شبكة النبأ: هناك ترابط وتعالق كبير
بين الحرية والبناء الاقتصادي السليم، بمعنى لا يمكن أن تتحقق الكرامة
الاقتصادية والاكتفاء للفرد والمجتمع، ما لم يدعم ويعاضد تحقيق هذا
الهدف، فكر حر متحضّر يقبل الآخر ويتحاور معه بعيدا عن التطرف والقبلية
والتعصب، لذا أينما تجد إقتصادا متطورا، واكتفاءً ذاتيا وجماعيا، فإن
الحرية لها قصب السبق في تحقيق هذا التطور وهذا الاكتفاء، الذي يحقق
كرامة الفرد والمجتمع في الجانب الاقتصادي.
ولا شك أن تحقيق الكرامة الاقتصادية يتطلب المؤازرة والتعضيد، وهنا
يبرز دور الفكر المتحرر في هذا الميدان، ولكن لابد أن يكون هناك
استعداد ذاتي فردي وجماعي نحو التغيير الى الافضل من خلال التجديد،
وهذا يتعلق بالانسان ومدى قدرته على تغيير نفسه أولا.
لذلك يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمي، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم الموسوم بـ (لنبدأ من جديد)، في
هذا المجال على: (إن التجديد يبدأ من نفس الإنسان، فإنه إذا لم يصلح
الإنسان نفسه لا يمكنه إصلاح غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق به،
الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والطبيعي وغيرها، وقد قال سبحانه: ]إنّ
الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم[). ثم يؤكد سماحته ايضا
فيقول في الكتاب المذكور نفسه: (إن أوّل التغيير إلى الصلاح أو الفساد
هو الإنسان).
عوامل الفشل الاقتصادي
لا شك أن هناك عوامل كثيرة ظاهرة ومبطنة، تُسهم بشكل أو بآخر في
الفشل الاقتصادي للبلد، وقد عانى المسلمون سابقا وراهنا، أوضاعا صعبة
تتعلق بطبيعة حياتهم، مع أنهم يملكون في الغالب ثروات كبيرة، طبيعة
بشرية، وقدرات هائلة على العيش في ظل رفاهية متميزة، عندما يتم تحقيق
الكرامة الاقتصادية على مستوى الفرد والعائلة والمحيط الاجتماعي، لكن
الذي يحصل في الغالب غياب الحرية وانتشار الجهل والتخلف، ثم فقدان فرصة
التقدم في كل ميادين الحياة، وغالبا ما يتم إلقاء اللوم على الغرب.
لكن الامام الشيرازي يرى في هذا الصدد: (إن بلاد الإسلام وقعت ضحية
التخلف والفساد والجهل والمرض والفقر والفوضى والرذيلة، لماذا؟ الغالب
أن يكون الجواب: انه من صنع الغرب، لكن لنتذكر انه لولا إرادة نفس
المسلمين وضعفهم لم يستطع الغرب من النفوذ إطلاقاً).
ويضع الامام الشيرازي شرط مهم لتحقيق التغيير، وعودة المسلمين الى
سابق عهدهم من حيث التطور والتقدم الذي تحقق لهم سابقا، إذ يؤكد سماحته
أولوية هذا الشرط قائلا: (إذا أردنا رجوع المسلمين إلى سيادتهم السابقة،
فاللازم توفير القادة الأكفاء، وطبع ملايين الكتب وبمختلف المستويات،
لتبيين مناهج الإسلام الملائمة لهذا العصر في كل أبعاد الحياة السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها).
اذاً حتى يتم تحقيق التقدم الاقتصادي وتعضيد الكرامة الاقتصادية
لابد من قادة اكفاء يرسمون ويخططون ويقودون عمليات التنفيذ، وهذا يتطلب
مراعاة متواصلة لأسس التقدم، وأهمها (الحرية) و (العلم) و (الصناعة)،
وهي أسس يعود تحقيقها وبناؤها على القادة والحكومات أولا.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (من أهم ما يلزم في البدء من
جديد: رعاية أسس التقدم وهي الحرية والعلم والصنع. فاللازم على من يريد
التحرك لإنقاذ البلاد وإسعاد العباد أن يهتم بهذه الأمور الثلاثة. أما
الحرية فهي أساس البقاء ثم التقدم، إن الإنسان إذا لم يكن حراً لم يبق
حياً فكيف يمكنه أن يتقدم؟). ويضيف الامام قائلا في هذا الخصوص ايضا: (الحرية
هي أوّل متطلبات العمل للإنقاذ، وحيث أراد الغرب تحطيم بلاد الإسلام
فعل أوّل ما فعل: أن سلّط حكاماً دكتاتوريين على هذه البلاد فسلبوا من
الشعوب الحرية، وبذلك سلبوا منهم كل شيء).
وهكذا نلاحظ الترابط بين الحرية وبين تحقيق التقدم في الاقتصاد،
والذي ينعكس بدوره على جميع مجالات الحياة الاخرى، لأن تحسن الاقتصاد
يعني بالتالي تحسين الصحة والتعليم والزراعة، لاسيما اذا كان القائمون
على ادارة البلد من الكفاءات والخبرات المتخصصة.
تحصيل الكرامة الاقتصادية
من الامور المعروفة لنا جميعا، أن الحرية غالبا ما تكون مفقودة في
المجتمعات الاسلامية الموزعة على دول وانظمة وحكومات متباينة، ولذلك
لابد أن يكون هناك سعي ذاتي فردي عائلي ومجتمعي، لتحقيق الاكتفاء
والكرامة الاقتصادية.
لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب بكتابه المذكور نفسه: (هناك
طرق عديدة لتحصيل الكرامة الاقتصادية: من بدائياتها الأعمال اليدوية،
ومنها الاهتمام ببساطة الحياة وعدم التجمل، فبإمكان كل رجل وامرأة
وطفل، بالنسبة إلى الأعمال الخفيفة اللائقة به، أن يعمل ما يناسبه حتى
الأعمال اليدوية كالغزل والنسيج والحياكة والخياطة والزراعة وتربية
الدواجن وغير ذلك).
ولا يُستثنى أحد أو شريحة او طبقة من المشاركة في تحقيق الكرامة
الاقتصادية، إذ يقول الامام الشيرازي ايضا: (حتى رجال الدين يلزم أن
يكتفوا ذاتياً ويعيشوا في كرامة اقتصادية). وثمة توابع وعوامل وربما
تسمى شروط ايضا، لتحقيق الاكفاء، حيث العمل من لدن الجميع، وفي جميع
المجالات العملية الانتاجية المتاحة، فردية او عائلية أو جماعية، بمعنى
على الجميع القيام بعمل ما حسب القدرات المتوفرة.
لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (من توابع الاكتفاء
الذاتي والكرامة الاقتصادية: أن يعمل الإنسان كلّ شيء يتمكن عليه
بنفسه، من الكنس والغسل والطبخ والطحن والخبز وتعليف الدابة، وإصلاح ما
يتمكن عليه من الوسائل القديمة أو الحديثة، وتقطيع الحطب وتشذيب
الأشجار والزرع والسقي والصبغ إلى غيرها.. فإن الإنسان إذا تعلم كل
تلك وعمل بها حسب الممكن مما يسمح به وقته، استفاد).
وهكذا نلاحظ أهمية الجهد الفردي والجماعي في تحقيق الاكتفاء الذاتي،
والكرامة الاقتصادية، التي يصعب تحقيقها في حالة ضعف او غياب الاستعداد
للتغيير، فضلا عن فقدان الحرية، الذي يؤدي الى تعويق البناء في كل
مجالات الحياة. |