الانتخابات الإيرانية... معارك بين صقور النظام

 

شبكة النبأ: مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران، تشهد المعركة الانتخابية السياسية الحامية لاقتناص كرسي السلطة الإيراني، صراعات ونزاعات حامية الوطيس، حيث بدأ موسم حملة انتخابات الرئاسة في إيران هذا العام بلهجة التحذيرات التي تضفي توترات شديدة بين المرشحين الى قيادة إيران خلال المرحلة المقبلة.

ويعزو الكثير من محللين حدة الصراع على السلطة بين المرشحين هيمنة الطرف الفائز على مراكز صنع القرار الإيراني والبرلمان الجديد، لكن يرى بعض المتخصصين في الشؤون الإيرانية بأن القيادة العليا في إيران وأبرزهم الزعيم الإيراني الأعلى آيه الله علي خامنئي سيعمل بكل السبل من أجل الحصول على المزيد من السيطرة، وذلك من خلال توحيد المواقف داخليا ووضع السلطات كافة بيد واحدة من اجل توحيد موقفها خارجيا، اي  التعامل مع التحديات الخارجية مثل البرنامج النووي الايراني ومشاكل الداخلية مثل الفساد.

ويرى بعض المراقبين بأن أنصار خامنئي يجاهدون لتقويض سلطة ونفوذ الرئيس أحمدي نجاد الذي يخشون أن يساند مرشحا ليستكمل ما يقولون إنها خطته لإضعاف نفوذ رجال الدين والزعيم الأعلى.

ويتوقع أغلب المحللين بأن يبحث المستشارون المقربون للزعيم الأعلى التوحد خلف مرشح محافظ واحد للحد من امكانية حدوث انقسامات كبيرة بين المحافظين البارزين، وذلك من أجل منع الرئيس القادم من تحدي سلطة خامنئي. لكنها في الوقت ذاته قد تفتح الطريق امام نزاعات جديدة على نتائج الانتخابات.

كما يقول خبراء في الشؤون الايرانية يمكن أن يشدد خامنئي قبضته على الانتخابات عن طريق مجلس صيانة الدستور الذي يمكنه استبعاد مرشحين رغم أن منع الكثيرين يمكن أن يهدد بتقويض اهتمام الرأي العام بانتخابات تدعم ما تقول إيران إنها شرعية ديمقراطية حتى وإن كانت تلك العملية مقيدة.

وقال علي أنصاري الباحث الإيراني في جامعة سان اندروز في اسكتلندا أية الله خامنئي يركز السلطة والنفوذ في شخصه بشكل ممنهج وفعال. لا أحد في إيران اليوم يمكنه أن يصبح رئيسا دون موافقته.وتعد انتخابات الرئاسة اختبارا حاسما لإيران بعد أن أثارت الانتخابات الماضية في 2009 احتجاجات حاشدة في الشوارع في طهران وغيرها من المدن عقب فوز محمود احمدي نجاد بولاية ثانية.

في الوقت الذي لا تزال فيه إيران منخرطة في مواجهة مع قوى عالمية بشأن برنامجها النووي فإن الخلافات بين أحمدي نجاد ومنافسين موالين للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي تهدد بتقويض شرعية نظام الحكم الديني في البلاد.

وعلى الرغم من تلميحات صناع السياسة الإيرانيين إلى الحاجة لاتباع نهج مبتكر في التواصل مع القوى الغربية فإن توقيت الانتخابات ربما يملي ركودا لعدة اشهر اخرى في المحادثات النووية، كون ايران تنشغل في الوقت الراهن بصراع داخلي محتدم على السلطة على نحو يجعل احتمال توصلها إلى اتفاق مع القوى العالمية على سبل إنهاء خلافهما النووي أمرا غير مرجح.. فالخروج من هذا الصراع الذي يسبق الانتخابات سيكون الأولوية الأولى لنخبتها المنقسمة.

