موت بوريس بيريزوفسكي... انتحار أم اغتيال؟

 

شبكة النبأ: لا يزال الغموض يلف وفاة قطب الأعمال الروسي بوريس بيريزوفسكي المعارض للرئيس فلاديمير بوتين منذ فترة طويلة غداة العثور على جثته في منزله قرب لندن، حيث استبعد المحققون انتحاره، في حين تحدث مقربون منه عن فرضية انتحار.

حيث لم تتمكن الشرطة البريطانية حتى الآن من كشف ملابسات حادث موت الملياردير الروسي بوريس بيريزوفسكي، وما زالت محاولات المحققون جاري حتى اللحظة الراهنة لحل لغز هذه الحادثة، حيث جاءت بعض التحقيقات بانه قد تكون وراء هذه الحادثة خلافات مالية بسبب خسارته معركة قانونية كلفته ستة مليارات دولار مع مالك نادي تشيلسي الانجليزي لكرة القدم رومان ابراموفيتش والذي اتهمه باستغلال تهديد انتقام الكرملين لإجباره على بيع أصول بسعر بخس.

لكن غموض الجريمة ودافعها، تطرح بعض المؤشرات، مما قد يدخل موت بيريزوفسكي تحت نظرية المؤامرة، خصوصا وان أسباب موته غير معروفة، فضلا عن المؤشر الابرز الذي يضيف احتمالات جديدة وهامة هو علاقته المتوترة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد بيريزوفسكي ظل على قيد الحياة رغم المؤامرات والصراع على السلطة ومحاولات الاغتيال في روسيا، الا ان موته الغامض اثار حفيظة البعض من انه قد راح ضحية عملية اغتيال، خصوصا وان والملياردير السابق كان قد استخدام نفوذه لدى الكرملين في مساعدة فلاديمير بوتين على الوصول الي السلطة قبل أن يفر من البلاد في عام 2000 الي بريطانيا، حيث أصبح أحد أشد منتقدي النخبة الحاكمة الجديدة في روسيا.

ويقول كثيرون إن بيريزوفسكي قام بدور رئيسي في إخراج بوتين من طور الشخصية المغمورة وأدار بنفسه عملية اختيار يلتسن للضابط السابق في جهاز المخابرات (كيه.جي.بي) ليكون قائما بأعمال الرئيس عندما تنحى بشكل مفاجيء في آخر أيام عام 1999.

فضلا عن كونه صديقا للجاسوس الروسي السابق الكسندر ليتفيننكو الذي سمم بمادة إشعاعية في لندن عام 2006 وهي واقعة تسببت في توتر العلاقات الدبلوماسية بين بريطانيا وروسيا.

كما ظل يوجه الانتقادات لبوتين طوال 10 سنوات من لندن حيث كان بمنأى عن القضايا التي حكم عليه فيها بالسجن غيابيا والتي وصفها بأن وراؤها دوافع سياسية. وحد الصف مع معارضين آخرين لتوجيه اتهامات للدولة الروسية في جرائم قتل وانتهاكات للحقوق.

في المقابل رفضت السلطات الروسية هذه المزاعم ووصفتها بأنها محاولات لتشويه سمعة روسيا وحاولت قلب الطاولة وأصبح المسؤولون ووسائل الإعلام الحكومية تصوره على أنه شخصية هزلية شريرة مسؤول شخصيا عن بعض الجرائم.

واثار نبأ وفاة بيريزوفسكي ردود فعل ايجابية وسلبية في روسيا، وهذا يضفي شكوكا عديدة حول آفاق هذه الحادثة، وعلى الرغم من الإجراءات والتحقيقات المتواصلة، لا تزال هذه الحادثة التي هزت بريطانيا وروسيا على حد سواء غامضة وكل الاحتمالات واردة.

بيريزوفسكي كتب رسالة الى بوتين

في سياق متصل يبدو ان الثري الروسي بوريس بيريزوفسكي الذي عثر عليه ميتا في لندن حيث كان يقيم في المنفى وجه رسالة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطلب فيها الصفح على ما اكدت صديقته في مقابلة نشرت في موسكو مستبعدة فرضية انتحار.

وعثر على بيريزوفسكي الذي كان شخصية مرموقة في الكرملين واضطر الى مغادرة روسيا بعد وصول بوتين الى الحكم عام 2000، ميتا في حمام داره في 23 اذار/مارس وبدت عليه مؤشرات شنق. واكد الكرملين ان بيريزوفسكي الذي كان معارضا شرسا له منذ منفاه كتب الى بوتين طالبا صفحه وطلب السماح له بالعودة الى روسيا.

واكدت كاترينا سابيروفا البالغة 23 عاما التي كانت صديقة الملياردير الراحل في السنوات الاخيرة انه تاثر كثيرا بخسارته في اب/اغسطس امام القضاء البريطاني قضية رفعها ضد شريك اعماله السابق رومان ابراموفيتش طالبه خلالها بمليارات اليورو، وقالت في مقابلة مع صحيفة المعارضة الاسبوعية "ذا نيو تايمز" "كان يقول + لست بخير على الاطلاق، لم اعد اعلم ما العمل+"، وتابعت انه فكر عندئذ بالعودة الى روسيا.

