التنمية العربية... انهيار على اكثر من صعيد

 

شبكة النبأ: برز مفهوم التنمية بداية وبحسب بعض الخبراء والمصادر في علم الاقتصاد حيث استُخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين، بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده، بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه، بالصورة التي تكفل زيادة درجات إشباع تلك الحاجات، عن طريق الترشيد المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وحسن توزيع عائد ذلك الاستغلال. ثم انتقل مفهوم التنمية إلى حقل السياسة منذ ستينيات القرن العشرين, حيث ظهر كحقل منفرد يهتم بتطوير البلدان غير الأوربية تجاه الديمقراطية.

وتعرف التنمية السياسية: "بأنها عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب، غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية"، ويقصد بمستوى الدولة الصناعية إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوربية تحقق النمو الاقتصادي والمشاركة الانتخابية والمنافسة السياسية، وترسخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء للدولة القومية.

ولاحقًا، تطور مفهوم التنمية ليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية. فأصبح هناك التنمية الثقافية التي تسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية الإنسان، وكذلك التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين أطراف المجتمع: الفرد، الجماعة، المؤسسات الاجتماعية المختلفة، المنظمات الأهلية. بالإضافة لذلك استحدث مفهوم التنمية البشرية الذي يهتم بدعم قدرات الفرد وقياس مستوى معيشته وتحسين أوضاعه في المجتمع.

والتنمية عند هيئة الأمم المتحدة تعريف ينص على أن التنمية هى العمليات التى بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالى والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج فى حياة الأمم والإسهام فى تقدمها بأفضل ما يمكن ومنها المجتمعات العربية التي تعاني الكثير من المشاكل الامنية والاقتصادية وغيرها من المشاكل الاخرى التي تظهرها سلسلة من التقارير الخاصة.

وفي هذا الشأن قال تقرير نشره البرنامج الانمائي للامم المتحدة ومنظمة العمل الدولية إن "المقايضة المغلوطة" بين الحقوق الاقتصادية والسياسية كانت سببا في اندلاع احتجاجات الربيع العربي ودعا إلى سير الاصلاحات الاقتصادية جنبا إلى جنب مع الاصلاحات السياسية. ويأتي صدور التقرير بعد أكثر من عامين على اندلاع انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت برؤساء تونس ومصر وليبيا واليمن.

وقال تقرير "نظرة جديدة الى النمو الاقتصادي: نحو مجتمعات عربية منتجة وشاملة" ان الاسباب الكامنة وراء الربيع العربي تتضمن "انحراف نموذج التنمية وتفكك العقد الاجتماعي اللذين قام بموجبهما المواطنون العرب بمقايضة الحريات السياسية مقابل الحصول على الوظائف والاعانات المتنوعة. وتدني الضرائب والحصول على مساعدات من الدولة.

"وقد أدت السياسات الاقتصادية الى جانب ضعف هيكليات الحوكمة الديمقراطية والاقتصادية الى انحراف المحفزات الاقتصادية عن مسارها والى ممانعة انماط التحول الهيكلي لاستحداث فرص العمل اللائق." واضاف ان التحولات المستمرة في المنطقة العربية تبرز "المقايضة المغلوطة بين الحقوق الاقتصادية والحقوق السياسية.. فعلى الاصلاحات الاقتصادية ان تتماشى جنبا الى جنب مع الاصلاحات السياسية."

واشار الى ان المنطقة العربية "سجلت ادنى المعدلات من حيث النمو في دخل الفرد الواحد ومن حيث حرية التعبير والمساءلة" مما يعكس عدم انخراط المواطنين في وضع السياسات. واشار التقرير الى ان اغلبية المكاسب في مجال التوظيف تركزت في قطاع الخدمات حيث ارتفعت حصة هذا القطاع من التوظيف بنسبة عشرة في المئة خلال السنوات العشرين الماضية وانخفضت حصة قطاع الزراعة بمعدل 20 في المئة لكنه ما زال يوظف 30 في المئة من العمال في شمال افريقيا و22 في المئة في الشرق الاوسط.

