الأفارقة في اسرائيل... هجرة من الجوع الى الذل

 

شبكة النبأ: انتقادات واتهامات جديدة تتعرض لها اسرائيل من قبل الأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان اتت على خلفية اقدام السلطات الاسرائيلية على ترحيل اعداد كبيرة من المهاجرين الأفارقة بعد اعتقالهم إرغامهم على ترك البلاد وهو ما اعتبره الكثير من المتخصصين انتهاك صريح وواضح لكل المعايير الدولية الخاصة بالتعاطي مع اللاجئين، ويعيش اكثر من60 الفا من المهاجرين الافارقة في شتى المدن الاسرائيلية بحسب بعض المصادر.

وقد اطلقت سلطات الاحتلال الاسرائيلية حملة اعتقالات موسعة ضد لمهاجرين تمهيدا لإعادتهم الى بلدانهم، بعد قرار محكمة اسرائيلية السماح بطرد حوالى 1500 سوداني جنوبي موجودين في البلاد بطريقة غير شرعية. وقال وزير الداخلية الاسرائيلي ايلي يشائي للقناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي ان “عملية الطرد جارية. نبدأ بالعمل”. واضاف “قلنا للمهاجرين غير الشرعيين من جنوب السودان تسليم انفسهم طوعا، ايا كان من لا يقوم بذلك، بعون الله سنقبض عليهم جميعا سيتم وضعهم داخل طائرة”.

وذكرت القناة الثانية ان مئات المهاجرين الافارقة نزلوا الى الشارع في تل ابيب للاحتجاج، وطلب بعضهم تدخل الامم المتحدة. واطلقوا هتافات قالوا فيها “الافريقي كائن بشري”. ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش اسرائيل الى تعليق تطبيق قانون يسمح باعتقال المهاجرين غير الشرعيين من دون محاكمة حتى ثلاث سنوات. واكدت المنظمة التي تتخذ مقرا لها في نيويورك ان هذا القانون “يعاقب اولئك الذين يبحثون عن اللجوء عبر الدخول بطريقة غير شرعية الى اسرائيل، بشكل يتنافى مع الحقوق الاساسية”

وما زال العنف ضد اللاجئين الأفارقة مستمراً وأعلنت ميري ريجيف، العضوة في حزب الليكود الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، في خطاب تحريضي أن الأفارقة هم سرطان في جسد اسرائيل. وأدعى مايكل بن آري من حزب الاتحاد الوطني اليميني المتطرف أن الأفارقة مغتصبون، وقال ” إن وقت الكلام قد أنتهى.

وتقول سيغال روزن، من الخط الساخن للعمال المهاجرين وهو منظمة غير حكومية إسرائيلية، إنها لا تستطيع تقدير عدد الأفارقة الذين واجهوا الترهيب والاعتداء في اعقاب اعمال الشغب العرقية. فبعض طالبي اللجوء يتوافدون يومياً على المنظمة بشكاوى حول العنف، لكن روزن تقول إن غالبية اللاجئين الذين يتعرضون للإعتداء أو لمضايقات من قبل الإسرائيليين اليهود لا يلجأون إلي الشرطة أو المنظمات غير الحكومية للحصول على مساعدة.

وتقدم روزن مثالا على لاجئ تم طعنه من قبل اليهود الإسرائيليين في جنوب تل أبيب. فقد إلتقت روزن بهذا الرجل عندما كانت تزور ليفنسكي بارك جنوب تل أبيب حيث يتجمع الآلاف من طالبي اللجوء ممن هم بلا مأوى. وخلع الرجل قميصه كي يريني الغرز الجديدة في معدته، وقال: “هذا ما فعلوه بي في حي هاتاكفا”.

ففي العام الماضي هاجمت مجموعة من الشباب الإسرائيلي اليهودي بعض الفتيات الأفارقة. وهتف المراهقون هتافات عنصرية ضد الفتيات، واللاتي هن مواليد إسرائيل من العمال المهاجرين من نيجيريا. وكان أحد المهاجمين مسلح بسكين. وأصيبت فتاة واحدة واحتاجت العلاج الطبي فيما بعد. وما زال بعض الأفارقة في جنوب تل أبيب يقولون انهم يواجهون مضايقات مستمرة من السكان اليهود الإسرائيليين.

