بورما... منجل تطرف يحصد ارواح الابرياء

 

شبكة النبأ: تصاعد موجات العنف بين البوذيين والمسلمين في دولة ميانمار، والتي كانت تُعرف سابقا بإسم بورما، مؤخرا بشكل غير مسبوق، ويعد هذا التصاعد من موجات العنف الاخطر منذ حوادث العام الماضي في غرب البلاد، التي أدت الى اتساع نطاق العنف الطائفي وشكلت  مأساة إنسانية لا توصف، مما يثير مخاوف من ان يمتد التوتر الديني ويهدد البلاد التي تقوم باصلاحات عميقة.

إذ يشكل تجددت الصدامات العرقية بين البوذيين والمسلمين في دولة ميانمار، حربا بلا هوادة ضد آخر جيوبِ المقاومة الانسانية المتمثلة بالأقلية العرقية من المسلمين (الروهنجيا) والذين يعيشون بلا جنسية على امتداد حدود ميانمار مع بنجلادش في ظروف صعبة ويلقون معاملة سيئة من تلك الأغلبية البوذية.

حيث كشفت اعمال العنف التي تسببت في نزوح عدد كبير من الروهينجيا في زوارق الى جنوب شرق اسيا، تجذر العنصرية بشدة في المجتمع البورمي البوذي الذي تعتبر الاغلبية الساحقة فيه ان البوذية جزء اساسي من الثقافة الوطنية.

ففي الوقت الذي يتفاقم الوضع الإنساني سوءا يوما بعد يوم، مازال نازحو الروهينجيا يعانون وضعا انسانيا حرجا تجسد مأساة حقوقية راح ضحيتها مئات الآلاف من الروهينجا ميانمار، الذين نزحوا هرباً من الاضطهاد على مدى العقود الثلاثة الماضية، حيث أثارت القضايا العنصرية والدينية وفي مقدمتها الكراهية التي لا تنتهي مطلقا والرغبة في الانتقام والاعمال الفوضوية الانتقام وارهاب وقتل بعضهم البعض خطرا متزايدا من العنف والاضطرابات وبعد عقود من اشكال مختلفة من الاضطهاد وقيود في قطاعي الصحة والتعليم، جاءت اعمال العنف الاخيرة لتنسف كل امل للتعايش السلمي، من جهتها عبرت المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها من قمع الذي يستهدف المسلمين في هذا البلد، ففي ظل تزايد أعمال العنف الدينية وغياب المسؤولية في ردع  المتطرفين في بروما، ستلقي تلك الامور آنفة ذكر بظلالها على الوضع الإنساني وبالتالي ستفاقم من الفوضى وتفشي الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في البلاد بشكل دائم.

تجدد العنف الطائفي

فقد اتسع نطاق اعمال العنف الطائفية في بورما ليصل الى مشارف مدينة رانغون فيما حذرت الولايات المتحدة رعاياها من التوجه الى بعض مناطق البلاد على اثر ارتفاع حصيلة مواجهات الى 40 قتيلا، فيما نصحت الولايات المتحدة رعاياها بتجنب التوجه الى منطقة ماندالاي البورمية وبعض احياء رانغون بسبب اعمال العنف الطائفية الدامية التي وقعت في الايام الماضية كما اعلنت سفارتها على موقعها الالكتروني.

واوضحت السفارة الاميركية في رانغون ان اعمال العنف بين البوذيين والمسلمين في ميكتيلا بمنطقة ماندالاي تسببت "بتأجيج المشاعر لدى عدة اطراف" ونصحت الرعايا الاميركيين بتجنب التوجه الى تلك المنطقة وكذلك الى بعض احياء العاصمة السابقة، وقال مسؤول اخر في الشرطة ان الشرطة في رانغون تلقت تعليمات بالتيقظ تحسبا لحصول حوادث اخرى مشيرا الى ان بعض الجنود يقومون بدوريات ايضا في المدينة.

وبحسب الامم المتحدة ونقلا عن تقديرات حكومية فان اكثر من 12 الف شخص نزحوا بسبب هذه الاحداث، وعاد الهدوء في الايام الماضية الى ميكتيلا لكن اعمال العنف توسع نطاقها لتصل الى مدن اخرى في المنطقة لكن بدون سقوط ضحايا، وتم اعتقال عشرات الاشخاص للاشتباه في مشاركتهم في اعمال الشغب هذه التي تدل على توتر يثير قلقا شديدا بين البوذيين والمسلمين. بحسب فرانس برس.