ورغم الاصلاحات في دول المنطقة وجهود تعزيز فعالية القطاع الخاص الا أن التقرير قال ان المنطقة العربية لا تزال "من بين المناطق الاقل تنافسية على المستوى العالمي. وقد فشلت الاصلاحات في معظم الاحيان في ضمان تكافؤ الفرص في السوق. كما بقيت معدلات الاستثمار منخفضة." واشار الى ان المنطقة تسجل "اعلى معدل بطالة لدى الشباب على الصعيد العالمي حيث يبلغ 23.2 في المئة بالمقارنة مع المعدل العالمي البالغ 13.9 في المئة." وتسجل المنطقة ايضا اعلى معدل للبطالة لدى الشابات في العالم بنسبة 37 في المئة.

وكشف التقرير عن ان المنطقة العربية تسجل اعلى معدلات الهجرة لدى المتعلمين واصحاب المهارات. واشار الى ان معدلات البطالة في العديد من دول المنطقة لدى الشباب المتعلمين تساوي بل وتتخطى معدلاتها لدى الشباب الاقل تعلما كما ان العمال المتعلمين لا يتقاضون اجرا اعلى بكثير من العمال الاقل تعليما.

وفي مجال التعليم شارف معدل تعليم الاناث على اللحاق بمعدل تعليم الذكور ويبلغ عدد الطلاب في المنطقة 80 مليون طالب. لكن رغم المكاسب المهمة على مستوى التعليم قال التقرير ان الطلاب العرب لا يحتلون "مراتب عالية في جداول التصنيف الدولية لا سيما الطلاب في الدول التي تؤمن الاستخدام في القطاع العام بشكل او بآخر." وأوضح التقرير تأثر المستوى التعليمي وحوافز التعليم بنوعية الاقتصاد وقال إن "الاقتصاديات القائمة على النفط تتيح القليل من المحفزات التعليمية أمام الباحثين عن عمل نظرا إلى أهمية الجنسية في الحصول على وظيفة. "أما في الاقتصاديات غير القائمة على النفط فيعتبر التعليم عنصرا أساسيا يخول للباحثين عن عمل ايجاد وظيفة محلية او الهجرة الى بلد آخر. وبالتالي يتمتع الطلاب في هذه الاقتصاديات بمعدلات اعلى من حيث التحصيل العلمي."

ولم تكن المشكلة في العالم العربي في نقص المهارات وانما في عدم وجود طلب في سوق العمل على المهارات. واشار التقرير الى ان من غير المرجح ان يهتم أصحاب العمل العرب "بإتاحة فرص التدريب أمام العمال لأن قضايا مثل استقرار الاقتصاد الكلي والفساد والضرائب والتمويل تسترعي انتباههم اكثر من مسألة النقص في المهارات."

وانتقد التقرير وضع الضمان الاجتماعي في دول المنطقة وقال ان التغطية في هذا المجال "غير ملائمة وغير هادفة". وقال ان اغلبية نظم الضمان الاجتماعي تغطي عمال القطاع العام والقطاع الخاص المنظم وتستثني الفئات الاخرى من العمال. واشار الى ان ارتفاع معدلات العمل غير المنتظم وتراجع معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل الى جانب تزايد معدلات البطالة يسهم في الحد من التغطية في مجال الضمان الاجتماعي.

وسجلت دول مجلس التعاون الخليجي زيادة في الانفاق الصحي على الفرد بشكل ملحوظ على مر السنين إلا انه في بعض الدول العربية مثل مصر ولبنان والسودان وسوريا واليمن تتم تغطية أكثر من نصف النفقات الصحية الاجمالية من اموال المواطنين الخاصة. وحذر التقرير من ان من المتوقع ان تسجل المنطقة العربية ادنى معدلات النمو الاقتصادي حتى عام 2015 بالمقارنة مع جميع مناطق العالم بعد امريكا اللاتينية.

