الفقيه الشيرازي: أنموذج النزاهة

 

شبكة النبأ: هل يمكن أن نؤطّر سماحة الفقيه الراحل السيد محمد رضا الشيرازي – قدس سره- في بعد واحد، نتخذه قدوة ونموذجاً لحياتنا؟

عندما نتعرف على شخصية فقيهنا الراحل، ربما نجد الإجابة على هذا السؤال، فقد اشتمل على أبعاد عديدة أبدع فيها وأتقن وأحسن، فهو النموذج في الانسان العالم، والانسان العابد، والانسان الخلوق، والانسان الموالي، ومما يمكن الاستفادة من هذه الشخصية  العظيمة، أنه كان مثالاً ونموذجاً للنزاهة..

طبعاً؛ مفردة "النزاهة"، نتداولها اليوم في بلادنا الاسلامية، في المحيط السياسي والاقتصادي، ففي السياسة لا يجوز الكذب والدجل والتغرير والتضليل، وفي الاقتصاد، لا يجوز الاختلاس والتزوير وبخس الناس أشيائهم وغير ذلك كثير.. إلا ان لهذه المفردة في نهج وسيرة فقيهنا الراحل، ابعاد واسعة في ثقافة الانسان، فهي تشمل النزاهة في الحديث، وفي الاستماع، وفي الجوارح، وحتى في الفكر والنشاط الذهني، و ربما ينطوي هذا الجانب على أهمية كبيرة، لأنه يرسم خارطة الطريق للإنسان في حياته.

أحد المقربين من فقيهنا الراحل – قدس سره- روى لنا كيف أنه، ومن اجل إلقاء محاضرة واحدة يعكف على المطالعة والبحث والتنقيب، طوال اسبوع كامل، يصل الليل بالنهار، وكان أحياناً يصاب بالحمّى لشدّة الارهاق والتعب، والغاية من كل ذلك، أن تكون المحاضرة الاسبوعية ذات مضمون رصين، مشفوع بالأدلة والبراهين العلمية. وهذه المحاضرات التي خلّفها لنا سماحته – قدس سره- هي التي أثارت الشجون، وأقرحت العيون بعد رحيله عن دار الدنيا، فقد أحسّ الناس أنهم افتقدوا إنساناً، عندما كان يتكلم، فانه يتحمّل مسؤولية كل كلمة يقولها، أمام الناس وأمام الله تعالى.

هذا هو الشعور بالمسؤولية بعينه، فالذي يفتقد لهذا الشعور، في أي مكان كان، سواءً كان موظفاً في الدولة، أو صاحب متجر، أو حتى عالم الدين، وصاحب القلم والفكر، وأيضاً رب الأسرة، فان صفة النزاهة ستبتعد عنه، ولهذا نجد أمواج الفساد والانحراف تجتاح بلادنا، بحيث تكاد تدفع الناس الى حافة اليأس والاحباط بالقيادات السياسية والثقافية في وقت واحد.

إن الناس في كل مكان، يبحثون عن الشخص الذي لا يفكر في نفسه، أو يفضّل الآخرين على نفسه ومصالحه ورغباته، وهذا ما نجده متجسداً في شخصية فقيهنا الراحل – قدس سره- ، من خلال تصفح سيرته العطرة، فهو لم يطلب لنفسه شيئاً خاصاً بتاتاً، حتى وسيلة النقل التي يفترض أنها متوفرة بشكل خاص، إلا انه والتزاماً بمبدأ الاحتياط، كان يستقل سيارة أجرة ويذهب لقضاء حاجة له أو للآخرين.

والحقيقة؛ فان الانسان كلما، يزداد علماً ووجاهةً، ينتابه شعور بالزهو والفخر، وربما هي حالة طبيعية، لكن حتى هذا النوع من الشعور، لم يكن فقيهنا الراحل ليسمح بأن يتسلل الى نفسه، فكان في مرتبة عليا من العلم والمعرفة والوجاهة الاجتماعية، لكنه كان ايضاً في مرتبة عليا من الزهد والتواضع، فاذا كان في محضر العلماء والفضلاء، ذو شخصية علمية بارزة وكبيرة، فانه بين شرائح المجتمع كأحدهم يجالسهم ويستمع اليهم.

أمام كل ذلك يبرز السؤال، هل حقاً بالإمكان ان يكون الباحث عن النزاهة، مثل الفقيه الراحل الشيرازي – قدس سره- ؟ الفقيه الراحل يجيب بنفسه على هذا السؤال، وفي أكثر من مناسبة، مؤكداً لمستمعيه بأن "نعم؛ بإمكان الإنسان أن يكون فاضلاً وتقياً وحاملاً لكل الصفات الحميدة...". بشرط أن يكون على الطريق الذي رسمه لنا أهل البيت عليهم السلام. وهو الطريق نفسه الذي سار عليه بدقة متناهية فقيهنا الراحل وحاز هذه المرتبة العالية التي يغبطها عليه الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/نيسان/2013 - 30/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م