فمع إجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو حزيران القادم قد لا تكون جولة المفاوضات القادمة أكثر من مجرد "محادثات" ليظل باب الدبلوماسية مفتوحا. ومن المنتظر أن تعرض القوى العالمية على طهران خلال المفاوضات تخفيف بعض العقوبات إن هي كبحت الأنشطة التي يمكن استخدامها في إنتاج سلاح نووي.

بينما تخشى المنظمات الدولية الحقوقية وغير الحقوقية من اتخاذ السلطات الإيرانية إجراءات تعسفية لتهميش المعارضة وتقويض مساعيها في الانتخابات، فضلا عن مخاوفها من زيادة حالات الاعدام والتعذيب واعتقال المعارضين في إيران.

لذا يتوقع معظم المراقبين بأن تتصاعد الصراعات الداخلية بين النخبة السياسية الإيرانية، مما يؤديإلى طرح سيناريوهات كثيرة متباينة على المشهد السياسي الإيراني في المستقبل القريب.

خامنئي يقبض كفه في انتخابات الرئاسة

في سياق متصل ربما يكون الزعيم الإيراني الأعلى قد ساعد محمود أحمدي نجاد على الفوز بالانتخابات الرئاسية مرتين متتاليتين لكنه عازم هذه المرة على منع تلميذه المشاغب من تصعيد مرشحه للرئاسة، ومر وقت كان فيه حتى الرؤساء الإصلاحيين يذعنون لآيه الله علي خامنئي باعتباره صاحب السلطة الأعلى في النظام الديني للجمهورية الإسلامية.

لكن أحمدي نجاد غيَر ذلك كله حيث قاده سعيه الدؤوب لتعزيز سلطته ونيل التقدير إلى مواجهة مباشرة مع خامنئي الرجل الذي يمكن القول إنه يدين له بالفضل في توليه الرئاسة للفترة الثانية على الأقل وربما في الأولى أيضا، وأحمدي نجاد أول رئيس لإيران من خارج دائرة رجال الدين منذ 1981 ولم يتوقف عن تحدي سلطة رجال الدين، ورغم أن أحمدي نجاد لا يمكنه الترشح لفترة ولاية ثالثة يعتقد على نطاق واسع أنه عازم على مد نفوذه عن طريق مساندة اسفنديار رحيم مشائي المدير السابق لمكتبه للوصول إلى الرئاسة.

ويتهم الموالون لخامنئي مشائي بإثارة توجه "منحرف" يعلي مباديء القومية على الحكم الديني، وقال شاول باخاش الاستاذ بجامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة محاولا موازنة الفرص في الانتخابات المقررة في منتصف يونيو حزيران المقبل "تبدو ساحرة للغاية تلك الشجاعة السياسية التي تميز الدعوة الشعبوية التي يوجهها مشائي وأحمدي نجاد حتى أن ترشيح مشائي أصبح يسبب كثيرا من الإزعاج لمعسكر خامنئي."

وقد لا يكون أمام الناخبين المشغولين بكسب قوت يومهم في اقتصاد متضرر من عقوبات يفرضها الغرب على إيران بسبب برنامجها النووي سوى المحافظين للاختيار من بينهم.

ومن المستبعد أن تُتاح فرصة للإصلاحيين إذ يقبع رهن الإقامة الجبرية حاليا كل من مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين خاضا الانتخابات ضد أحمدي نجاد في عام 2009 والتي اتهموا السلطات بتزويرها، وقال سكوت لوكاس من موقع إي.ايه ورلد فيو الالكتروني الذي يراقب وسائل الإعلام الإيرانية إن الحركة الإصلاحية "لا تملك القدرة التنظيمية وليس لها مرشح معروف حاليا".

ويقول دبلوماسيون ومحللون إنه لمنع مشائي أو أي مرشح آخر موال لأحمدي نجاد يلجأ خامنئي إلى تحالف من ثلاثة رجال من أشد الموالين له ليتحدوا وراء مرشح واحد لضمان فوز سريع غير مزعج، ويبدو أن القوة المحركة لذلك هو علي أكبر ولايتي مستشار الزعيم الأعلى للشؤون الخارجية وهو واحد من المرشحين المحتملين الثلاثة إلى جانب محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران وغلام علي حداد عادل عضو البرلمان.

