جون ستيوارت المصري ومعركة حرية الإعلام مع السلطة

 

شبكة النبأ: أصبحت حرية الإعلام في مصر بعد الثورة، مثيرة للقلق والجدل، كونها تتأرجح مابين الالتزام بالقانون ومواثيق الشرف الإعلامي وقمع الحريات وخرق المسؤولية الاجتماعية.

وقد تجسد هذا الجدل بفضاء الإعلام المصري من خلال قضية الإعلامي الساخر باسم يوسف، حيث نشبت معركة الحريات راى فيها الكثير من المختصين في الشأن الإعلامي، أنها محاولة السيطرة للحكومة الجديدة على السلطة الرابعة، لتثير مخاوف أصحاب مهنة المتاعب (الصحافة) من تراجع الحريات الجديدة في البلاد بعد الثورة.

فقد أصبح باسم يوسف واحدا من أبرز مقدمي البرامج الساخرين في مصر، بعد لمع اسمه في عالم الإعلام من خلال برنامج ساخر بثه عبر الانترنت بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك عام 2011.

كما أطلق عليه الإعلام في مصر "جون ستيوارت المصري"، إذ يقارن برنامج يوسف الذي يذاع حاليا عبر التلفزيون ببرنامج ديلي شو الذي يقدمه الإعلامي الأمريكي الساخر جون ستيوارت.

إذ يواجه يوسف تهمة ازدراء الإسلام وإهانة الرئيس المصري محمد مرسي، بسبب طريقة تناوله لموضعات البرامج الساخر يعتد البعض بأنها تسيء للدولة المصرية وتتعدى المهنية الإعلامية.

فيما يرى بعض المختصين  بهذا الشأن  ان قضية باسم يوسف إلى جانب أوامر اعتقال صدرت في الأونة الأخيرة بحق نشطاء سياسيين آخرين دليل على اتجاه مقلق يشهد تزايدا في تكميم حرية التعبير وتخويف الخصوم.

فيما راى متخصصون آخرون ان من واجب الإعلامي المهني ان يضع حدا فاصلا بين الحرية في التعبير والحرية غير المسئولة وذلك من خلال التستر بغطاء الحرية ولتهجم بالاهانة والسب والقذف على مسؤولين لتشوه سمعتهم قد تضع بالصالح العام وتخرق المسؤولية الاجتماعية مواثيق الشرف الإعلامي.

لكن يرى أغلب المراقبين أن ازدياد الشكاوى المرفوعة ضد صحافيين، ادى الى تفاقم الشكوك في وفاء الرئيس المصري بتعهده احترام حرية التعبير، وهو المطلب الاساسي لثورة 25 يناير التي ادت الى سقوط مبارك.

فعلى الرغم من مظاهر الحرية بعد الربيع العربي وتقنين الرقابة الرسمية، الان انه مازال يشكو الصحفيون من فرض قيود تكبل حرية الصحافة، وكذلك من خلال سن القوانين غير الديمقراطية، مما يضع حرية الصحافة والتعبير في مصر على حافة الهاوية.

ففي ظل استمرار التوترات والاتهامات بين الإعلام المصري والحكومة، وهذا ينطوي على قدر كبير من الحذر والحساسية لمستقبل الحريات الإعلامية هناك، خصوصا وان الاعلام مازال يعاني من نقص في المهنية وشيوع الفوضى بسبب الحرية المطلقة التي نالها الصحفيون اثر الثورة، فيما يرى المختصون بهذا الشأن بأن تأسيس سلطة الإعلام الجديدة سيحتاج وقتا حتى تترسخ معايير الصحافة ويزول اللغط حول دور حرية التعبير في الديمقراطية، وبالتالي تقبل الانتقاد في الإعلام عبر دوره كسلطة رابعة في البلاد.

القضاء المصري يرفض دعوى وقف برنامج باسم يوسف

في سياق متصل رفضت محكمة القضاء الإداري دعوى قضائية لوقف برنامج الاعلامي الساخر باسم يوسف وغلق قناة "سي بي سي" الفضائية وذلك لرفعها من غير ذي صفة، حسبما قالت مصادر قضائية.