واضافت "قال ان فرصته الوحيدة للعودة الى روسيا واعادة ترتيب حياته تكمن في الاعتذار من بوتين. كان يتحدث عن ذلك كانه ملاذه الاخير"، "شاهدت الرسالة، قرأها علي. كان يطلب الصفح ويطلب اذنا بالعودة"، واوضحت ان الرسالة وجهت في تشرين الثاني/نوفمبر وكان بيريزوفسكي ينتظر الرد. بحسب فرانس برس.

واستبعدت سابيروفا التي لا تقيم مع الثري الراحل ولم تكن في لندن عند وفاته ان يكون انتحر، وتحدثت على غرار عدد من المقربين من بيريزوفسكي انه كان يبدي مؤشرات الاكتئاب كالارق والبقاء في السرير والامتناع عن الخروج ومقابلة احد، لكنها اكدت انهما اتفقا على اللقاء في اسرائيل في 25 اذار/مارس لامضاء عطلة من اسبوعين.

وفاة مفاجئة وغامضة

على الصعيد نفسه تقول الشرطة بعدم وجود أثر للمقاومة وإن طريقة وفاة بيريزوفسكي البالغ من العمر 67 عاما "تتوافق مع الشنق" ولمحت إلى احتمال ان يكون قد انتحر.

وقال مارك بيسيل مدير الشرطة في مستهل التحقيق إن بيريزوفسكي عثر عليه وحول رقبته رباط، وعندما سئل بيسيل عن احتمال تورط طرف ثالث أجاب "لا يمكن تجاهل ذلك تماما"، وقال اندري سيدلنيكوف وهو شخصية معارضة كان على صلة ببيريزوفسكي "لو شنق نفسه فعلا.. لماذا لم يعرف هذا منذ البداية؟ لا أعتقد أنه كان انتحارا". بحسب رويترز.

وفي روسيا نقلت وسائل إعلام حكومية عن الكسندر زفياجنيتسيف نائب المدعي العام قوله إن الحكومة ستواصل مساعيها "لإعادة الأصول التي حصل عليها بيريزوفسكي وأعوانه في إطار الجريمة وأكسبوها شرعية في الخارج."

وكان بيريزوفسكي، العقل المدبر السابق للكرملين في عهد بوريس يلتسين، اصبح رجلا مغضوبا عليه مع وصول بوتين الى السلطة. وحصل على اللجؤ السياسي في بريطانيا عام 2003. وكان في لندن ضمن مجموعة لاجئين روس معادين لبوتين كان ينتمي اليها الكسندر لتيفينينكو العميل الفار من جهاز الاستخبارات الروسي الذي مات مسموما بمادة البولونيوم المشعة في تشرين الثاني/نوفبر 2006.

وكان لتيفينينكو تناول الشاي مع رجل الاعمال ديميتري كوفتون واندري لوغوفوي العميل في الاستخبارات الروسية في فندق بلندن، ولوغوفوي الذي تعتبره لندن المشتبه به الرئيسي في جريمة القتل، اتهم بيريزوفسكي بالضلوع في عملية التسميم، وفي موسكو اعلن الكسندر دوبروفينسكي محامي بيريزوفسكي الروسي، لتلفزيون روسيا 24 ان الاخير انتحر.

وقال دوبروفينسكي "اتصلوا بي من لندن لابلاغي بان بيريزوفسكي انتحر" من دون كشف مصدر المعلومة، واضاف "في الاونة الاخيرة كان بيريزوفسكي في وضع سيء كان مثقلا بالديون ومدمرا ... واضطر الى بيع لوحات ومقتنيات ثمينة اخرى"، وتابع "علمت من اصدقاء مشتركين انه طلب منهم خمسة الاف دولار لشراء بطاقة سفر".

ونفى احد اصدقاء بيريزوفسكي رجل الاعمال دميان كودريافتسيف ان يكون الملياردير انتحر. وصرح لوكالة انباء ريا نوفوستي "لا يتعلق الامر بذلك! لا احد يعلم ما حدث. ليس هناك ما يدل على الانتحار لا آثار لتناول ادوية او لحقن"، وذكرت الوكالة نقلا عن مصدر اخر في اوساط بيريزوفسكي ان "الاخير توفي جراء ازمة قلبية. توجه مؤخرا الى اسرائيل للعلاج ثم عاد الى بريطانيا".

وكان المعارض الروسي اعلن عشية وفاته انه "لم يعد لحياته معنى ولم يعد يعرف ما عليه ان يفعل" في حديث غير رسمي وغير مسجل مع اليا جيغوليف الصحافي في مجلة فوربس، وكانت موسكو طلبت مرارا من لندن دون جدوى تسليمها رجل الاعمال المتهم في روسيا بالتخطيط لانقلاب، وبحسب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف كان الملياردير طلب مؤخرا "السماح" من بوتين، واعلن بيسكوف السبت على تلفزيون فيستي 24 الروسي "قبل شهرين تقريبا بعث بيريزوفسكي رسالة الى فلاديمير بوتين كتبها شخصيا واقر فيها بانه ارتكب اخطاء وطلب المغفرة من بوتين". بحسب فرانس برس.

