شبكة النبأ: عندما يحجز الانسان مكانه
في الارض، خارجا من رحم الام، تبدأ الثواني بالتتابع وراء بعضها، ويبدأ
عمر الانسان بالتناقص ابتداءً من لحظة الولادة، هناك من تتوافر له
الظروف والمعرفة، فيغتنم لحظات ودقائق وساعات عمره بصورة جيدة، فينجح
في حياته، وهناك من يحصل معه العكس تماما، وتبقى الارادة الذاتية
والتفكير والسلوك العائد للانسان، المتحكم الاول في النتائج التي يحصل
عليها سلبا أو إيجابا.
ولكن هناك سبل يمكن لها أن تضاعف عمر الانسان ليس من ناحية الزمن او
عدد السنين، بل من ناحية نسب النجاح العالية التي يحققها في مسيرته في
العمل والفكر والانتاج وما شابه، ومن أهم تلك السبل التي تساعد الانسان
في هذا المجال، اغتنام الفرص، علما أن الكثير من الناس لا يعير اهتماما
كافيا لهذا الجانب، فتفوته الفرص مع انها تمر من بين يديه، ويخسر من
دون أن يعلم وسائل مضاعفة العمر بافتقاده تلك الفرص دون أن يدري، ولكن
في أواخر العمر سيصحو الانسان على نفسه، وسوف يعرف كم أهدر من الفرص
والساعات هباءً.
قيمة الزمن العظمى
من الظواهر التي نلاحظها في مجتمعاتنا، أن الانسان لدينا لا يعير
الاهتمام المطلوب للوقت، وهو معتاد على أن لا يحترم الزمن، بل في
الغالب يهدر وقته بلا مقابل، فضلا عن تضييعه للفرص التي تسنح أمامه،
ظناً منه أنها ستتكرر كثيرا، لكن يبقى الانسان مرهونا بعمره.
كما يؤكد ذلك الامام الراحل، آية الله العظمي السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (اقتناص الفرص)، إذ
يقول سماحته في هذا المجال: (إن الإنسان في هذه الدنيا مرهون بساعات
عمره من جهة، ومرهون بالزمن المحيط به من جهة أخرى، فلكل منهما قيمة
لاتقدر بشيء؛ لأن الإنسان إنما يقيّم بعمله).
علما أن عمر الانسان محسوب عليه، فهو لم يأت الى الدنيا اعتباطا،
انما هناك اهداف ينبغي عليه أن يعرفها ويؤديها، كما يشير الى ذلك
الامام الشيرازي قائلا: (لا يحسب المرء أن لحظات عمره إنما تذهب
اعتباطاً وبدون حساب، بل إنها تُسجل عليه، ويسجل كل ما يعمل فيها من
عمل، خير أو شر، فهي محسوبة عليه وهو محاسب عليها بالنهاية، ولذا ينبغي
لـه اغتنامها لحظة لحظة وجزءً جزءً، ولا يحسب أن عمره سيطول، فيؤجل
عمله إلى الغد وبعد الغد).
لذلك لابد أن يتم تثقيف الناس في مجتمعاتنا الاسلامية منذ الطفولة،
على أهمية الوقت في حياتهم، بالتوازي مع الاهتمام بالفرص التي تتاح لهم،
وعدم تأجيل اغتنامها لأي سبب كان، لان الفرص لا تأتي دائما، وعندما تمر
من فوق الرؤوس قد لا تعود مرة اخرى، لذلك يقول الامام الشيرازي حول هذا
الموضوع في كتابه نفسه: (لكي يحافظ الإنسان على فرصة عمره يلزم عليه أن
يستثمر ساعات العمر، ولحظات الزمن بالعمل الصالح؛ إذ بواسطته سوف يطول
عمر الإنسان).
هناك أناس لا يفهمون قيمة الزمن ولا يعرفون أهمية استثمار الفرص،
هؤلاء سوف يبقون في آخر الركب الى ان تنتهي أعمارهم، في حين هناك آخرون
أذكياء، يفهمون أهمية استثمار الوقت والفرص، وهؤلاء هم من يتقدمون
الصفوف في تحقيق النجاح الدائم، ليس في مجال جمع الثروات وتكديس
الاموال في البنوك وصعود السيارات الفارهة والسكن في القصور والفلل وما
شابه، بل في العيش بطريقة تحترم كرامة الانسان.
يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب بكتابه المذكور نفسه: (الزمن
مجموعة ساعات تتخللها فرص ثمينة للإنسان، فالذكي من اغتنمها وعمل فيها
فربحها، والشقي من غفل عنها ولم يعمل فيها فخسرها.. فإنها لن تعود أبداً).
الاذكياء يربحون الفرص
كذلك هناك أناس يشقون ويتعذبون كثيرا في حياتهم، والسبب أنهم لا
يتعاملون بالطرق الصحيحة مع الزمن والفرص معا.
لذا يعطي الامام الشيرازي وصفا جميلا للفرص فيقول عنها انها (عبارة
عن اوقات زمانية رائعة) والزمن الرائع هو الذي يتجمل بالفرص الرائعة
التي يتعامل معها الانسان بطريقة مثلى، لذلك نلاحظ ان المجتمعات
المتطورة تهتم في هذا الجانب، وتعلّم الناس منذ الطفولة كيف يحترمون
الوقت، وكيف يتعاملون مع الفرص التي تتاح لهم، وبالتالي يتكون شعب
يحترم الزمن ويجيد استثمار الفرص بالصورة التي تستحقها، من اجل تحسين
الحياة الفردية والجماعية.
يقول الامام الشيرازي في هذا الخصوص عن الفرص بكتابه نفسه: (الفُرَص
هي عبارة عن أوقات زمانية رائعة، لما تحمل في طيّاتها من خير للإنسان،
ولكن على الإنسان أولاً: أن يدرك أن هذه اللحظات هي الفرصة التي لا
تعود. ويعرف ثانياً: كيف يستغلّها ويستفيد منها فائدة عقلائية، فالبعض
من الناس عندما تتهيأ لـه الأسباب الجيدة، أو مقدمات النجاح، تراه يعرض
عن استثمارها، بل أحياناً تأتي الفرصة جاهزة فيأتيه الخير كله، وما
يبقى عليه إلا أن يمد يده نحوه ليأخذه، ومع ذلك يتوانى ويفرّط ويترك
الأمر، استجابة لطول الأمل، واتباعاً للهوى، واتكالاً على أن في العمر
فسحة، وفي الأجل مدة!، وأن عمره طويل!، واعتقاداً بأنه إذا ذهبت هذه
الفرصة فسوف تأتي فرصة أخرى بدلها، وهكذا يدع الفرص تمرّ من بين يديه
مر السحاب، وهو ينظر إليها غير معتنٍ بها ولا مغتنم لها؛ والسبب في هذا
التغافل هو انعدام الهدف في الحياة).
وهكذا فإن التغافل المقصود عن الفرص، او بسبب الاهمال والتقاعس، او
بسبب اللامبالاة، هو نتاج ثقافة عدم احترام الوقت، فضلا عن عدم التعامل
المناسب مع الفرص، وهذه في الواقع طريقة حياة لا تبني فردا او مجتمعا
ناجحا، لذا مطلوب من المعنيين، أن يعيروا الاهتمام اللازم لنشر ثقافة
احترام الوقت واهمية الاستثمار الامثل للفرص. |