وقالت الدعوى التي رفعها محامي اسلامي ان يوسف دأب على التهكم والاستهزاء برئيس الجمهورية. كما دفعت بان برنامجه يستخف بالمشاهدين وشخص الرئيس، بالاضافة لتطاوله على رموز الدولة وانتهاك قيم ومبادئ المجتمع، وطالبت الدعوى بسحب ترخيص قنا "سي بي سي" الفضائية بسبب المخالفات التي ارتكبتها القناة من خلال بث البرنامج.

لكن الدائرة السابعة بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار حسونة توفيق رفضت الدعوى بسبب اقامتها من غير ذي صفة، بحسب المصدر القضائي، واخلت النيابة العامة في مصر سبيل يوسف بكفالة مالية بعد ساعات من التحقيق معه بتهم اهانة الاسلام "لسخريته من شعائر الصلاة" في برنامجه واهانة الرئيس المصري محمد مرسي "بالسخرية من صورته في الخارج" من خلال برنامجه الساخر "البرنامج".

وقررت النيابة العامة المصرية النظر في شكاوى جديدة بتهمة "تعكير الصفو العام" بحق باسم يوسف. كما قررت التحقيق مع بلاغات اخرى مقدمة ضد اثنين من الصحافيين بعد مشاركتهما في برنامج ناقش قضية باسم يوسف.

باسم يوسف يواصل سخريته من الرئيس المصري والاخوان

في اول ظهور له بعد التحقيق معه، واصل الاعلامي المصري الساخر باسم يوسف سخريته من سياسات الرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين وحلفائها، وذلك بعد اقل من اسبوع من خضوعه للتحقيق امام النيابة العامة بتهم تتعلق باهانة الرئيس وازدراء الدين الاسلامي.

واستهل باسم يوسف برنامجه الساخر "البرنامج" بقوله بطريقة ساخرة "بصراحة موضوع النائب العام فتح عيني على حاجات كثير ..مش كل شوية مرسي مرسي"، وتابع بسخريته المعهودة ان ذلك "مش خوف ولا تراجع اطلاقا.. ولا انا بجيب ورا (اتراجع)".

وبدا يوسف غير خائف من مواصلة ملاحقته قضائيا مجددا اذ واصل نفس اسلوبه الساخر وانتقاده اللاذع للرئيس مرسي في تحد واضح منه للامر، واستمر يوسف في انتقاد سياسات الرئيس المصري وجماعة الاخوان مستخدما مقاطع فيديو تحمل تصريحات او مشاركات اعلامية للمسؤولين دون ان يوجه الانتقادات على لسانه هو مباشرة.

وخلال الفقرة الاولى لبرنامجه وعلاوة على السخرية المعتادة من مرسي وجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها الرئيس، وجه يوسف نقدا للطريقة التي عين بها مرسي النائب العام الذي اصدر قرار التحقيق معه.

كما سخر يوسف من اسلوب تناول بعض الاعلاميين لقضيته خاصة المنتمين للتيار الاسلامي، وخصص باسم يوسف فقرة كاملة مستحدثة في برنامجه للسخرية من طريقة اتخاذ القرار في مؤسسة الرئاسة. وحاكى يوسف فكرة برنامج "من سيربح المليون" الشهير ليسخر من "الاسلوب الفوضوي" لاتخاذ القرار في مؤسسة الرئاسة، بحسب ما اظهرته فقرات البرنامج.

وهو ما تبعه بسؤال بدا جادا "نفسي (بودي) اعرف بتاخد قراراتك ازاي؟"، في اشارة منه لسوء عملية اتخاذ القرار من قبل الرئيس المصري. بحسب فرانس برس.

وفي فقرة اخرى، عرض باسم مقطع فيديو للقاء مرسي مع الجالية المصرية في قطر قبل نحو اسبوع، وقال يوسف بشكل ساخر "طيب ابتدي منين؟"، في اشارة منه لتعدد ما يمكن السخرية منه في حديث الرئيس المصري.

