تاتشر قبل وبعد الموت... سيرة تثير الجدل

 

شبكة النبأ: تباينت ردود أفعال البريطانيين حيل رحيل رئيسة لحزب المحافظين ورئيسة وزراء بريطانية السابقة من سنة 1979 إلى 1990 مارجريت تاتشر والتي تعتبر أقوى امرأة حكمت المملكة المتحدة في تاريخها الحديث ، وتوفيت تاتشر عن عمر يناهز السابعة والثمانين عاما وهو حدث دفع الكثير من الناس وخصوصا اليسار لإعلان مظاهر الاحتفال والبهجة لرحيلها، ومعتبرينها الشخصية الأولى التي أسهمت سياستها بتدمير بريطانيا اقتصاديا واجتماعيا، وهو أمر رفضت البعض خاصة النخبة المحافظة التي تعتبر تاتشر رمز السياسي مهم معتبرين هذه التصرفات أمر مخالفا للذوق العام يسئ للمجتمع البريطاني.

ويرى بعض المراقبين ان رحيل المرأة الحديدية لن ينهي دورها البارز في المجتمع فبصمة تاتشر لا تزال واضحة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بريطانيا، ويذكر ان فترة الثمانينات شهدت بداية تحول اقتصادي كبير في بريطانيا، حيث عمدت الحكومة برئاسة تاتشر إلى خصخصة عدد من المؤسسات الاقتصادية البريطانية العمومية مع ما يترافق مع هذه الإجراءات من طرد عمال وتقشف مالي، الأمر الذي كان وراء تزايد رقعة الساخطين على سياستها، فقد بلغ الأمر خروج مظاهرات واسعة تطالب بإقالتها، وهو ما أسهم بسحق النقابات العمالية التي خرجت من جديد للاحتفال برحيلها وفي هذا الشأن فقد تدفق مئات من المناهضين لتاتشر الى ساحة ترفلغار للاحتفال تحت المطر بوفاة المرأة الحديدية.

وانضم عمال المناجم السابقون الذين نفذوا اضرابا لمدة عام ضد حكومة تاتشتر في التسعينات، الى النشطاء من التيار اليساري المتطرف في احتساء شراب احتفالا برحيلها عن العالم. وحملت الحشود المبتهجة دمية تمثل الزعيمة المحافظة السابقة تحت العمود الذي ينتصب عليه تمثال نيلسون، وقد زينوها بعقد اللؤلؤ الذي اشتهرت به تاتشر والشعر المستعار المصنوع من حقائب بلاستيكية برتقالية.

وقال سايمون جاردنر وهو مصور للحياة البرية من وسط انجلترا "انتظرت 30 عاما للاحتفال بهذه المناسبة. إنه أروع يوم في حياتي." وتابع جاردنر الذي كان يرتدي قميصا كتب عليه "إفرحوا.. ثاتشر ماتت." قائلا "كانت مكروهة مما لا يقل عن نصف البريطانيين." وأطلق على الحفل الذي أعد له نشطاء من اليسار ليقام عند وفاتها إسم "حفل العمر".

وانتشرت قوات كبيرة من الشرطة في مكان التظاهرة بعد اندلاع اعمال شغب في العديد من الاحتفالات العفوية في الشوارع عقب الاعلان عن وفاتها. الا ان الروح الاحتفالية سادت التظاهرة حيث رقص الناس من مختلف الاعمار ودقوا الطبول واطلقوا الصفارات والابواق. ووقعت بعض الشجارات القليلة مع الشرطة واعتقل تسعة اشخاص،

وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته مؤسسة كومريس ونشر في صحيفتين أن 41 في المئة ممن شملهم الاستطلاع لم يوافقوا على وصف رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لها بأنها "أعظم رؤساء وزراء بريطانيا في وقت السلم" بينما وافقه 33 بالمئة. ووافق نحو 59 بالمئة على أنها رئيسة الوزراء الأكثر إثارة للانقسام في البلاد بينما رأى حوالي 60 بالمئة أنه ما كان ينبغي دفع تكاليف مراسم الجنازة التي قدر معلقون أنها حوالي عشرة ملايين جنيه استرليني من أموال دافعي الضرائب. وقال احد المشاركين انه لم يات للاحتفال "بل للاحتجاج على الملايين من الاموال العامة التي يتم انفاقها على جنازة تاتشر رغم الاقتطاعات الحكومية في الانفاق التي تؤثر على المرضى والمعوقين".