ويتفق المحللون على أن خامنئي الذي يشعر بقلق شديد بشأن نتائج الانتخابات قد أعطى الضوء الأخضر لهذه المبادرة، ويبدو أن ولايتي يقود حملة لتقويض نفوذ أحمدي نجاد وتوحيد جميع الأصوليين وراء مرشح واحد على الرغم من الاختلافات السياسية الشديدة بينهم.

وشركاء ولايتي في التحالف المناهض لأحمدي نجاد ساسة بارزون لكنهم غير معروفين بدرجة كبيرة في الخارج.

وحداد عادل هو والد زوجة مجتبى الابن الثالث لخامنئي وهو البوابة الرئيسية للوصول للزعيم نفسه. ويتمتع حداد عادل بنفوذ داخل البرلمان باعتباره مشرعا ورئيسا سابقا للبرلمان كما يحظى بالاحترام لتاريخه الاكاديمي، وعززت علاقاته الأسرية بخامنئي وضعه داخل الدائرة المقربة من الزعيم الأعلى لكنها عرضته لاتهامات بأنه ليس اكثر من مجرد أداة في يد خامنئي، وثالث أركان هذا التحالف هو محمد باقر قاليباف القائد السابق للحرس الثوري الإيراني.

وقال لوكاس من إي.ايه ورلد فيو إن قاليباف يعتبر شخصية عملية "يتواصل مع المحافظين الأكثر اعتدالا"، ولكونه شخصية تحظى بالشعبية والجاذبية وتتمتع بدعم الحرس الثوري ربما كان إدراجه في التحالف يهدف لتجنب أي تهديد قد يشكله بترشحه كمستقل، وقال دبلوماسي أوروبي يهتم بالسياسة الإيرانية "إنه يحظى بشعبية كبيرة وحده وربما يمثل مؤيدين للحرس الثوري يشعر الزعيم الأعلى بالقلق منهم."

وقال تريتا بارسي من المجلس الوطني الإيراني الأمريكي ومقره واشنطن "بدون هذه الانتخابات والمشاركة الكبيرة فيها سيتهاوى حتى مجرد الادعاء بوجود ديمقراطية"، لكن السماح بمرشح يدعمه أحمدي نجاد أو مرشح مستقل قوي لخوض الانتخابات يشكل خطرا على المؤسسة الحاكمة.

وقال الدبلوماسي الأوروبي "أوضح أحمدي نجاد أنه لن يذهب بهدوء .. سيتمثل الخطر في حالة عدم وصول مرشحه وسط تكهنات بتزوير الانتخابات .. في هذه الحالة سنعود لوضع البلاد عام 2009 ولكن بمشاركة شخصيات من داخل النظام، والتوترات شديدة بالفعل.

ومن بين المستقلين الذين قد يشاركون في الانتخابات وزير الخارجية السابق منوشهر متكي والقائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي الذي خسر في انتخابات عام 2009. وكلاهما من المحافظين الذين قد يربكون حملة ولايتي لتوحيد الصفوف وراء مرشح خامنئي وسد الطريق أمام مرشح احمدي نجاد، وقد يكون الرئيس الموالي لخامنئي أقل عداء للغرب بعض الشيء من أحمدي نجاد لكن سيظل من المستبعد أن يقبل بتسوية الخلاف النووي.

احتدام سباق الرئاسة في إيران

من جهته  أعلن وزير الخارجية الإيراني السابق منوشهر متكي أنه سيخوض انتخابات الرئاسة في يونيو حزيران والتي يتوقع أن تهيمن عليها خصومات متأججة داخل التيار المحافظ.

وقال متكي على موقعه الالكتروني في رسالة للإيرانيين أعلن فيها ترشحه "سأطرح خطة تتماشى مع معتقدات الزعيم الأعلى ومطالب الشعب ليكون الرئيس في حكومة تحمل اسم الجمهورية الإسلامية أكثر من مجرد متعاطف مع الشعب ويقدم شيئا أكثر من وعود مستقبلية."

