الخوف... هاجس الطفل ومبعث الفساد في الكبر

 

شبكة النبأ: طالما كان "الخوف"، سمة الشعوب المتخلفة والمنهزمة في المعترك الحضاري، بينما نجد الشجاعة والإقدام، عامل أساس للتقدم والتطور.. وهذا لا يحصل بين ليلة وضحاها، إنما هي مسألة تربوية تقع ضمن برنامج ونظام اجتماعي متكامل، فالخوف، مسألة يجب أن تحل منذ نعومة أظفار الطفل، وطراوة قلبه ونفسه، وقد أكد العلماء والخبراء هذه الحقيقة، بان أي خلل في التعامل مع مسألة الخوف في المراحل الاولى من حياة الطفل، تترك أثرها المباشر عليه في المستقبل، فتطبع سلوكه وأخلاقه وثقافته، بما يصعب فيما بعد تغييرها.

بدايةً؛ الخوف حالة طبيعية مغروزة في ذات الانسان، وهذه حقيقة يقرّها القرآن الكريم بصراحة: "خُلق  الإنسان هلوعاً"، وهناك إشارة واضحة لهذه الحالة الغريزية في سورة كاملة، وهي "سورة قريش"، حيث ينبه عزّ وجل الانسان الى مدى نعمه تعالى عليه، "إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". ثم إن الخوف يُعد من بين الانفعالات التي يعيشها الإنسان، وأكثرها تأثيراً في حياته، وتثيره موافق عديدة لا حصر لها، والتي تتباين تبايناً كبيراً في حياة مختلف الأفراد، كما تتنوع شدته من مجرد الحذر إلى الهلع والرعب. ويعد الخوف إحدى القوى التي قد تعمل على البناء أو على الهدم في تكوين الشخصية ونموها[1].

حالة طبيعية يُساء استخدامها

يشير علماء الاجتماع والاخلاق الى أن "الخوف"، كمفهوم وحالة لدى الطفل، لها فوائدها، كما لها أضرارها، فالمخاوف المعقولة، تشكل جزءاً طبيعياً من حياة كل طفل، فهو يتعلم طائفة معينة من المخاوف، بعضها يساعد على حفظ النفس، ويجنب الطفل الأخطار في طريقه، وقد تكون هذه المخاوف أساساً لتعلم أمور جديدة، كالخوف من السيارة المسرعة أو الخوف من بعض الحيوانات المؤذية. إلا أن المخاوف الشديدة والكثيرة الانتشار والتي ترتبط بأنماط سلوكية معينة، كالبكاء والانسحاب والتماس المساعدة.. وغيرها، لا تتفق ولا تتناسق مع السلوك المتزن الفعال، وقد تكون بعض مخاوف الأطفال من هذا النوع، وبذلك يمكن أن تكون أكبر عائق يقف في سبيل نموهم الصحي[2].

هنا يأتي دور الكبار في الأسرة –لا سيما الآباء- في أن يقوّموا حالة الخوف لدى الطفل، لا أن يتخذوها وسيلة تربوية جاهزة. فقد توصل العلماء في دراساتهم الى أن الخوف يبدأ مع دخول الطفل شهره السادس، وذلك بفعل الأصوات العالية وفقدان التوازن، بعد ان كانوا يعتقدون ان الخوف أمراً مغروزاً في نفسه. [3]

بمعنى، لا ينبغي أن يكون الخوف وهو حالة انفعالية، وسيلة لمواجهة حالة العناد والتمرد لدى الطفل، مع علم الجميع بان هذه الحالة، بريئة وطبيعية، لكن الضجر وضيق النفس، تدفع لأن يتعرض الطفل الى كبح شديد ومريع لتحركه او طلباته، من خلال تخويفه، بإبرة الطبيب إذا أصرّ كثيراً على مرافقة والديه خارج البيت.. أو أن شبحاً سيداهمه اذا أصرّ على الذهاب الى الطابق العلوي أو دخل غرفة ما، أو أن شخصاً ما سيختطفه إن هو أسرع وفتح باب الدار لطارقه.. وكثير من الأمثلة المنتشرة في حياتنا. ويتفق علماء النفس على أن زيادة المخاوف لدى الطفل تعوق حريته وتلقائيته، كما تؤدي إلى نقص قدرته على مواجهة توترات الحياة [4].

هذا النهج التربوي هو الذي يشق للطفل طريقاً بعيداً عن التآلف والانسجام مع أقرانه، ثم مع المجتمع في الكبر.. فالطفل الذي يخاف، ليس من السهل عليه تكوين الأصدقاء، ويفضل أن يبقى مع نفسه ويرى أن العالم الخارجي من حوله ليس مصدر أمان وطمأنينة له ولذلك فإنه يتجنبه لأنه بذلك إنما يقي نفسه الدخول في مشاكل جديدة تجعله يشعر بالتعاسة. والطفل الذي يخاف لا يستطيع الاعتماد على نفسه ويصبح مشلولاً غير قادر على التصرف بمفرده في مواقف الحياة المختلفة في المنزل أو في المدرسة بين أقرانه فيفقد الثقة بنفسه لأنه يشعر أنه غير قادر على أداء أي عمل بنفسه دون خوف[5].

