بريطانيا... اشكاليات اجتماعية تفت بعضدها الهرم

 

شبكة النبأ: تواجه الحكومة البريطانية كغيرها من الحكومات الأخرى جملة من المشاكل والتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية داخليا وخارجياً، يضاف الى ذلك ملفات الفساد التي أصبحت احدي السمات المهمة لساسة هذه البلاد، التي تعيش اليوم في مستنقع الفضائح المستمرة والمتكررة بحسب بعض المراقبين، التي أسهمت بازدياد معاناة المواطن البريطاني الذي أصبح يعاني من ارتفاع معدلات الجريمة وغيرها من الأمور الأخرى بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وفي هذا الشأن أكد بحث اجتماعي أعده مركز الأمير للدراسات الاجتماعية في بريطانيا ان 10 بالمائة من الشباب غير العاملين لا يستطيعون التعامل مع متطلبات الحياة اليومية، وهو ضعف العدد الذي يعاني هذه الإعراض بين الشباب العاملين او في مراحل التعليم المختلفة. والبحث السنوي استطلع أراء أكثر من 1300 شاب تتراوح اعتمارهم بين 16 و 25 عاما.

واوضح البحث ان 27 في المئة من الشباب العاملين يعانون من اضطراب نفسي او اكتئاب بينما تزايدت النسبة الى 48 في المئة بين اقرانهم الذين لا يعملون ولا يقومون بالدراسة. كما اوضح البحث ان 22 في المئة من العينة لا يجدون شخصا يتحدثون معه عن مشاكلهم. وللعام الخامس على التوالي يكشف البحث عن طبيعة الحياة التى يعيشها قطاع الشباب في بريطانيا في عدة مناطق مختلفة بناء على علاقاتهم الاجتماعية والعائلية ومستوى رضاهم النفسي عن اوضاعهم علاوة على اتزانهم العقلي.

وقالت مرتينا ميلبورن مديرة مركز الامير للدراسات الاجتماعية " عدد مخيف من غير العاملين في قطاع الشباب اكد انه لا يستطيع التعامل مع المتطلبات اليومية للحياة كما ان الامر يصبح اكثر صعوبة للذين لا يجدون مساندة من المجتمع". واضافت "اننا نعلم ان الحياة قد تضع ضغوطا نفسية تؤثر على الحالة المعنوية لهؤلاء الذين مروا بطفولة صعبة حتى اصبحوا شبابا بالغين عاطلين عن العمل لكن بالشكل السليم والمساندة الايجابية نستطيع ان نعيدهم الى الطريق الصحيح".

التفكك الأسري

من جانب اخر أشارت دراسة إلى أن المملكة المتحدة بها أحد أكبر معدلات التفكك الأسري في العالم الغربي، حيث لا يعيش سوى 68 في المئة من الأبناء مع والديهم. وجاءت المملكة المتحدة في المرتبة الرابعة، في تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وسبقتها بلجيكا ولاتفيا وإستونيا. وصنفت فنلندا كأعلى دولة يعيش الأبناء فيها مع آبائهم بنسبة 95.2 في المئة.

لكن أقل النسب سجلت في لاتفيا، حيث بلغت 64.9 في المئة، فيما كانت نسبة ألمانيا 82 في المئة وإيطاليا 92.1 في المئة والولايات المتحدة 70.7 في المئة. وأظهرت الدراسة، أيضا، أن نسبة الأبناء الذين يعيشون مع أمهاتهم وليس آبائهم تبلغ 27.6 في المئة بالمملكة المتحدة، فيما تبلغ نسبة من يعيشون مع آبائهم فقط 2.4 في المئة. وكانت نسب الأبناء الذين يعيشون مع أمهاتهم فقط مرتفعة في لاتفيا، حيث بلغت 30.2 في المئة.

وتقول مؤسسة الزواج البريطانية إن الإحصاءات تظهر أعراض "وباء مروع هو التفكك الأسري". وقال مدير الاتصالات هاري بنسون بالمؤسسة إنه يتعين "إقناع السياسيين من كافة الأطياف بفشلهم الواضح في التعامل مع المشكلة الاجتماعية الرئيسة في الوقت الحالي." وأضاف: "تدلل آخر البيانات الخاصة بالمملكة المتحدة أن 450 طفلا من كل 1000 ينفصل آبائهم قبل أن بلوغهم السادسة عشر." وأشار إلى أن التفكك الأسري يكلف الحكومة البريطانية 44 مليار جنيه استرليني كل عام لكن "ليس لدى الحكومة سياسة لتقليل أو منع الزيادة المستمرة في هذه الحالات."

