الشباب الكوني واهمية استحقاقات المستقبل

من رؤى سماحة المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الحديث عن الشباب في البلاد العربية والاسلامية، يعني الحديث عن نسبة (70) بالمئة من عدد سكان البلاد العربية حسب آخر تقرير للجامعة العربية صدر عام 2011، كما يعني الحديث عن "القوة الكونية الجديدة التي تعيد صياغة العالم"، وهذا ما جاء ايضاً في "التقرير الإقليمي حول حالة السكان لعام 2011" الذي أطلقته الجامعة العربية.

وبالرغم من إقرار الانظمة السياسية في بلادنا بوجود النسبة الكبيرة من الشباب بين العدد الإجمالي للسكان، إلا أن الملاحظ هو التقليل من شأن هذه الشريحة وعدم بذل الاهتمام الكافي بها، من الناحية الاقتصادية بتقليل نسبة البطالة المتعالية فيها، والتي بلغت نسبة (26) بالمئة، وهي الأعلى في العالم، ومن الناحية الثقافية برفع المستويات العلمية والمعرفية في اوساطها، بما يمكنها من الأخذ بزمام المبادرة والقيام بدورها الحقيقي والفاعل في تطوير البلاد وتقدمها، ثم إبعادها عن موجات الفتن والاضطرابات وعدم الاستقرار على الاصعدة كافة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية.

ليس هذا وحده ما يواجهه الشباب في البلاد العربية والاسلامية، إنما هنالك تحدي أكبر يواجهونه، وهو خطر الاستهلاك التجاري والثقافي، الذي جاء في مرحلة لاحقة بعد المدّ الثقافي والفكري عبر وسائل الاتصال الحديثة من قنوات فضائية ومواقع انترنت وصفحات التواصل الاجتماعي وغيرها.. والمفارقة، أننا بنظرة سريعة للأوضاع الراهنة لبلادنا، نجد الحاجة الماسّة والقصوى لجهود وطاقات الشباب المتفجرة لإنقاذ البلاد من التخلف والاضطراب، فاذا نسمع باخبار عن ابتكارات علمية وإبداعات من الشباب في بعض البلاد، فاننا نقرأ في الوقت نفسه أرقام مزعجة عن حجم الاستهلاك الذي ينزلق اليه الشباب، بمعنى أنه يبذل وقته الثمين وقدرته البدنية الكبيرة، على الاستهلاك وليس الانتاج والابداع.

ويؤشر بعض المهتمين بالشأن الثقافي لدى شريحة الشباب، الى حالة الفراغ الروحي الذي يعانيه معظم شبابنا، كأهم عامل يدفع الكثير لملء الفراغ الروحي ببدائل معنوية ونماذج من حياة أناس آخرين بعيدين عنه في العقيدة والسلوك، لكنه يجد ضالته في أبطال المسلسلات والافلام السينمائية، أو الرياضيين البارزين، أو حتى المطربين..!

وبالرغم من وجود البرامج والفعاليات الثقافية والمهنية التي نشهدها في هذا البلد، او ذاك، من قبل مؤسسات ومراكز ثقافية خاصة، بهدف تنمية وتطوير قدرات الشباب وصقل مواهبهم، إلا انها تبقى محاولات بسيطة قياساً بحجم الهدر الكبير الذي نشهده في طاقات الشباب وقدراتهم العضلية والذهنية في بلادنا الاسلامية، وهذا بحاجة الى مزيد من البرمجة والتنظيم والضخ المعنوي لإعادة الثقة بالنفس في صفوف هذه الشريحة الواسعة والكبيرة، لاسيما من المؤسسة الدينية التي تشكل السور الكبير والحصين حول مجتمعاتنا الاسلامية، لأنها الوحيدة القادرة على رسم "خارطة الطريق" للشباب وفق رؤية الدين، وما قدمه الرسول الأكرم وأهل البيت عليهم السلام من نموذج عملي رائع ومتكامل للحياة.

وعلى الساحة الاسلامية، يبرز إسم سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي – دام ظله- في طليعة المهتمين بشأن الشباب وضرورة توظيف قدراتهم وامكاناتهم لخدمة الامة وتقدمها.

فخلال زيارة لوفد من الشباب السعودي من مدينة القطيف، حدد سماحة المرجع الشيرازي – دام ظله- أربعة أركان يمكن ان تكون ركيزة لنهضة شبابية ناجحة:

الاولى: التحدي

حيث اشار سماحته الى أن الإنسان إذا أراد أن يلتحق بركب العظماء ويصل إلى مرتبة رفعية ومتميّزة، عليه أن يعقد العزم للوصول إلى غايته، وبإرادة قوية.. في إشارة من سماحته الى حجم التحديات التي تواجه الشباب والمشاكل التي تعيق تحقيق طموحاتهم، ابتداءً من الأسرة ومروراً بالاوضاع الاقتصادية والمعيشية، ثم الاوضاع السياسية .

