حكّام السعودية... هاجس انتشار التشيع في المجتمع

 

شبكة النبأ: ماذا يمكن تفسير حكم قضائي بجلد إمرأة مؤمنة وملتزمة، وتتبوأ مكانة الأم في عائلتها، بتهمة "الدعوة للتشيع"، في محافظة القطيف شرق السعودية؟

كانت المفاجأة كبيرة للسيدة "ي . ح. ا" – 30عاماً- وايضاً لزوجها، وهم يمثلون أمام قاضي  بـ "المحكمة الجزئية" في القطيف، وهو يحكم بجلد السيدة ثمان جلدات بتهمة ما وصفه بــ "الدعوة للتشيع"، في رسالة بعثتها خطأ لرقم مجهول عبر برنامج المحادثة الفورية "واتس آب".

تفيد المصادر أن الرسالة - محل الشكوى- تتضمن ارقاما هاتفية تحت مسمى "ارقام الخدمات الاسلامية الشيعية"، ومنها خدمة تتيح الاطلاع على فتاوى السيد السيستاني، وخدمة تعبير الرؤى وتفسير الأحلام.. وحسب المدعي العام، فان ما قامت به  السيدة وهي من بلدة العوامية، يمثل دعوة سيدة أخرى للتشيّع في الشكوى المقدمة من زوج الأخيرة "ع. ع. الشمري"، وهو عمل حرام...!

وبعيداً عن تفاصيل القضية التي تعود الى شهر ايلول الماضي، والضغوطات التي شهدتها أسرة السيدة وزوجها من سلطات "الأمن" السعودي، فان الواضح الغاية من وراء هكذا حكم قضائي جائر، وهو استفزاز الشيعة وعرض العضلات أمامهم، وإلا فان القاضي المعروف بتشدده الطائفي في المنطقة، أصدر حكمه في غياب المدعي العام، وحتى صاحب الدعوى الذي يُقال انه رفع شكوى على السيدة الشيعية لأنها تريد تشييع زوجته...!

هذا الإجراء الجديد من نوعه في المناطق الشيعية بالسعودية، هو بالحقيقة حلقة في سلسلة الاستفزازات والتهديدات التي تمارسها السلطات السعودية ضد اتباع أهل البيت عليهم السلام، في السعودية، كان آخرها - وليس بأخيرها- الاعتقالات التي شنتها قوى "الأمن" على عدد من المهنيين الوجهاء الشيعة في مناطق مختلفة من البلاد بتهمة باطلة أخرى وهي العمل ضمن شبكة تجسس لصالح ايران..

كل المصادر من السعودية، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك والمناقشة، أن الشيعة في السعودية، لا يشكلون أي مصدر إزعاج او توتر داخل المجتمع السعودي الكبير.. لا من الناحية العقائدية ولا من الناحية الاقتصادية، ولا من الناحية الاجتماعية، فضلاً عن الناحية السياسية، إذ يقرّ الشيعة بواقع كونهم أقلية، لكنهم يطالبون على هذا الأساس بحقوقهم المشروعة في حرية الرأي والعقيدة والعمل وإلغاء كل أشكال التمييز الطائفي والسياسي. ولم تسجل الاوساط الاعلامية ولا السياسية شكوى واحدة من أفراد المجتمع السعودي على الشيعة، وهم بين  جار في منطقة أو بناية سكنية، وبين زميل في المهنة والعمل، وبين زميل في الدراسة.. مما يدل على أن المشكلة تكمن في نظام الحكم القبلي والطائفي المقيت الذي ما يزال يوسم هذا البلد الاسلامي الكبير الذي يحتضن الحرمين الشريفين: الكعبة المشرفة، ومرقد الرسول الأكرم صلى  الله عليه وآله.

فحتى وإن كان جميع افراد الشعب السعودي يودّون الشيعة ويحبونهم، فان نظام الحكم الوهابي القائم بالأساس على الكراهية المذهبية، يأبى أن يرى المذهب الشيعي المتسامح والمحبب الى النفوس والقريب الى الفطرة الانسانية، وهو يدور بين أوساط المجتمع.. من العوائل واطفال المدارس والعمال والموظفين والتجار وغيرهم من شرائح المجتمع. انها محاولات محاصرة واضحة تنمّ عن مخاوف شديدة من القادم الذي لن يبق للهشاشة السياسية والعقائدية في السعودية أية باقية. علماً أن الفعاليات الثقافية والاجتماعية الواسعة والكبيرة للشيعة في المنطقة الشرقية لم تستهدف ابناء السنة في تلك المناطق وسائر مناطق البلاد، إنما هنالك برامج قرآنية وتربوية ومهنية وأسرية وغيرها، تقام في المناطق ذات الاغلبية الشيعية.

