الانسان... كائن لا يزال يبحث عن ذاته

 

شبكة النبأ: تتواصل الابحاث والدراسات التي يجريها العديد من العلماء في مختلف دول العالم في سبيل التعرف على بعض الإسرار الخاصة بالانسان هذا المخلوق المميز صاحب العقل المتطور الذي يختلف عن سائر المخلوقات الاخرى، ويرى بعض المتخصصين ان الدرسات والأبحاث الأخيرة المدعومه من قبل بعض الجهات والحكومات قد مكنت العلماء وبفضل استخدامهم لاخر التقنيات العلمية من الوصول لبعض النتائج المهمة التي قد تغير الكثير من النظريات السابقة، وفي هذا الشأن نشر باحثون اميركيون اكثر الصور تفصيلا عن الدماغ البشري حتى اليوم في اطار مشروع ابحاث دولي يهدف الى فهم كيف ان بنى الدماغ تحدد شخصية الانسان ومواهبه.

هذا المشروع المعنون "هيومن كونيكتوم" يمتد على خمس سنوات وتشارك فيه عشرة مراكز ابحاث في الولايات المتحدة واوروبا. ويهدف الى جمع كمية كبيرة جدا من المعطيات من خلال انظمة تصوير متطورة تشمل ما مجموعه 1200 بالغ سليم ويمكن لكل الباحثين في العالم الوصول الى تجاربه بحرية.

وشملت الصور الاولى والمعطيات التي نشرت لـ 68 بالغا متطوعا بصحة جيدة. والى جانب الصور الكثيرة للدماغ يوفر المشروع ايضا معلوات حول بعض جوانب شخصيتهم وقدراتهم الذهنية. واوضح ديفيد فان ايسين الاستاذ في كلية الطب في جامعة واشنطن في سانت لويس (ميسوري) واحد المسؤولين الرئيسيين عن المشروع "من خلال توفير هذه المعطيات الفردية فورا ومن خلال الاستمرار في نشر المعلومات فصليا فان هيومن كونيكتوم يسمح للاوساط العلمية بالبدء في التعمق في الروابط القائمة بين دوائر الدماغ والتصرفات الفردية".

وقال ان هذه الدراسة "سيكون لها تأثير كبير على فهمنا لعمل الدماغ لدى البالغين السالمين وسيضع اساسا لمشاريع دراسات مستقبلية ستدرس التغيرات في دوائر الدماغ التي هي واء مجموعة كبيرة من الامراض العقلية". هذه المعطيات الاولى توفر معلومات حول رواط الدماغ لدى كل واحد من المتطوعين ال68 من خلال استخدام تقنيتين مختلفتين من التصوير بالرنين المغنطيسي.

وتسمح التقنية الاولى بكشف تعقيدات الدوائر في بنى المادة الرمادية التي تحوي العصبونات التي تعالج المعلومات الواردة من اعضاء الحواس او مناطق اخرى من الدماغ. اما الوسيلة الثانية فتكشف الدوائر التي تمر بالمادة البيضاء في الدماغ حيث الالياف العصبية المحاطة بغلاف يحمي. وهذا الغلاف يشكل نوعا من عازل يسهل نقل الاشارات عبر الالياف العصبية. ويخضع المتطوعون ايضا لتصوير بالرنين المغنطيسي وهم يقوم بمجموعة من المهام موفرين تاليا معلومات واسعة حول تشغيل الدماغ. وتمول المشروع المعاهد الوطنية الاميركية للصحة.

العيون الكبيرة والانقراض

في السياق ذاته كشفت دراسة أجريت على جماجم البشر البدائيين الذين يعرفون باسم "إنسان نياندرتال" إنهم تعرضوا للإنقراض بسبب أن أعينهم كانت أكبر حجما من أعين الإنسان من فصيلتنا البشرية. ونتيجة لذلك، كان جزء أكبر من عقول هؤلاء البشر البدائيين مخصصا للمساعدة على الرؤية في الليالي الأكثر ظلمة وطولا في أوروبا، وذلك على حساب عمليات عقلية أخرى ذات أهمية كبيرة.

وهذه العمليات العقلية هي التي مكنت جنسنا البشري، والذي يطلق عليه اسم "هومو سابينز" أو الإنسان العاقل، من تصميم ملابس أكثر دفئا، وتطوير شبكات اجتماعية أوسع، ما ساعدنا على النجاة خلال العصر الجليدي في أوروبا.