العلاج.. السقوط

إذا راجعنا البحوث والدراسات الكثيرة جداً حول حالة الخوف لدى الطفل، حيث بحث علماء الاجتماع وعلماء النفس، في جذور هذه الحالة من الناحية الفسيولوجية والناحية النفسية والمعنوية، نجد أنهم وضعوا بعض الحلول والخطوات التي يمكن اتباعها لتفادي تحول الخوف الى جدار كبير وعالٍ أمام الانسان في صغره وفي كبره، منها:

1- التشجيع.. وهي تُعد خطوة، ليس لإزالة الخوف – كما يتوهم البعض- إنما للسيطرة عليه، وذلك من خلال فسح المجال للتعامل مع البيئة المحيطة به، فالقاعدة العامة هي تنمية أساليب جريئة وفعالة لدى الطفل في تعامله مع البيئة، كما ينبغي تجنب الحماية الزائدة وتشجيع التعامل الفعال مع موضوع الخوف، وليس من المفيد تجاهل حالة الخوف أو إبعاد موضوع الخوف أو إجبار الأطفال على دخول الموقف المخيف بل يجب أن يُعلّم الأطفال إتقان العمل واتخاذ الحيطة والحذر وليس الخوف[6].

2- عدم الاستخفاف.. ففي الوقت يجد الطفل نفسه بحاجة الى ركن أمين يلجأ اليه مما داهمه من خوف، من أي شيء، على الآباء أو الكبار، أخذ الموضوع بجدّية، كون مسببات الخوف من ظلام او حيوان أو غيره، ليس من اللقطات التمثيلية – الكوميدية التي تثير الضحك، إنما هي حادثة واقعة لها أثرها النفسي الحقيقي. لذا فان الاستهزاء  والاستخفاف بالطفل الذي راعه منظر او شيء، لن يخفف من روعه، بقدر ما يكرس هذا الروع في نفسه لأنه لم يجد له حلاً. وإذن؛ ينبغي أن يتم التعبير عن الخوف وليس تجاهله أو السخرية منه، فالأطفال يحتاجون إلى طمأنينة حول مخاوفهم. [7].

3- التضامن ومشاركة الصغير في مخاوفه، فعندما يجد الطفل أن هناك من يشاركه في مشاعره في الجو الذي يعيش فيه، سيتعلم أن الهموم والمخاوف أمور مقبولة، وأنه ليس الوحيد الذي يشعر بالخوف، فهناك مخاوف واقعية توجد لدى الجميع [8].

طبعاً؛ هنالك نقاط عديدة أخرى تتعلق بالوقاية من تفاقم حالة الخوف لدى الطفل، كما هناك خطوات عديدة أخرى للعلاج من حالة الخوف التي تعشعش في قلوب شريحة من الاطفال. لكن بالمقابل نجد تجاهل الكثير لهذه الخطوات في حياتنا الاجتماعية، وبدلاً من ذلك نجد استبدال خطة جديدة للتغلّب على الخوف، بالتنكّر له أساساً.. وما نراه في بعض المجتمعات، أن الشجاعة هي أن لا يخاف الطفل من أي شيء، يفعل ما يشاء.. يتكلم بما يشاء.. يذهب الى أي مكان وهكذا.. حتى لا يكبر جباناً ومعقداً!

في حين ان هذه المغالطة، ليس فقط لم تحل مشكلة الخوف لدى الاطفال في مسيرة حياتهم. ومن هنا تحديداً تنشأ صفات ذميمة في نفس الانسان، يدفع ثمنها المجتمع، مثل الكذب والدجل والتخاذل والعزّة بالإثم، وعدم الاعتراف بالخطأ، اضافة الى تسويغ وتبرير كل فعل وموقف يتخذه في حياته.

فاذا نلاحظ كل أشكال الانحراف في السلوك والتجاوز على القيم والمبادئ، ابتداءً من طالب المدرسة الذي يبادر الى الغشّ، مروراً بالكاسب والمهني في السوق الباحث عن الكسب الأوفر، وحتى الموظف والمسؤول في دوائر الدولة، الذي يقدم على تقاضي الرشوة او يختلس الاموال، وغيرهم، إنما يخفون حالة الخوف من الفقر والخسارة والتخلف، في حين كان بالامكان أن يسلك الانسان طريق الغنى والتقدم والتطور، وهو على دراية تامة بما يجب الحذر منه، وما يجب تجاهله وعدم الاهتمام به.

وحتى لا نكون أمام شريحة من الخائفين والمهزوزين نفسياً وداخلياً، على المعنيين بالشأن التربوي والتثقيفي، سواء في داخل البيت وخارجها، وبتظافر من الجهود والاصوات، لتفادي حالة الانحراف والالتباس في التعامل مع مسألة الخوف لدى الطفل، وإن كانت هنالك ظاهرة تعود الى العهد الماضي، حيث الديكتاتورية والقمع والكبت، فانه بالامكان تسوية المشكلة ببرامج وخطط خاصة، يبقى العمل الأوسع والأكمل للمستقبل، لمساعدة الجيل الجديد على أن يكون شجاعاً، مقداماً، لن يكون خائفاً لا أمام نفسه ولا أمام الآخرين.

...................................

هامش:

1- مشكلات الأطفال اليومية، دوغلاس توم ؛ ترجمة اسحق رمزي، 1953، ص 141.

2- علم النفس التكويني، صباح حنا هرمز، يوسف حنا إبراهيم، 1988، ص 357.

3- مشاكل الأطفال كيف نفهمها، محمد أيوب الشحيمي، 1994، ص 98 - 99.

4- مشكلات الطفل السلوكية، أحمد محمد إسماعيل، 1993، ص 120.

5- مشاكل الأطفال النفسية، كلير فهيم، 1978، ص 36.

6- مشكلات الأطفال والمراهقين، شارلز شفير، هوارد ميلمان ؛ ت: نسيمة داود، نزيه حمدي، 1989، ص 134 - 135.

7- المرجع السابق، ص 135.

8- المرجع السابق، ص 138.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/نيسان/2013 - 11/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م