 واشار الى ان النسبة المتوقعة تبلغ 3.8 في المئة في شمال افريقيا و4.5 في المئة في الشرق الاوسط. ونظرا الى استمرار النمو السكاني في المنطقة لن تحدث هذه المعدلات الا اثرا طفيفا على الدخل الحقيقي للفرد. وارتفع عدد السكان في المنطقة من 224 مليون نسمة عام 1991 الى 343 مليون نسمة في 2010 اي بزيادة 53 في المئة. ولأجل بناء مسار اكثر شمولية واستدامة نحو النمو الاقتصادي دعا التقرير الى تعزيز سياسات الاقتصاد الكلي لتحسين الارباح الانتاجية وزيادة الاجور والى التواصل والحوار الاجتماعي والى تعزيز الحماية الاجتماعية التي تضمن الامن على مستوى الدخل والتوظيف. ودعا ايضا الى تحسين الوصول الى تعليم ذي نوعية عالية واحترام الحرية النقابية وتعزيز الحكم الرشيد.

في السياق ذاته بلغت نسبة البطالة في المنطقة العربية 16% اي ما يعادل 20 مليون عاطل عن العمل في بداية 2012 مسجلة زيادة بنسبة 2% مقارنة بسنة 2010 اي قبل احداث الربيع العربي في المنطقة، كماافاد المدير العام لمنظمة العمل العربية احمد محمد لقمان بالجزائر. وقال لقمان في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير العمل الجزائري طيب لوح "كانت البطالة في المنطقة العربية الى سنة 2010 14% اي 17 مليون بينما سجلت نسبة البطالة في بداية العام الماضي (2012) زيادة ب 2% لتبلغ 16% اي ما يعادل 20 مليون عاطل عن العمل".

واوضح مدير منظمة العمل العربية "الترتيبات السياسية بعد الاحداث التي شهدتها المنطقة العربية اخذت امدا اطول على حساب الترتيبات الاجتماعية والاقتصادية". وقال ان " سبب ما حصل هو تراجع الاستثمار وتوقف الانتاج وظهور مطالب فئوية عطلت الانتاج زيادة على تراجع قطاع السياحة". واكد لقمان ان "الامن والاستقرار وعودة رؤوس الاموال هي عناصر تساعد في تراجع نسبة البطالة وبالذات في دول الربيع العربي".

واضاف ان كل الدول العربية وضعت توفير فرص العمل ومكافحة البطالة ضمن اولوياتها، الا انه حتى الحاصلين على وظائف "في القطاع غير المنطم الذي يشكل 50% من القطاع الاقتصادي في الدول العربية لا يتمتعون باي حماية اجتماعية". وتسجل دول مجلس التعاون الخليجي ادنى نسب بطالة في المنطقة العربية ب 3%، الا ان المستفيد الاكبر من ذلك هو العمالة الاجنبية، بحسب لقمان.

من جانب اخر افاد تقرير للبنك الدولي نشر في الرباط ان نحو 30% من الشبان في المغرب الذين تراوح اعمارهم بين 15 و29 عاما عاطلون عن العمل. واجرى البنك الدولي هذه الدراسة في المغرب عام 2011 وشملت عينة من 2833 شابا. ويبلغ عدد سكان المغرب اكثر من 32 مليون نسمة بينهم 11 مليونا تراوح اعمارهم بين 15 و35 عاما. وقالت غلوريا لا كافا المتخصصة بالشؤون الاجتماعية لدى البنك الدولي ومديرة الفريق الذي اعد هذه الدراسة ان "لدى الشبان في المغرب الكثير من الافكار وهم حريصون على المساهمة في تنمية المجتمع".

وقالت هذه المسؤولة بحسب ما جاء في بيان صادر عن البنك الدولي ان الشبان في المغرب رغم ذلك "لم يستفيدوا من عقد من النمو الاقتصادي وصوتهم ضعيف جدا في عملية اتخاذ القرارات". واعتبرت ان "البرامج الحالية لمكافحة بطالة الشبان تشوبها الثغرات، مع العلم بان غالبية هذه البرامج تشمل خريجي التعليم العالي".

