عقلنة المحاصصة

حيدر البصري

عشرٌ عجافٌ مرت على التغيير في العراق، ولا زالت عجلة البناء تخطو خطو السلاحف، شعبٌ ينامُ على شبح الخوف، ويصحو على مشهد الموت والدمار، أعباء أثقلت كاهله حتى لم يعد يطيق نفسه.

فشلٌ، بامتياز، في الأداء الحكومي، لا أعني وزارة دون أخرى، ولا أستثني أياً منها، الكل في الفشل سواء، هل منكم من يهديني إلى سبب ذلك؟

أنا أعلم أن الجميع يدرك أسباب ذلك الفشل، نعم، إنها المحاصصة، ذلك المبدأ البغيض، الذي ما بتُّ أمقت شيئاً، مقتي إياه.

اقلام الكتاب تنزف دماً منه، المواطن يدفع ضريبته، وبشكل يومي، من دمه وقوته، وزير بائس لا يدري أسباب فشل وزارته، ووطنٌ يضع يداً على خده، بانتظار الحل.

مخطيءٌ من يدس رأسه في التراب مدعياً عدم وجود، فلا يأمن أن تسحقه يوماً على غفلة منه، وأخطأ منه ذلك الذي يتجاهلها. يا لها من أرضةٍ، باتت تنخر في جسد الوطن، والخوف كل الخوف أن يأتي يوم تحرق انعكاساتها الأخضر واليابس.

ترى ما العمل إزاء هذا المارد الخطير، وحتى متى يقف الكل مكتوف الأيدي بانتظار المصير المجهول؟

ترى هل نبقى، وبعد عقد من التغيير، نبكي أو نتباكى أمام هذه الظاهرة المقيتة، أو أننا نتجاهلها كما يفعل البعض؟

إن المحاصصة أمرٌ واقع، ولا سبيل إلى التخلص منه في المدى المنظور على الأقل، مادامت هناك عقليات تؤمن به، وأطراف إقليمية ودولية تغذيه، وأموال تصرف من أجل ديمومته، فما الحل؟

الحل يتمثل في ضرورة التعاطي مع الظاهرة كأمرٍ واقع، بطريقة يمكن معها تلافي سلبياتها.

قد يقول البعض إن هذا ضرباً من الخيال، ولكني أقول له: أبداً، ليس هذا كما تظن. فكل ظاهرة، حتى لو كانت ظاهرة سلبية، لابد أن تحمل في طياتها آثار إيجابية يمكن الاستفادة منها أو استغلالها، والانطلاق منها، وليست المحاصصة لتشذ عن هذه القاعدة، فليس علينا أن ننظر إليها على أنها شرٌّ كلُّها، إنما هي حلٌّ مؤقت للوضع الراهن المشحون بالطائفية، فلننظر إلى هذه الإيجابية لنستطيع التعاطي معها بإيجابية وصولاً إلى الحل الـمُرضي.

عقلنة المحاصصة هي الحل الأمثل لمن يريد للأزمة حلاً جاداً.

في عقلنة الظاهرة الكل معنيٌّ بالأمر، من السلطة التشريعية، إلى الأكاديمي والمثقف، إلى السلطة الرابعة، وإلى المواطن، لابد للجميع أن يعي دوره في التأصيل للعقلنة.

انا اقرأ في شفاه قارئي كلمة خجولة توحي لي: ان أبرمتنا بكلامك، هلاّ أبديت لنا بما عندك، ( بُقّ البحصة ) كما يقال في دمشق.

أثمّن لك صبرك معي، فأقول لك:

كما ذكرت سابقاً، لا سبيل إلى إلغاء المحاصصة، على الأقل في الوضع الراهن، فهي حاجة لإسكات أفواه المزمّرين، يتربصون بالعراق، وإرضاء لأطراف تفكر بطريقة كهذه، ولذا ستبقى المحاصصة على ما هي عليه، ولا شغل لنا معها، ستبقى لكل طائفة حصتها من الحقائب الوزارية، على شرط أن توضع معايير مهنية للوزراء الذين يشغلون تلك الحقائب، اما المعايير الحزبية والفئوية فلا يمكن أن تحل محل المعايير المهنية.

أن تعطي وزارة الحضارة والمشاعر والأحاسيس، وزارة الثقافة لجنرال عسكري قد ألِفَ القوة والشدة والأوامر، يعد إجحافاً بحق الوزارة والمستوزَر معاً، وأن تعطي وزارة الداخلية لمهندس لا عهد بأدواتها وطرقها، ولا بمتطلباتها ظلم لهما معاً.

من كان لديه، من هذه الطائفة أو ذلك الحزب من المهنيين ما يمكنه أن يشغل تلك الحقائب بامتياز فيها، وبما يصب في مصلحة الوطن والمواطن فبها، وإلا فعليه أن يوسع الدائرة ليطلب ذلك خارج إطار حزبه، في دائرة الفئة التي ينتمي إليها، من أصحاب الكفاءات.

على البرلمان أن يمارس دوره بشكل جدي في عملية التصويت على الوزراء، لا أن يكون منطلقه، في ذلك، حزبه أو الفئة التي ينتمي إليها، إنما العراق هو المنطلق.

ليس عيباً أن يوزع البرلمان على أساس طائفي، أو قومي، أو ماشابه ذلك، بل يعد هذا هو التوزيع الطبيعي لحصص البرلمان باعتباره شعباً مصغراً، إنما العيب أن توزع الحكومة على أساس ذلك.

معاناتنا جلُّها سببها المحاصصة، معارضو رئيس الوزراء يلقون باللائمة عليه في فشل الحكومة، أما موالو الرجل فينزهوه تماماً من ذلك، لا هذا صحيح ولا ذلك أيضاً، الكل مخطيء في رؤيته للأمور.

المالكي هو جزء من منظومة فاشلة، وليس هو سبب الفشل، ولو أن السياسيين استبدلوا المالكي بألفٍ آخر، لما كان لينجح في إدارة الحكومة، مادامت المحاصصة هي الحاكم.

هل رأيت وزيراً، باستثناء وزراء دولة القانون، يعمل مع المالكي جنباً إلى جنب؟

كلا.. فالكل يعمل لمصلحة حزبه وفئته، وليذهب العراق إلى الجحيم.

ليعي الكاتب دوره في التأسيس لهذه العقلنة خلال كتاباته، ليدع اعلاميونا، الحقيقيين، لا أولئك التي جاءت بهم أحزابهم أو فئاتهم لتصنع منهم إعلاميين، وليسوا هم من الإعلام في شيء، ليدع هؤلاء الانجرار وراء الشحن الطائفي جانباً، وليقوموا بدورهم التعبوي للرأي العام باتجاه هذا الهدف السامي، في مقالاتهم، وفي برامجهم.

لا أرى حلاً لواقعنا الراهن غير عقلنة الطائفية، فإن لم تتم فإن البلد يسير نحو الهاوية، فلا عاصم حينها من الغرق.

https://www.facebook.com/haider.albasry.90

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/نيسان/2013 - 28/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م