وفي علامة على أن متكي قد لا يتفق مع الزعيم الأعلى على كل شيء كتب على موقعه على الانترنت انتقادا لما وصفها بالمقترحات "الساذجة" التي عرضها المفاوضون النوويون الإيرانيون.

ويقول دبلوماسيون ومحللون إن الموقف الذي يتبناه سعيد جليلي كبير المفاوضين النووين الإيرانيين ويتسم بالتحدي مدعوم بقوة من الزعيم الأعلى الذي يملك القول الفصل في المسألة النووية وغيرها من سياسات الدولة.

الى ذلك أعلن القائد الاسبق للحرس الثوري الإيراني محسن رضائي انه سيخوض انتخابات الرئاسة التي من المتوقع ان يهيمن عليها محافظون يتنافسون على الحلول محل الرئيس محمود أحمدي نجاد.

وحل رضائي في المركز الثالث في انتخابات الرئاسة الاخيرة عام 2009 وشكا من أن أحمدي نجاد فاز بالتزوير لكنه سحب ذلك الادعاء بعد ايام.

وشغل رضائي منصب قائد قوات الحرس الثوري لمدة 16 عاما حتى عام 1997. وعين بعد ذلك امينا لمجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يقدم النصح والمشورة للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.

ويقول محللون ان ترشح رضائي قد يعقد الصورة ويسحب التأييد من مرشح "الوحدة" الذي لم يتم الاتفاق عليه بعد، وقال علي أنصاري وهو محلل إيراني في جامعة سان اندروز في اسكتلندا "حدد رضائي في الانتخابات الاخيرة مكانه بشكل واضح وكان إلى حد بعيد الأكثر فعالية في تعرية أحمدي نجاد خلال المناظرات."

تهميش المعارضة في الانتخابات الايرانية

من جانب آخر قال المقرر الخاص للامم المتحدة بشأن حقوق الإنسان ان إسكات إيران الصحفيين وزعماء المعارضة قد يعرض للخطر شرعية انتخابات الرئاسة المقرر اجراؤها في يونيو حزيران، واضاف أحمد شهيد أن عشرات من الصحفيين الإيرانيين يقبعون خلف القضبان ومن بينهم 17 القي القبض عليهم في اسبوع واحد في يناير كانون الثاني ووجهت اليهم اتهامات بالاتصال بوسائل اعلام او جماعات حقوقية اجنبية.

وأبلغ شهيد الصحفيين "أشعر بقلق انه مع اقتراب انتخابات يونيو فان هذا النوع من الاتهامات ضد الصحفيين لا يبشر بخير لاحتمالات اجراء انتخابات حرة ونزيهة في البلاد."

وأبلغ شهيد مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة اثناء مناقشة بشأن إيران أن 10 محامين على الاقل معتقلون عن جرائم من بينها "نشر دعاية مضادة للنظام من خلال مقابلات مع وسائل اعلام اجنبية."

واضاف أن حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات شرطان ضروريان لممارسة حق الاقتراع ومع هذا فان مئات السجناء السياسين مازالوا قيد الاعتقال.

ويعيش الزعيمان المعارضان مهدي كروبي ومير حسين موسوي -وكلاهما كان مرشحا في انتخابات الرئاسة التي جرت في 2009- قيد الاقامة الجبربة في اعقاب احتجاجات حاشدة على تزوير مزعوم في تلك الانتخابات التي أبقت الرئيس محمود احمدي نجاد في السلطة.

ويقول محللون إن الزعماء الدينيين في ايران يتوقعون اضطرابات اكثر خطورة في الانتخابات القادمة وبادروا إلى شن حملة لتقليل الاثار، ووفقا لتقرير لوكالة انباء إيرانية فإن محمد جواد لاريجاني الامين العام للمجلس الاعلى لحقوق الانسان في ايران إتهم شهيد بتلقي رشى من الولايات المتحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/آذار/2013 - 14/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م