يوم المظلوم... ماذا عن الظلم؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تحفل الاجندة العالمية بمناسبات وايام كثيرة، تحت مسميات عديدة.. الغرض من تلك الايام هو التذكير بحدث او ظاهرة، والعمل على التقليل منها او ازالتها.. وغير الاجندة العالمية، هناك ايام خاصة بكل دولة او امة او ثقافة، لنفس الغرض من تلك الايام، وهو التذكير والعمل.

بعض الايام تطرح عددا من الاشكاليات بمعناها العام وبالمعنى التطبيقي للقرارات المتخذة للتذكير بها والعمل على التخفيف من حدة مظاهرها.

ولعل يوم المراة العالمي، هو المثال الابرز لذلك، حيث التعارض الحاد بين المعنى العام وبين القرارات والتوصيات التي يراد لها ان تكون فاعلة ومؤثرة في مجتمعات تتعارض ثقافاتها مع الكثير من تلك التوصيات.. ويمكن اضافة حرية التعبيرايضا وغيرها من ايام ومناسبات عالمية..

في العراق، بالاضافة الى الكثير من الايام العالمية التي يحتفل بها العراقيون مع العالم، ابتكروا اياما اخرى تتناسب مع ما أستجد في حياتهم بعد اعوام التغيير، او مايتناسب ومعتقدات الغالبية المذهبية في العراق.

يوم المظلوم واحد من تلك الايام، وهو يوم تجد بداياته في قصة مقتل الامام الحسين واهل بيته (عليهم السلام) كما دوّن ذلك الموروث التاريخي الاسلامي، واعتبر علامة فارقة للصراع بين الظالم والمظلوم في التراث الشيعي خاصة.. وهذه العلامة الفارقة، اصبحت محل خلاف شديد الوطأة بين جمهور المسلمين والشيعة حول مثلث (الظلم – الظالم – المظلوم).

ومنشأ هذا الخلاف هو حول تحديد طبيعة هذا الظلم وتوصيفه..ولعل اشد تلك التقاطعات هو الراي القائل بان (الحسين قتل بسيف جده) وفي التطبيق العملي، فان الجميع اصحاب للرسول (ص) بغض النظر عن طبيعة الصحبة وطبيعة افعال اولئك الاصحاب.. ولاتقتصر المسألة عند هذا الموضوع، بل هي تتعداه عند البشر حول كل شيء في حياتهم.. وقد ابتلينا كعرب ومسلمين في هذه الخلافات حول المعاني رغم اتفاقنا حول التسميات.

الظلم في معناه القاموسي العربي:

جار عليه، ولم ينصفه - ظلمه حقه: نقصه إياه - ظلم الطريق: حاد عنه - وضع الشيء في غير موضعه - وظلم الأرض: حفرها في غير موضع حفرها. وهو في (الفقه) جور وعدم إنصاف وتعدٍّ عن الحقّ إلى الباطل، ومجاوزة الحدّ في استعمال السّلطة.

مشهدنا العربي والعراقي، يشجع الظلم، بوعي او دون وعي، رغم وقوفه مع المظلوم، وهو وقوف احيانا لايكون بالمطلق، طالما ان هذا المظلوم له انتماء مغاير، او له هوية تختلف عن الاخرين، وهو ايضا مشهد ينتقد الظالم تبعا لاصطفافه مع جهة دون اخرى، رغم هذا يتفق الجميع على التنديد بالظلم والظالم.

هذا الخلاف، اهم ماينشأ عنه، هو الازدواجية في المعايير والقيم الانسانية، التي لم نستطع تجاوزها، وعدم التجاوز هذا يجعلنا دائما عرضة لوقوع الظلم علينا، وباننا دائما ما نكون مظلومين.

المجتمعات الغربية، (ولاتعنيني هنا الحكومات) تجاوزت تلك المسالة على الصعيد الانساني للافراد، فهي لا فرق لديها بين مظلوم واخر، وبين ظالم واخر، طالما ان الظلم هو واحد..وهذا التجاوز للمسألة يتم عبر سلوك يومي مستمر، كمثل على ذلك، ماتناقلته وسائل الاعلام حول محاكمة احدى النساء في فرنسا بتهمة إرسال طفلها إلى الحضانة وهو يرتدي قميصا مكتوبا عليه (أنا قنبلة) و(ولدت في 11 سبتمبر). وأبلغ معلم الحضانة الشرطة عن المرأة ووجهت لها الشرطة تهمة (تمجيد الجريمة).

ونفت المرأة الاتهام الذي وجه إليها بالإرهاب في بداية محاكمتها في مدينة أفينون، ونفى شقيقها أيضا المتهم معها في ذات القضية، وهو الذي منح طفلها جهاد ذي السنوات الثلاث ذلك القميص.

وقالت في المحكمة إنها ألبست طفلها هذه الملابس دون أن تفكر في العواقب، وأصرت أنها لم تكن تقصد الإثارة أو التحرش وأن تاريخ ميلاد طفلها فعلا هو 11 سبتمبر/أيلول. بينما قال شقيقها للمحكمة (كنت أريد فقط أن أعلم الجميع بعيد ميلاده بغض النظر عن التاريخ) عندما اشترى هذا القميص.

وأكدت النيابة أن المتهمين لم يبديا أي نوع من الندم، وتساءلت: (من يستطيع أن ينكر أن هذه إشارة واضحة ومباشرة للإرهاب؟) وطالبت المحكمة بتغريم باجور مبلغ ألف يورو (870 جنيه استرليني)، وتغريم شقيقها 3 آلاف يورو. والامثلة كثيرة في هذا المجال.

عندنا لاتجد مثل هذه الصورة او غيرها من صور، فالخلاف على التوصيفات هو سيد الاحكام، على سبيل المثال، احد نواب القائمة العراقية، وصف التظاهرات بانها (مثالية بامتياز) رغم ماشاهدناه بام اعيننا وماسمعناه من شعارات طائفية وتهديدات واهازيج بقطع الايادي والرؤوس، وهي ابشع انواع الظلم.. او ماخرج من احد النواب في رده على من انتقد زعيم كتلته بان المنتقد (سمسار نساء) وهي تسمية ملطفة لكلمة (قواد) في التعبير الشائع..او ما أتخذه التحالف الكردستاني من موقف بعد اقرار الموازنة العامة، فمن اجل مبالغ الشركات النفطية لامانع من ظلم اكثرية العراقيين وتاخير اقرار تلك الموازنة..

ولا يقتصر الامر على المستجد من حوادث السياسة على ارض الواقع، بل يتعدى ذلك الى الماضي القريب من تلك الحوادث، فحتى اللحظة، لم نسمع عن ادانة واضحة للنظام السابق وجرائمه بحق العراقين من قبل المحسوبين على نمطه السياسي والثقافي، بل يتم استدعاؤه احيانا كثيرة تمجيدا له ولجرائمه في وارد المقارنة مع مايحدث حاليا وان ما ارتكبه كان اخف وطأة مما هو حاصل الان.. ويتم التباكي على ايتام النظام، ولايتم البكاء على المظلومين من هذا النظام..

الظلم ليس ظلما بالمطلق عندنا، بل هو نسبي، وهو قابل للاخذ والرد تبعا للجهة التي يقع عليها الظلم.

هذه الازدواجية في النظر الى مثلث (الظلم – الظالم – المظلوم) هي الحاكمة والسائدة في وعينا الاجتماعي والثقافي، وهي التي تربينا عليها، في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا، وهي التي نتعاطى معها في اعلامنا ومؤسساتنا وجميع مواقع تواصلنا الاجتماعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/آذار/2013 - 14/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م