المالكي وبرزاني.. مناطحة الكبار في العراق

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الجبل ليس كالسهل، هناك اختلافات بينة بينهما، ليس اقلها ان الجبل يشير الى الارتفاع عن الارض، والسهل يشير الى الالتصاق بها، وفروقات طبيعية اخرى اضافة الى فروقات ثقافية تميز بين من يسكن الجبل او السهل.

الجبل وعورة، والسهل مرونة، الجبل عزلة والسهل انفتاح، ويمكن ان ننسج الكثير من الثنائيات على تلك الشاكلة، وهي ثنائيات وجدت في جميع الجبال والسهول قديما وحديثا، ان على المستوى الطبيعي او الثقافي، وغيرها من مستويات تنشأ عن هذا التدافع الانساني والذي لن يتوقف حتى قيام الساعة.

في مجتمعاتنا العربية من محيطها الى الخليج، تتحكم العشائرية والجهوية والمناطقية في الكثير من اوجه النشاط فيها، كأن يكون نشاطا سياسيا او اقتصاديا، بعيدا عن اعتبارات من قبيل الكفاءة او المؤهلات او العناصر الشخصية الاخرى.

على سبيل المثال، ماحدث في اليمن اخيرا، فبعد مرور الكثير من الوقت استطاع الرئيس اليمني الجديد ان يفكك ولو قليلا من بعض تلك الترابطات العشائرية لابن وشقيق وصديق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، من خلال ابعاد اولئك الاشخاص الى مناصب ليست حساسة او يمكن ان تزرع المعوقات بوجه تغييرات اخرى قادمة. في العراق ينطبق عليه ما انطبق على اليمن او غيرها من بلدان عربية اخرى.

في احزابنا التي عرفناها بصورة جامحة بعد العام 2003 عرفنا معها القيادات التاريخية للاحزاب، فانت لايمكن ان تتصور الاتحاد الوطني بعيدا عن جلال الطالباني، او الديمقراطي الكردستاني بعيدا عن مسعود البرزاني، او الوفاق الوطني بعيدا عن اياد علاوي او التيار الصدري بعيدا عن مقتدى الصدر او المجلس الاعلى بعيدا عن اسرة الحكيم، فالجميع قيادات راسخة في مجموعاتها، عن طريق التوريث او التأسيس، ولاشيء يمكن ان يغير من تلك المعادلة الا الموت، وهو في حالة التوريث لايعد مشكلة طالما ان الوريث موجود، ولكنه في الحالة الثانية فقط يؤدي الى ظهور دماء جديدة في القيادة او الزعامة، سمه ماشئت، او قد تندثر تلك الجهة باندثار صاحبها.

تلك القيادات ووفقا للنسق الثقافي والاجتماعي والايديولوجي، لايمكن لنا ان نتصور يوما انها يمكن ان تسمح بظهور قيادات جديدة بين قواعدها للمنافسة على المكان الاول او تصدره، لانها محكومة بمقولة (انا القائد والاخرون تابعون) ولايمكن ان يتسرب الى تلك القواعد مقولات التغيير او الانتخاب او راي الاكثرية وغيرها من ادوات، ولايمكن والحال كهذه الا الانشقاق وهو كثيرا مارأيناه في تجارب عربية وعراقية كثيرة.

كتلة التغيير انشقت عن الاتحاد الوطني بسبب ماوصف انه نهج دكتاتوري للقائد او الزعيم او الرئيس جلال طالباني ولاسباب اخرى يعد الصراع على الزعامة ابرزها. العراقية البيضاء انشقت عن العراقية، وبدر انشقت عن المجلس الاعلى، والفضيلة عن التيار الصدري، ومثلها عصائب الحق، لنفس السبب واسباب اخرى، اهمها كما ذكرنا احساس كل فرد داخل تلك الحركات او الاحزاب بانه يمكن ان يكون القائد او الزعيم او الرئيس، والحظوظ متساوية.

يمكن التعامل مع الصغار الطامحين للوقوف في الصف الاول، فهم عادة لايمتلكون التاريخ ولا الحضور امام قياداتهم، ويمكن التاثير على اتباعهم القليلين، وهو دائما قلة، لكن التعامل مع الكبار اكثر صعوبة.

لا أحد منهم يقبل ان يتراجع الى الخلف في كادر الصورة، ولا احد منهم يقبل ان يؤدي دور الرجل الثاني او الثالث او حتى الكومبارس على مسرح اللقاءات او المشاورات او الحصول على الامتيازات، الجميع يجب ان يكونوا متساوين او يجب ان يكون واحدا منهم هو الاول في كل شيء، في القرار او الفعل او على الاقل المشاركة فيهما، والا فالتصادم واقع لامحالة.