وانتشرت بين المحتفلين بوفاة تاتشر اغنية "دينغ دونغ، الساحرة ماتت" وهي من فيلم "ساحر اوز". وأظهرت احصاءات إن الاغنية تتصدر قوائم الاغاني الاكثر طلبا في بريطانيا. وجاءت اغنية (دينج دونج! ماتت الساحرة في المرتبة الأولى لقائمة (امازون) للاغاني الاكثر تنزيلا على الانترنت بعد حملة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك للترويج للاغنية كوسيلة لمنتقدي ثاتشر "للاحتفال" بوفاة زعيمة بريطانيا الاكثر اثارة للجدل.

وحث مراجعون لقوائم امازون اخرين على شراء الاغنية لاظهار رفضهم لثاتشر التي دفعت سياسات السوق الحر التي تبنتها الكثير من البريطانين إلى اظهارها في صورة المدمر للوظائف والصناعات التقليدية. واجتذبت حملة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لحث الناس على تنزيل الاغنية كي تحتل المرتبة الأولى أكثر من خمسة آلاف عضو.

وفي مناطق اخرى حمل عدد من مشجعي نادي ليفربول لكرة القدم لافتات معادية لتاتشر في مباراة الدوري كتب عليها "سنقيم حفلة" وهتفوا "ماغي ماتت، ماتت، ماتت". وتخطط الشرطة لتعزيز الاجراءات الامنية يوم جنازة تاتشر حيث سينقل تابوتها الى كاتدرائية سانت بول عبر الشوارع التي سيصطف على جنباتها جنود من القوات المسلحة. وجرى تنظيم التجمع في ساحة ترفلغار عبر مواقع الانترنت على خلفية دعوة اطلقها معارضو تاتشر قبل عشرين عاما الى الاحتفال في اول يوم سبت يعقب وفاتها. ومن بين المشاركين في الاحتفال عدد من عمال المناجم السابقين من شمال انكلترا الذين شهدوا تدمير مجتمعاتهم في موجة اغلاق المناجم خلال سنوات تاتشر ال11 في السلطة.

وفيما يقول المناصرون لها ان لها الفضل في انهاء الحرب الباردة وانعاش الاقتصاد البريطاني، الا ان الناقدين يتهمونها بالتسبب في بطالة الملايين من خلال اصلاحاتها الجذرية المتعلقة بالسوق المفتوحة. وقال ديفيد دوغلاس، عامل المنجم السابق وعضو نقابة عمال المناجم من يوركشير، انه شعر ب"سرور شديد" لسماع نبأ وفاة تاتشر. وقال انها كانت "امراة فظيعة ونحن غاضبون جدا من الصورة التي يقدمها التلفزيون والتي تصور ان البلاد كلها في حالة حداد على وفاتها".

على صعيد متصل اضطر شرطي بريطاني الى تقديم استقالته بعدما اطلق عبر حسابه على موقع تويتر مواقف مبتهجة بوفاة رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر، وفق ما افادت سكوتلاند يارد. واشارت وسائل اعلام بريطانية الى ان السرجنت جيريمي سكوت الذي كان يعمل في القسم الاداري بالشرطة، كتب خصوصا انه كان يأمل ان تكون وفاة "المرأة الحديدية" قد حصلت بشكل "مؤلم ومذل". كما اعتبر الشرطي ان "العالم اصبح افضل اليوم" وان وفاة تاتشر جاءت "متأخرة 87 عاما".

كما ابدى هذا الشرطي عبر تويتر سعادته بالاحتفالات التي شهدتها بعض طرقات المدن البريطانية اثر اعلان وفاة رئيسة الوزراء السابقة. وكتب "انه لامر رائع. ثمة احتفالات بوفاة مارغريت تاتشر في بريكستون (جنوب لندن) وغلاسغو (في اسكتلندا)". وتم توقيف حسابه على تويتر بعد هذه التطورات. وعلقت شرطة سكوتلاند يارد خلال اعلانها فصل سكوت ان "تصرف هذا الضابط كان غير مقبول البتة ومن العدل انه استقال".