ويقول وزير العمل والمعاشات البريطاني ايان دنكان سميث إن التفكك الأسري قد يكون له تأثير مدمر على حياة الأطفال. ويضيف: "استثمرنا بالفعل 30 مليون جنيه استرليني لدعم العلاقات الأسرية ومنع تفككها." وأشار إلى ان الحكومة تعمل على تحسين الدعم المتاح للأفراد الذين يعانون من عنف أسري من خلال معاقبة الجاني وبذل المزيد من أجل تثقيف الصغار."

التدفئة مقابل الطعام

 في السياق ذاته كشفت دراسة جديدة أن الارتفاع الحاد في فواتير الطاقة يجبر ربع الأمهات البريطانيات على وقف استخدام التدفئة في منازلهن في عز فصل الشتاء، لتوفير الأموال من أجل اطعام أطفالهن. ووجدت الدراسة، التي نشرتها صحيفة (ميل أون صندي) أن 56% من الأسر البريطانية تتوقف عن استخدام التدفئة في منازلها بعد ذهاب أطفالها إلى المدارس أو خروجهم منها بسبب ارتفاع اسعار الطاقة، والذي دفع أعداداً متزايدة من البريطانيين لاستخدام البطانيات والملابس الإضافية في منازلهم للحصول على التدفئة المطلوبة. بحسب يونايتد برس.

وقالت إن الخبراء توقعوا ارتفاع عدد الأسر البريطانية التي تعاني من "فقر الوقود" بمعدّل الضعف بحلول العام 2016، وتقوم أكثر من نصفها الآن بوقف التدفئة في منازلها بعد خروج أطفالها، في حين يستخدم البالغون البطانيات والملابس الاضافية لمقاومة البرد. وأضافت الدراسة أن 23% من الأسر البريطانية تواجه حالياً الاختيار بين شراء الطعام أو استخدام التدفئة، واعترفت نسبة تصل إلى خُمسها بأن أطفالها يمرضون بصورة منتظمة جرّاء البرودة في منازلها. وأشارت إلى أن 88% من العائلات البريطانية اعترفت أيضاً بأنها أكثر قلقاً الآن ازاء فواتير الطاقة بالمقارنة مع العام الماضي.

أكبر حجماً

الى جانب ذلك حذر تقرير جديد من أن البدانة قد تحولت إلى وباء في بريطانيا، وصارت تكلف خزانتها 5 مليارات جنيه استرليني، أي ما يعادل نحو 8 مليارات دولار. وقالت صحيفة "ديلي اكسبريس" البريطانية، إن تقرير كلية الطب الملكية، كشف أن معدلات البدانة في بريطانيا أصبحت الآن ثاني أعلى معدلات من نوعها بعد الولايات المتحدة، ويعاني منها حالياً واحد من كل 4 من البالغين، وتوقع بأن تعاني الغالبية العظمى من سكانها من زيادة مفرطة في الوزن بحلول عام 2050.

وأضافت أن التقرير حذر أيضاً من أن سكان بريطانيا أصبحوا أكبر حجماً، ودعا السلطات الصحية لاتخاذ اجراءات عاجلة للتعامل مع المضاعفات الناجمة عن البدانة المفرطة، مثل أمراض القلب والسكري والتهاب المفاصل واضطرابات النوم. وأشارت الصحيفة إلى أن تقرير كلية الطب الملكية وضع عدداً من التوصيات، بما في ذلك إحداث دور جديد للحكومة البريطانية لتنسيق عمل الوزارات التي يمكن أن يكون لها تأثير في مكافحة البدانة، وتعيين طبيب متخصص بمعالجة السمنة في كل مستشفى، وإنشاء فرق متعددة التخصصات مكونة من الأطباء والجراحين والممرضات وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية للتعامل مع مشكلة السمنة المفرطة في جميع أنحاء المملكة المتحدة.

على صعيد متصل دافع رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون عن اصلاحه الجذري لنظام المخصصات الاجتماعية مؤكدا ان الاتكال على دولة الرفاه "اصبح نمط حياة مختارا" لبعض من مواطنيه. واعتبر كاميرون في رسالة نشرتها صحيفة "ذي صن" ان "دولة الرفاه استحدثت لمساعدة اشخاص على الخروج من الفقر لكن هذا الامر ابقى الكثير من الناس رهينة هذا النظام. يجب ان يكون اجراء موقتا في الفترات الصعبة، لكنه اصبح نمط حياة مختارا للبعض". واضاف ان نظام المخصصات الاجتماعية "صمم ليجمعنا الا انه بات الان مصدر مرارة".