والبشر البدائيون هم فصيلة وثيقة الصلة بجنسنا البشري، والذين عاشوا في أوروبا منذ نحو 250 ألف عام. وقد عاشوا وتفاعلوا على نطاق محدود مع فصيلتنا البشرية حتى انقرضوا منذ 28 ألف عام، ويرجع ذلك جزئيا بسبب العصر الجليدي. ونشرت نتائج هذه الدراسة في دورية "وقائع الجمعية الملكية البريطانية".

ودرس الباحثون فكرة أن أجداد البشر البدائيين لإنسان نياندرتال تركوا افريقيا، فكان يتوجب عليهم أن يتأقلموا على العيش في ليالي أوروبا الأكثر ظلمة وطولا، وكانت النتيجة أن هؤلاء البشر تطورت لديهم أعين أكبر حجما، ومنطقة أوسع في الجزء الخلفي من الدماغ مخصصة لعمليات الإبصار.

أما البشر الذين بقوا في افريقيا، فاستمروا في الاستمتاع بأيام مضيئة أكثر، وبالتالي لم تكن هناك حاجة لمثل هذا التأقلم، وبدلا من ذلك، تطورت لدى أجدادنا فصوص أمامية في الدماغ مرتبطة بمستويات أعلى من التفكير، وذلك قبل أن ينتشروا في جميع أنحاء العالم. وقررت أيلونيد بيرس الاستاذة بجامعة أوكسفورد أن تتأكد من هذه النظرية، وقامت بمقارنة 32 من جماجم البشر من فصيلة الإنسان العاقل، و13 من جماجم البشر البدائيين من إنسان نياندرتال. شبكات اجتماعية ووجدت بيرس أن البشر البدائيين كان لديهم تجويف أكبر في منطقة العين بشكل واضح، والذي بلغ في المتوسط 6 مم طولا من القمة إلى القاع.

وقالت إنه على الرغم من أن هذا يبدو جزءاً صغيراً، إلا أن هذا كان كافيا للبشر البدائيين أن يستخدموا مساحة أكبر من الدماغ للتعامل مع العمليات الخاصة بالبصر. وقالت بيرس "نظراً لأن البشر البدائيين نشأوا في المرتفعات، كانت أجزاء كبيرة من الدماغ لديهم مخصصة للرؤية والتحكم في الجسد، ما ترك مساحة أقل في الدماغ للتعامل مع وظائف عقلية أخرى، مثل التواصل الاجتماعي".

ويدعم هذا الرأي كريس سترنغر، الأستاذ الجامعي الذي شارك في هذا البحث، وهو خبير أيضا في أصول البشر بمتحف التاريخ الطبيعي في لندن. وقال سترنغر: "نستنتج من ذلك أن إنسان نياندرتال كان له جزء معرفي أصغر في منطقة الدماغ، وهو ما يمكن أن يكون قد جعل الناحية المعرفية محدوده لديه، بما في ذلك قدرته على تشكيل شبكة جماعات أكبر، فإذا كنت تعيش وسط جماعة كبيرة، فأنت تحتاج إلى دماغ أكبر لكي تقوم بالتعامل مع كل هذه العلاقات المتشابكة." كما أن بنية الدماغ ذات التركيز الأكبر على الجوانب البصرية لدى البشر البدائيين، ربما أثرت على قدراتهم المتعلقة بالإبداع والتأقلم مع العصر الجليدي الذي يعتقد أنه ساهم في فنائهم.

وهناك أدلة أثرية، على سبيل المثال، "الإنسان العاقل الذي عاصر البشر البدائيين كان يستخدم الإبر في صنع الملابس الجاهزة، وهو ما ساعدهم على التدفئة مقارنة باللفافات التي كان يرتديها البشر البدائيون". لكن من ناحية أخرى، تتعارض هذه النتائج مع عدد من البحوث الجديدة التي تقول إن البشر البدائيين من إنسان نياندرتال لم يكونوا تلك المخلوقات الغبية التي كانت تصور في أفلام هوليود، لكن ربما كانوا بمثل ذكاء جنسنا البشري.

وقال روبن دنبار، الأستاذ بجامعة أكسفورد، والذي أشرف على واحدة من هذه الدراسات، إن فريق البحث أراد أن يتجنب استعادة الصورة النمطية لإنسان نياندرتال. وقال دنبار "كان إنسان نياندرتال ذكيا جدا جدا، لكن ليس تماما مثل الإنسان العاقل من فصيلة هومو سابينز". وأضاف: "لكن هذه الفروق ربما كانت كافية لترجيح الكفة لصالح إنسان هومو سابينز عندما بدأت الأمور تزداد صعوبة في نهاية العصر الجليدي الآخير". بحسب بي بي سي.