الى جانب ذلك وصف بعض اعضاء حزب العمال المعارض تاتشر بأنها كانت بلا قلب تبنت سياسة السوق الحرة وأطلقت عصرا من الجشع الذي قوض المجتمع البريطاني. وقال مايكل ميتشر الوزير السابق "صناعات كثيرة ومجتمعات كثيرة من الطبقة العاملة في الشمال دمرت تماما في تلك السنوات. مازال الكثير منها يعاني من البؤس حتى اليوم."

وأضاف "كانت شخصية مثيرة للانقسام وتبنت سياسة الارض المحروقة لتدمير الخصوم وهو الامر الذي أحدث استقطابا في البلاد." وقال نائب آخر من حزب العمال هو ديفيد وينيك ان السياسات الاقتصادية لثاتشر مثل الخصخصة وخفض الانفاق والابتعاد عن الصناعات الثقيلة سبب "الاما هائلة ومعاناة للناس العاديين."

في السياق ذاته وفيما يخص ردود الافعال الاخرى فقد أشاد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون برئيسة الوزراء الراحلة مارجريت ثاتشر متذكرا زعيمة مثيرة للخلاف ومقاتلة غيرت وجه بريطانيا وأرست نهجا سياسيا لا يزال متبعا حتى اليوم. وفي جلسة خاصة للبرلمان قال كاميرون إن ثاتشر الزعيمة السابقة لحزب المحافظين الذي يتزعمه "حددت وتجاوزت التحديات العظيمة لعصرها" بعد رحلة رائعة من متجر بقالة الأسرة إلى أعلى منصب في البلاد. وقال كاميرون إن ثاتشر فازت في معارك كثيرة مثل إصلاح النقابات العمالية والاسلحة النووية وملكية الدولة للصناعات. واضاف "لم تخش خوض المعركة وأدى هذا إلى إثارة الجدل والصراع بل والانقسام.

على صعيد متصل أعلنت مجموعة الضغط السياسي "كونسيرفاتيف ويي فوروورد" (سي دبليو أف) التي تضم أنصار مارغريت تاتشر في حزب المحافظين، أنها تعتزم إنشاء مكتبة ومتحف لابراز ما حققته المرأة الحديدية التي توفيت في الثامن من نيسان/أبريل. وكشفت المجموعة عن نيتها حشد 15 مليون جنيه استرليني (18 مليون يورو) من الموارد المالية الخاصة بغية إنشاء هذا المجمع الجديد في وسط لندن الذي سيتسنى فيه للزوار اكتشاف مقتنيات شهيرة للمرأة الحديدية، مثل حقيبة يدها او بذلتها الزرقاء.

وقال بن إليوت من مجموعة "سي دبليو إف" التي رئستها تاتشر منذ تأسيسها في العام 1990 على أيدي برلمانيين محافظين إن "هذا المركز سيفتح أبوابه للباحثين والطلاب والسياح الذين سيكون في وسعهم الاطلاع على إنجازات مارغريت تاتشر وقيمها الأساسية". وأفادت المجموعة بأن هذا المشروع يحظى بدعم ثلاثة وزراء أقله من حكومة رئيس الوزراء ديفيد كامرون، بالإضافة إلى شخصيات خاضت غمار السياسة في الثمانينات.

وأكدت المجموعة أنها تلقت عدة "تبرعات كبيرة"، وهي تجري مفاوضات لشراء أراض بالقرب من ويستمنستر في قلب العاصمة البريطانية السياسي. وأوضحت أن فكرة إنشاء متحف مخصص للمرأة الحديدية تعود للعام 2009، وكان يتم اطلاع تاتشر بمستجدات المشروع خلال السنوات الاخيرة. وكان رئيس بلدية لندن بوريس جونسون قد اقترح ضع تمثال لرئيسة الوزراء السابقة في ساحة ترافلغار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/نيسان/2013 - 6/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م