وتابع يقول "لا احد يريد ان يعمل بكد وان يرى عائداته التي كسبها بعرق جبينه تستخدم لتمويل اشياء لا يمكنه ان يحصل عليها او تبقي اناسا في التبعية لاجيال" مدافعا عن اصلاح نظام المخصصات الاجتماعية الذي يدخل حيز التنفيذ خلال الشهر الحالي. واصلاح دولة الرفاه وهو الاهم في بريطانيا منذ عقود عدة، ينص خصوصا على سقف للمخصصات التي تدفع الى شخص في سن العمل (16 الى 64 عاما) وخفض مساعدة الاسكان في حال كانت العائلة تستفيد من مسكن شعبي اكبر من حاجاتها وتعديل المساعدة الى المعوقين. ويندرج في اطار سياسة الحكومة لعصر النفقات بغية خفض العجز العام وحث البريطانيين على ايجاد عمل على ما اكد كامرون. واتهمت المعارضة العمالية الحكومة من خلال الاصلاح، بفرض خفض "صادم" للعائدات على ملايين اشخاص.

بريطانيا واسكتلندا

في السياق ذاته صعدت الحكومة البريطانية حملتها لمنع اسكتلندا من الانسحاب من المملكة المتحدة ونشرت رأيا قانونيا يشير الى انها ستفقد عضويتها في المؤسسات الدولية مثل الاتحاد الاوروبي اذا اختارت الاستقلال. ويعتزم الحزب الوطني الاسكتلندي المطالب بالاستقلال والذي يقود الحكومة الاسكتلندية اجراء استفتاء على هذه القضية الحساسة سياسيا العام المقبل وقلل من أهمية تأثير التصويت بالموافقة على وضع اسكتلندا الدولي.

ولكن الرأي القانوني الذي ورد في 57 صفحة والذي أعده للحكومة البريطانية اثنان من كبار الخبراء المستقلين في القانون الدولي قال ان تأثير ذلك سيكون بعيد الاثر مشبها الموقف بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 حين أعلن ان روسيا هي الوريث الشرعي لاتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية وكان على 14 جمهورية سوفيتية أخرى صياغة علاقاتها الدولية من جديد.

وقال ان اسكتلندا ستعتبر من الناحية القانونية "دولة جديدة" وهو سيناريو سيجبرها على ان تتقدم بطلبات جديدة للانضمام للمنظمات الدولية مثل الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وحلف شمال الاطلسي. ويعكس القرار غير المعتاد للحكومة البريطانية بنشر مثل هذا الرأي قلقها من احتمال ان تصوت اسكتلندا لصالح الاستقلال مما يؤدي الى تفكك المملكة المتحدة التي تضم انجلترا واسكتلندا وويلز وايرلندا الشمالية.

وقالت الحكومة "اذا اصبحت اسكتلندا مستقلة فان (المتبقي) فقط من المملكة المتحدة سيواصل تلقائيا ممارسة نفس الحقوق والالتزامات والسلطات بموجب القانون الدولي مثلما تفعل المملكة المتحدة حاليا ولن تضطر لاعادة التفاوض بشأن المعاهدات القائمة او التقدم بطلبات جديدة للانضمام للمنظمات الدولية." وأيد هذا الرأي جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الاوروبية حين سئل عن اسكتلندا وقال مرارا ان اي دولة جديدة تنفصل عن دولة عضو في الاتحاد الاوروبي سيكون عليها ان تتقدم مجددا بطلب لعضوية الاتحاد.

وتواجه الحكومة الاسبانية تحديا مماثلا مع اقليم قطالونيا حيث أظهر استطلاع للرأي واحد على الاقل ان أكثر من نصف الناخبين في قطالونيا سيحبذون الاستقلال اذا سنحت الفرصة. وتدخل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في الجدل وأقر بأن اسكتلندا لديها ما يؤهلها لان تصبح دولة مستقلة ولكنه قال انها تتمتع حاليا كجزء من المملكة المتحدة "بافضل مافي الوضعين." وحث كاميرون اسكتلندا على عدم تمزيق اتحاد مع انجلترا يعود تاريخه لاكثر من 300 عام. وكتب كاميرون في مقال نشر في الصحف الاسكتلندية يقول "الامر ببساطة.. بريطانيا تعمل بشكل جيد. فلماذا تفكيكها؟."

والمستقبل السياسي لكاميرون وتاريخه قد يتأثران. فهو يعتزم خوض الانتخابات العامة المقبلة في بريطانيا عام 2015 وحزب المحافظين الذي ينتمي له لن يغفر له ان يكون في السلطة بينما تنهار المملكة المتحدة. وتشن الاحزاب الرئيسية في لندن حملة مشتركة ضد الاستقلال مدركة ان الحزب الوطني الاسكتلندي بزعامة اليكس سالموند سيبذل كل ما بوسعه للفوز في تصويت على سياسته المطالبة بالانفصال. بحسب رويترز.

