الحكومة: لمـــاذا لا يصدقنا الناس؟

منصور الدرناوى

لأنهم يعرفون أن الميزانية الضخمة القادمة ستدفع دفعا إلى الفساد. ولأنكم قلتم لنا: لا نستطيع منع الفساد. لأنه يحتاج مساندة الجميع بما فيها المجتمع المدني والصحافة ورجال ونساء مكافحة الفساد. وهذا كلام جميل فقط. وليس خطة حكومية من وضع خبير. وتعالوا نستعرض التفاصيل المهمة جدا.

قال مسؤول ملف الميزانية بالمؤتمر:

" ديوان المحاسبة ليس له القدرة على إتمام عملية الرقابة في الوقت الحالى ".

كما نذكر نحن كلام وزير سابق: " أموال ليبيا تدخل من الباب وتخرج من الشباك".

ويقول الصحفي أحمد الخميسي: " تقارير ديوان المحاسبة لم تجد آذانا صاغية لدى أعضاء المؤتمر ولم يتحدثوا عنها حتى سرا". لكن الحكمة لم تكن بعيدة عن البعض. فقد أكد الخبير المالي عبد القادر التائب أنه " على الأجهزة الرقابية تقديم المخالفين للقضاء. وعلى هيئة النزاهة كشف المتورطين في الفساد. وعلى الحكومة توفير جميع المعلومات والبيانات لوسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني لوضع الميزانيات تحت مجهر الرقابة ".

هل هذا كلام يطمئن المواطن الذي يأتمنكم على ثرواته؟ كلا. لأن المواطنين تعودوا على الكلام المنمق الذي يعرفون أنه لا يعنى أبدا ما يبديه. واسألوا جميع الوزراء العرب في كل مكان. من المحيط إلى الخليج !

إذن: أين المفر؟ تعالوا معي نتابع قصة الفساد العربي المخيف لكي نتعظ ونتعلم ونخطط لطريقة عمل جديدة قد تفيد في توجيه السفينة... قبل أن يغرقها المفسدون.

ـ يقول كاتب جزائري إن إعادة الثقة بالحكومة أمر مستحيل. " إن مدينة الجزائر العاصمة التي تمتد مسافة 60 كيلومتر، وبها أربعة ملايين نسمة لا تتوفر على مرحاض عمومي واحد (أكرمكم الله). السلطة التي تعجز عن توفير أبسط خدمة كهذه لا تستحق الثقة. طبعا الصحفي هذا لايعرف أن بنغازي لا تقاسى فقط من نفس التقصير المبكى المضحك أمام العالم، بل تفوق الجزائر معاناة وحسرة، إذا أضفت إلى نواقصها المستدامة: الفندق البلدي المخجل، سوق السيارات المبكي من حيث موقعه خاصة، وما يسببه من إختناقات مرورية تسبب الذبحة..إلخ

ـ يقول الكاتب المصرى شعبان عبد الرحمن (بموقع طريق النزاهة): لم تعد الجهات الرقابية قادرة على ملاحقة جرائم تهريب المواد البترولية (البنزين والسولار) من كثرتها وضخامة الكميات المضبوطة. والمؤكد أن هذا التهريب يتم عبر شبكة واسعة من المهربين المحنكين وذوى النفوذ وذوى القدرة الفذة على تصريف المواد المهربة الهائلة إلى مستقرها النهائي ".

ـ سيقوم فريق متخصص في مكافحة الفساد، مدرب من قبل وكالات الأمن الأمريكية والبريطانية، بالتحقيق في الجرائم التي يرتكبها كبار المسئولين الأفغان. لماذا هذه الخطوة؟ التي تعيد المستعمر من الشباك؟ لأن المستشارين الدوليين لم يعودوا يثقوا في المراقبين الوطنيين. فقصص سرقاتهم وتآمرهم على نهب المال العام وصلت حد إفلاس المصرف المركزي وتهديد سلامة إقتصاد الدولة المنهكة. لكن هذا الحل لا يطمئن أيضا. فالمتهمون المدانون لابد أن يحاكموا وتنفذ أحكامهم عمليا. لكن هذا لن يكون أمرا ممكنا إذا قارناها بما حدث ويحدث فعليا في الجزائر وهما المغرب الأحسن حالا، حيث لا تستطيع الحكومة تحقيق العدالة إلا على الضعيف من المواطنين من الأغلبية الصامتة. أما كبار المتنفذين فيهربون إلى باريس ولندن وروما ليتنعموا بما غنموه من بلايين الشعب. ولا أحد يطالهم. حتى العدالة. لأن رفاقهم من المفسدين والتابعين لا زالوا في السلطة.

ـ يقول د ـ تركى بن خالد:" إن أحد أخطر أوجه الفساد هو فساد عمليات التعيين بقطاع التعليم. فآثاره كارثية. إذ عندما يصل أشخاص إلى مواقع مهمة هم ليسوا أهلا لها، سيؤدى ذلك حتما إلى نشر ثقافة الفساد والتخريب والعبث بحاضر مؤسسات الوطن ومستقبلها.

