القبح في السياسة يبدأ من أول خطوة، لكنه عند الرجال والنساء لايأتي
في العادة إلا بعد مضي سنوات، وأقصد بالقبح ماتعلق منه بتقاسيم الوجه
الذي يتجعد رويدا ويتحول الى منحدرات وسفوح وتعرجات وشقوق تكثر فيها
الديدان والزواحف وبعض الألوان التي تبعث القتامة فيه، فلاتدع له من
وجود يمكن أن تستمتع به المرآة التي ينظر فيها الرجل كما المرأة الى
نفسها بطريقة ما، أو وجهه لعله أن يسعد به لبعض الوقت.
في السياسة لايسعد السياسي في سره، فهو يعلم القبح الذي عليه فعله،
ومداه في هذا الفعل، لكنه يتوهم أحيانا إنه مقبول من فئات إجتماعية
سترقص طربا كلما تحرك خياله في خواطرهم، بينما الحقيقة هي إن هولاء
نفعيون للغاية وبإمكانهم تحويل القرد الى غزال بلمح البصر، وليس بطريقة
الرجل الذي كان يجالس النبي سليمان، وتعهد له بالمجئ بعرش بلقيس من
اليمن بقول (قبل أن يرتد إليك طرفك ) السياسة ليست قبحا مطلقا لكنها
تشتبك فيها عوامل الفشل والنجاح، وحين تكون مطالب الناس بقدر لايقوى
عليه السياسي، ولامجموعات سياسية بالكامل بسبب الفوضى والوضع
الإقتصادي، وشحة الموارد والخلاف العرقي والديني والتخبط في البرامج
والإستراتيجيات، وضعف القدرة على فهم المجتمع فإن السياسي يتحول الى
عجوز تقدم بها العمر، وصارت لاتقوى على الحركة، وهي تظن في نفسها ذات
الصورة التي كانت عليها قبل خمسين عاما، حين كانت عيون الشبان تلاحقها،
وكان حبيبها يغار عليها، وكانت مطلوبة وبشدة كأنها بيتزا إيطالية حارة
ومهضومة.
تروي العجوز لأحفادها، كيف إنها أحبت ذلك الشاب، وتعلقت به، وتركت
شابا غنيا بينما عشقت آخر بسيطا لم يكن لديه سوى ثمن التذكرة لصعود
السفينة المتوجهة الى العالم الجديد، وحين وصلت معه الى الحب الكامل
غرقت السفينة، ومات هو، بينما ظلت هي تروي حكاية العشق والرجولة في
شخصه والوله الذي كانت عليه حين إرتمت في أحضانه بقسوة، وبكل اللذة
والرغبة التي تجتاح شابة في مثل عمرها، لكنها تروي الحكاية وهي عجوز،
والشاب الحبيب مات شابا، وقد بقي كذلك في ذاكرتها، ولن يشيخ لأنه مات
على هيئة الشباب، هي في تلك اللحظة الروائية مجرد عجوز شمطاء تلتحف
بغطاء كي لايداهمها البرد بينما الأحفاد يتحلقون من حولها ليستمتعوا،
والبنات ينتظرن إغفاءتها لكي يوسدنها، ويضعن الأغطية على جسدها الذاوي،
ويمضين ليواعدن شبانا بعد منتصف الليل، ولكن ليس في البحر بل في سرير
دافئ.
في السياسة، وقد قلنا إن القبح فيها يبدأ منذ اللحظة الأولى، فليس
لدى السياسي الكثير من الأدوات، وربما نجح الواحد منهم لكن المئات
سيفشلون حتما، وينتهوا الى النسيان، وربما جربوا مهنة أخرى، ويقودني
ذلك للتفكير بسذاجة البعض ممن صار يفكر في السياسة من أجل الحصول على
مكاسب، من هولاء من رأى شخصا رشح في دائرة إنتخابية، وقد فاز، وتحول
الى ملياردير، وسيدا في قومه، وبدأ كل شئ يتغير في حياته، تغيرت زوجته،
أو تعددت لديه الزوجات، تغير بيته، تغير وجهه، تغير هندامه، تغير لون
شعره، تغيرت ماركة ثيابه، وهي لم تكن موجودة من قبل أصلا، تغير حتى
حذائه من تركي الى إيطالي.
ياه، ما أقبح ذلك
|