مصر وإيران... رغبة خجولة وهواجس مجهولة!

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبدو أن التطورات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة، تفتح الباب أمام تشكيل صفقات سياسية بين الدول الكبرى في المنطقة، وذلك بهدف إعادة ترتيب الأوضاع في المجال السياسي ورسم تحالفات إستراتيجية لتمرير أجندات سياسية إقليمية.

إذ تحاول إيران اليوم رسم إستراتيجية جديدة  تتواءم مع مصر الجديدة، وهو ما اتضح جليا من خلال المساعي الحثيثة التي تبذلها عاصمتا البلدين لتحقيق المزيد من التقارب بينهما، على الرغم من المخاوف والهواجس التي تفرض نفسها على الجانبين.

ومن الواضح ان العلاقات بين ايران ومصر تمر بمرحلة جديدة،  خصوصا بعدما بارد الرئيس المصري محمد مرسي إلى زيارة إيران في أواخر أغسطس/ آب من العام الماضي وذلك للمشاركة في قمة دول عدم الانحياز.

لتأتي بعدها زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى القاهرة في اوائل شباط (فبراير) الماضي للمشاركة في مؤتمر قمة الدول الإسلامية، لتجسد كلتا الزياتين نوايا لتوطيد العلاقة بينهما مستقبلا.

اذ تبدي الجمهورية الإسلامية الإيرانية حرصا بالغا في اعادة علاقاتها مع مصر من خلال خطوة الرئيس الايراني نجاد بإلغاء تأشيرات دخول السياح والتجار المصريين لبلاده من جانب واحد، كما تعتبر ايران ان مصر اكبر بلد عربي يتمتع بموقع جيو استراتيجي مهم.

في المقابل ترغب مصر بإيجاد علاقات قابلة للتحكم تدر عليها العملة الصعبة وتؤدي الى زيارات سياحية يقوم بها سياح ايرانيون الى مصر، بينما يرى بعض المناهضين للعلاقة في مصر انها رغبة من طهران لمد نفوذها داخل بلاد الفراعنة بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاثين عاما.

في حين يعتقد محللون سياسيون أن قرار إعادة العلاقات الكاملة بين إيران ومصر في هذه المرحلة صعب رغم دفء العلاقات بينهما مؤخرا، نظرا لمشاكل كثيرة منها الأزمة السورية وعلاقات القاهرة مع دول الخليج، فضلا عن الاختلاف المذهبي، بينما تأتي القضية الفلسطينية العامل المشترك الوحيد بين البلدين، وعليه فان فرصة تكوين علاقة سياسية حميمة بينهما مازالت ضئيلة جدا،  نظرا للمعوقات انفة الذكر.

ويعلل اولئك المحللون بأن حكومة الاخوان في مصر اعطت لنجاد الضوء الاخضر في زيارة مصر نكاية او ابتزازا للمواقف الخليجية الداعمة لمعارضي الاخوان في مصر، لذا ينظر الكثير من المراقبين إلى التقارب المصري مع إيران في اتفاقيات تجارية واقتصادية بتساؤل عن توقيت ومغزى هذا التقارب، إذ أن هذا الأمر حرّك - وبشدة - الرغبة الملحة في تحديد الموقف المصري حيال ملفات المنطقة، خاصة في أعقاب ما يظهر على السطح من توتر العلاقات مع بعض الدول الخليجية.

في حين يرى محللون آخرون بأن العلاقات المصرية الايرانية هي فرصة لتعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية المنقطعة منذ ثلاثة عقود تقريبا، علما بأن ايران يقاطعها المجتمع الدولي بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، لذا بادرت الجمهورية الاسلامية الايرانية لطرح مشروع تقدم من خلاله الدعم اللوجستي والاقتصادي لمصر بشكل خاص، وذلك لاستغلال الظروف والتحولات الإقليمية في الشرق الأوسط لكسب حلفاء جدد.

علاقة مثيرة للجدل

في سياق متصل أكد مساعد وزير الخارجية الإيراني للشرق الاوسط وشمال أفريقيا حسين امير عبد اللهيان أن بلاده لا تنظر بنظرة مذهبية لاي مكان في مصر سواء ديني او سياحي أوغير ذلك فهذا شأن داخلي مصري.

وقال اللهيان، في مؤتمر صحافي عقده بالقاهرة، انه ليس لدى ايران اي أجندة لإدارة المساجد المصرية، معتبرا أن هذا مجرد اتهامات وافتراءات كاذبة تبثها بعض الاطراف بقصد الاستفزاز وتحريض بعض الاطراف ضد ايران.

