الانتخابات والدور الاستشاري للاحزاب

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: بدأ العد العكسي لاجراء انتخابات مجالس المحافظات في العراق، في العشرين من الشهر الجاري، وتنطوي هذه الفعالية الاستشارية الديمقراطية الهامّة، على جملة من النتائج المرتقبة، حيث تترتب عليها قيام حكومات محلية، تقع عليها مسؤولية التصدي لقيادة المحافظات بصيغ افضل واكثر جودة في الاداء، لا سيما ان الحكومات المحلية الماضية لم تحقق ما كان يصبو إليه الشعب في تحقيق خدمات وادارة افضل، بالاضافة الى أهمية ترسيخ النظم والقوانين، والفعاليات المختلفة، ومن بينها دور الاحزاب السياسية في تفعيل المشهد السياسي.

ولاشك أننا نتفق على الدور الاساسي للاحزاب، في تحديد مسارات الانتخابات ونتائجها، والتحكم بمجرياتها، بسبب قدرة مؤسساتها على التأثير في سير الانتخابات.

إذ يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الاسلام)، على: (انّ الأحزاب السياسية ومؤسساتها لها تأثيراتها على سير الانتخابات، ولعلّ هذه التأثيرات تبدو واضحة أكثر للعيان فـي التركيبة الداخلية للمؤسسات الحكومية).

وهكذا لا يمكن البت بأن دور الاحزاب هامشي في اجراء الفعالية الانتخابية وتحديد نتائجها واتجاهاتها، ولكن يبقى هذا الدور محدودا، كونه يرتبط بطبيعة العلاقة القائمة بين الاحزاب، والناس الذين غالبا ما ينظرون الى الاحزاب بعين الريبة.

ضعف التأثير الحزبي

كما تشير الوقائع القائمة ان العلاقة بين الطرفين (الاحزاب/ الجماهير) متذبذبة، لانها لم تنهض على أسس راسخة، فضلا عن الاخطاء التي ارتكبتها الاحزاب في ادارة كثير من بلدان العالم ومنها العراق، ولعل التاريخ السياسي العراقي الحديث يؤكد التناحر الحزبي على السلطة، والاقتتال للوصول اليها بطرق الانقلابات العسكرية واستخدام القوة الغاشمة، بدلا من التداول السلمي.

لهذا يبقى تأثير الاحزاب على الجماهير محدودا وغير فاعل، بسبب الاشكالات العديدة التي تتعرض لها العلاقة بين الاحزاب من جهة والجماهير العريضة من جهة اخرى، والحديث هنا يتعلق بالاحزاب السياسية في العالم الثالث، الذي ينتمي إليه العراق في البنية السياسية، وقد تضاءل حضور الاحزاب في هذه الدول بسبب عدم اقدام الجماهير عليها.

لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع في كتابه المذكور نفسه: (على الرغم من مرور اكثر من نصف قرنٍ على تأسيس الأحزاب السياسية في هذه البلدان - بلدان العالم الثالث - فإنه لا تزال قضية الحزب شيئاً جديداً بالنسبة للجماهير الشعبية العريضة والفئات الواسعة من أفراد المجتمع).

والواقع ان هذه الظاهرة لا تزال قائمة حتى الان، حيث توجد خشية حقيقية من الانتماء للحزب السياسي، بعد التجربة القاسية التي عاشها العراقيون مع الاحزاب، ويرى الامام الشيرازي أن هناك عاملين أساسيين لهذه الظاهرة هما:

(1-إنّ شعوب العالم الثالث لها ذكرياتٌ مُرّةٌ دائماً مع الأحزاب السياسية في بلدانها.

2- فقدان الكتب اللازمة وعدم تعليم قواعد السياسية في المعاهد بوجه صحيح أدى إلى جهل المجتمع وخاصة جيل الشباب فيه بالقضايا السياسية والحزبية حتى تدار الأحزاب بالوجه الصحيح).