ومن أجل ذلك يسعى أهل الحكم في الرياض مستميتين الى تعميق الفجوة بين المكون الشيعي والآخر السنّي، وعدم السماح بأي نوع من التقارب الاجتماعي او الثقافي. ومن ابرز المحاولات على هذا الطريق، العقبات التي توضع أمام إتمام عقود الزواج في المحاكم السعودية، بين زوجين أحدهما من الشيعة والآخر من السنة، فقد صرّح الرئيس السابق لمحكمة المواريث في القطيف، القاضي محمد الجيراني، أن خمس بالمئة من عدد العقود المؤجلة في المحكمة هي لأطراف مختلفي المذاهب، من السنة والشيعة، يرغبون في إتمام عقود النكاح، إلا أنهم يصدمون بجدار يمنع ذلك، لاختلاف مذهب كل من الطرفين.. وكشف أن إمارة المنطقة الشرقية، هي التي تعارض إتمام هذه العقود.

والمثير أن نقرأ رأياً من عضو ما يسمى بـ "مجلس الشورى"، القاضي عيسى الغيث، يغلّب المصلحة السياسية على المصلحة الاجتماعية في مسألة الزواج، بعكس ما رسمه الإسلام تماماً، فيقول: من الأفضل "منع زواج الفتاة والشاب لو كانا من طائفتين مختلفتين، وذلك بغض النظر عن الواقع الاجتماعي، أو القانوني، أو المُمارس في المحاكم، حتى وإن كان هذا الزواج جائزاً عند بعض العلماء بالاستدلال الإسلامي، وذلك لما يترتب عليه من مفسدة، وأن مقاصد الشريعة والسياسة الشرعية تفرض هذا المنع".

ثم لنقرأ رأياً آخراً من شخص اكاديمي في السعودية، وهو عضو هيئة التدريس في قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود، الدكتور عبد المجيد نيازي، حيث يرى أن نسب الزواج بين ديانتين مختلفتين أكثر نجاحاً من زواج عُقد بين طرفين ينتميان لدين واحد..!

ولمن يقرأ المنتديات الاجتماعية على "النت" يجد هناك العديد من الاسئلة من فتيات سعوديات يستفتين عن إمكانية الزواج من شباب شيعة، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على شفافية  العلاقات الاجتماعية التي تقوم على الحب والمودة ومنطق الحوار والعقل، وهذا ما تجده شريحة واسعة من المجتمع السعودي من خلال تعامله مع المكون الشيعي، يبقى الدسّ والتضليل والتزييف، وحيداً رغم ما يمتلكه من مئات المواقع على "النت" وعشرات القنوات الفضائية، فضلاً عما وسائل الاعلام الاخرى، والندوات والمؤتمرات وغيرها، كلها تضخ باتجاه إبعاد حقيقة التشيع في السعودية عن الرأي العام، لكن هذه الامكانات الهائلة والتحشيد الضخم، لن يصمد أمام حقائق الانحراف والجرائم والفساد الواسع النطاق الذي يشهده المجتمع السعودي من داخل أسوار العائلة الملكية الحاكمة. فقد بات من الطبيعي سماع أخبار مثل قتل أحد الأمراء مواطناً وسط شجار مع اشخاص آخرين، باطلاق النار عليه وهو تحت وطأة السُكر الشديد.. أو حادثة الأمير "الشاذ جنسياً" الذي قتل مخدومه داخل شقته في لندن، عام 2010، فضلاً عن انتشار اخبار وصور الأميرات في اوربا والولايات المتحدة في أوضاع تتعارض مع إدعاءات خدمة الحرمين الشريفين.. كل ذلك وغيره يجعل الشعب السعودي ينتظر من السلطات الحاكمة اتخاذ الاجراءات الحازمة والرادعة التي تضمن حقوقه، كما تضمن تطبيق العدل بنسبة معقولة، في عديد القضايا والمسائل السياسية او القضائية والاقتصادية وغيرها. فاذا كانت السلطات الحاكمة في الرياض عاجزة عن تلبية هذه المطالب – والحال  كذلك- ، وليس أمامها سوى الحلول الترقيعية وإجراءات الترضية وتهدئة الخواطر والأجواء. في الجهة الاخرى يقف الشعب السعودي الباحث عن خيار أفضل للحياة، فان الخيار القادم في السعودية هو الانفتاح الاجتماعي اذا ما نجح في تجسير العلاقات بين المكونين وتجاوز العقبات السياسية الكأداء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/نيسان/2013 - 7/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م