وردا على سؤال حول ما نشر عن صفقة لإدارة ايران للمساجد الفاطمية في مصر مقابل ثلاثين مليار دولار وحول موضوع السنة والشيعة ومخاوف التغلغل الشيعي في مصر وماذا ستفعل ايران لوأد الفتنة قال اللهيان انه 'بالنسبة لفكرة السنة والشيعة فهو موضوع فتنة يبثه أعداؤنا حيث اكد وزير خارجية ايران علي أكبر صالحي في زيارته الاخيرة للقاهرة صراحة بانه لو كان المقصود بالسنة هو تطبيق سنة الرسول محمد فنحن نعتبر انفسنا في ايران اكثر سنية من إخوتنا السنة وانه واذا كانت محبة ال البيت هي الشيعة فانتم في مصر اكثر شيعية مقارنة بنا'.

وأضاف اللهيان ان زيارته للقاهرة استهدفت التشاور مع المسؤولين المصريين وبعض الشخصيات الإقليمية، مشيرا الى انه التقى اخضر الإبراهيمي مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية للملف السوري والدكتور نبيل العربي الامين العام للجامعة العربية ووزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو.

وأكد أنه تم التباحث مع المسؤولين المصريين حول التطورات الجارية بالمنطقة اضافة للعلاقات الثنائية بالاضافة الى ملف سورية والقضية الفلسطينية والبحرين حيث قدم الشكر لجهود المسؤولين المصريين لعقد اجتماع لإيران مع الدول الست بالنسبة للملف النووي بمبادرة مصر.

أوضح ان علاقات مصر وإيران تتقدم في العديد من المجالات خلال العامين الماضيين ووصف مستوى العلاقات بالجيد والمناسب، مشيرا الى ان بلاده على استعداد كامل للتعاون ومساعدة الرئيس محمد مرسي والحكومة والشعب المصري.

وشدد اللهيان على ان للرئيس مرسي دور هام للغاية في تقدم مصر في مجالات مختلفة في الشؤون الاقتصادية والسياسية، مشيرا إلى ان ايران تعتبر زيارة مرسي لطهران وزيارة نجاد للقاهرة يمثلان منعطفا جديدا فى تطوير مستقبل العلاقات.

وقال إن بلاده تعتبر التطورات الفلسطينية أهم قضية 'في وقتنا الراهن وان العالم العربى والإسلامي مطالب بمتابعة هذه القضية لتحقيق الحقوق الكاملة العادلة لشعب فلسطين كما ان التطورات الإيجابية بالمنطقة تثبت ان الكيان الصهيوني في أسوأ وضع وهناك محاولات يائسة من بعض الاطراف لإنقاذه من هذا الوضع'.

وشدد على ان ايران ستستمر في دعم محور المقاومة في الشرق الاوسط، وقال 'وفي هذا الإطار فان ايران تدعم بقوة الشعب السوري وإصلاحات الرئيس بشار الاسد وتدعم الية الحل السياسي السلمي وتعتبر ان القرارات الصادرة من خارج سورية تمثل أخطاء استراتيجية'.

ودعا اللهيان كل الاطراف الداخلية السورية وكذا الإقليمية والدولية لبذل كل جهد لوقف العنف ونزيف الدم في سورية وتمهيد الأرضية المناسبة لإجراء الانتخابات في سورية في جو هاديء وأمن وأن يقرر الشعب السوري عن طريق الحوار الوطني والميثاق القومي مستقبل بلده ومصيره، اضاف ان بلاده لديها قلق مما يحدث بالبحرين ولكن رؤية ايران للتطورات الإقليمية رؤية موحدة في كل من الدول الثلاث في سورية والبحرين واليمن 'ونحن نعتقد بعدم التدخل الاجنبي والآلية الوحيدة لكل هذه الدول الثلاثة تكون عبر الحوار الوطني والحل السلمي وعلى حكومات هذه الدول العمل بشكل جاد لتطبيق الإصلاحات الشاملة والاهتمام بحقوق شعوبها'.

واضاف ان اساس استراتيجية ايران تجاه دول الجوار والعالمين العربي والاسلامي يتركز في الصداقة والعلاقات الاخوية مع الجميع، مشيرا إلى ان هناك من يردد من الاطراف الاجنبية ما يسمى بالخلاف بين والشيعة والسنة وهؤلاء لديهم فكرة لتوسيع هذه الفتنة، وقال 'ونحن كنموذج وعلى سبيل المثال كما قمنا بدعم حزب الله الشيعي في لبنان ندعم حركة حماس السنية وحركة الجهاد السنية بفلسطين'، وتابع 'نحن نعتبر الامن لدول الخليج هو امن ايران ونحن فى ايران اعلنا مرارا مدى استعدادنا للتعاون مع الجميع الا الكيان الغاصب الصهيوني'.