وفي هذا الشأن اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عزمه على ترحيل عشرات الاف المهاجرين الافارقة من اسرائيل مشيدا بوقف تدفقهم من سيناء. وقال نتانياهو في بيان وهدفنا اعادة عشرات الالاف من المتسللين الموجودين في المدن الاسرائيلية الى بلدانهم الاصلية". واضاف "نجحنا في وقف دخول المتسللين من افريقيا الى اسرائيل سنستكمل بناء الجدار على طول الحدود مع سيناء. ونحن الان في الخطوة الثانية وهي اعادة المتسللين الموجودين هنا بالفعل".

وكان وزير الداخلية الاسرائيلي ايلي يشاي اعلن ان المهاجرين غير الشرعيين القادمين من السودان سيتم وضعهم في معسكرات اعتقال. وبدأت عملية طرد المهاجرين القادمين من جنوب السودان بعد حملة اعتقالات واسعة. واعطت محكمة اسرائيلية موافقتها على خطة لإعادة نحو الفي مهاجر غير قانوني من ساحل العاج. واثار وجود عشرات الالاف من المهاجرين غير الشرعيين واغلبهم من اريتريا وجنوب السودان احتجاجات عنيفة في اسرائيل وخاصة جنوب تل ابيب حيث يوجد العدد الاكبر منهم. وفي وقت سابق شارك الاف الاسرائيليين في تظاهرة عنيفة وعنصرية مناهضة للمهاجرين في تل ابيب هاجموا فيها متاجر يملكها افارقة.

من جهة اخرى حوالى 120 مهاجرا من جنوب السودان تم ترحيلهم من اسرائيل الى جوبا حيث تحدث بعضهم عن التعرض لضغوط واهانات من قبل الشرطة الاسرائيلية لدفعهم الى الرحيل. وقال مايول جواك (30 عاما) الذي عمل طوال خمس سنوات نادلا في ايلات وتل ابيب عند وصوله الى جوبا "قالوا اننا كالايدز واننا مرض، قالوا الكثير من الكلام المسيء". واردف بول دوب (25 عاما) الذي عمل طوال خمس سنوات في فنادق اسرائيل "قالوا لنا اننا مرض وسرطان اسرائيل". واكد جواك انه اوقف قبل ثلاثة اشهر واحتجز يوما وصودرت تاشيرته حيث اعطي مهلة اسبوع لمغادرة البلاد. وتابع ان المهاجرين "غير الشرعيين يتم توقيفهم ويمكثون في السجن حتى ترحيلهم".

في السياق ذاته تفيد شهادات المهاجرين الإريتريين وطالبي اللجوء المحتجزين في سجن سهارونيم في صحراء النقب جنوب إسرائيل (التي جمعتها منظمة غير حكومية محلية) أن المسؤولين في السجن يرغمونهم على التوقيع على نماذج "العودة الطوعية". وفي واحدة من العديد من الشهادات، قالت إحدى المعتقلات الإريتريات التي تبلغ من العمر 28 عاماً أن مترجماً كان يزورها مراراً وتكراراً ليقنعها بأن تقبل بالترحيل إلى بلد ثالث (أوغندا).

وأوضحت بالقول: "قال أننا لن نخرج من السجن ولا يمكننا الذهاب سوى إلى أوغندا أو إريتريا. فأصبت بالإحباط والاكتئاب لأنني لا أريد الذهاب إلى أوغندا. وقد اتصلوا بي اليوم وأعطوني استمارة مكتوبة بالتغرينية بخط اليد وجاء فيها: ’جئت من إريتريا إلى إسرائيل بشكل غير قانوني، والآن أريد أن أذهب إلى أوغندا طوعاً. ولذلك أود أن أتقدم للسفارة الإريترية بطلب إصدار جواز سفر لي بالإضافة إلى جميع الوثائق اللازمة للقيام بذلك’. لقد طلبوا مني التوقيع على هذه الاستمارة وأرادوا أن يأخذوا لي صوراً بالفيديو لكنني رفضت".

