حرب دمشق... تفتح أبواب العنف وتنشر الرعب

 

شبكة النبأ: تبدو دمشق اليوم ساحة معركة ملتهبة وثكنة تغذي العنف المتصاعد والدمار المتفشي بسبب أتون الحرب المشتعلة في سوريا والمستمرة منذ عامين تقريبا.

فقد وضعت هذه الحرب المدمرة ابناء الشعب السوري داخل كارثة إنسانية متصاعدة، مما أدى إلى مأساة حقوقية راح ضحيتها الآلاف من المدنيين في سوريا.

حيث تتخذ الحرب في دمشق شكلا اكثر وحشية يوما بعد يوم مع تزايد العمليات العسكرية بين القوات الحكومية والجماعات المتمردة، وحتى اللحظة الراهنة لم تنجح التحركات الدبلوماسية المكثفة خلال الاونة الأخيرة في فتح كوة في الازمة المستمرة منذ اكثر من عامين.

ويرى الكثير المحللين أنه كلما طال أمد حرب سوريا زاد خطر تشرذم الدولة الإقليمية في قلب صراعات الشرق الأوسط وسقوطها في فوضى مسلحة مما يعرض جيرانها للخطر. سيما وأن الحسابات الإقليمية والدولية التي لا تزال تتحرك بصورة واضحة في الساحة السياسية وتترك تأثيراتها عليها بوضوح كبير، تدفع الأزمة خطوات باتجاه التدويل وذلك من خلال مواصلة الدعم اللوجستي والعسكري للجماعات المسلحة في سوريا من معظم الدول الإقليمية، فضلا عن استخدام سلوك الاستثناء الذي يقود إلى الاستثناء بشأن التسليح والاحتلال والانتهاكات الحقوقية.

حتى أصبحت دمشق مرتعا للأزمات الإنسانية، وذلك من خلال العزف على الأوتار الطائفية لتحقيق أجندة إقليمية من لدن دول شبه عدائية، التي كانت في البداية طرفا في حل الأزمة والان باتت طرفا في تأزمها وليس حلها، كل هذه عوامل آنفة الذكر أدت الى اتساع نطاق العنف الطائفي ودمار شبه كامل في دمشق، حيث شكلت أعمال العنف والاقتتال الشرس مأساة إنسانية لا توصف، إذ صار الشعب السوري محاصرا بين كماشة حرب بلا هوادة والذين يعيشون في ظروف صعبة ببراثن العنف والجوع  ونقص المواد الغذائية والصحية.

بينما يرى محللون آخرون  بأن الأزمة السورية مازالت تتأرجح بين صراع الأجندات المفتوحة والمناورات السياسية بسبب المؤامرات وأجندات السياسية المختلفة لتصفية الحسابات بين الأطراف المتنازعة خاصة الدولة الإقليمية، وعدم نجاح المفاوضات سواء التي كانت بالترهيب ام الترغيب، وخلاصة القول بأن هذا الصراع الدولي سيبقى مضمارا لسباق الأنفاس الطويلة ومشروعا لفوضى مكلفة الخسائر. الذي يبقى مشهد الأزمة السورية غير محسوم لحد الآن.

لذا فأن استمرار الفوضى وتفشي الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في سوريا بسبب العنف الطائفي ستجعل هذه البلاد تحت ديمومة الإخطار بمستويات كافة، حتى على المدى البعيد.

عنف بأقصى الحدود

في سياق متصل يجري نزوح جماعي جديد من سوريا مع اقتراب القتال من وسط دمشق واصبح من أقسموا انهم لن يفروا أبدا يبيعون مقتنياتهم للهرب من معركة تستعر الان على اعتاب منازلهم.

وأكد كثير من السوريين في العاصمة لوقت طويل ان الانتفاضة التي تحولت الى حرب اهلية لن تصل الى وسط المدينة. كما أكد آخرون انهم سيبقون مهما كانت العواقب، لكن الخوف بدأ يسيطر حتى على أكثر السكان إصرارا.

