا، قالت فيرفير، "إلى أبعد من كون الأمر قضية سلام وأمن، فإننا نعلم بأن العنف الجنسي يشكل أيضًا إحدى قضايا الصحة العامة، كما أنه قضية اقتصادية، وقضية اجتماعية، ومسألة ترتبط بالعلاقة بين الأجيال. وسواء أكان الاغتصاب بمثابة نهج في الحروب، أو بسبب ارتفاع حالات العنف المنزلي في مجتمعات ما بعد النزاعات، فمثل هذا العنف غير مقبول بكل بساطة. إنه انتهاك للكرامة الإنسانية."

ومن ناحية أخرى، أشارت فيرفير إلى سلسلة من السياسات والمبادرات التي أطلقتها الحكومة الأميركية لمنع العنف القائم على الجنس ومواجهته. فعلى سبيل المثال، أطلق الرئيس أوباما في شهر كانون الأول/ديسمبر 2011، أول خطة عمل من نوعها، وهي خطة العمل القومية الأميركية حول النساء والسلام والأمن، والتي تقدم خريطة طريق تتناول كيفية عمل الولايات المتحدة لتسريع وتأسيس الجهود في جميع الهيئات الحكومية للدفع نحو مشاركة النساء في منع الحروب والحفاظ على السلام، وحماية النساء، والرجال، والفتيان، والفتيات من العنف القائم على نوع الجنس.

وفي نيسان/أبريل، أعلنت الحكومة الأميركية عن إطلاق استراتيجية شاملة لحماية المدنيين وإخضاع مرتكبي الأعمال الوحشية للمساءلة، ودعم غيرهم ممن يقومون بنفس الشيء. وفي آب/أغسطس، أصدرت حكومة أوباما أول إستراتيجية من نوعها، وهي الاستراتيجية الأميركية لمنع العنف القائم على نوع الجنس والتصدي له على الصعيد العالمي، والتي تشمل قطاعات العدالة، والقانون، والأمن، والصحة، والتعليم، والاقتصاد، والخدمات الاجتماعية والإنسانية والإنمائية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/نيسان/2013 - 12/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م