وحملة "نعم لاسكتلندا" التي تستند الى تنافس تاريخي بين الانجليز والاسكتلنديين وقناعة بان البرلمان البريطاني في لندن لا يمثل المصالح الوطنية الاسكتلندية تريد ان يصبح الاستقلال حقيقة عام 2016 . وانفصال اسكتلندا قد يخلق مشاكل خطيرة لباقي المملكة المتحدة. فاسطول الغواصات النووية البريطاني متمركز في اسكتلندا والعائدات النفطية من بحر الشمال الاسكتلندي مازالت تلعب دورا مهما في الخزانة البريطانية ويقول محللون ان بريطانيا ستجد صعوبة في الاحتفاظ بصوتها في أجهزة دولية مثل مجلس الامن التابع للامم المتحدة وأيضا في جهاز صياغة القرارات في الاتحاد الاوروبي.

دوريات إسلامية

على صعيد متصل أعلنت الشرطة البريطانية عن اعتقال خمسة رجال في لندن بعد ظهور تسجيلات فيديو عن "دوريات إسلامية" تعرض افرادها للمارة بالمضايقة لانهم مثليون او لانهم يشربون الكحول وكذلك للفتيات اللواتي يرتدين ملابس قصيرة. وفي وقت سابق من هذا الشهر عرضت على موقع يوتيوب تسجيلات الفيديو التي التقطها هواة في شوارع شرق لندن التي تسكنها اعداد كبيرة من المسلمين.

ودان جامع شرق لندن في ويتشيبل المسؤولين عن هذه "الدوريات" وقال انهم "اقلية ضئيلة" وان اعمالهم "غير مقبولة تماما وتهدف بشكل واضح الى اثارة التوترات وزرع الفرقة". واعرب مسؤولون في قسم المباحث عن قلقهم من تسجيل فيديو تحت عنوان "مسلمون في لندن يضايقون ويتهكمون على رجل مثلي".

وسمع في التسجيل صوت يقول "الا تعلم انك في منطقة مسلمة .. انت تسير في منطقة مسلمة مثل المثلي. عليك بالخروج من هنا. انت قذر .. انت مثلي اخرج من هنا، ايها المثلي اللعين". ودعت رئيسة قسم المباحث ويندي مورغان الشخص الذي تعرض للمضايقة الى الحضور الى الشرطة، مؤكدة ان الشرطة "تاخذ مثل هذه التصرفات المعادية للمثلين على محمل الجد".

وفي تسجيل آخر تحت عنوان "المسلمون يطبقون الشريعة في شوارع لندن" بتاريخ كانون الثاني/يناير 2013، يمكن سماع اصوات عدد من الرجال يقولون لامراة ترتدي فستانا قصيرا "لا ترتدي ثيابا كهذه في منطقة مسلمة". كما يطلب رجال من عدد من المحتفلين الابتعاد عن المسجد ويطلبون من احدهم ترك البيرة التي كان يشربها، حيث قال احدهم له "ممنوع شرب (الكحول) في هذه المنطقة. هذه دورية اسلامية. الكحول مصدر شر".

وتم اعتقال خمسة رجال تتراوح اعمارهم ما بين 17 و29 عاما للاشتباه بالحاقهم ضررا جسديا بالغا وارتكاب مخالفات تتعلق بالنظام العام. واعتقل احدهم في اكتون في غرب لندن بينما اعتقل الاخرون في شرق لندن، بحسب الشرطة. وفي بيان على موقعه على الانترنت، قال مسجد شرق لندن ان ما يسمى ب"الدوريات الاسلامية" تعرضت لعدد من افراد الشعب في الشوارع امام مبنى المسجد في وقت متاخر في الليل، وهذا امر لا نرحب به. بحسب فرنس برس.

واضاف "نحن ندينهم بشكل تام. ان مسجد شرق لندن ملتزم ببناء التعاون والانسجام بين جميع الطوائف في هذه المنطقة. ان تصرفات هذه الاقلية الصغيرة ليس لها مكان في ديننا او في شوارعنا". وقال المسجد في البيان انه ابلغ الشرطة والسلطات المحلية عن تواجد هؤلاء، ودعا اي شخص يتقربون منه ان يبلغ الشرطة عنهم. واضاف البيان "سنراقب الوضع عن كثب وسيتحدث ائمتنا ضد هذه التصرفات".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/نيسان/2013 - 3/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م