قيم التقدم... ثقافة الانجاز والتفوق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في تمحيص المزايا والاخفاقات لدى الشعوب، سنلاحظ توافر المزايا لدى الشعب المتقدم، وتوافر الاخفاقات في الشعب المتخلف، هذه هي أسرع وأبسط مقارنة يمكن أن تحدث بين شعبين، أحدهما ينعم بمزايا التقدم، والآخر يتخبط في وحل الاخفاق، أما المزايا فهي معروفة لنا جميعا، وغالبا من نتحدث عنها ونشير إليها ونضرب الامثلة عنها، بمعنى أننا نتحدث كثيرا عن مزايا التقدم ولكننا لا نعمل بها، فيما الاخرون يتحدثون قليلا عن مزايا التقدم، ولكنهم يعملون كثيرا بها، بل جل حياتهم تنضبط تحت سطوة وقوة هذه المزايا.

كثيرا ما نسمع من المفكرين والفلاسفة والعلماء، أن الكلام من دون عمل يبقى في حيّز العدم، لا فائدة منه إلا في الاجترار اللفظي الذي لا يغني ولا يشبع، فيما يكون العمل ممثلا أمينا ولسانا سليما للفكر والكتابة والكلام ايضا، لهذا قيل (إن الاعمال أعلى صوتا من الاقوال)، وقال العلماء، لا تتكلم، دع عملك يتحدث بدلا عنك، وهكذا تنجح الشعوب عندما يكون العمل مرافقا بل متقدما على الكلام، وهذا لن يتحقق إلا في حالة احترام قيم التقدم.

من قيم التقدم، ثقافة الانجاز، والتفوق، تُرى هل لدينا ثقافة انجاز شائعة في المنهج السلوكي اليومي لمجتمعنا، وهل نرعى المتفوقين المبتكرين الموهبين كما يجب؟.

الجواب الشافي سنجده في سلوكنا الواقعي ازاء التفوق والمتفوقين، واهمالنا لثقافة الانجاز، وأعني هنا المسؤولين الحكوميين اولا والمنظمات المدنية ثانيا، والتجمعات الثقافية والدينية ثالثا، والافراد رابعا، وبهذا يتضح أن الجميع من دون استثناء مسؤولون عن اشاعة ثقافة الانجاز في السلوك اليومي للمجتمع، مضافا الى ذلك ومقرونا بها رعاية المتفوقين بأقصى ما يمكن ان تكون عليه الرعاية، لكي يتم استثمار تفوقهم لصالح المجتمع والدولة.

ما نلاحظه على العرب عموما والعراقيين على وجه الخصوص، أنهم طاردون للمتفوقين وللكفاءات، فالمتفوق الذكي المبتكر الموهوب، عندما لا يجد الرعاية التي يحتاجها ويستحقها، لا يبقى ساكنا مستكينا خاضعا لرحمة الاهمال الحكومي والمؤسساتي والشعبي ايضا، بل سرعان ما يبحث عن سبل وطرق ووسائل تكفل له إظهار مزايا وعطايا موهبته وتفوقه الى حيّز الواقع.

عند ذلك تكون المهاجر هي البديل، فيضطر الموهوبون واصحاب الكفاءات الى مغادرة المجتمع الذي ينتمون اليه، ويغادرون دولتهم الام، ويبحثون عن شعوب ودول اخرى تعرف قيمة التفوق والموهبة، وتنتشر في سلوكها ثقافة الانجاز، هناك سوف يجد المتفوقون العرب والعراقيون مجالا واسعا لطرح افكارهم واعمالهم واثبات تفوقهم وتحقيق ذواتهم، فتتحقق استفادة المتفوق لذاته، فيما تستثمر تلك الدول الحاضنة لمواهبنا ومتفوقينا وكفاءاتنا، قدراتهم المتنوعة لصالح تلك الدول، وليس لصالح الدولة التي انجبت هذه الكفاءات.

أما لماذا اصبحت الدول العربية طاردة للمتفوقين واصحاب الكفاءات، فهذا امر واضح واسبابه معروفة جدا، لان المتفوق يشكل خطرا على انصاف الموهوبين الذين يحتلون المناصب والوظائف بالتزوير والتملق والتسقيط، خاصة اننا كعرب وعراقيين نعيش في ظل حكومات هي نفسها لا تحب التفوق، إلا اذا كان يعمل في تثبيت السلطة وحمايتها.

لهذا مطلوب أن تنتشر ثقافة الانجاز كسلوك جمعي يحبه الجميع ويلتزمون به، ويروجون له، كذلك على الدولة والجهات المعنية أن تحمي المتفوقين وتأخذ بمواهبهم وقدراتهم، وعلى الجهات التشريعية المعنية أن تشرع ما يكفي من بنود وخطوات لدعم المبتكرين وحماية الكفاءات من خطر الهجرة.

وما أحوج العراقيين والعرب في المرحلة الراهنة الى احتضان المتفوقين، في ظل تسارع منقطع النظير نحو التقدم والتطور والابتكارات اليومية الهائلة على المستوى العالمي، اذن هناك مهمة كبيرة يجب ان تتصدى لها الدولة والنخب والمجتمع عموما، تعيد للمتفوق هيبته، وتجعل من ثقافة الانجاز سلوكا يوميا متعارفا بين الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/آذار/2013 - 15/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م