شراء الأصوات والديمقراطية الخاسرة

 

شبكة النبأ: "شراء الأصوات".. مصطلح سياسي بلفظ مستعار من التعامل التجاري بين شخصين أو أكثر، لتقريب الصورة الى الأذهان، عن الديمقراطية المتصدّعة، يضاف اليها نقطة سلبية أخرى، وهي أن الناخب فاقد للصلاحية في الاختيار الصحيح، بل انه مسلوب الإرادة في عملية الاختيار والانتخاب، وهو عمل ذميم، تتبرأ منه الاحزاب والجماعات السياسية دون استثناء، لكن شهدنا في العراق، كما نشهد في سائر بلادنا الحديثة العهد بالديمقراطية، أن القليل من تلكم الجماعات من يتورع عن هذا الفعل.

بدايةً؛ علينا معرفة العامل، أو أكثر.. التي سمحت بارتكاب هكذا فعل شنيع في العراق..؟

أم كانت السلطة، من مال وإعلام وأمن و وعود كبيرة وناجزة، ليست وحدها المسؤولة، وإن كان لها الدور الأكبر، إلا إن الإيجاب والأرضية المنبسطة للبعض، هي التي تجرئ طلاب السلطة لأن ينثروا الأموال ويطلقوا الوعود ويفعلوا كل شيء لتلبية طلبات هذا البعض، الذي هو الآخر يمكن عدّه من طلاب الامتيازات والربح السريع، وإن صحّ التعبير، (يأكلون الخبز بسعر يومه)، وهذه قاعدة معروفة، لا يماري فيها أحد، وتجربة مرت بها شعوب وأمم مع الحكام، فإن الغالبية مع العدالة والقيم الاخلاقية والانسانية والدينية، فان امكانات السلطة لا يمكن أن تبذل على أقلية، وهو ما قد يفضح الأمر، ويزيد من قوة الاغلبية ويكرس تلكم القيم في المجتمع، ويطرد الدخلاء وأهل السلطة والهيمنة من الساحة.

ربما اذا تجاوزنا المشاهد المقززة للولائم الدسمة، والترغيب بالاموال لحضور التجمعات الجماهيرية، وتحشيد آراء الخبراء المتحدثين عبر القنوات الفضائية، قبل أيام من بدأ الاقتراع لانتخابات مجالس المحافظات، فاننا يجب أن نلاحظ من باع صوته مقابل مكسب معين غير قابل للاستهلاك، من قبيل التعيين في وظيفة حكومية، أو الترقية الى مستوى أرفع، أو الحصول على علاوات ومحفزات، كيف ستكون مكانتهم في البناء الاجتماعي؟ وبأي وجه ولسان سيتعاملون مع الناس؟

أول مطب تقع فيه هذه الشريحة في المرحلة القادمة، هو الازدواجية في التعامل مع الاحداث، ففي وقت يبدأ حديث الناس من جديد عن الاسقاطات والاخفاقات في مجمل مرافق الدولة، لن يكون بوسع هذه الشريحة إلا أن تكون ضمن المتذمرين والمنتقدين، كما حصل في التجارب الانتخابية السابقة، فيخيل الى السامع وهو يسمع الشكاوى من الناس على هذا النائب وذاك الوزير، كما لو أن المسؤولين القابعين على كراسي الحكم جاؤوا من السماء أو استولوا على السلطة بقوة السلاح، لذا نسمع دائماً من هؤلاء المسؤولين مباهاتهم للعالم بأنهم إنما جاؤوا الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع.

والمطب الثاني، هو بالحقيقة بمنزلة الثمن الذي سيدفعه الآخرون، إذ سنجد المشاريع المتعثرة، واستمرار ظاهرة المحسوبية، الى جانب الفساد الاداري، وبالمجمل عدم تحمّل مجالس المحافظات مسؤوليتها ودورها كمجالس نيابية مصغرة، قادرة عن البتّ في قوانين واجراءات خاصة بالمحافظة، والبقاء تحت قيد المركز والعاصمة، علماً أن هذه المجالس حصلت على توسيع للصلاحيات من قانون جديد سنّه مجلس النواب في وقت سابق من العام الماضي. لكن المشكلة ستبقى على حالها، فالمسؤول الحريص الذي يحمله حرص الناس على محافظتهم وبلدهم، هو الذي سيندفع لتحقيق التطوير والتقدم في المجالات كافة، وإن كانت هنالك عقبات قانونية، فانه سيناضل لمعالجتها وتسويتها.

وثمة مسألة لابد من الاشارة اليها، ونحن نتحدث عن هذا الخرق الديمقراطي، وهي إن جميع التجارب الديمقراطية معرضة لهكذا خروقات، وفي مقدمتها التجارب المقامة في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان وغيرها من طلائع البلاد الغربية الحاملة لواء النموذج الديمقراطي الى العالم، فنسمع بين فترة وأخرى عن خروقات لهذا الحزب أو ذاك الشخص البارز بأنه تقاضى أموال غير مشروعة لحملته الانتخابية، وهو نوع من شراء الأصوات هناك.. لكن هذا لا يبرر ويسوغ لنا استسهال أمر التغرير والتضليل الذي يسود بلادنا، وتحديداً العراق، لسبب أننا نمتلك خلفية ثقافية وحضارية كبيرة، متمثلة في مؤسسات دينية وثقافية وشريحة مثقفة وطبقة واعية في المجتمع، عليها أن تتحمل المسؤولية في إدارة الساحة الاجتماعية والثقافية، كما تقوم الجماعات الفائزة في الانتخابات بإدارة الساحة السياسية. ولنقل أنها تتحمل مسؤولية "المعارضة" في المرحلة القادمة، وفي هذا الطريق، فانها لن تراقب عمل الحكومات المحلية وتبين اخطائها وترشدها الى الطريق الصحيح وحسب، إنما ستبين للجميع أن بيع الأصوات لهذا وذاك، عامل آخر ومؤثر في تخلّف البلد وتكريس حالة الحرمان والفساد في المجالات كافة. بمعنى أن المسؤولية مزدوجة وثقيلة، وهذا بالحقيقة هو ثمن لابد من القبول به، بعد استفراد الساحة من قبل أناس دخلوا السياسة من باب التجارة والربح والخسارة، وهو عكس ما يجب فعله، وهو الخروج من باب الربح والخسارة والدخول الى عالم السياسة وتقديم الخدمات الى الناس، و ربما لم يعرف البعض شيئاً عن هذه المعادلة التي رسمها أميرالمؤمنين عليه السلام، أو شيئاً آخر. في كل الاحوال نرجو أن لا تبقى الساحة فارغة اكثر مما هي عليه اليوم، من المسؤولين والحريصين على مصير البلاد والعباد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/نيسان/2013 - 12/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م