وتابعت المسؤولة كاتبة التقرير "واذا اخذنا في الاعتبار ان خريجي التعليم العالي لا يشكلون سوى خمسة في المئة من الشبان العاطلين عن العمل، يتبين ان الباقين لا يحظون باي برنامج لمكافحة البطالة". واضافت "يجب ان يكون الشبان جزءا من الحل كمشاركين فاعلين في وضع البرامج التي يفترض ان تلبي حاجاتهم". ويخلص التقرير الى القول ان "التغيرات (الاصلاحات) التي جرت في المغرب تكشف ايضا القدرة والتصميم على رفع هذه التحديات" في اشارة الى الاصلاحات التي اقرت اخيرا.

على صعيد متصل اورد التقرير السنوي لمنظمة العمل الدولية الذي رفع الى مؤتمر العمل الدولي في جنيف ان وضع العمال في الاراضي الفلسطينية المحتلة "يثير قلقا شديدا ولا يزال هشا". وقال كاري تابيولا المستشار الخاص لدى المدير العام لمنظمة العمل الدولية ان "تفاؤل العام الفائت انقلب الى شعور بالتشاؤم، فعملية السلام لم يسبق ان شهدت تعثرا مماثلا منذ اتفاقات اوسلو العام 1993". من جهته، قال خوان سومافيا المدير العام للمنظمة في مقدمة التقرير ان الوضع يشوبه "تصلب سياسي وعدم قدرة اللاعبين الخارجيين على مساعدة الاطراف وشكوك حول المصالحة الفلسطينية".

ومنذ العام 1991، توفد المنظمة كل عام بعثة الى الاراضي الفلسطينية المحتلة واسرائيل وتصدر تقريرا ترفعه الى مؤتمر العمل الدولي الذي يعقد دورته الاولى بعد المئة. وهذه السنة، توجهت البعثة الى الاراضي المحتلة في نهاية اذار/مارس. واعتبر سومافيا ان "وجود دولة فلسطينية وقابليتها للحياة معرضان للخطر في حال استمرار انعدام التوصل الى حل سياسي واذا استمر دمج اقتصاد المستوطنات في الاقتصاد الاسرائيلي".

في المقابل، لاحظ التقرير تحسنا تجلى في ارتفاع اجمالي الناتج الداخلي بنسبة 10,7 في المئة العام 2011 وذلك بفضل انشطة البناء في غزة. لكن نسبة البطالة ظلت مرتفعة رغم انها تراجعت في شكل طفيف الى 4,1 في المئة. وتصيب البطالة خصوصا الشبان. وبلغت نسبتها العام الفائت لدى الشابات 53,5 في المئة ولدى الشباب 32,2 في المئة، علما بان 71 في المئة من الفلسطينيين هم دون 30 عاما.

وبالنسبة الى المستقبل، اوضح تابيولا ان "دينامية الربيع العربي" يمكن ان تشكل مصدر امل للفلسطينيين، مضيفا ان "العمال الشبان ينظمون مزيدا من التظاهرات مطالبين بحقوقهم". واشاد ايضا باستمرار عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. وعادة ما تتوجه بعثة منظمة العمل ايضا الى هضبة الجولان السورية المحتلة. لكنها لم تتمكن من القيام بذلك هذا العام بسبب اندلاع الحركة الاحتجاجية المناهضة للنظام السوري.

في السياق ذاته اعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو) التابعة لجامعة الدول العربية، ان "اكثر من ربع سكان الدول العربية يعانون من الامية". وأعربت المنظمة التي تتخذ من تونس عن "مخاوفها من عدم وجود فرص تقدم محرزة مبشرة بالنسبة لمحو الأمية في الوطن العربي".

وقالت "يشير تقرير تحديات التنمية في الدول العربية لعام 2011 الى ان معدل الالمام بالقراءة والكتابة في الدول العربية وصل الى 9،72 % أي ان نسبة الامية تصل إلى 1،27 % منها قرابة 60 % من الاناث". واضافت "كما يشير تقرير الرصد العالمي للتعليم للجميع لعام 2011 إلى وجود 6 ملايين و188 الف طفل وطفلة غير ملتحقين بالتعليم في الدول العربية ممن هم في سن الالتحاق بالتعليم" لافتة الى ان "هذا العدد يمثل رافدا دائما للاميين العرب".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/نيسان/2013 - 10/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م