فلنطالب الآن بالشفافية الكاملة في أسس وإجراءات تعيين المسؤول رقم 1 في التعليم العام والعالي وحاشياتهم ومساعديهم ومستشاريهم".

ـ تسلل مجهولون، في جنح الليل، إلى مقر مجلس قضاء العاصمة الجزائرية.

 لم يكن هدفهم داخل أعلى هيئة قضائية هو سرقة أموال أو عتاد. إنما وضع اليد على ملفات وقواعد بيانات محددة، لقضايا حالية يجرى التحقيق فيها. كانوا محترفين ومدربين ويعرفون المكان جيدا. فهل هذا يعنى أن المجرمين المدانين قد نجوا من أفعالهم؟

ـ كشف البنك الدولي في تقرير سرى أن القرض الذي منحه للجزائر سنة 2003 الذي استمات في الدفاع عنه شكيب خليل وزير الطاقة آنذاك، كان هدفه الوحيد خصخصة مشاريع النفط والغاز وطرد الدولة من هذا القطاع الذي هو العمود الفقري لإقتصاد البلد. وكان وراء شكيب خليل والمشروع الضخم عضو من مجلس الشيوخ الأمريكي ووكيل وزارة الطاقة الأمريكية. وشكيب هذا هو المتآمر الرئيسي في فضائح شركة سوناتراك النفطية والمتهم باستلام 200 مليون دولار مقابل تسهيل حصول الشركات الغربية على 35% من مشروع أنبوب الغاز العالمي الضخم.

ـ يقول عنا كبار ساسة الغرب وكذلك كبار الساسة العرب ممن شبوا على تعاليم وثقافة الرأسمالية الغربية إن العرب شعب لا يقرأ التاريخ، ولا يدرك ما يجرى وراء كواليس سياسات أوروبا وأمريكا، وداخل المجموعات المؤثرة في حكوماته الوطنية.

ـ فعلا، صدق الغرب. وصدق ساستنا العرب. وعلينا أن نجد الآن كل الطاقات الشعبية والصحفية وهيئات المجتمع المدني لتسلط كل عدساتها المكبرة على سلوك ساستنا الليبيين قبل أن يجرفنا تيار الفساد الجديد. وأقرؤوا، وعوا، ادركوا الفقرة التالية:

ـ تقول منظمة الشفافية العالمية إن العراق يخسر 800 مليون دولار في تحويلات خارجية غير قانونية كل أسبوع. (أعنى: كل أسبوع). لذلك قال وزير عراقي سابق:

" إن الفساد أكبر مما كان في أي وقت مضى. إنها لكارثة ".

ـ فهل هذا ما ينتظر ليبيا؟ الجواب: نعم. إذا لم يقف في وجه هذا الفساد القادم ـ كل رجل قادر غيور على وطنه ـ وكل إمرأة تحس بمسؤولية حقيقية تجاه هذا البلد ـ خاصة من الفئات التالية: الصحفيون، الكتاب، رجال مكافحة الفساد، ورجال مؤسسات النزاهة، وهيئات المجتمع المدني، ورجال الرقابة بكل أنواعها من موظفين وطنيين مخلصين. وهناك وسيلة فعالة أخرى لم نسمع عنها في ليبيا إلا النزر القليل: قيام المواطنين، كل في مكان عمله، بتبليغ الجهات القضائية عن أية مخالفة يعرفون عنها ـ في أي مكتب أو موقع كان. من رئاسة الوزراء إلى أقل موظف في المكاتب المحلية. ولعل الخبر التالي يوضح الفكرة:

ـ أقامت دائرة الخدمات الصحية في اسكوتلاندا خطا هاتفيا سريا يستعمله الناس دون مقابل ليبلغوا عن أية مخالفات مالية أو في معاملة المرضى أو المراجعين بهذه الادارة. وهى تجربة ستستمر سنة واحدة ثم يعاد تقييمها وتصحيحها. ما رأيكم أيها الإخوة؟ ألسنا في حاجة إلى مثل هذه العيون الساهرة المساندة لرجال الحكومة في كل مكان والذين لا يمكنهم، أبدا، مراقبة كل صغيرة وكبيرة في دوائرهم الإدارية.

رسالة عاجلة

السيد رئيس التحرير: رجاء بلغ رسالتي هذه إلى السيد رئيس الوزراء.

" هل يمكنكم سيدي تنظيم مؤتمر صحفي أسبوعي لكل وزارة لتبلغوا الشعب بالمعلومات المهمة التي يحتاج إليها ليطمئن على مصيره ومستقبل أولاده. وترأسون أنتم بأنفسكم مؤتمرا شهريا لتردوا على أسئلة الناس التي لم يستطع الوزراء قول كلمة الفصل في موضوعاتها المهمة. أنا على يقين أنكم لا تألون جهدا في أداء رسالتكم الرئيسية. لكنكم مقصرون في هذا الجانب. والله معكم. سعد اللواج، طبرق. "

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/نيسان/2013 - 3/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م