ينشغل اقليم كردستان هذه الايام بمعركة من نوع اخر وهي معركة اللاءات الثلاثة، والتي تقودها تجمعات المعارضة الكردية (حركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية) وهذه اللاءات هي: رفض التمديد للولاية الحالية لرئيس الإقليم مسعود بارزاني، وكذلك ترشحه لولاية ثالثة، ورفض إجراء أي تعديل على قانون رئاسة الإقليم بما يسمح لبارزاني الترشح لولاية ثالثة.

وكان بارزاني قد نسف جهود حزبه والاتحاد الوطني التي بذلت على أرفع المستويات القيادية، والهادفة إلى إقناع قوى المعارضة الكردية بالموافقة على تمديد ولايته لسنة أو اثنتين بإعلان قراره المفاجئ عن إجراء الانتخابات الرئاسية بحلول يوم 8 سبتمبر (أيلول) القادم. وذكرت مصادر قيادية بالاتحاد الوطني أن (قرار تنظيم الانتخابات اتخذه بارزاني من دون مشاورة حليفه حزب الاتحاد الوطني).

وقالت مصادر كردية إن بارزاني (شعر بالإحباط من جهود حزبه (الديمقراطي الكردستاني) والاتحاد الوطني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني لإقناع المعارضة الكردية بتمديد ولايته، ولذلك قرر إجراء الانتخابات الرئاسية مهما كلفه الأمر).

والتمديد لبرزاني كما يرى قادة المعارضة هو (تكريس للديكتاتورية) التي كثيرا ماسمعنا مسعود البرزاني محذرا منها حين يكون الحديث عن المالكي رئيس الوزراء العراقي.

الاعلام العراقي لايسلط الضوء على هذا الصراع الكردي – الكردي، لانه منشغل فقط بديكتاتورية المالكي المفترضة، او لان الاقليم بعيد عن بغداد ولايمكن سماع اصوات الاعتراضات الكردية، او اننا لسنا معنيين بديكتاتورية الاخرين. او ربما اسباب اخرى نجهلها وتعرفها وسائل الاعلام الموالية للزعيم الكردي التاريخي ولا نعرفها نحن.

الصراع بين المالكي وبارزاني، ربما هو الابرز بنظر الكاتب، بعيدا عن صراعات اخرى بين المالكي وغيره من القيادات او الزعامات العراقية الاخرى. لانهما وحدهما يحوزان على اكثر من مصدر للقوة لا يتوفر عليها بقية القيادات.

فالمالكي بيده سلطة القرار في المركز الاتحادي، رغم مايعترض ذلك القرار من مماحكات واعتراضات تنطلق من صراع المصالح، وصراع المنافسة، وبرزاني ايضا بيده سلطة القرار، وهي سلطة اوسع في الحكومة والبرلمان الكرديين من المالكي.

يتفوق البرزاني على غريمه المالكي بان دستور الاقليم لم يتم التصويت عليه حتى الان، في حين ان هناك دستور حاكم في المركز، رغم الاعتراض على بعض فقراته، وهي مساحة تتيح لمسعود البرزاني الحركة فيها اكثر من المالكي.

اضف الى ذلك، ان جميع الازمات الماضية كان مسعود البرزاني هو قطب الرحى بالنسبة للمختلفين مع المالكي، فهو وحده الذي يزار الى اربيل وتشد اليه الرحال من قبل اياد علاوي او اسامة النجيفي او مقتدى الصدر او عمار الحكيم.

هذه المكانة التي منحتها اليه عدة ظروف لايمكن لها ان تجعله الا ان يشعر بانه (صانع الملوك) في العراق وبان ديكتاتوريته الناشئة من هذا الوضع هي ديكتاتورية الحكماء، وهي عادلة وواجبة ومطلوبة،لانها تنطلق من مشروع وطني كما يقال، امام ديكتاتورية المالكي المفترضة، والتي لاتستطيع ان تجمع الاضداد حولها، وان فعلت فهو تجمع للمصالح الشخصية فقط.

سبب اخر يجعل من ديكتاتورية البرزاني مسكوتا عنها، وهي انها لايمكن ان تمتد الى بغداد، حيث ديكتاتوريات الاخرين، وبالتالي لاوجه للتنافس او الصراع معها على مراكز النفوذ والسلطة في المركز، لان مسعود البرزاني في بغداد لايستطيع ان يستثمر مصادر قوته التي له في الاقليم بين قيادات وزعامات اكثر رسوخا منه في اماكنها التقليدية.

بعيدا عن المساجلات الاعلامية، فان زعيمان او قيادتان في العراق هما المتناطحان، وهما المالكي وبرزاني، اما البقية فهم اصداء لهذا الغبار المتطاير من وقع التناطح، والجميع لايرغب ببقاء واحد منهما قويا على حساب الاخر، لان الجميع يعرف ان التناطح يذهب بقوتهما، والضعيف يسهل املاء الشروط عليه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/نيسان/2013 - 4/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م