الثقافة السياسية... ضمور أم غياب؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: غالبا ما نتكلم عن الثقافة وقدرتها على تنظيم حياة المجتمع، ودفعه نحو آفاق التطور والتحديث المستمر، وكلنا نتفق على الرأي الذي يقول، اذا صحَّت الثقافة تصح معها كل مجالات الحياة، لهذا تعد الثقافة المرتكز الاساس لتطوير حياة الفرد والمجتمع على حد سواء.

هناك الثقافة السياسية، التي تنتمي للثقافة بمفهومها العام، بمعنى أن الثقافة السياسية هي احدى فروع الثقافة والمعرفة بشكل عام، ولكن في حقيقة الامر أن هذا النوع من الثقافة يكاد يكون مهملا تماما بالنسبة لذوي الشأن، ونعني بهم السياسيين الذين يديرون الحكم في مجتمعاتنا، لهذا يكاد يكون هذا النوع من الثقافة مغمورا ومهملا الى حد بعيد.

وحتى لا يكون كلامنا خاليا من الادلة، فإننا نتابع على مدار الساعة ما يخرج من تصريحات للسياسيين، عبر وسائل الاعلام المختلفة، خصوصا القنوات الفضائية والاذاعات الخارجية والمحلية، ومئات البرامج السياسية التي تضيّف عشرات السياسيين، حيث نلاحظ غياب الرؤية السياسية لمعظم السياسيين وافتقارهم لتنظيم الافكار وطرح البرامج، وضعف اللغة التي يتحدثون بها من حيث التعبير او البيان او النحو وما شابه.

وهكذا تبدو قضية ضعف الثقافة السياسية حاضرة بقوة في مجتمعاتنا، علما ان من اولى الاشتراطات التي تشترط بمن يعمل في السياسة ويدير شؤون الملايين من البشر، انه ينبغي ان يكون صاحب معرفة مستقاة من التاريخ السياسي البشري المتعدد المسارات والاتجاهات، فضلا عن التاريخ السياسي للبلد نفسه، بالاضافة الى اهمية الاطلاع على العلوم السياسية حتى يكون السياسي ذا عقلية قادرة على اتخاذ القرار الصحيح والمناسب المستقى من خبرات ومعارف أتقنها السياسي وجعلها في مقدمة اهتماماته ومعارفه.

الذي يحدث في مجتمعاتنا مسار مناقض تماما لهذا الرأي، اذ أن معظم الذين يعملون في حقل السياسة يفتقرون للثقافة السياسية في ابسط صورها وادنى مستوياتها، ومع ذلك يدخل هؤلاء في لب العمل السياسي، لهذا نلاحظ التخبط في اتخاذ القرارات والعشوائية والافتقار للمنهج والتنظيم والتنفيذ السليم، ولا شك أن هذه الفوضى ناجمة عن عمل الاشخاص غير السياسيين في الحقل السياسي، مع انهم لا يمتلكون المعرفة السياسية ولم يسعوا الى تحصيلها لاسباب عديدة، منها واولها أننا نركز على الثقافة العامة ونهمل فروعها ومنها الثقافة السياسية.

إن السياسة لا تعني استلام السلطة فقط، إنها نوع من الادارة العميقة والدقيقة والشاملة لشؤون الدولة والمجتمع، انها تشمل عموم المهام التي تتعلق بالدولة والشعب، وهذه المهام لا يمكن أن يتصدى لها غير العارف ممن لم يهضم الفنون السياسية ولم يطلع على علومها نظريا ثم تطبيقيا، وهذا ما يحدث الان فعلا في ساحتنا السياسية، حيث تُدار بلداننا من لدن اشخاص لا يمتلكون الفهم التام للسياسة ومتطلباتها.

علما أن بعضهم او معظمهم يقول، إننا نحاول أن نتعلم السياسة وادارة شؤون الدولة والمجتمع، لكنهم لا يسعون الى تحصيل المعرفة السياسية ولا يقومون بقراءة التجارب الماضية للسياسيين، وهكذا تكون ثقافتهم السياسية في حالة ضمور او غياب دائم، الامر الذي ينعكس على الاداء السياسي للحكومة، فيكون صنع القرار فوضويا عشوائيا يتسم بالجهل وعدم الوضوح، فضلا عن الثغرات التي تتيح مجالا للفساد وما شابه.

ان معالجة هذا الخلل لا يتعلق بالمزاج الفردي للسياسي او ظرفه، بل هي قضية تهم حياة المجتمع اولا، ومن البديهي أن يتم رفض غير المثقف سياسيا ومنعه من العمل في الشؤون السياسية، لهذا تم تحديد الضوابط ومنها الشهادة الدراسية، لكي يتم ضمان ثقافة في مستواها الادنى لمن يتقدم للعمل في السياسة، واخيرا لابد من اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة هذا الخلل الخطير من خلال القيام بخطوات اجرائية ملزمة لكل من ينوي العمل في الحقل السياسية، واهمها ان يكون ملما بثقافة سياسية جيدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/نيسان/2013 - 21/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م