المثقف والأحكام المسبقة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الحكم المسبق على الافكار او المواقف وحتى الافعال، ربما ينطوي على نسبة كبيرة من الخطأ تصل احيانا الى درجة الفرق بين الابيض والاسود، لذلك ينصح المعنيون بأن الاحكام مهما كان نوعها يجب أن تنطلق من المعايشة الفعلية للموقف، والنتائج الملموسة للافكار بعد استنفاذ التجربة بكل ابعادها.

في الافق الفكري والثقافي تلوح ظاهرة لا تمت للمثقفين بصلة، وأعني بها حينما يكون المثقف صاحب موقف مسبق من هذا الفكر او ذاك، ومن هذه النظرية او تلك، وربما من هذا الشخص او ذاك، لذلك نلاحظ أن بعض المثقفين ممن يعلنون انتماءهم للثقافة، يعانون من اطلاق الاحكام المسبقة، وهي حالة تعد مرضية كونها لا ترتكز الى الحقائق، فضلا عن انها تنطوي على التعجّل وعدم الدقة في اتخاذ الموقف او الرؤية من هذا الفكر او ذاك.

مثال ذلك هناك موقف لبعض المثقفين من الدين ومن المتدينين ايضا، لا يقوم على فحص التجربة، نعم هناك اخطاء تحدث هنا وهناك ويتخذ بعضهم من الدين غطاءً لاخفاء او تمرير اخطائهم، ولكن ينبغي الحكم على التجارب بعد استنفاذ فرصتها، ولا يصح الغاء الاخر وفكره وطروحاته لانه ذو علاقة بالدين، مثلما لا يجوز للمتدين أن يلغي الليبرالي.

لذلك عندما يكون المثقف الذي ينسب نفسه الى الليبرالية، ذا موقف مسبق من المتدين ويلغيه من دون أن يحتك به ويعرفه عن قرب فكرا وسلوكا، فإنه يعطي مبررا واضحا للمتدين كي ينتهج النهج نفسه، ويلغي الليبرالي فكرا وسلوكا ايضا، وهكذا تكون عملية الالغاء متبادلة بين الطرفين، ويكون الخاسر هو الانسان والمجتمع بطبيعة الحال، لذا لابد من التحلي بالمعرفة المسبقة والاحتكاك المباشر، والمعرفة عن قرب، قبل اطلاق الاحكام المسبقة.

وهناك من يعترض على الافراد او الشخصيات او المكونات الفردية والجماعية، بمجرد انتمائها الى هذه الجهة او تلك، حتى قبل قراءة الافكار وفهمها، وهذا دليل قاطع على ان الاعتراض لا يتعلق بجوهر الكلام او الفكر، اذن هو صاحب موقف مسبق، فإذا كان معارضا للفكري الديني وما ينتج عنه، فإنه سيقف بالضد في جميع الحالات بغض النظر عن المضمون الفكري للنص الديني، وهذا ما يبرر حالة الالغاء التي قد يلجأ إليها رجل الدين، او المتدين للفكر الليبرالي على سبيل المثال، لذلك ينبغي الاهتمام بطبيعة المضمون الفكري للنص او القول، ولا يصح أن نتخذ موقفا مسبقا من هذا القول و ذاك او من هذه التجربة او تلك، قبل ان نفهم جوهرها. 

وقد جاء في قول للامام علي عليه السلام "إنظرْ إلى ما قيل ولا تنظر إلى من قال"، لهذا ينبغي اعتماد المضمون والجوهر الذي يطرحه الكلام او الفكر، قبل اتخاذ أي موقف مناصر او معارض له، فالنظر الى ما قيل هو الاهم، ثم يأتي بالدرجة الثانية من قال هذا الكلام، وفي ضوء ذلك يتحدد موقف المثقف من القول وقائله.

بهذه الطريقة السليمة، نستطيع أن نتخلص من عبء هذه الظاهرة، التي تؤذي أكثر مما تنفع، لانها تؤدي الى توترات كثيرة، نتيجة للتضاد بين الافكار والمواقف، علما ان الاختلاف لا يسبب مشكلة، بل سيحدث العكس تماما حينما تتلاقح الافكار، وهكذا مطلوب التخلي من لدن المثقفين عن ظاهرة الاحكام المسبقة، للاسباب التي وردت آنفا.

كذلك سوف نتخلص من ظاهرة تنتج عن الحكم المسبق، وهي ظاهرة إلغاء الآخر التي تتسبب في خلق بؤر احتقان فكرية وعقائدية، فضلا عن تشجيع حالات التطرف والتعصب هنا وهناك، وهي في مجملها ظواهر خطيرة، لم يعد لها مكان في المجتمعات المتطورة، ولعل المثقف يقف في صدارة التصدي لمثل هذه الظواهر، او ينبغي ان يكون هكذا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/نيسان/2013 - 5/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م