وقال إن معرفة الباحثين بأدمغة إنسان نياندرتال حتى الآن تقوم على التعرف فقط على شكل الجمجمة، وهذا ما أعطى إشارة لحجم الدماغ وبنيته، لكن لم يعطنا أية إشارة حقيقية حول الإختلاف في كيفية عمل دماغ إنسان نياندرتال مقارنة بأدمغتنا. وأظهرت دراسات أجريت على الإنسان الأول بشكل عام أن حجم العين يتناسب مع تلك المساحة من الدماغ المخصصة لعملية الرؤية البصرية، وبالتالي توصل الباحثون إلى هذا الافتراض الذي ربما يكون صحيحا في حالة إنسان نياندرتال.

نظرية جديدة

على صعيد متصل تلقى نظرية أثارت جدلا بشأن الطريقة التي نشم بها الروائح من حيث كونها تضم آثارا فيزيائية كمية استحسانا كبيرا، إذ تتحدى النظرية اعتقادا بان حاسة الشم لدينا تعتمد فقط على اشكال الجزيئات التي نشمها في الهواء. وبخلاف الاعتقاد السائد تفيد النظرية بان اهتزاز الجزيئات هي المسؤولة عن ذلك. وجرت اختبارات لجزيئين لهما نفس الشكل ولكنهما مختلفان، وقد نشرت نتيجة الاختبارات في تقرير في دورية (بلوس وان) التي اكدت ان الانسان بامكانه التمييز بين الجزيئين. لكن النظرية التي وضعها في البداية لوكا تورين من مركز فليمينغ لعلوم ابحاث الكيمياء الحيوية، مازالت محل نزاع ومثار خلاف.

واعطى تورين مثالا على الجزيئات التي تضم الكبريت وذرات الهيدروجين المترابطة من حيث انها قد تأخذ اشكالا واسعة النطاق تفضي جميعا الى امكانية شم رائحة البيض الفاسد. وقال تورين "اذا نظرنا من وجهة النظر التقليدية، فمن الصعب حقا تفسير ذلك". واضاف "اذا نظرنا من وجهة نظر النظرية البديلة القائلة بان اهتزاز الجزئ هو الذي يحدد الرائحة فان لغز الكبريت الهيدروجين يصبح واضحا جليا".

ويمكن النظر الى الجزيئات على انها مجموعة من الذرات ترتبط في زنبرك، لذا فان الذرات يمكن ان تنتقل متعلقا بعضها بالآخر. ويمكن لطاقة التردد الصحيح الكمية ان تسبب شكلا "زنبركيا" للاهتزاز. وقال تورين في عام 1996 من خلال بحث نشرته دورية الاحاسيس الكيماوية ان هذه الاهتزازات تفسر حاسة الشم. واحد الطرق الرامية الى اختبار الفكرة هي اعداد جزيئين لهما نفس الشكل، ولكن باهتزازات مختلفة، مع اجرء عمليات احلال لهيدروجين الجزيئ يطلق عليها الديوتيريوم.

وتدحض ليسلي فوسهول من جامعة روكفيلر فكرة تورين بجزئ يطلق عليه اسيتوفينون و توأم ديوتيريوم. وتشير ابحاث في دورية العلوم العصبية الطبيعية إلى ان المشاركين من البشر ليس بامكانهم التمييز بين الاثنين، لذا فان الاهتزازات لا تلعب دورا في حاسة الشم لدينا. لكن في عام 2011 نشر تورين وزملاؤه بحثا في منشورات الاكاديمية الوطنية للعلوم اظهر ان ذبابة الفاكهة يمكنها التمييز بين الانواع الاثقل والاخف وزنا لنفس الجزئ. بحسب بي بي سي.

ومازالت فوسهول تعتقد ان نظرية الاهتزاز هي نوع من الخيال، وقالت "أنا أفكر في نظرية الاهتزاز المتعلقة بحاسة الشم، واجراء اختبارات على وحيد القرن ودراسة حاسة الشم لدى الخيول". وقال تيم جاكوب، باحث في الشم لدى جامعة كارديف، ان العمل "داعم لكنه غير شامل". واضاف "هناك العديد من المشكلات في نظرية حاسة الشم، فالعديد من الاشياء لا يمكن تفسيرها لتأكيد فعالية نظرية الاهتزاز". وعلى الرغم من أن العديد من العلماء تناولوا نظرية الاهتزاز التي تعود الى عام 1996، بجدية فمازال الجدل محتدما على نحو استثنائي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/نيسان/2013 - 5/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م