وإسرائيل هي إحدى الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، إلا أنها لا تعترف بالإريتريين كلاجئين، على الرغم من أنها لا ترحلهم بشكل رسمي وتسمح لهم بالبقاء في إسرائيل ضمن مجموعة الحماية المؤقتة. من جهتهم، قال الموظفون من الخط الساخن للعمال المهاجرين، الذين جمعوا الشهادات، أن الحكومة تحاول إعادة الإريتريين قسراً: "فلا يمكن لهؤلاء الناس الوصول إلى عملية تحديد وضع اللجوء، ويتم احتجازهم في ظل التعديل الجديد لقانون التسلل الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو 2012، والذي يسمح باحتجاز 'المتسللين' لفترة غير محدودة من الوقت. والآن يقال لهم بأنه لن يسمح لهم بمغادرة السجن وخيارهم الوحيد هو العودة إلى أوغندا أو إريتريا.

وقال وليام تال، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إسرائيل أن وزارة الداخلية عرضت ترحيل نحو 23 إريترياً إلى أوغندا لكنها لم تتوصل إلى نتيجة حتى الآن. وكان تال قد قال لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن هذه العملية لم تكن طوعية إطلاقاً. ويقال أن إحدى الإريتريات، وتدعى تسفامهرات هابتماريام، قد أبعدت عن إسرائيل في وقت سابق وهي الآن قيد الاعتقال في مطار القاهرة بعد خمس سنوات في إسرائيل، وقد يتم إرجاعها إلى إريتريا. من جهتها، تنصح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعدم إعادة المواطنين الإريتريين بسبب احتمال تعرّضهم للعقاب لدى عودتهم إلى بلادهم.

وبموجب قانون محدث لمكافحة التسلل تم تمريره في يناير 2012، يُعتبر جميع عابري الحدود بطريقة غير مشروعة "متسللين" ويمكن أن يتم احتجازهم لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. وتقول المنظمات غير الحكومية أنه لدى احتجاز الإريتريين عموماً في معسكرات الاعتقال في الجنوب، لا يتم إشعارهم حول حقهم في طلب اللجوء كما لا يتم إعطاؤهم الاستمارات اللازمة للقيام بذلك.

ونقلت وثائق رسمية صادرة عن الكنيست الإسرائيلي عن وزير الداخلية إيلي يشاي قوله أن الترحيل (القسري) لم يبدأ بعد.

وقال أن أكثر من 1,000 مواطن من شمال السودان وإريتريا قد سبق وغادروا طوعاً وأنه يأمل أن يقرر الكثيرون الرحيل. وأضاف أنه "في حال لم يكن رحيلهم طوعاً، سيكون إلزامياً سواء إلى بلادهم أو إلى بلد ثالث. ولا يوجد بلد ثالث محدد بعد لتوقيع اتفاق معه، لكنني آمل أن نجد دولة نتفق معها على ذلك. يمكننا نقل المتسللين من هنا، من أرض إسرائيل، إلى بلدهم أو إلى بلد آخر، سواء تم ذلك طوعاً أو قسراً".

وكان النائب العام الإسرائيلي، يهودا فاينشتاين قد أرسل رسالة تم نشرها على نطاق واسع في الصحافة المحلية إلى مدير عام دائرة الإسكان والهجرة والحدود، أمنون بن عامي، يقول فيها أنه لا يجب تحت أي ظرف من الظروف إرسال المواطنين الإريتريين في السجون الإسرائيلية "إلى أي وجهة خارج حدود إسرائيل "إلى أن يوضح (فاينشتاين) هذه القضايا القانونية بشكل أكبر.

من جانب اخر أمرت وزارة الصحة الاسرائيلية الاطباء بإعادة النظر في الطريقة التي يصفون بها تعاطي عقار لمنع الحمل إثر اتهامات باستخدامه للحد من عدد المهاجرين الاثيوبيين. وظهرت شكوك في وسائل الاعلام الاسرائيلية قبل بضع سنوات بشأن إرغام نساء على حقنهن بعقار ديبو بروفيرا وكان أحدثها في برنامج تلفزيوني وثائقي يربط بين تناقص معدل المواليد بين هذه الطائفة والاسراف في وصف العقار الذي يعطى عن طريق الحقن.

وبعد ان اتهمتها مجموعة حقوقية مدنية بالعنصرية أمرت وزارة الصحة في رسالة نشرت في موقع الجماعة على الانترنت الأطباء بعدم تجديد وصف ديبو بروفيرا ما لم يكونوا مقتنعين بان المرضى يعرفون آثاره الجانبية. وقال روني جامزو المدير العام بالوزارة ان القرار لا يعني قبول مزاعم رابطة الحقوق المدنية في اسرائيل.