وهذه المواجهات تذكر بالتحدي الكبير الذي تطرحه التوترات بين المسلمين والبوذيين للحكومة التي تحاول ادخال اصلاحات في البلاد بعد عقود من حكم عسكري بقبضة من حديد انتهى قبل سنتين، وقد حذر نظام بورما من "التطرف الديني" واعدا ببذل كل ما في وسعه لفرض الامن بعد اعمال العنف، وفي عام 2012 اوقعت اشتباكات بين بوذيين من اقلية الراخين العرقية ومسلمين من اقلية الروهينجيا اكثر من 180 قتيلا وادت الى نزوح 110 الف شخص في غرب البلاد.

فرض حالة طوارىء وسط بورما

في سياق متصل فرضت حالة الطوارىء في مدينة ميكتيلا وسط بورما في اليوم الثالث من اعمال عنف بين مسلمين وبوذيين اسفرت عن سقوط عشرين قتيلا على الاقل بينما انتشرت جثث متفحمة في الشوارع، وقال صحافيون في المكان ان احياء باكملها في المدينة ومساجد احرقت، في حين يسيطر على الشوارع رجال مسلحون بالعصي والسكاكين.

وصرح احد سكان المدينة "نشعر بالخوف ونحاول البقاء في منزلنا بامان"، وفرضت السلطات حالة الطوارىء في اربع بلدات لكي تسمح للجيش بالتدخل لاعادة النظام ومساعدة الشرطة المحلية التي تجاوزتها الاحداث.

وقالت الرئاسة في بيان وقعه الرئيس ثين سين ان "اعمال الشغب والارهاب انتشرت بشكل واسع"، مؤكدة انه "لا بد من تقديم مساعدة من قبل العسكريين" لاعادة الامن، وبدأت المواجهات بسبب شجار بين بائع مسلم وزبائن، ثم امتدت وخرجت عن سيطرة الشرطة بعد ذلك، وهدد كهنة بوذيون وشبان مسلحون بعصي وسكاكين مجموعة من الصحافيين واجبروهم على تسليمهم شرائح الذاكرة لآلات تصوير كانت بحوزتهم.

وتمكن عدد منهم من مغادرة المدينة ظهر اليوم بحماية قوات الامن، لكنهم خضعوا للتفتيش للمرة الاخيرة من قبل مجموعة من مثيري الشغب، ولم تنشر حصيلة رسمية لضحايا المواجهات. لكن مسؤولا في الشرطة قال لفرانس برس طالبا عدم كشف هويته ان عشرين شخصا على الاقل قتلوا، واضاف "نقدر ان العدد اكبر من ذلك بكثير لكن يصعب علينا الحصول على ارقام"، وتحدث وين هتين النائب عن الرابطة الوطنية للديموقراطية حزب المعارضة اونغ سان سو تشي عن سقوط 25 قتيلا بينما ذكر سكان ارقاما اكبر.

وضع انساني حرج

الى ذلك اكدت منظمة اطباء بلا حدود الخميس ان عشرات الآلاف من النازحين الروهينجيا يعانون من نقص الرعاية وبينهم عدد كبير من الاطفال الذي يعانون من نقص التغذية، مشددة على "الوضع الانساني الطارىء" لهؤلاء الفارين من اعمال العنف في غرب بورما.

وقالت المنظمة في بيان ان عشرات الالاف "لا يحصلون على الرعاية الطبية التي يحتاجون اليها بشكل عاجل" ولا مياه الشرب والخدمات الاساسية.

وصرح المدير العام لفرع المنظمة في هولندا الذي يقوم بالعمليات في بورما اريان هيهنكامب ان "اطباء بلا حدود رصدت الاحتياجات الطبية الاشد الحاحا بين الذين يقيمون في مزارع للارز او اراض اخرى"، واضاف ان "غياب الامن والتهديدات والترهيب من قبل مجموعة من اتنية الراخين، صغيرة لكن صوتها مسموع، اثرت الى حد كبير على قدرتنا على تسليم المواد الطبي"، ويتهم الراخين الامم المتحدة ومنظمات العمل الانساني بانهم يقصرون اهتمامهم على الروهينجيان وهو ما تم رفضه، من جهة اخرى، قال متحدث باسم الجيش التايلاندي ان حوالى ستة آلاف لاجىء من الروهينجيا دخلوا المياه الاقليمية التايلاندية بزوارق منذ تشرين الاول/اكتوبر. بحسب رويترز.

