المناورة الكلامية... فن ام علم

علي اسماعيل الجاف

اغلب الدراسات الاجتماعية التي تناولها علماء في مجال علم الاجتماع حديثا" بينت ان الانسان يمتلك قدرات ومهارات كلامية مستمدة من البيئة والمحيط الذي يعيش فيه كونها قد رسمت سلوكه لاول مرة خلال مراحل تنشئته كطفل، شاب ورجل ويكون قويا" في تعابيره عندما يكون محرجا" في موقف ما. واذا نظرنا الى هذا الموضوع بصورة ادق نقول ان الاعراف والتقاليد والعادات والقيم والعادات الاسرية تلعب دورا" مهما" وجوهريا" في السلوك والتصرف. ويقول علماء بريطانيون في الانسان الآتي: "ان الانسان كائن حي لايمكنه ان يعيش وحيدا" ومنعزلا" كونه اجتماعيا" بطبيعته."

نقول ان ماتم ذكره، افكار علمية عامة تحتاج الى دراسة تطبيقية وفق لغة الارقام، لكن نريد ايضا" ان نقول ان الانسان يحتاج الى اللغة ليتفاهم ويتحاور مع بني جنسه من خلال وسيلة الخطاب والمحاورة والتكلم والمحادثة؛ لكننا نريد ان تكون اللغة واضحة وهادفة ومؤكدة وفعالة وصريحة وواقعية حتى يكون الانتاج الفموي مثمرا" وناجحا" وليس تعبيرا" عابرا" وسائدا".

لاشك ان الامم المتطورة تصرف مبالغ طائلة على مواردها البشرية، القيادات العامة والعليا، في بلدانها من اجل ان تصنع رجالا" وقادة مؤثرين بكلامهم وفعالين بأفعالهم وملتزمين بقراراتهم. ويحتاج اصحاب القرار ان يجعلوا كلامهم الحواري اللفظي الشفهي والتحريري مبنيا" ومستندا" على معرفة عقلية وعلمية وثقافة لان القائد او المدير او الفرد هو الصورة التي تعكس بلده وبيئته وعلمه وفكره، فإذا كان الانسان مثقفا" ولديه علم ومعرفة تؤهله لشغل منصبا" ما، يتوجب عليه امتلاك حوار كلامي نموذجي حتى لا يكون حديثه تنظيريا "وسرديا" وتسويفيا" ويتحول الى مناورة كلامية بفن وعلم لان الفن يعني الجمال، البراءة، السلام، الصفاء، والحكمة؛ بينما العلم يعني غذاء العقل، وصاحبنا ألغى الاثنان وصار فنانا "وعالما" بامتياز على حسب الفقراء والمساكين والضعفاء من خلال المناورات الكلامية المتواصلة.

لانرى اليوم في البلدان المتقدمة ان يقوم المسؤول او صاحب القرار او الانسان العادي البسيط بالخداع الكلامي، عندما يكون في موقعا" مهما" او حساسا"، بناء" على معطيات ومخرجات تقليدية او كلاسيكية هدفها التملص والتخلص من المسؤولية، وكذلك تحويل المسؤولية بسياسة رمي الكرة الحديثة التي دخلت المفاهيم الادارية العامة. فلم نسمع قديما" بالتسويف المنطقي او الحوار الفني او البديل الضائع او الدبلوماسية غير الهادفة او المحادثة السردية في الادارة المثالية والنموذجية والناجحة و الفعالة لان ثقافة العمل وطرح الاراء والافكار وفق معادلة الحوار البناء والمشترك والمشاركة الحقيقية والفعلية في رسم الخطط والبرامج والاستراتيجيات.

بينما المناورة الكلامية، لدى اصحاب القرار او المتنفذين من القيادات العليا، لاتجد مكانا" لها في المفاهيم الادارية الحديثة: ادارة الجودة الشاملة، الاعتمادية الادارية، ادارة الاهداف والتخطيط، ادارة القيمة والنوعية والوقت والتنظيم المثالي لان من يتولى المناصب يكون محاسبا" دوريا" على الكلمة، الاداء، الاجراء، الفعل، الامر، الانجاز، وتحقيق الاهداف.

وتقول الحكمة في الكلام الآتي: "من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم ولم يخلفهم فهو من كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت اخوته. من يتكلم كثيرا"، إما أنه يعرف كثيرا" وإما أنه يكذب كثيرا"." فلايمكن ان تعتبر المناورة الكلامية فن او علم لانها اسلوب هروبي يشبه في الاداء والتنفيذ... ويتولد عنها مشاكل عديدة منها:

1.) يهز ثقة المؤسسة او الشخص امام الجمهور والرأي العام.

2.) يضر بالآخرين (الجهات الدنيا او الإدارات الوسطى) جراء التنفيذ او العمل او الاداء على حساب القانون والتعليمات والضوابط المعول بها او المبادئ والمعرفة والعلم التي يملكها الشخص.

3.) تختلف أجواء الارباك والخوف والحذر لدى المؤسسة او الاشخاص الذين يتعاملون مع الشخص كانسان او فرد.

4.) يؤثر على البرامج العامة المرسومة بناء" على مناورة كلامية اتخذها ذلك الانسان للهروب من المسائلة.

5.) ينشط هذا الاسلوب الافراد (الموارد البشرية) على اتباعه لقلة الثقافة ومحدودية العلم والمعرفة لديهم.

6.) لايوجد استعداد لإقناع البشر المثقفين بهذا النموذج او الطريقة في التعامل.

7.) يكون الشخص (صاحب المناورة الكلامية) مقبولا" لدى فئات معينة ممن تؤيده وجهات النظر غير المعيارية والمنطقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آذار/2013 - 18/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م