بناء الدفاعات الصاروخية لدول الخليج

عبر سلسلة من المكاسب الصغيرة

إيدي بوكس

أصبح تشكيل نظام دفاع صاروخي إقليمي فعال لدول الخليجي العربي أكثر قابلية للإنجاز خلال الأشهر الأخيرة وسط سلسلة من التحسينات المتواضعة ولكن بالغة الأهمية في التكنولوجيا والعقيدة. ويمكن للأثر المتراكم لتلك "النجاحات الصغيرة" أن يعزز التعاون الإقليمي، ولكن واشنطن ستكون بحاجة إلى لعب دور أكثر فاعلية لو أنها تأمل في ردع إيران.

التقدم في مجال الدفاع الصاروخي

تشمل النجاحات في نظام الدفاع الصاروخي الخليجي حتى الآن ما يلي:

· الاتفاق على أهمية وخطورة التهديد الإيراني

· "التعاون الثنائي متعدد الأطراف" تقوم فيه كل دولة من دول "مجلس التعاون الخليجي" بالتنسيق مع واشنطن على حدة، ثم تتولى واشنطن التنسيق مع دول أخرى -- وهي وسيلة مفيدة لتعزيز التعاون بين حكومات يغلب عليها هواجس الشك تجاه بعضها البعض

· إقرار عقيدة موحدة للدفاع الصاروخي والتقدم في وضع خطة وليدة للدفاع الصاروخي الإقليمي

· شراء تكنولوجيا صواريخ قابلة للتشغيل البيني يمكن دمجها بسهولة في درع موحد

وتوفر الانفراجات التكنولوجية الأخيرة على وجه الخصوص سبباً قوياً للتفاؤل بشأن احتمالات الدفاع الفعال ضد الصواريخ الإيرانية. لقد أصبحت النظم اليوم أكثر مقدرة بشكل متزايد، بما يوفر العديد من التحسينات التي تمثل أهمية لدول الخليج.

نظام الاستشعار عن بعد. في شباط/فبراير 2013، قام "القمر الصناعي لنظام المراقبة والتتبع الفضائي الأمريكي (STSS-D)" بتتبع هدف يشبه صواريخ "سكود" ونقل بيانات من خلال خط بيانات آمن ومقاوم للتشويش إلى سفينة "أيجيس" كانت راسية على بعد 500 ميل. وبعد ذلك قامت السفينة الحربية بتدمير الهدف باستخدام جهاز الاعتراض الموجه "إس إم-3 بلوك أي إيه". ومن خلال ذلك النقل للبيانات عن بعد، يمكن الآن إرسال إشارات إلى مصفوفات الدفاع الصاروخي التي تشمل صواريخ "أيجيس" وبطاريات "باتريوت" ونظم صواريخ أرض جو دفاعية من نوع "ثاد" (محطة دفاع المناطق المرتفعة) وتجهيزها لإطلاق النيران بسرعة أكبر، بينما لا تزال صواريخ العدو على بعد مئات الأميال. ولا تقتصر قاذفات الصواريخ اليوم على نطاق الرادارات الواقعة معها في نفس الأماكن وبذلك يمكنها تعظيم نطاق "الطيران" لأسلحتها الاعتراضية. وفي الخليج وتركيا وإسرائيل، يمكن للرادارات بعيدة المدى "إكس باند تي بي واي - 2" والأنظمة المحمولة جواً مثل الطائرات بدون طيار، وطائرات نظام الإنذار والسيطرة المحمول جواً - "إي 3 إيواكس" E-3 AWACS، وطائرات نظام رادار "إي - 8 جوينت ستارز" E-8 Joint STARS (التي تمثل نظام الرادار المشترك للمراقبة ومهاجمة الأهداف) و "ريفيت جوينت/كوبرا بول آر سي 135" نقل معلومات لحظية وممتدة عن إطلاق الصواريخ إلى الأسلحة الاعتراضية البرية والبحرية قبل دقائق مما كان عليه الحال في الماضي -- ويشكل ذلك تحسناً هاماً في السيناريوهات التي تمثل فيها كل ثانية أهمية قصوى.

الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات. في تشرين الأول/أكتوبر 2012، نفذت القوات الأمريكية في المحيط الهادي سيناريو الصواريخ الحية الأكثر تطوراً وتعقيداً في العالم حتى اليوم، حيث قامت أنظمة "أيجيس" و "باتريوت" ونظم صواريخ أرض جو دفاعية من نوع "ثاد" بشكل متزامن بتتبع أربعة أنواع مختلفة من الأهداف الجوية والفضائية والاشتباك معها وهي: صاروخ كروز وطائرة وصاروخ باليستي قصير المدى وصاروخ باليستي متوسط المدى. وتم توجيه التدريب من نظام متكامل للقيادة والتحكم معد على غرار هيكل "القيادة المركزية الأمريكية"، وقد أثبت التدريب جدوى استخدام دفاع صاروخي متعدد الطبقات ضد أهداف متعددة ومتزامنة ومأهولة وصاروخية. ويمكن نشر هذه القدرات ذاتها في الخليج. وعلى نحو مماثل، أثبتت إسرائيل مؤخراً كيف يمكن لنظام "القبة الحديدية" وهو نظام اعتراض قصير المدى أن يملأ فراغ الدفاع متعدد الطبقات، حيث قامت بإضافته إلى شبكة الدفاع الجوي والصاروخي الوطنية إلى جانب نظام "ديفيدز سلينج" (المستخدم لمواجهة صواريخ كروز والصواريخ طويلة المدى) ونظام "آرو" (المستخدم ضد صواريخ متوسطة وبعيدة المدى).

الاشتباكات طويلة المدى مع الاستهداف المتكرر. تم تصميم الصواريخ الاعتراضية من نوع "أيجيس" و "ثاد" لكي تعمل في الفضاء الخارجي. وفي حالة استهداف صواريخ باليستية إيرانية تحمل أسلحة دمار شمال، فسيكون الهدف هو تفكيك بقايا الصواريخ أثناء دخولها الغلاف الجوي. وتواصل التكنولوجية الأمريكية وتكنولوجيا قوات التحالف توسيع نطاق عمليات الاعتراض الصاروخية، مبعدة إياها عن السكان المدنيين والبنية التحتية. على سبيل المثال، تجاوزت سرعة الصاروخ التجريبي الإسرائيلي "آرو 3" سرعة الصوت فوق البحر المتوسط حيث ارتفع الصاروخ إلى نحو سبعين ميلاً في الفضاء. وبمجرد وصول "آرو 3" إلى الغلاف الجوي الخارجي، فإنه يصبح مركبة فضائية تستطيع تنفيذ مناورات اعتراضية. وهذه الصواريخ الاعتراضية طويلة المدى وغيرها من الصواريخ تمنح المدافعين فرصاً عديدة للاشتباك مع صواريخ العدو على مسافات أكبر من أراضٍ صديقة، بما في ذلك احتمالية وجود فرصة ثانية في حال فشل عملية الاعتراض الأولية.

الخطوات التالية

بالإضافة إلى هذه التطورات التكنولوجية، يمكن عمل المزيد لمواصلة نمط النجاحات الصغيرة وخلق رادع جدير بالثقة لبرنامج الصواريخ البالسيتية الإيراني. وبينما تقوم دول الخليج بنشر نظم أمريكية أكثر حداثة وتطوراً مثل صورايخ "باتريوت" PAC-3 و "ثاد"، يجب على واشنطن مواصلة دورها العملي وقيادة الجهود لتعزيز إمكانيات التشغيل البيني وإحداث المزيد من التكامل في نظم القيادة والتحكم. إن الهدف النهائي لتلك الجهود هو إيجاد شبكة دفاع صاروخي ذاتية الاكتفاء لدول "مجلس التعاون الخليجي" تتكامل مع نظم الدول المجاورة.

أولاً، على الرغم من أن نطاق وارتفاع أسلحة اعتراض الصواريخ آخذ في التزايد، إلا أنه ينبغي فعل المزيد لتطوير قدرات الاعتراض بعد مرحلة الإطلاق مباشرة -- أي استهداف صواريخ العدو بعد فترة وجيزة من الإطلاق، عندما تكون تلك الأسلحة أكثر ضعفاً بسبب سرعتها البطيئة نسبياً، وحمل الوقود الثقيل، وعدم قدرتها على نشر أهداف مخادعة أو الاشتباك في عمليات المراوغة والمناورة وإمكانية تتبعها بسبب إشارات الأشعة تحت الحمراء البارزة. يجب ضخ استثمارات في أجهزة الاعتراض التي تُطلق من الجو والتي يمكن حملها على طائرات قوات التحالف، بما يسمح لها بالاشتباك مع الصواريخ على مسافة قريبة قدر الإمكان من مواقع إطلاقها في إيران.

وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب على واشنطن إجراء تمارين تشمل استخدام صواريخ كروز التي يتم إطلاقها من الجو، والتي تدربت عليها القوات الأمريكية أثناء "الحرب الباردة". [وفي هذا الصدد]، تستطيع الطائرات من الجيل الخامس مثل "إف 22" و "إف 35" حمل ذخيرة لـ "الأسلحة المحمولة جواً" يبلغ قطرها 18 بوصة تقريباً وطولها 160 بوصة -- أي حوالي حجم قنبلة وزنها 2,000 رطل. ومع مداها الذي يصل إلى 400 ميلاً، تستطيع تلك الطائرات أن توفر قدرات اعتراض في مرحلة ما بعد الإطلاق مباشرة والتي توجد حاجة ماسة إلى استخدامها ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية. وفي أوقات التوترات الشديدة، تستطيع تلك الطائرات إجراء دوريات دفاعية صاروخية مستمرة ضد القاذفات المتنقلة أو أن تظل متمركزة بالقرب من مجالات منشآت إطلاق الصواريخ الإيرانية.

ثانياً، يجب أن يكون صناع السياسة الأمريكيون أكثر فاعلية في تبني الدفاع الصاروخي في المنطقة. على سبيل المثال، أخبر مؤخراً القائد الأمريكي الأعلى في أوروبا، الأدميرال جيمس ستافريديس، مجلس الشيوخ الأمريكي بأن "بطاريات صواريخ «باتريوت» التي تم نشرها بالفعل في جنوب تركيا يمكن إعادة تمركزها، بموافقة تركيا، لحماية منطقة آمنة سورية والدفاع ضد استخدام الأسد المتكرر لصواريخ «سكود» القادرة على حمل أسلحة كيميائية". وأول صاروخ أو طائرة يسقطها ذلك النظام أثناء محاولة قتل السوريين ستظهر أن قوات الدفاع الصاروخي متعددة الجنسيات تمثل رادعاً مقنعاً -- ودرساً مفيداً ليس لدمشق فحسب، وإنما لإيران وكوريا الشمالية أيضاً. وقد أثار بعض النقاد الشكوك حول فعالية الدفاع الصاروخي، لكن الاعتراضات الناجحة لصواريخ "سكود" السورية سوف تثبت أن التكنولوجيا والإجراءات العسكرية قد تطورت بشكل كبير منذ الجهود التي قادتها الولايات المتحدة للتعامل مع ترسانة الصواريخ التي كانت بحوزة صدام حسين.

ووفقاً لما أظهره نظام "القبة الحديدية" الإسرائيلي، ينطوي نظام الدفاع الصاروخي الفعال على ميزات عديدة. بيد، لا يوجد شئ أكثر أهمية من طمأنة المدنيين وإعطاء المزيد من الوقت للدبلوماسيين للبحث عن نتائج سلمية أثناء الأزمات، والتأثير -- في ظل ظروف معينة -- على صناع القرارات في الأنظمة الشمولية. وبناءً عليه، يجب على واشنطن وحلفائها القيام بحملة قوية بجهود متضافرة لإقناع طهران بأن نجاحاتها الصغيرة الأخيرة قد تؤدي إلى تشكيل نظام دفاع صاروخي بالغ القوة في الخليج، مما يجعل جهود النظام لبناء قوة دفاع صاروخي ضخمة وقوية باهظة التكلفة وغير فعالة بشكل متزايد.

* المقدم إدي بوكس، من سلاح الجو الأمريكي، هو زميل زائر للشؤون العسكرية في معهد واشنطن. الاستنتاجات والآراء الواردة هنا هي آراء الكاتب، ولا تعكس الموقف الرسمي لحكومة الولايات المتحدة، أو وزارة الدفاع الأمريكية، أو سلاح الجو الأميركي، أو الجامعة الجوية.

http://www.washingtoninstitute.org

 ...........................................

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/نيسان/2013 - 2/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م