تونس... رائدة الثورات يُميعها الجنس!

 

شبكة النبأ: هل الصدفة؛ أن تتقاطع أهداف ثورة جماهيرية كبيرة تنطلق من جسد إنسان أنهى حياته حرقاً، مع مطلب انساني بسيط وهو تلبية الرغبة الجنسية، ثم يتحول الجنس بحد ذاته حديثاً للشارع في تونس – تحديداً- التي يعود  اليها الفضل في إشعال شرارة ما يسمى بـ"الربيع العربي"..؟ و إن حامت الاستفهامات حول ملابسات حادث انتحار "بوعزيزي"، ذلك البائع المتجول في العاصمة تونس، وحقيقة حادث اعتداء الشرطية بصفع الشاب وسط الشارع، مما دفعه للانتحار.. لكن في كل الاحوال، هل كان الجنس حاضراً في مشاعر الشاب المنتحر أو غيره ممن ثاروا ضد السياسات الظالمة والفاسدة لنظام بن علي، سواءً مع أو ضد الجنس..؟

فما السبب في تحوّل تونس من الريادة في تصدير الثورة على الانظمة الفاسدة والديكتاتورية، الى الريادة في تصدير الجنس..؟!

هنا أقول: ربما هي الصدفة الطيبة التي طالعت فيها كتاباً جديداً لسماحة الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – طاب ثراه- تحت عنوان "فقه المستقبل"، وفيه يوصينا سماحته بأن "صناعة المستقبل تتم عبر البرنامج الذي يضعه الانسان لتحقيق أهدافه الكبيرة"، وهذا تأكيد يصدر من سماحته قبل رحيله عام 2001، بمعنى أن الشعوب التي تفقتد للأهداف الكبيرة، وتكتفي بصغائر الأمور، تفتقد – بالضرورة- مستقبلها، وتغدو عرضة لعواصف الفتن والاضطرابات..

وتونس؛ هذا البلد الأخضر الجميل، والوادع على شواطئ البحر الابيض المتوسط، ذو البعد الحضاري بجامعة "القيروان"، وإرثها العلمي والثقافي الذي يعود الى القرن الأول والثاني للهجرة.. تتعرض اليوم لهجمة شرسة من قبل أدعياء الدين وأنصاف المفتين، تنهش أجساد النساء المسلمات، لا لشيء سوى لأنهن يدفعن ضريبة استعادة هويتهنّ الدينية بعد اضطهاد وتعسف علماني.

لكن كيف يتم ذلك..؟ هل من خلال سيطرة جماعة "حزب النهضة الاسلامي" على الحكم، والذي تم لها عام 2011 ؟ أم استيراد التيار السلفي للنمط السعودي الى تونس، بضوء أخضر من الجماعة الحاكمة.

سعيد فرجاني، المسؤول بالمكتب السياسي لحزب النهضة يقول: "لا نسعى لفرض أسلوب حياة على أي إنسان، إننا هنا لندافع عن الحرية.."، ولم يحدد هذا المسؤول "الإسلامي" شكل الحرية ولا حدودها، كما في أي بلد في العالم، لأنه ربما يريد أن يكرر نجاح التجربة التركية مع علمانية "أتاتروك"، متجاهلاً الفوارق الاجتماعية والتاريخية بين المجتمع التركي والمجتمع التونسي، فعلمانية "بورقيبة" جاءت ليس فقط لتفصل المرأة عن الأحكام الاسلامية برمتها، إنما استهدفت التراث الاسلامي برمته، وجعلت المعالم الحضارية في تونس، أماكن سياحية يسترزق منها النظام الحاكم، بل إن هذا الحزب لم يكلف نفسه العمل على تعديل فقرات من الدستور تتعلق بقانون الاحوال الشخصية، حيث معروف أن تونس الوحيدة بين الدول العربية والاسلامية، التي تحظر زواج أكثر من واحدة، وتفرض المساواة في الإرث، والأهم من كل ذلك ثقافة  وسلوك افراد المجتمع، حيث يقول هذا "الإسلامي" في حديث صحفي مشيراً على فتاة تونسية معترضة على الحالة الإسلامية في بلدها، وقامت في الآونة الاخير بنشر صور لها عارية الصدر في مواقع النت، وقال: "نحن نحمي حقوقها، ولكننا أيضا نحمي حقوق المرأة التي ترتدي النقاب.."، واعتقد جزماً أنه التباساً شديداً حصل لهذا القيادي "الإسلامي" التونسي، بين دوافع الفتيات الاوكرانيات اللاتي ابتدعن اسلوب تعرية الصدر للاحتجاج على تقنين دور البغاء وحظر بعضها، خلال مباريات كأس الأمم الاوربية العام الماضي. وبين هذه الفتاة التي لو كانت تفعل الشيء نفسه في العهد البائد لأثارة السخرية والاحتقار، أما اليوم فهو زمن الظهور والبحث عن دور أمام عدسات الكاميرا، وعلى مواقع النت المنتشرة في البيوت وايضاً في جيوب الشباب.

