لبنان... اشكاليات متراكمة وازمات مستحدثة

 

شبكة النبأ: تعاني لبنان اليوم الكثير من الاضطرابات والأزمات على مختلف الأصعدة سواء كانت سياسية، اقتصادية، اجتماعية، تبدأ من الانقسامات الداخلية للحكومة والوضع الأمني الهش والإرباك الاقتصادي الى آثار الصراع في سوريا.

لتساهم المعطيات آنفة الذكر بسقوط هذا البلد العربي في أتون أزمة سياسية جديدة، وذلك على خلفية صياغة قانون انتخابي قبل الانتخابات البرلمانية في يونيو حزيران 2013، واستقال نجيب ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني من منصبه، فضلا النزاع الحكومية بسبب التمديد لمدير عام قوى الامن الداخلي اللواء السني اشرف ريفي الذي يحال الى التقاعد الشهر المقبل، وقد زاد هذه الامور من  تأزم الأوضاع ورفع من حالة الاحتقان السياسي، وهذا ما كشف عن فجوة عميقة بين مكونات الحكومة اللبنانية.

ويرى بعض المحللين بأن هذه الاشتباكات نتيجة الانقسام السياسي والطائفي، فالطائفية شكل من أشكال العنصرية ونقيض للعدالة والمساواة ومصدر الحروب والأزمات في لبنان، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب اللبناني من انزلاق لبنان في وحل الفوضى وعودة العنف الداخلي مجددا، خصوصا بعد التطورات الاخيرة اثر عمليات الاعتداءات والاقتتال الطائفي.

ويرى هؤلاء المحللون ان التوترات الطائفية في لبنان مؤخرا جاء بفعل اطراف خارجية تسعى لتحقيق أجندة إقليمية من خلال نقل وتداول أزمات تلك البلدان، لتمرير الأزمة السورية الى لبنان، حيث باتت لبنان مكانا مستهدفا لدى بعض الدول شبه العدائية من الدول الإقليمية، لجذبه الى دول محور الصراع في الشرق الأوسط، في حين اوضح خبراء متخصصون بان السياسة هي الخطر الرئيسي على اقتصاد لبنان وليس صراع سوريا.

لذا  يرى أغلب المحللين أن الكثير من الإشكاليات السياسية والاقتصادية التي اندلعت في الفترة الأخيرة، تأججت بفعل تمسك الكتل السياسية وقادتها كلٌ برأيه وموقفه الذي يستند الى مصالح الكتلة او الحزب، مما أدى الى تضارب في المواقف السياسية بدرجة عالية من الانقسام، الذي يشي بأزمة حادة قد تقود البلاد الى أزمات أكثر خطورة.

لذا يرى معظم المراقبين للوضع السياسي في لبنان انه بات ما بين آثار النزاع السوري و الانقسامات السياسية، فضلا عن الاختلافات حول طبيعة الحكومة المقبلة، وبهذا ستظل صياغة القانون الانتخابي متعثرة، فربما تعلن الحرب السياسية في لبنان، عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات، مما يزيد من حدة التوتر السياسي في البلاد خلال الآونة المقبلة.

استقالة رئيس الحكومة

في سياق متصل تدخل استقالة الحكومة المفاجئة لبنان في مرحلة من الشكوك واحتمال حصول ازمة سياسية طويلة وتوترات امنية في مرحلة اقليمية دقيقة مرتبطة بالازمة السورية التي ينقسم حولها اللبنانيون.

وسلم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استقالته الخطية الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي اصدر بيانا طلب فيه من الحكومة "الاستمرار في تصريف الاعمال ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة"، وقال ميقاتي لصحافيين بعد لقائه سليمان "المهم ان يبدا الحوار الوطني، وان تنشا حكومة انقاذية في هذه المرحلة الصعبة".

وكان ميقاتي اوضح في بيان استقالة تلاه امام وسائل الاعلام ان رفض الاكثرية الحكومية تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات الذي من شأنه التمهيد لحصول الانتخابات في موعدها في حزيران/يونيو المقبل، ورفضها التمديد لمدير عام قوى الامن الداخلي اشرف ريفي الذي يحال الى التقاعد قريبا، هما وراء الاستقالة.