أول رحلة طيران من القاهرة لطهران بعد قطيعة 34 عاما

على الصعيد نفسه اقعلت مطار القاهرة أول رحلة طيران بين القاهرة وطهران منذ الثورة الإسلامية الإيرانية قبل 34 عاما، وذكرت تقارير محلية أن طائرة تابعة لشركة طيران "إير ممفيس" الخاصة توجهت إلى طهران وعلى متنها ثمانية ركاب إيرانيين بينهم دبلوماسيان، وأضافت أنه من المحتمل أن تنظم الشركة رحلات بين المدن الإيرانية والمطارات الإقليمية فى جنوب مصر.

لكن مصادر بالمطار قالت لبي بي سي إن الرحلة ليست تدشينا لرحلات منتظمة بجدول مواعيد محدد بين القاهرة وطهران، ولكنها رحلة طيران عارض أو ترويجي، وعلى متنها 8 ركاب فقط، وهي رحلة ذهاب فقط ولم يتقرر موعد عودتها، وأشارت إلى أن هذه الرحلة لطائرة من طراز "إم دي" مملوكة لرجل أعمال مصري.

صدقت الحكومة الإيرانية في اجتماعها على مشروع إلغاء تأشيرات الدخول بالنسبة للسياح المصريين القادمين إلى إيران، جاء ذلك خلال اجتماع الحكومة الايرانية، بحسب ما ذكرته وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء.

تأتي هذه الخطوة بعد مرور يوم على تسيير أول رحلة طيران بين القاهرة وطهران منذ الثورة الإسلامية الإيرانية قبل 34 عاما حيث غادرت طائرة مطار القاهرة فى بداية تدشين خط طيران بين مصر وإيران لنقل السياح الإيرانيين إلى مصر وعادت تحمل سياحا ايرانيين الى اسوان، وفرضت شرطة السياحة والآثار وأجهزة الشرطة المصرية في محافظة أسوان تدابير مشددة لتأمين 58 سائحا إيرانيا كانوا وصلوا إلى مطار أسوان الدولي، وتتولى مجموعات قتالية وفرق من أجهزة البحث تأمين السياح الإيرانيين في جولاتهم السياحية بين المناطق الأثرية في مدن محافظة أسوان . بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وتحيط أجهزة الشرطة تحركات أول مجموعة سياحية إيرانية تزور الأقصر وأسوان بالسرية خشية على حياتهم، خاصة بعد إعلان عدد من الجبهات والتيارات السلفية والإسلامية رفض دخول السياح الإيرانيين إلى مصر.

علاقة بین الرغبة والقلق

ووفقا للمستجدات الاخيرة في هذا المجال قال وزير السياحة المصري هشام زعزوع خلال مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس" أن السياح الايرانيين لاي شكلون تهديدا أمنيا لدولة مصر، وأضاف الوزير المصري أن السياح الايرانيين يساهمون في تحسين قطاع السياحة في مصر، وأفاد موقع جرس المحسوب على التيار الاصلاحي في تقرير له بأن قطاع السياحة في مصر شهد تدهورا كبيرا بسبب الحركة الاحتجاجية التي أدت الى الاطاحة بحكم حسني مبارك من جهة والتوترات والازمات السياسية والاقتصادية التي تلت ذلك من جهة أخرى، وقد تجاوز عدد السياح الوافدين الى مصر قبل الثورة المصرية 14 مليون شخص سنويا، غير أن هذا الرقم انخفض خلال العام المنصرم الى 10 ملايين سائح.

ونقلت اذاعة "فردا" (الغدا) الايرانية عن وزير السياحة المصري أن الحكومة المصرية لا تشعر بالقلق من محاولات السياح الايرانيين لتصدير الثورة الاسلامية الى مصر، وتابع زعزوع قائلاً ان التحضيرات لاستقبال السياح الايرانيين في مصر يجري استكمالها حاليا، ولكنه لم يحدد موعدا لتسيير الرحلات السياحية الايرانية الى مصر. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

ويبدو أن التصريحات التي ادلى بها وزير السياحة المصري حول ايران جاءت ردا على القلق الذي أعرب عنه عدد من الاطياف السياسية والدينية خاصة السلفيين ازاء استئناف العلاقات بين البلدين، وسبق أن صرح مساعد وزير الخارجية المصري علي العشري بأن دخول السياح الايرانيين الى مصر سيتم بناء على ظروف محددة حيث سيتمكن الايرانيون من زيارة عدد من المدن في الجنوب والمقاصد السياحية المنتشرة على شواطىء البحر الاحمر، ولا يمكنهم زيارة القاهرة، ويشعر المسؤولون المصريون بالقلق من إثارة التوتر بين السياح الايرانيين الشيعة والسكان المصريين من اهل السنة خاصة في القاهرة حيث يوجد عدد من المقاصد المذهبية للشيعة مما يؤدي الى وضع مثل هذه القيود على حركة السياح الايرانيين في مصر.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/نيسان/2013 - 2/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م