الصحف العراقية... اشكالية المصادر المجهولة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: من خلال الواقع المعاش الذي نعيشه جميعا ونشاهد ماعليه احوالنا واحوال غيرنا، ربما نكون احد اكثر الشعوب في العالم التي تتكلم كثيرا، اي ترثر، من الثرثرة، بمناسبة او بدون مناسبة، كلام مفيد ام غير مفيد.

لا املك احصائيات حول هذا الموضوع، وترشيحي جاء نتيجة لما اعايشه من حالات من الثرثرة، في الشارع او سيارة الكيا، او في الدوائر الحكومية التي اراجعها وغيرها من اماكن تجمعات الناس.

وكثرة الكلام تجعل المتكلم لايسيطر على افكاره بسهولة، ولايستطيع تحديدها والمحافظة على مايريد قوله. فتراه متنقلا بين موضوع واخر دون رابط بين الموضوعين، وكثيرا ماكان الحديث الكثير يفتقر الى المصداقية او الثقة، نتيجة لاحتوائه على الكثير من الاحالات لاشخاص اخرين لا تعرف معظمهم.

هذا الواقع انتقل الى الصحافة العراقية، مع هذا الكم الهائل من الصحف التي تصدر يوميا وتحت عناوين كثيرة.. واقع الكلام الكثير والجعجعة دون طحن، وكثرة الاكاذيب والاخبار الملفقة، احد الملاحظات على ماينشر في الصحف العراقية، واعتقد جازما ان الظروف الامنية لو كانت مستقرة، وبدون منع تجوال ليلي، لصدرت عندنا صحف بطبعات صباحية وطبعات مسائية لنشر المزيد من التلفيقات والاكاذيب.

احدى الظواهر التي يمكن مشاهدتها بكثرة في صحافتنا هي الاعتماد على (المصادر المجهولة) في اخبارها وتقاريرها، للترويج لخبر او واقعة او حادثة سياسية معينة، يمكن ان تستفيد منها الجهة الداعمة لاصدار تلك الصحيفة وغيرها.. والصحيفة في اعتمادها على المصدر المجهول، تتوجه الى قاريء ادمن تصديق كل شيء يتعلق بالفساد الاداري والمالي، وبنقص الخدمات، وبشخصنة السلبيات، دون بذل جهد في التفكير في ما يقرأه او حتى يشاهده.

خارج السياق، اطلعت قبل فترة على مادة بثتها قناة الرافدين الفضائية التابعة لحارث الضاري، (مافي غيره) وكانت عبارة عن لقطة تظهر احد الاشخاص الذي يرتدي زي قوات سوات وبيده هراوة غليظة ينقض بها على ثلاثة اشخاص يديرون ظهورهم الى الكاميرا.. طبعا الردود كانت مليئة بالسب والشتم لتلك القوات وقائدها ومن يمثلون.

كنت اشاهد اللقطات، انتبه على الهراوة، الاحظ انها لاتلامس ظهور الرجال الثلاثة، وانتبه على ردة فعلهم ازاء مايفترض انه ضربات تنهال عليهم، لا احد منهم يتحرك جسده كردة فعل على الالم المتأتي من الضربة المفترضة، وهي تذكر بما نشاهده يوميا على قناة الاكشن حول المصارعة الترفيهية، والحركات التمويهية والبهلوانية التي يقوم بها المصارعون.. اللقطة ادت غرضها، وهي كانت خاصة بقناة الرافدين حصرا، ومن العجب ان يكتب الضاري بعدها بيوم واحد موضوعا حول الانتهاكات في مجلة البيان، على شبكة الانترنت معتمدا على ايحاءات تلك اللقطات.

الصورة تصادر العقل، هذا اذا كان ثمة عقل او وعي ناتج عن وجوده اصلا، ولاتلتفت الى ادنى المعايير المهنية والاخلاقية في العمل الاعلامي، اذا كان ثمة اخلاق باقية.

اعود الى موضوع المصادر المجهولة التي تثير بدورها عددا من الاشكاليات المهنية والاخلاقية التي ترتبط بين (ما توجبه السياسات التحريرية ومواثيق الشرف الصحفية ذات الطابع العالمي من ضرورة اسناد الخبر الى مصادره وعدم حجب هذه المصادر عن القاريء، وبين ما استقرت عليه الممارسة المهنية الصحفية من اخفاء هوية مصادر بعض الاخبار والاكتفاء بالاشارة اليها بتعبيرات مثل: مصدر سياسي مطلع ونافذ - مصدر في وزارة الداخلية العراقية - مصادر عراقية مطلعة - مصدر مطلع في الحكومة العراقية - المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه - مصدر مطلع – مصدر موثوق به – مصدر مسؤول) الى اخر التسميات.

كارل هوسمان احد الباحثين في المجال الاعلامي واخلاقياته، يشير الى استخدام المصادر المجهولة في الصحافة بتسمية (صراع الالتزامات) فالصحفيون لديهم التزامات تجاه مصادرهم تشمل حماية هويتهم اذا وعدوهم بعدم ذكر اسمائهم في المادة المنشورة، ولديهم التزامات مختلفة تجاه القراء تشمل تزويدهم بالمعلومات الكاملة عن مصادر المعلومات المنشورة، وعندما يستخدم الصحفيون المصادر المجهولة يكون لدى القراء فرص ضئيلة لتقييم صدق المعلومات.. ويعني السماح للصحفيين بتجهيل مصادر اخبارهم دون ضوابط محددة دعوة (للمبالغة والتضخيم وتلوين وتشويه الاخبار).

ويصل الامر في بعض الحالات الى قيام بعض الصحفيين باختلاق قصص اخبارية لا اساس لها من الصحة استنادا الى مصادر مجهولة وتقوم الصحف بنشرها دون التحقق من هذه المصادر.

الاستخدام المفرط في الصحف العراقية لهذه الظاهرة، وخاصة في الموضوعات الخلافية، وما اكثرها، يؤثر على تقدير القراء لصحة المعلومات المنسوبة الى هذه المصادر مقارنة بالموضوعات غير الخلافية.

وايضا فان استخدام هذه المجهولية للمصدر تسمح للمسؤولين وغيرهم بالتهرب من المسؤولية عن المعلومات الخلافية، ويكرس بعض الممارلاسات غير الجيدة سواء من جانب الصحفيين او من جانب مصادرهم لاختلاق بعض الاخبار، التي تفيد كثرة الكلام والجعجعة دون طحن مع المزيد من الاكاذيب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/آذار/2013 - 15/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م