واعرب الاتحاد الاوروبي عن قلقه من تدهور الوضع في لبنان بعد الاستقالة، وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ان "انعدام التوافق بين القوى السياسية في الحكومة ومجلس النواب ادى الى مأزق خصوصا حول الانتخابات، فيما المشاكل الامنية ما زالت ترخي بظلالها على استقرار البلاد".

ومن نيويورك، دعا الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون جميع الاطراف في لبنان الى ان يكونوا "موحدين" والى العمل مع "مؤسسات الدولة للمحافظة على الاستقرار" والتزام الحياد في النزاعات الاقليمية.

وتتالف حكومة ميقاتي من ثلاثين وزيرا، هم ثلاثة وزراء يمثلون رئيس الجمهورية، وخمسة وزراء من فريق رئيس الحكومة وهو بينهم، ووزيران يمثلان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. ويصنف هؤلاء انفسهم في موقع الوسطيين. بالاضافة الى عشرين وزيرا يمثلون حزب الله وحلفاءه المؤيدين للنظام السوري.

وقد تشكلت هذه الحكومة في حزيران/يونيو 2011 بعد سقوط حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري المناهض للنظام السوري، وابرز زعماء المعارضة الحالية في لبنان، في كانون الثاني/يناير. بحسب فرانس برس.

وتوقفت صحيفة "الاخبار" القريبة من حزب الله في عددها الصادر عند تاثير الاستقالة على سياسة "الناي بالنفس" التي ارساها ميقاتي، وكتبت ان "خطوة استقالة الحكومة تعني اقحام لبنان مباشرة (في هذه الازمة) ما يعني توقع توترات امنية ليس فقط على الحدود مع سوريا بل ربما داخل الاراضي اللبنانية"، مشيرة الى ان "الفوضى السياسية سوف تطول والانتخابات في حكم المؤجلة".

وشهدت مدينة طرابلس، اكبر مدن شمال لبنان ومسقط رأس ميقاتي، جولات عدة من العنف بين سنة مؤيدين للمعارضة السورية وعلويين مؤيدين للنظام، واسفرت الجولة الاخيرة خلال الايام الماضية عن مقتل ستة اشخاص. كما قتل شخص واصيب اثنان آخران بجروح في المدينة في تبادل رصاص قنص بين منطقتي جبل محسن العلوية وباب التبانة السنية، بحسب ما ذكر مصدر امني.

فقد اعلن ميقاتي وسليمان تمسكهما باقرار هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية بهدف احترام "المهل الانتخابية" واجراء الانتخابات في موعدها. الا ان تحالف حزب الله، لا سيما الطرف المسيحي الممثل خصوصا بالزعيم المسيحي ميشال عون، يعترض بشدة على الهيئة، لان تشكيلها يعني حكما انها ستكون مضطرة للعمل بموجب قانون للانتخابات سار حاليا ومرفوض من عدد كبير من اللبنانيين لا سيما المسيحيين منهم، ويعتبر المسيحيون في الاكثرية والمعارضة، ان ما يعرف ب"قانون الستين" غير منصف بالنسبة لهم، لان تقسيماته توزع المسيحيين (34 في المئة من السكان) في دوائر عدة يشكلون فيها اقلية، ما يجعل اصوات المسلمين هي المرجحة حتى بالنسبة لاختيار النواب المسيحيين.

أزمة قانون انتخابات وانقسامات طائفية

على الصعيد نفسه قبل نحو أربعة أشهر من الانتخابات البرلمانية خطت اللجان النيابية المشتركة في البرلمان اللبناني خطوة أولى وبصعوبة باتجاه إقرار قانون جديد للإنتخابات بالموافقة على مشروع قانون تنتخب بموجبه كل طائفة نوابها وهو ما أعاد توزيع الإصطفافات السياسية في البلاد.

فقد أقرت اللجان النيابية المشتركة مشروع قانون إنتخابي جديد سمي "القانون الارثوذكسي" يقوم على إعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة النسبية وأن تنتخب كل طائفة نوابها على ان يقر مجلس النواب هذا المشروع في جلسة عامة في وقت لاحق.