وسخر في هذا السياق من تدني مستوى الاستقبال الرسمي للرئيس المصري اثناء زيارته لقطر، وهو ما بدا تحديا واضحا منه لواحدة من التهم الموجهة له وهي "السخرية من صورة الرئيس في الخارج".

قال العامل الفني مصطفى غريب (24 عاما) لوكالة فرانس برس اثناء مشاهدة البرنامج "باسم يوسف لم يخف لانه من غير المقبول ان ينخفض سقف الحريات بعد الثورة"، ووصف المهندس احمد حسن (24 عاما) باسم بانه "شجاع لانه لم يخف من الملاحقة وواصل طريقته في نقد الواقع الذي نعيشه".

وفي فقرة مستقلة، سخر باسم يوسف من دولة قطر والتي يعتبرها كثيرون الحليف الاقوى لجماعة الاخوان المسلمين، عبر تقديم اغنية "قطري حبيبي" وهي نسخة ساخرة من نشيد "وطني حبيبي الوطن الاكبر" الشهير الذي الفه احمد شفيق كامل ولحنه الموسيقار محمد عبد الوهاب وادته مجموعة من كبار الفنانين في 1960 احتفاء بوضع حجر اساس السد العالي بمصر.

وقالت الاغنية الساخرة "قطري حبيبي الاخ الاصغر.. يوم ورا يوم امواله بتكبر" وقال مقطع اخر "ادي اللي خدناه من الاخوان، بيع مصر فرط وجملة كمان"، في انتقاد واضح ومباشر مما تتردد عن عروض قطرية لتاجير الاثار المصرية او للحصول على حق انتفاع بقناة السويس.

إلغاء ترخيص قناة سي.بي.سي

على الصعيد نفسه قالت وسائل اعلام رسمية إن الحكومة المصرية هددت بإلغاء ترخيص قناة تلفزيونية مستقلة تبث برنامج إعلامي ساخر مشهور استجوبته النيابة في الآونة الأخيرة لاتهامه بإهانة الرئيس محمد مرسي.

وقالت وكالة أنباء الشرق الاوسط الرسمية إن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة وجهت انذارا إلى قناة سي.بي.سي بإلغاء ترخيصها لأن البرنامج الذي يقدمه يوسف اخل بضوابط العمل داخل المنطقة الإعلامية الحرة التي تعمل بها القناة وقنوات اخرى عديدة.

ونقلت الوكالة عن الهيئة القول إن "البرنامج يتضمن إسفافا وتطاولا وتلميحات جنسية وألفاظا نابية."وقال الوكالة"وجهت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إنذارا إلى سي.بي.سي بإلغاء ترخيصها في حالة عدم الالتزام بضوابط العمل داخل المنطقة الإعلامية الحرة."

أمريكا تتهم مصر بخنق حرية التعبير

من جهتها اتهمت الولايات المتحدة مصر بخنق حرية التعبير بعدما استجوبت النيابة أبرز إعلامي مصري ساخر بشأن تهم بينها إهانة الرئيس محمد مرسي وازدراء الإسلام.

ولمحت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية أيضا إلى أن السلطات المصرية تلاحق قضائيا بشكل انتقائي من يتهمون بإهانة الحكومة وتتجاهل أو تهون من شأن هجمات على متظاهرين مناهضين للحكومة.

وفيما بدا أنها إشارة تحد كان يوسف يضع على رأسه نسخة مكبرة من قبعات الخريجين صنعت على غرار قبعة وضعت على رأس مرسي خلال منحه درجة الدكتوراه الفخرية في باكستان أوائل مارس آذار. بحسب رويترز.

واضافت "الحكومة المصرية تحقق فيما يبدو في هذه القضايا بينما تتباطأ أو لا تتحرك بشكل ملائم في التحقيق في هجمات على متظاهرين أمام القصر الرئاسي في ديسمبر كانون الأول وفي حالات أخرى من الوحشية المفرطة من جانب الشرطة ومنع الصحفيين بشكل غير قانوني من دخول أماكن."

وتابعت تقول "لا يبدو أن هناك تطبيقا متساويا للعدالة هنا"، وقالت نولاند إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بحث قضية حرية التعبير مع مرسي عندما زار القاهرة في مطلع مارس اذار في أول جولة خارجية له منذ تولى المنصب وإن الولايات المتحدة ستواصل الضغط من أجل احترام حقوق الإنسان.