وقال زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف لوكالة ريا نوفوستي "ان لا يمكنه ان يمدح بيريزوفسكي او يقول عنه امورا جيدة"، واضاف ان بيريزوفسكي "اقر بنفسه قبل وفاته ان حياته لم يكن لها معنى لانه يجد نفسه دون اسرة او امة او مال او اصدقاء"، اما الشعبوي القومي المتشدد فلاديمير جيرينوفسكي فقال في حديث لاذاعة صدى موسكو "كان رجلا موهوبا اضطلع بدور كبير" عندما كان العقل المدبر للرئيس بوريس يلتسين في الكرملين، وقد ذكرت وسائل الاعلام البريطانية بان بيريزوفسكي سبق ان تعرض لمحاولتي اغتيال على الاقل، احداها في روسيا، والثانية ابلغته بها اجهزة الاستخبارات البريطانية في 2007.

بوريس بيريزوفسكي.. راسبوتين روسيا بعد الاتحاد السوفيتي

الى ذلك كان بوريس بيريزوفسكي الذي تحول من مندوب مبيعات للسيارات إلى الشخص الذي ساعد على تهيئة فلاديمير بوتين للرئاسة إلى معارض سياسي وملياردير يقوم بدور في كل مرحلة حيوية فيما يبدو في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي والتي شهدت أحداثا عاصفة، منحت الخبرة السياسية لبيريزوفسكي الذي درس الرياضيات القوة التي جعلته يتجاوز منصبه في مشوار صنع له العديد من الأعداء أبرزهم بوتين الرجل الذي ساعد على توليه السلطة.

وفي بلد يزخر بالمؤامرات ويشتهر بالغموض في الكرملين من عهد القياصرة فإن المناورات التي قام بها جعلته أهلا لتشبيهه بجريجوري راسبوتين "الراهب المجنون" الذي كان يدير كل أمور روسيا من وراء الكواليس، اعتبره البعض أنه شارك في إنقاذ الصورة السياسية للرئيس الراحل بوريس يلتسن وتشكيل بوتين ليلائم الرئاسة بمساعدة المال والإعلام لكن بعد ذلك ألقي عليه باللوم سواء رسميا أو لا في اضطرابات أعقبت خلافه مع الكرملين.

تبادل بيريزوفسكي اتهامات غير رسمية مع السلطات الروسية فيما يتعلق بجرائم قتل مثل اغتيال الكسندر ليتفيننكو بتسميمه بالبولونيوم في لندن عام 2006 كما أنه هو شخصيا نجا من محاولات اغتيال، في عام 1994 تم تفجير سيارة بيريزوفسكي وقتل سائقه. وفي عام 2007 قال إن الشرطة البريطانية حذرته من مؤامرة لقتله، أما موته عن 67 عاما فربما يكون بداية لأحدث لغز. وقالت الشرطة البريطانية إنه مات "لأسباب غير معروفة".

وباعتبار بيريزوفسكي صديقا لأسرة الرئيس الراحل يلتسن وممولا لحملة إعادة انتخابه عام 1996 وعضوا في شبكة تلفزيونية رئيسية ساعد يلتسن على التغلب على اعتلال صحته والتحديات التي مثلها الشيوعيون أمام فوزه بفترة ثانية، شبه جينادي زيوجانوف زعيم الحزب الشيوعي بيريزوفسكي لاحقا براسبوتين ذلك الراهب الذي كان له تأثير كبير على عائلة آخر قياصرة روسيا نيقولا الثاني.

حصل بيريزوفسكي على مقعد في مجلس الأمن الروسي خلال عهد يلتسن وساعد على تنفيذ اتفاق سلام أنهى أول حرب روسية مع المقاتلين الشيشان وكان وسيطا في محادثات لتحرير رهائن هناك. بحسب فرانس برس.

وقال المعلق سيرجي بارخومنكو "قدم (بوتين) إلى المؤسسة الروسية في ذلك الوقت وجعله ضمن الدائرة الضيقة المحيطة ببوريس يلتسن وكان أول من يؤمن بأنه يمكن إخراج خليفة من هذا الموظف الحكومي المغمور"، قال اليكسي فنديكتوف رئيس تحرير إذاعة ايخو موسكفي الروسية "بعد الهزيمة في المحكمة... شعر باكتئاب شديد"، وأضاف عن وفاته "أعتقد ربما كانت صحته بما في ذلك الاكتئاب وكبر سنه... لم يأخذ (بيريزوفسكي) المسألة ببساطة أبدا.. كان مقاتلا.. كانت طبيعة حياته مفعمة بالنشاط وللأسف غادر الحياة بهذه الطريقة"، ومضى فنديكتوف يقول إن بيريزوفسكي يترك وراءه سمعة متضاربة مضيفا أن الكثير من الروس يرونه "شخصية اسطورية مثل هرقل أو على العكس.. مثل هاديس."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/نيسان/2013 - 27/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م