وما يؤكد عدم وجود مشكلة اسمها "الجنس" في تونس، أنها بالأساس لم تكن تحت ظل أحكام الشريعة الاسلامية، ولم تكن هناك حالة من الشد والجذب بين ثقافة التحلل والثقافة الدينية، كما هو الحال في مصر وسائر البلاد العربية والاسلامية، إنما الفرق اليوم، أن المتبرجات وغير المحجبات يجدن أمامهن صوراً جديدة، وهي ارتداء بعض النسوة للحجاب بحرية مطلقة وايضاً النقاب.. والى هذا ينهض "حزب النهضة"، وحسب مسؤوليه، يدعو الى ارتداء الحجاب واطلاق اللحى والصلاة في الجوامع، وهذا لا تناقض بالمرة مع وجود النساء بملابس البحر على الشواطئ، أو وجود الشباب في الملاهي.. ربما تكون هذه رسالة الى الشعب التونسي بأنهم مقبلون على "ليبرالية إسلامية"، وليس غربية.

المعطيات الموجودة في الساحة تشير الى أن هذا المنحى، يجبر تونس على دفع فاتورتين خطيرتين في هذه البرهة الزمنية على الأقل:

الفاتورة الاولى: تحول الدوافع الجنسية، الى معول لضرب قيمة مقدسة وفريضة كبيرة في الإسلام، وهي الجهاد.. فيبدو أن الدماء والعنف لم تكن بالاسلوب الذي يقلل من شأن الجهاد ويشوه صورته في الأذهان، لأن الفطرة السليمة لكل إنسان عارضت بشدة وقوة، ربط الصور البشعة لأشلاء الأطفال، والاجساد المحترقة، بسماحة الإسلام، وحرصه الشديد على حق الانسان في العيش الكريم. لذا كان لابد من تجربة "النجس"، فهو أولاً اللغة المفهومة والسريعة الانتشار، ويمكن إلصاقها بمن يسمون بـ "المجاهدين" في سوريا. ومجرد الإعلان عن وجود فتوى للشيخ الوهابي السعودي "محمد العريفي"، ومن على شاشة قناة "الجديد" الموالية لسوريا، بدعوة النساء في سوريا الى "جهاد المناكحة"، حدث التفاعل الكبير والعجيب في تونس قبل غيرها، وحسب المصادر فقد غادرت 13 فتاة وإمرأة حتى الآن الاراضي التونسية الى سوريا. كما لو إن مفاد الرسالة "الوهابية - السلفية" الى المتحفزات للجنس في تونس، "إن كنتن تردن الحرية الجنسية وغير راضيات على الوضع الموجود، فبالامكان الاستفادة من هذه الطاقة لدعم ومساندة الثوار في سوريا الذين تخلّوا عن نسائهم طوال سنتين لمقاتلة نظام الأسد.."!

الفاتورة الثانية: على الصعيد الاجتماعي، تتمثل في التحدي الذي تواجهه العملية التربوية الدينية التي تعدها الشريحة المحافظة في المجتمع التونسي، طوق نجاة من أجواء التحلل الاخلاقي. فاضافة الى حرية ارتداء الحجاب الذي تنعّمت به المرأة الملتزمة، فان الاطفال ايضاً تنعّموا برياض أطفال خاصة خارج نطاق الدولة وقوانينها التي تحظر التربية الدينية، لكن حادثة وقعت في تونس اخيراً ألحقت السوء بسمعة هذه الرياض. عندما ارتكب حارس إحدى الرياض جريمة الاغتصاب بطفلة صغيرة، مما دعى رفع الأصوات من حماة العلمانية بإغلاق هذه الرياض التي انتشرت في تونس. قبل غلق هذه الروضة واعتقال الجاني.

واستبقت وزيرة المرأة والاسرة في تونس، أولياء أمور الاطفال بالشكوى من هذه الرياض، عندما دعتهم "الى التأكد من أن رياض الاطفال التي يقصدونها تحمل تراخيص قانونية قبل وضع ابنائهم فيها"! وحسب مصادر في حركة النهضة الاسلامية، فان عدد هذه الرياض في تونس يبلغ حوالي 1200 مدرسة. علماً إن السلفيين الذين يديرون هذه الرياض يطلقون عليها بـ "المدارس القرآنية".

ربما يكسب التيار  السلفي جماهيره في تونس، بوجود حملة تشويه منظمة له، وأن مرتكب جريمة الاغتصاب ربما يكون مدفوعاً ومأجوراً، وحتى الفتوى، فهناك من يدافع عن الشيخ العريفي وإنكاره لفتواه الشهيرة، إلا إن الخطأ الكبير للسلفيين في تونس هو أنهم يتصيدون في ماء عكر، فالتوجه المعتدل الذي يدعونه، سيتغير بالضرورة عندما تكون الحاجة اليه ماسّة، فيما يتعلق بأمر الجهاد، الذي من الصعب التخلّي عنه، فطالما عبئوا الشباب السوري لمقاتلة النظام القائم في سوريا، واليوم، ولمواجهة عاصفة ردود فتوى "جهاد المناكحة"، اعلنوا أن لا وجود للجهاد في سوريا، ضاربين عرض الحائط فتوى سابقة تحق الحق للمليشيات المسلحة في سوريا باتخاذ النساء والفتيات السوريات سبايا لدى اعتقالهن، والتعامل معهن على أساس أنهن "إماء" ولا حرج من ممارسة الجنس معهن..!

هذه الصورة السوداوية، من المستحيل للسلفيين مهما أوتوا من مال خليجي وفير، وقوة تنظيمية وسياسية، من أن يمحوها من أذهان الشعب التونسي، ليبقى متأرجحاً من طموحات التغيير والإصلاح ومحاربة الفساد، وبين هواجس السلفية والظلامية التي يبدو انها تخيم عليهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/نيسان/2013 - 26/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م