ويمكن ان نجد مصداقاً واضحاً لكلام سماحته، في الحضور الكبير، أو يكاد يكون الغالب للشباب في حركة التغيير الكبيرة التي شهدتها البلاد العربية خلال العامين الماضيين، وما يسمى بـ "الربيع العربي".

الثانية: الانفتاح

يحثّ سماحة المرجع الشيرازي شريحة الشباب على الانفتاح وليس الانغلاق، وهذا يسجل فارقة في الخطاب الثقافي السائد – أو لنقل الأغلب- الذي يحذر الشباب من الاقتراب من الآخر، الذي هو على غير عقيدته ومن غير ملته، مخافة التأثر به، او منع الطرف المقابل من بث ثقافته وفكره في صفوف شبابنا.. بيد أننا نجد سماحة المرجع الشيرازي يؤكد طرحه بمثال من أبرز الشخصيات في تاريخ الفقه الشيعي ، وهو الشيخ المفيد – رضوان الله عليه- الذي أشار سماحته الى جلسات النقاش التي يطرحها في بغداد مع أهل العامة، وكذلك مع اليهود، والنصارى، والمجوس، والصابئة، والملحدين، ومع كل الطوائف بهدف هدايتهم للإسلام والى مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم.

الثالثة: التقنية الحديثة

وسائل الاتصال الحديثة التي تمكن انسان اليوم من متابعة آخر الاخبار، والتنقل بين المواقع من خلال هاتفه الجوال في جيبه الصغير، بامكانها أن تتحول الى وسيلة لنشر الثقافة الصحيحة والفكر الرسالي، وعدم الاهتمام بظواهر الامور، مشيراً الى نزعة "حب الأنا" والتحسس من الانتقاد، حيث يعدّ البعض الكلام السلبي بمثابة معوّل يهدم ما يبنيه، بينما الكلمة الايجابية من شأنها ان تدفعه وتشجعه للمزيد من العمل، في حين يدحض سماحة المرجع الشيرازي هذه الرؤية ويقول: التشجيع لا يزيد الإنسان قوة، والتثبيط لا يضعّف قوّته، إن كان صاحب عزيمة وإرادة.

ولابد من القول هنا؛ ان المبدعين والمفكرين والعلماء قدموا عطاءات كبيرة وقيّمة، مستخدمين الورق والقلم، ولم تكن هناك الطاولة والكراسي الحديثة، ولا أجهزة الحاسوب، ولا أي نوع من التطور الذي نشهده اليوم.

الرابع: التخطيط والعمل

صحيح هناك القدرات والمواهب والرغبة الصادقة في العمل، لكن هذا بحاجة الى تخطيط وبرنامج متكامل يجعل تلك القدرات في محلها الصحيح، بحيث لا يكون هنالك هدر او ضياع، وهو ما يشير اليه سماحة المرجع الشيرازي، حيث تحدث عن الضياع الكبير لشريحة واسعة من الشباب في الاوساط الجامعية وفي المدارس لعدم وجود الاطار الصحيح الذي يجمعهم ويصهر قدراتهم ويصبها في بوتقة واحدة تهدف الى الخير والصلاح.

طبعاً هناك استحقاقات عديدة أمام الشباب في بلادنا، لكن هذا ليس كل شيء.. فهذا لا يعني أننا نكون في حلقة مفرغة من التفكير والتخطيط والعمل والانتاج، ثم نعود الى نفس النقطة لمزيد من الانتاج والابداع وهكذا... إنما الرؤية الحضارية تقتضي الاستمرارية في الحياة والتوسع أفقياً كما هو المطلوب عمودياً، لأن من أهم متطلبات الشباب هو الزواج، الذي يعد الحل الناجع لواحدة من أهم وأخطر التحديات التي تواجه الشباب في بلادنا، ويضيئ سماحة المرجع الشيرازي لنا الطريق، ويؤكد على ضرورة بناء الأسرة التي يسودها الاحترام المتبادل بين الزوجين من خلال التنافس في بين الزوج والزوجة لإحراز أكبر قدر من الأخلاق داخل العش الزوجي. بمعنى أن الزواج واقتران الشاب بشابة تكون كفءً له، إنما الغابة الاساس هي بناء الأسرة المؤمنة بالقيم والمبادئ وتكون قادرة على المساهمة في بناء المجتمع الناهض والأمة المتقدمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/آذار/2013 - 14/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م