كما اثارت تغريدة نشرتها السفارة الاميركية في القاهرة وتتعلق بقضية الاعلامي الساخر باسم يوسف المتهم باهانة الرئيس محمد مرسي والاسلام، غضبا لدى الرئاسة المصرية واحراجا لدى واشنطن.

والتغريدة التي نشرتها السفارة على حسابها الرسمي على موقع تويتر هي عبارة عن وصلة لشريط فيديو يعرض مقطعا من حلقة لبرنامج "ذي ديلي شو" يتناول فيه جون ستيوارت، الاعلامي الاميركي الذي استوحى منه باسم يوسف فكرة برنامجه، قضية ملاحقة نظيره المصري باسم يوسف الذي يسميه الاعلام المصري "جون ستيوارت المصري".

وقد  خصص ستيوارت جزءا من حلقته لدعم باسم يوسف منتقدا بشدة الرئيس المصري لملاحقة يوسف فيما يترنح الاقتصاد المصري بين تراجع السياحة وازدياد معدل البطالة بالاضافة لتفاقم ازمة التحرش الجنسي بالسيدات.

واستنكر ستيوارت بطريقته الساخرة المعهودة توجيه تهمة اهانة الرئيس الى باسم يوسف، واورد مقتطفا من مقابلة لمرسي نفسه مع شبكة "سي ان ان" يؤكد فيها الرئيس المصري ان بامكان منتقديه وبينهم باسم يوسف ان ينتقدوه دون ان يخشوا اي ملاحقة.

وسارعت الرئاسة المصرية الى الرد على التغريدة بمثلها، مؤكدة في تغريدتها انه "من غير اللائق ان تنخرط بعثة دبلوماسية في مثل هذه الدعاية السياسية السلبية"، وبعدها توقف حساب السفارة الاميركية في القاهرة لساعات قبل ان يعود الى العمل بعدما اعلنت الخارجية الاميركية اعادة تفعيله بعد سحب التغريدة موضع الجدل منه.

الإعلامي المصري باسم يوسف في سطور

وفيما يلي أبرز المحطات في حياة باسم يوسف:

- ولد باسم يوسف في 22 مارس/ آذار 1974، وتخرج من كلية الطب عام 1998، وحصل على دكتوارة جراحة القلب والصدر من جامعة القاهرة.

- حصل على رخصة مزاولة مهنة الطب في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005، وزمالة كلية الجراحين البريطانية عام 2006.

- في مارس/ آذار 2011، وبعد انطلاق الثورة المصرية، قام يوسف بتحميل حلقات برنامجه "باسم يوسف شو" على يوتيوب، واعتمد فيه البساطة في التصوير والإضاءة والديكور لضعف الإمكانيات، وركز على انتقاد طريقة تعامل وسائل الإعلام المصرية مع الثورة.

- حصل البرنامج على أكثر من خمسة ملايين مشاهدة في الأشهر الثلاثة الأولى لعرضه على يوتيوب.

- عرضت محطة "أون تي في" على يوسف إنتاج برنامج ساخر يحمل اسم "البرنامج،" وخصصت له ميزانية تبلغ قرابة نصف مليون دولار.

- في يونيو/ حزيران 2012، وجه الإعلامي الأمريكي جون ستيوارت دعوة إلى يوسف للظهور كضيف في برنامجه. بحسب السي ان ان.

- انتقل باسم يوسف إلى محطة "سي بي سي،" ليقدم أولى حلقات "البرنامج" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012.

- واجه يوسف هجوما من قبل الإسلاميين بسبب انتقاده الشديد لهم في حلقات برنامجه، ليتم استدعاؤه في نهاية مارس/ آذار 2013 إلى مكتب النائب العام والتحقيق معه بتهمة "إهانة رئيس الجمهورية" و"ازدراء الدين الإسلامي."

- باسم يوسف متزوج ولديه طفلة واحدة اسمها نادية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/نيسان/2013 - 30/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م