وهكذا أسهم هذان العاملان بقوة في ضعف دور الاحزاب، الامر الذي يتطلب التصحيح، اذ يؤكد الامام الشيرازي على: (انّ الأحزاب السياسية واجهت الفشل من أُولى تجربتها الاجتماعية المرتبطة بالانتخابات النيابية وانتخابات مجالس المدن).

تساؤلات مشروعة

وقد ولدت هذه الظاهرة أسئلة جوهرية لدى الجماهير بصدد الاحزاب، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي، فقد جاء في هذه الاسئلة: (هل للأحزاب مقدرة على تجسيد الخيارات الاجتماعية للشعوب ؟ وهل هي قادرة على التعبير عن رؤيتها العالمية وتحسسها بقضايا الأمة أو تؤدي إلى تصنيف المجتمع إلى فئاتٍ نخبوية بلا حدود وفئاتٍ فقيرة بلا حدود ؟ وهل هي قادرة على أن تكون سنداً وقوةً للجماهير الشعبية ؟). ويضيف الامام الشيرازي تساؤلات اخرى قائلا: (هل الاحزاب قادرة على أداء الرسالة والقيام بالواجبات، وتكون الحصيلة إقبال الناس على عضويتها والعمل على إعلاء البلاد ؟ وهل توجد علاقة بين الأحزاب والشعوب ؟ وهل يمكن لزعمـاء الأحزاب أن يوجدوا رابطةً أو صلةً مع جماهير الشعب على أساس الخيارات الاجتماعية المشتركة ؟ وفـي أي ظروف يمكن للأحزاب السياسية أن تكون مكملّةُ للديمقراطية ـ الاستشاريةـ التي بدأت تسود المجتمعات الحديثة، وأين تكمن حسنات الأحزاب وأين تكمن مساوئها؟ وكيف يُمكن للأحزاب أن تكسبَ لنفسِها أرضية الكفاح الاجتماعي ؟ وكيف يُمكن للعناصر المؤلفة للأحزاب أن تتفهم الأداة المُحرّكة للنشاطات الاجتماعية وأن تتحسس ضرورة مثل هذه النشاطات ؟ وكيف تصبح قوى الأحزاب السياسية في المجتمعات أداة تحقيق لأغراضٍ شخصيةٍ خاصة؟).

لذلك على الاحزاب وقيادتها على وجه الخصوص، أن تدرس أهمية دورها في الانتخابات، وان تتصدى لهذه المهمة بجدية عالية، خاصة ان تجارب الاحزاب في الغرب المتقدم، تؤكد اهمية دور الاحزاب في الدورات الانتخابية، بل تؤكد تقدمها على جميع الادوار الاخرى.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (إن قوة الأحزاب في البلدان الغربية هي في إطِّراد نظراً لإقبال الناس على هذا النوع من المدارس السياسية، حتى باتت الحكومات غير قادرة على البقاء في السلطة أو في سعيها للسلطة دون دعم ومساندة من الأحزاب، فالحكومات التي جاءت إلى السلطة بدون دعم حزبي لم تدم طويلاً فسقطت في مواجهتها لأقل مانع أو مشكلة، وقد وصل الأمر إلى حدّ أنّ الأحزاب السياسية أصبحت في المجتمعات الغربية من مستلزمات الديمقراطية، فأكثر الرجالات السياسية في عالمنا اليوم هم زعماء أو ممثلون لحزبٍ ما، أو كانوا في الماضي يتزعمّون حزباً ما).

وهكذا ينبغي أن تؤدي الاحزاب السياسية ادوارها الاستشارية الديمقراطية، في الانتخابات على النحو الافضل، وعليها أن تبني اواصر الثقة بينها وبين الجماهر وتجسّر العلاقة السليمة بينهما، بما يخدم تطلعات هذه الجماهير، من خلال نجاح الاحزاب في ادارة السلطة على الوجه الامثل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/نيسان/2013 - 27/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م