وبالنسبة لكثيرين كانت النقطة الفاصلة هي وابل من قذائف المورتر والصواريخ التي هزت دمشق على مدى أيام الشهر الماضي مع قيام مقاتلي المعارضة وقوات الرئيس السوري بشار الاسد بتبادل القصف في قلب العاصمة.

وفي ظل هذه الاوضاع تقوم الاسر التي كانت في وقت من الاوقات مصممة على البقاء في المدينة بحزم حقائبها والرحيل. وتتدافع اسر اخرى لجمع مواردها المحدودة بقلب كسير وتخطط لغياب لاجل غير مسمى من المنزل الوحيد الذي عرفوه.

وقال ابراهيم الذي يمتلك شركة للمنسوجات تديرها عائلته منذ عدة أجيال في هذه المدينة القديمة "إن زوجتي لا تحب حتى الذهاب بعيدا في عطلة. والان من كان يعتقد اننا سنحزم حقائبنا للرحيل." واضاف "الله وحده يعرف متى سنعود"، ورحل أكثر من مليون لاجيء سوري بالفعل فيما يفر الاف الاشخاص يوميا.

ويسعى زوجان اخران هما ميادة وياسر الى الفرار مرة اخرى بعد عدة اشهر من مغادرة منزهما في حي قدسيا خارج دمشق والذي اصبح الان مدينة أشباح وساحة قتال، وقرارهما البقاء مع الوالدين في وسط دمشق هو القرار الذي اتخذه الاف السوريين الذين فروا من القتال على مشارف المدينة ليجدوا العنف يقترب منهم باطراد.

والبؤس يلوح لاشخاص مثل ياسر وهو اخصائي تغذية ومدرب خاص لم يحقق سوى دخل ضئيل في العامين الاخيرين. ويقول انه كان على بعد أمتار من انفجار قذيفة مورتر مرتين، وقال ياسر "زوجتي وأنا نرعى والدينا المسنين ونحن قريبان جدا من اخوتنا." واضاف "عندما تزوجنا وعدنا بعضنا البعض بأننا لن نسافر الى الخارج لهذه الاسباب. لكن الان الامور سيئة للغاية ووالدانا يتوسلان الينا لكي نرحل."

على العيد نفسه اعتبر وزير الاعلام السوري عمران الزعبي ان تكرار عمليات اطلاق قذائف الهاون على احياء في وسط العاصمة السورية، والتي ادت آخرها الى مقتل 15 طالبا جامعيا، هو "امر خارجي" بتصعيد ميداني "الى اقصى الحدود".

وقال الزعبي للتلفزيون الرسمي السوري ان "قيام الارهابيين باستهداف الاحياء السكنية والمدارس والجامعات والمستشفيات بقذائف الهاون هو تنفيذ لامر خارجي بتصعيد ارهابي الى اقصى الحدود"، واعتبر ان هدف التصعيد "الايحاء بان الارهابيين يهاجمون وسط العاصمة (...) للايحاء بانهم قاب قوسين او ادنى من تحقيق اهداف عدوانهم على سوريا"، مشددا على وجود "قرار حاسم ونهائي جيشا وشعبا وقيادة بالدفاع عن البلاد حتى اللحظة الاخيرة".

واعتبر الزعبي ان "قطر وتركيا وبعض اجهزة الاستخبارات العربية والغربية ترمي اليوم بكل ثقلها ورهاناتها (...) في محاولة اخيرة ويائسة لتفكيك واسقاط الدولة السورية". بحسب فرانس برس.

ويتهم نظام الرئيس بشار الاسد دولا عربية وغربية بدعم مقاتلي المعارضة الذين يعتبرهم "ارهابيين"، في النزاع المستمر منذ عامين، واشار الزعبي الى ان "الامر الخارجي" يأتي "بالتوازي مع اعطاء الجامعة العربية مقعد سوريا الى +ائتلاف الدوحة+"، في اشارة الى ما يسمى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوري.

الذعر يتملك دمشق

فعندما قال مجلس الافتاء الأعلى المرتبط بالحكومة في سوريا إن الانضمام إلى الجيش والمتمردين الانتفاضة "مسؤولية إيمانية ووطنية" ملأت شائعات بشأن تجنيد جماعي أرجاء العاصمة دمشق.

