شبكة النبأ: الحس السياسي حالة تنبني
عليها جوانب كثيرة من حياة الانسان، لأن السياسة باتت اليوم تتدخل في
معظم تفاصيل حياة الانسان، حتى الدقيقة او الخاصة منها، وهذا يحتم على
الجميع أن يكونوا ذا حس سياسي جيد، حتى يتعاملوا بالصيغ الافضل والاكثر
تطورا في بناء حاضرهم ومستقبلهم، وهذا ما تسعى إليه المجتمعات الذكية،
حيث تدرأ خطر الاستبداد الذي يشلّ الحياة، باستخدام مبدأ الانتخاب في
اختيار الحكم والسلطة والقيادات في جميع مجالات الحياة، بمعنى أن نظام
الانتخاب في المجتمعات المتقدمة، يتدخل في ادارة الكل، ابتداءا من اصغر
منظمة او مؤسسة، الى اضخم كيان وهو الدولة.
لذلك تسعى النخب الذكية الى تفعيل الوعي السياسي وتضخيم الحس
السياسي لدى الفرد، حتى يفهم بالضبط ما هي حقوقه المدنية وكيف يطالب
بها، ولا يسمح بالتجاوز عليها، وهكذا نلاحظ ان الفرد لدينا لا يعرف سقف
حقوقه، فيطالب بأبسط الحقوق ويظن أنها كبيرة جدا، وهذا دليل على غياب
او ضعف الحس السياسي لدينا، وهذا بالضبط يدفع الحكومات الى استغلال
الفرد والمجتمع، والتجاوز على حقوقه لأنه لا يعرفها أساسا.
لذلك يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (كل فرد حركة ..
فلسفة التأخر)، في هذا المجال: (حينما ضَعُف في المسلمين الحسّ السياسي،
ضعفت فيهم كل شيء، اقتصاداً واجتماعاً وديناً ودنياً، وتربية وعائلة،
وأخلاقاً وآداباً وغيرها).
الوعي السياسي والاستبداد
من الامور الاساسية التي ادركت الشعوب المتقدمة اهميتها، هو الوعي
السياسي، لسبب واضح، أنه الطريقة الصحيحة لتحجيم الاستبداد، وتقزيم كل
انواع القمع، وحماية الحريات، واحترام الرأي، واطلاق حرية الاعلام
والفكر، ووضع حد لخطر اشكال الرقابة والمضايقات الحكومية التي تستهدف
حرية الاعلام والرأي والفكر الحر، ولكن تنمية الوعي السياسي تحتاج الى
جهد منظم ومخطط له مسبقا.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع، في كتابه المذكور نفسه: (من
اللازم تشكيل لجان لتقوية الوعي السياسي في الناس، بجعل دروس السياسة،
وطبع ونشر الكتب السياسية الهادفة وما أشبه من الأشرطة السمعية
والبصرية، وتنظيم المؤتمرات والاجتماعات السياسية، وتشكيل المؤسسات
الدستورية إلى غير ذلك).
في المقابل هناك جهل من نوع آخر، وهو يحاول ان يجيّر ضعف الوعي
السياسي لصالحه، ونعني به غياب النظام الاستشاري، وجهل السياسيين
لفوائد هذا النظام يقودهم الى الهروب من الاستشارة، مع انها تساعدهم
على ادارة الشؤون السياسية بصورة أفضل وأكثر سهولة فضلا عن انها تعطي
ثمارا جيدة وأكيدة، لكن بسبب جهل القادة السياسيين لفوائد النظام
الاستشاري، ورغبتهم الشاذة في الاستحواذ والبحث عن الجاه والنفوذ،
تجعلهم يبتعدون عن الاستشارة أو السعي لبناء النظام الاستشاري.
لذا يؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال على: (انّ المستبد يجلب
الكره لنفسه ويفوّت على عمله مصالح كان يستفيدها إن استشار الناس، وأي
تأخر أكبر من هذا التأخر، ولا فرق في استبداد الحكام أو استبداد
الأفراد).
وفي الغالب يجهل السياسي أنه بهروبه عن الاستشارة، ومحاربته للنظام
الاستشاري، إنما يعمل ضد نفسه ويزعزع مستقبله السياسي بيده، فضلا عن
حرمان المجتمع من بناء النظام المتحرر، الذي ينتهج مبادئ الحرية وحماية
حقوق المجتمع المدنية والسياسية وسواها، لذلك يؤكد الامام الشيرازي
قائلا في هذا الصدد بكتابه المذكور نفسه: (إن المستبد يُسيء إلى نفسه
وإلى عمله قبل الإضرار بالآخرين، من حيث يزعم أنه يحسن إليهما، وهي
حالة في النفس قبل أن تكون مظهراً خارجياً، لذا فمن اللازم أن يعتاد
الإنسان الاستشارية في كل صغيرة وكبيرة حتى تكون ملكة له).
الحكومات المتقاعسة
من البديهي أن السياسي الذي لا يفضل النظام الاستشاري، يهدف الى
تحقيق مآرب ومنافع فردية او فئوية او حزبية ضيقة الآفاق، لذلك نراه
يتهرب من الاستشارة، ويستبد برأيه، ويقصي الآراء والافكار الاخرى، بسبب
سعيه الى الاستئثار بالمزايا التي يتيحها له المنصب او السلطة، ولذلك
هذا النوع من القادة يرى في النظام الاستشاري القادم من صناديق
الاقتراع، عدوا له، لانه لا يسمح له بتحقيق مشاريعه غير المشروعة على
حساب الشعب.
وقد لاحظ الامام الشيرازي هذه الظاهرة وأشار إليها بوضوح، حينما قال
في كتابه ايضا: (إنّ جملة من حكّام المسلمين اعتادوا الاستبداد
والاثرة، وهضم حقوق الآخرين، وسجن الناس، وتسفيرهم وتعذيبهم، والتكلم
مع الناس باستعلاء وغرور والفساد والإفساد، كما أن جملة من حكام غير
المسلمين أيضاً كذلك).
ولغرض تحقيق مصالح الحكومات على حساب الشعب، ليس ثمة طريق لها سوى
الاستبداد، فيبدأ الصراع بين الحكومة والشعب الذي غاليا ما يكون ضحية
للحكومة المستبدة، حيث يتعرض المعارضون الى شتى انواع التعذيب والقتل
والتشريد وما شابه، يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: إن (جملة من
حكومات بلاد الإسلام تكون سَـبُعاً ضارياً على شعوبها، كما وصف أمير
المؤمنين عليه السلام وقال: ولا تكن سبعاً ضارياً).
وهكذا يتحول القادة السياسيون الى اعداء للنظام الاستشاري
الانتخابي، ويفضلون القمع على تحقيق اهداف الشعب في التحرر والتطور
والازدهار، نظرا لضيق الافق الفكري والانساني الذي يطغي على معظم قادة
الحكومات الاسلامية، فبدلا من اعتماد النظام الاستشاري الذي وضع
الاسلام أسسه السليمة، والذي يخدم الطرفين الحاكم والمحكوم بصورة عادلة
ومتساوية، بدلا من انتهاج هذا الطريق السليم، نلاحظ أن القادة
السياسيين في مجتمعاتنا يعتمدون القمع والاستبداد طريقا لبناء سلطتهم
وليس دولتهم.
لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب: هناك (حكومات هي أعداء
شعبها، فمن كان من الناس صاحب حاجة لا يقضون حاجته، وحكموا على الناس
بالضرائب المرهقة أو السجن، أو ما أشبه ذلك من ألف مشكلة ومشكلة توجدها
هذه الحكومات للناس في مختلف شؤونهم الحيوية). |