وذكرت القيادة الداخلية للعمليات الامنية المكلفة الامن الداخلي في الجيش انه من اصل 5899 من الروهينجيا الذين دخلوا اراضي تايلاند، وضع 1752 في مراكز احتجاز وامن ومنشآت اخرى، وتابع الناطق باسم هذه الادارة ديثابون ساساميت ان آخرين اعيدوا مع زوارقهم، بدون ان يذكر رقما محددا، وكانت تايلاند اعلنت انها توافق على بقاء الروهينجيا على اراضيها ستة اشهر بانتظار ان يستقروا في بلد آخر، لكنها اكدت بعد ذلك انها لا تستطيع استقبال مزيد من هؤلاء اللاجئين وابعدت سفينة واحدة على الاقل تقل اكثر من مئتين منهم بدون ان تقدم لهم الماء والغذاء.

تدفق جديد للاجئين الى اندونيسيا

في حين استقبل صيادون اندونيسيون 63 لاجئا من مجموعة الروهينجيا البورمية كان زورقهم يبحر على غير هدى قبالة سواحل سومطرة (شمال غرب) على ما افاد مصدر في الشرطة الجمعة بعد ثلاثة ايام على وصول اكثر من مئة لاجئ اخر في زوارق وافدة من البلد نفسه.

واوضح مسؤول الشرطة المحلية مهاجر ان جميع اللاجئين من اقلية الروهينجيا المسلمة التي لا تعترف بها اي دولة وهم 63 شخصا من بينهم 25 قاصرا عثر على مركبهم الخميس على بعد 160 كلم مقابل سواحل قرية ايدي رايوك، وتابع المصدر "كل ما نعلم هو انهم أتوا من بورما. لا ندري تماما من اين انطلق مركبهم لانهم منهكون وجائعون الى حد تعذر معه استجوابهم"، وسينقل المهاجرون قريبا الى مركز استقبال تابع لاجهزة الهجرة.

واضاف المصدر "نظرا الى الوضع في بورما وتايلاند نتوقع العثور على مزيد من الروهينجيا في المنطقة"، واعلنت بانكوك مؤخرا انها لن تستقبل المزيد من الروهينجيا بعد استقبالها حوالى ستة الاف منهم في الاشهر الاخيرة.

وافادت الامم المتحدة ان اكثر من 13 الف فرد من الروهينجيا اتجهوا بحرا عام 2012 الى بورما وبنغلادش هربا من اعمال العنف الطائفية التي اسفرت عن مقتل اكثر من 180 شخصا وتهجير 115 الفا في ولاية راخين غرب بورما، ويبلغ عديد اتنية الروهينجيا حوالى 800 الف شخص يقيمون في ولاية راخين وتعتبرهم الامم المتحدة احدى الاقليات الاكثر تعرضا للاضطهاد في العالم.

استخدام الفوسفور ضد متظاهرين

على صعيد ذو صله رفضت الحكومة البورمية تقريرا مستقلا تحدث عن استخدام قوات الامن الفوسفور الابيض لقمع تظاهرة شارك فيها معارضون لمنجم للنحاس، لكنها لم تبد ملاحظات على خلاصاته/ وفي اواخر تشرين الثاني/يناير، فرقت قوات الامن في عملية هي الاعنف منذ تسلم النظام الاصلاحي الحكم في اذار/مارس 2011، بالقوة مئات المتظاهرين الذين كانوا يعتصمون في موقع هذا المنجم في مونيوا (شمال)/ وقد اصيب عشرات الاشخاص بينهم عدد كبير من الرهبان البوذيين بحروق خطرة.

وارسلت هيئة للمحامين قنبلة يدوية مسيلة للدموع عثر عليها في الموقع الى مختبر في الخارج اكتشف فيها فوسفورا مؤكسدا "صالحا لاستخدامه في قنبلة يدوية دخانية عسكرية عادية مع الفوسفور الابيض"، كما جاء في تقريرها الذي انتقد ايضا "الاستخدام المفرط" للقوة ضد المتظاهرين.

لكن المتحدث باسم الرئيس رفض التقرير الذي لم يبد ملاحظات على اي من خلاصاته، مشيرا الى ان الحكومة لن تعترف الا بنتائج التحقيق الرسمي الذي تجريه زعيمة المعارضة اونغ سان سو تشي/ الا انه قال لوكالة فرانس برس "لا ندرس او نعلق على التحقيقات الفردية"، مشيرا الى ان هذا التقرير يمكن ان "يعرقل" عمل اللجنة التي ترأسها سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام والتي لن تكشف خلاصاته قبل نهاية شباط/فبراير.

ونظم عدد كبير من التظاهرات بعد عملية تشرين الثاني/نوفمبر للمطالبة باعتذار من الحكومة التي اعربت عن اسفها خصوصا لدى الرهبان/ وكان مكتب الرئيس ثين سين نفى الاتهامات التي وجهتها وسائل اعلام بورمية باستخدام اسلحة كيميائية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/نيسان/2013 - 20/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م