شبكة النبأ: حين يتم الحديث عن
التربية والتعليم في العراق فانه يكتسب مسحة من التشاؤم لدى الخبراء
والمعنيين الحقيقيين، ويكون مدعاة للتفاؤل عند الخبراء والمعنيين
الطارئين على اللوحة التربوية والتعليمية بعد العام 2003.
حجم الخراب كبير، اتفق مع الجميع على ذلك، لكن ما الذي فعلناه؟
حتى الان اكاد اقول لا شيء.
تعددت الاسباب التي يوردها المختصون للتدهور في التربية والتعليم في
العراق، منها الامنية، والاقتصادية، ومنهم من يضيف اسبابا اجتماعية
لهذا التدهور.
الكثير منا يدفعون مبالغ كبيرة للدروس الخصوصية لابنائهم، او
لادخالهم مدارس خاصة، بعيدا عن المدارس الحكومية وتكلسها في خططها
واداراتها.
ما الذي يجعل هؤلاء الاباء يدفعون مثل تلك المبالغ؟
النجاح او التفوق او الحصول على فرصة مضمونة مستقبلا للتوظيف او
الوجاهة الاجتماعية؟
ليست بين يدي احصاءات او ارقام لتحديد السبب المباشر، الا انني وكأب
مثل ملايين الاباء، احلم بنجاح ابنائي واطمح ان يكونوا متفوقين في
دراستهم، ولا اطمع في اكثر من هذا، فالتوظيف مستقبلا في علم الغيب، وهو
يستدعي مراحل دراسية اخرى، قد لا اكون حيا للمشاركة مع ابنائي في توفير
فرصها لهم.
قبل هذا وذاك، اطرح هذا السؤال على نفسي: هل احب العلم والتعلم،
واشعر بانه يحقق انسانيتي بعيدا عن النجاح والتفوق؟
ثم لو ان ابنائي وبعد سنوات طويلة من الكد والتعلم المتواصل لم
يحصلوا على وظائف مناسبة لهم ولجهودهم، هل يكون العلم والتعلم عديم
الفائدة؟
هذه الاسئلة وغيرها كثيرا ماطرحتها على نفسي، وانا اشاهد الاخرين
نصف عين على العلم والتعلم وعين ونصف على الوظائف.
والتوظيف يقترن بالشهادة الدراسية، وكلما كانت اكبر كان ذلك افضل،
لكن بالمقابل هناك ايضا منافسة بين الشهادات الحقيقية والاخرى المزورة،
وكثيرا ماكسب التزوير جولات عديدة في السابق، وتكسب الان المحسوبية
والمنسوبية جولات اخرى.
في التسعينيات من القرن الماضي، كان الكثيرون يتهربون من الوظائف
الحكومية لقلة مردودها المادي، وكانت الاعمال الحرة هي الجهة التي
يتوجه الخريجون اليها، للمردود المادي الجيد لتلك الاعمال والمهن.
في تلك السنوات تقدم المال على الشهادة، وبعد العام 2003 تقدمت
الشهادة على المال، ليس ترفعا عنه بل استدراجا له بواسطتها.
بعبارة اخرى، اقترن العلم والتعلم بالمال، وهنا يبرز سبب ثقافي
بامتياز الى الاسباب الاخرى التي ذكرتها في البداية حول تدهور التربية
والتعليم في بلادنا.
وكمثل على ذلك، وهو مثل يبدو للوهلة الاولى غير ذي صلة بما اقوله،
لكنه بالمحصلة يشمل الالاف من الاباء والامهات الذين يدفعون المال
للدروس الخصوصية لابنائهم او للمدارس الخاصة لهم.
الخبر ماكشفت عنه وزارة التربية عن عزوف هائل في اعداد الدارسين
الملتحقين بمراكز محو الامية في العاصمة بسبب عدم منح التخصيصات
المالية حتى الان.
وقال احد مدراء اقسام محو الامية ان هناك عزوفا واضحا لالتحاق
الدارسين من غير المتعلمين في مراكز محو الامية بسبب عدم اقرار اي
مبالغ مالية للدارسين حتى الان، وهو ما يجذب الملتحقين بمراكز محو
الامية خلال الفترة السابقة ومنذ 3 سنوات.
واكد هذا المدير ان غالبية مراكز محو الامية حاليا خالية من
الدارسين الاميين بسبب عدم منحهم الاجور الشهرية التي تم تخصيصها ضمن
ميزانية عام 2013، وذلك لعدم اقرارها ووصولها الى هذه المراكز حتى الان،
مبينا ان الوجبة الاولى لادخال دارسي مراكز محو الامية تقدر بنحو 500
الف دارس ولا نعلم حتى الان إن كانوا سيحصلون على اجور مالية ام لا.
وذكر المدير ان القانون الجديد لمحو الامية تضمن الزام جميع الاميين
على الالتحاق بمراكز محو الامية لغرض التعلم من قبل محاضرين متخصصين
لتعليمهم من معاهد المعلمين والكليات التربوية.
ما يريد قوله هذا المدير، ان لا احد يريد التعلم دون ان يقبض
استحقاقا ماديا ليتعلم قراءة الجملة الشهيرة (العلم نور والجهل ظلام)،
وهو يقول ايضا ان الالزام في قانون محو الامية غير قادر على احضار
هؤلاء الى قاعات الدرس.
ربما يعترض كثيرون ويقولون بان هؤلاء الاميين بحاجة الى هذا المال
للتفرغ لغرض التعلم، تعلم ابجديات القراءة والكتابة لارتباطهم ربما
باعمال ومهن لايستطيعون التفريط بمردودها المالي، وربما يعترض اخرون
ويقولون ان لا احد من الاميين يدفع اموالا لغرض تعليم ابنائه، لكنني
اعود الى المبدأ العام وهو الذي اؤكد عليه في هذه السطور، واتساءل: هل
العلم والتعلم غاية ام وسيلة؟
هل رغبتي بالتعلم واكتساب معارف ومهارات جديدة ومتنوعة ومتجددة تضيف
لي ولانسانيتي شيئا، ام ان رغبتي في التعلم تقترن بالحصول على مردودو
مالي لهذه الرغبة؟
وانا اتحدث هنا عن مطلق العلم والتعلم، والذي هو مايريده قانون محو
الامية، رغم ماقد يرافق ذلك من سلبيات تعودنا عليها في القوانين
الحكومية.
الاف من الاميين لايريدون ان يتعلموا ابجديات القراءة والكتابة، وان
يفكوا خطوط المعرفة من اسماء وكلمات، تنفتح بهم على الدهشة والتساؤل،
الا لقاء دنانير معدودة، رغم توفرها في جيب الحاج راضي في مسلسل (تحت
موس الحلاق) الا ان عبوسي العامل الاجير عنده هو من قرأ رسالة ام غانم.
رددوا معي: المال نور والعلم ظلام. |