ونفت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) الرسمية أي نية لدى السلطات للتجنيد الجماعي، وقالت الوكالة "إن الالتحاق بالخدمة العسكرية واجب وطني مقدس وأنه لا صحة إطلاقا للأنباء التي تبثها بعض وسائل الإعلام عن نفير عام في سوريا"، وأضافت "قواتنا المسلحة الباسلة في أعلى درجات جهوزيتها وقدراتها واستعداداتها لصد ومواجهة الإرهابيين والدفاع عن أمن الوطن والمواطنين."

سكان دمشق محاصرون من الجانبين

وفي مدينة تنبض بالحياة منذ سبعة آلاف عام قد يستغرق الأمر أكثر من عامين من الحرب الأهلية لوضع نهاية لحفلات العشاء الأنيقة والتنزه سيرا على الأقدام في الحدائق بالنسبة لمجتمع الأثرياء في وسط دمشق.

لكن من الضواحي الموحشة خارجها أخذ مقاتلو الجماعات المسلحة من سلبية جيرانهم الأثرياء يلقون المزيد من القنابل في حين تكثف قوات الرئيس بشار الأسد وجودها حول معقله الأمر الذي يعطل أنماطا قديمة من الحياة الرغدة ويترك قلب المدنية في دمشق نهبا للخوف.

ورغم أن القتال حول أجزاء من الضواحي الخارجية للعاصمة المترامية الأطراف والتي يسكنها أكثر من 1.5 مليون نسمة إلى ساحة معركة، فقد ظلت مناطق وسط العاصمة لفترة طويلة بعيدا عن الصراع.

لكن هذا الوضع يتغير مع اختراق خطوط الجبهات وفي الوقت الذي تقوم فيه قوات الأسد وميليشيات الشبيحة الموالية له بتعزيز الحماية حول قاعدة سلطته. واللافت للنظر أيضا أن سكانا فروا من منازلهم في الضواحي يقيمون الان في مخيمات في حدائق بوسط المدينة. بحسب رويترز.

لكن من يعيشون هناك في تلك الضواحي يعتبرون هذه الهجمات متنفسا للاستياء المتصاعد بين الفقراء في الضواحي بسبب ما يعتبرونه تعاطفا مع الأسد من جانب وسط المدينة الثري ليس فقط من جانب العلويين الذين ينتمي إليهم وإنما أيضا من جانب الأسر التجارية السنية الغنية.

وقال مواطن سوري من ضاحية حرستا التي دمرها الصراع إن أي نهب لمنزل من منازل الأغنياء في وسط المدينة سيكون "حلالا"، واضاف "لا يعرفون ما جرى لنا. دمرت بيوتنا عن آخرها. هل تعرف كم أسرة قتلت في بلدتي؟ كم امرأة؟ كم طفل؟ كم مسن؟".

وقال آخر "الدمشقيون يواصلون الذهاب إلى أعمالهم وإرسال أبنائهم إلى المدرسة كل يوم كما لو أن الحياة طبيعية تماما .. بينما يموت بقيتنا. إنهم يستحقون ذلك."

وشكا أب لطفلين من سكان دمشق قائلا "لم أعد حتى أشعر بالأمان في البيت. قد تسير القوات الحكومية ببنادق آلية. لكن قاذفات صاروخية؟ يمكن أن تطير قذيفة مورتر أو قنبلة عبر النافذة في أي لحظة. إنه امر يبعث على السخرية."

وتتنقل ميليشيات الشبيحة الموالية للحكومة في البلدة متمتعة بالحصانة من العقاب وتحمل مسدسات أو بنادق كلاشنيكوف. يقطعون إشارات المرور الحمراء دون اكتراث بالمشاة ويقطعون أي صف ليقفوا في المقدمة، وارتفعت الأسعار بشكل حاد ويتحرش المسلحون والجنود في الشوارع بالسكان مع تزايد الانفلات الأمني وعمليات الخطف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/نيسان/2013 - 29/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م