ورأى الحريري المتواجد خارج البلاد منذ إسقاط حكومته في يناير كانون الثاني 2011 في تغريدة له على موقع تويتر أن إقرار مشروع القانون الارثوذكسي في اللجان المشتركة "يوم أسود في تاريخ العمل التشريعي".

وقالت كتلة تيار المستقبل في بيان لها "ان ما جرى اليوم في جلسة اللجان المشتركة أدخل لبنان في منزلق خطير وغير مسبوق يهدد بتدمير القيم الوطنية"، وقال النائب الدرزي أكرم شهيب إن القانون الارثوذكسي "يعزز الطائفية ويضرب العمل الحزبي وهو الطريق الاقرب الى العنف السياسي وللحياة المذهبية."

وقال النائب المسيحي بطرس حرب إنه في حال اقرار القانون الارثوذكسي "فان رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) سيبادر الى رد هذا القانون والطعن به أمام المجلس الدستوري وهذا ما سيؤدي الى تأجيل الانتخابات."

والقانون الارثوذكسي لم يكن الوحيد الذي ناقشه النواب بل قدم العديد من الاحزاب والتيارات السياسية اللبنانية بما فيهم الحكومة مشاريع قوانين منها خطة تيار المستقبل ومشروع قانون قدمه حزب الكتائب المسيحي ومشروع قانون قدمته حركة امل الشيعية.

لكن  القانون الارثوذكسي استفاد من اجماع معظم المسيحيين عليه كما حظي بدعم من الشيعة لارضاء حليفهم المسيحي ميشال عون.

وقال النائب اللبناني علي بزي من حركة امل الشيعية المتحالفة مع حزب الله "وجدنا معارضة لإعتماد لبنان دائرة إنتخابية واحدة على قاعدة النسبية وكان هناك رفض مطلق لموضوع النسبية ورفض مطلق لموضوع الأكثرية لذا طرحنا صيغة مختلطة يمكن ان نسميها النظام المختلط بين أكثري وبين نسبي."

وبالتوازي مع عمل النواب لاقرار قانون جديد تداعت بعض المنظمات غير الحكومية الى التظاهر للمطالبة بقانون انتخابي على اساس قاعدة التمثيل النسبي لكن ليس على اساس ان تنتخب كل طائفة نوابها. وحمل المتظاهرون لافتات كتب على بعضها "النسبية نظرية للتطبيق مش للتنظير" و"الشعب يريد إستعادة الوطن".

سلام الهش

الى جانب ذلك تعرض أربعة من علماء الدين السنة لهجومين منفصلين في بيروت في اختبار للسلام الهش بين الطوائف والفصائل السياسية اللبنانية التي تقاتلت على مدى 15 عاما في حرب أهلية انتهت في عام 1990، وسارع حزب الله وحركة أمل الشيعيان الى إدانة الهجمات وتسليم خمسة أشخاص مشتبه بهم إلى قوى الامن. وقالت المصادر ان الرجال الخمسة كانوا تحت تأثير المخدرات، وفي وقت لاحق قال وزير الداخلية اللبناني مروان شربل انه تم اعتقال عشرة اشخاص، وقال مفتى الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني إن هذه الهجمات جاءت نتيجة "الحرب السياسية" من قبل زعماء السنة والشيعة. ووصف الادانات لمرتكبي الاعتداء بانها غير كافية وطالب بتحرك سريع.

وأكد مفتي الجمهورية في كلمة ألقاها خلال زيارته مستشفى المقاصد لزيارة الشيخين مازن الحريري واحمد فخران "ان لبنان مستهدف ومراد ادخاله في الحريق الذي دخل الى المنطقة." وأضاف "نحن في بداية الحريق ولا يظنن احد انه لن يصل الى لبنان. لبنان سوف يشتعل بأيدي الداخل والخارج انها مؤامرة وعلينا النأي بهذه الفتنة فهي في بدايتها"، ومضى يقول "اقول للقيادات الشيعية السياسية والعسكرية إنها مسؤولة عما حصل والقيادات السنية ايضا مسؤولة عما حصل وكذلك القيادات اللبنانية كلها لان ما حصل هو نتيجة الحرب السياسية والخطاب المتوتر".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/نيسان/2013 - 20/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م