وفي رسالة الي جامزو قالت الرابطة ان "استخدام ديبو بروفيرا على نطاق وسع بين النساء الاثيوبيات يثير شكوكا كبيرة في أننا نتحدث عن سياسة متعمدة لتحديد ومراقبة الخصوبة بين هذه الطائفة". وقالت الرسالة "تشير البيانات إلى...  موقف عنصري يحد بدرجة كبيرة من حرية المهاجرين الاثيوبيين في اختيار وسائل منع الحمل المناسبة لهم طبيا."

وقالت الرابطة ان إحصاءات من متعهد صحي اسرائيلي رئيسي أظهرت أنه تم حقن 5000 امرأة في 2008 بعقار ديبو بروفيرا57  بالمئة منهن اثيوبيات. ونفت اسرائيل أي سياسة للحد من معدل المواليد بين 100 ألف يهودي اثيوبي انتقلوا إلى إسرائيل منذ ان أكد حاخامون كبار في 1973 أن اليهود الاثيوبيين لهم جذورا توراتية. ودخل بعض اليهود الإثيوبيين البرلمان الاسرائيلي وانضم بعضهم إلى الجيش لكن الشكاوى شائعة من تمييز ضدهم في التعليم والسكن.

وتقول ادارة الغذاء والدواء الامريكية التي وافقت على استخدام ديبو بروفيرا في عام 1992 ان استخدامه لفترة طويلة قد يقلل من كثافة العظام ويتعين عدم استخدامه لفترة اطول من عامين إلا إذا ثبت عدم جدوى وسائل تحديد النسل الاخرى. ويظهر الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة التلفزيون التعليمية الإسرائيلية ممرضة تقول دون ان تعلم انها تتحدث الي التلفزيون انه يتم اعطاء ديبو بروفيرا للنساء الاثيوبيات لأنهن "لا يفهمن أي شيء" وسوف ينسين أخذ اقراص منع الحمل.

ونفى ريك هودس المدير الطبي في لجنة التوزيع المشتركة الأمريكية اليهودية في اثيوبيا وهي منظمة غير حكومية تساعد في تسهيل الهجرة الي إسرائيل الاتهام بانه يجري حقن النساء رغما عنهن قبل التوجه الى اسرائيل. وكتب هودس في حسابه بموقع تويتر على الانترنت "العقاقير التي تعطى بطريق الحقن هي على الدوام الشكل الأكثر انتشارا من وسائل تحديد النسل في إثيوبيا وكذلك بين النساء في برنامجنا." "برنامج الأسرة الخاص بنا كان وما زال طوعيا بالكامل."

على صعيد متصل سجلت هجرة اليهود الى اسرائيل خلال 2012 انخفاضا بنسبة 2,5% مقارنة ب2011 على ما افادت ارقام وزارة الهجرة والاندماج. وبلغ عدد المهاجرين الجدد الى اسرائيل خلال 2012، 18500 شخص مقابل 19020 خلال 2011، غير ان هذا العدد يظل اكبر من 16465 مهاجرا المسجلين خلال 2009 و15452 خلال 2008، وهما سنتان بلغت فيهما نسبة الهجرة العدد الادنى منذ 1987.

واتى اربعون في المئة من المهاجرين الجدد الى اسرائيل سنة 2012 من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا (7573) و3426 من الولايات المتحدة وكندا (3685 خلال 2011). وظل عدد القادمين من فرنسا مستقرا وارتفع من 1916 خلال 2011 الى 1923 خلال 2012، رغم ارتفاع الاعمال المعادية للسامية في فرنسا بنسبة 58% بحسب جهاز حماية الطائفة اليهودية.

وهاجر اكثر من ثلاثة ملايين شخص الى اسرائيل منذ قيام الدولة العبرية في 1948 بينهم قرابة مليون من الاتحاد السوفياتي سابقا منذ 1990. ويمنح "قانون العودة" الجنسية الى اليهود الذين يأتون للإقامة في اسرائيل. ويمكن لغير اليهود الاستفادة من القانون اذا كانوا متزوجين من يهود او ان احد والديهم يهودي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/نيسان/2013 - 11/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م