أوباما وحجارة سجيل إسرائيل

توفيق أبو شومر

يزور الرئيس الأمريكي باراك أوباما إسرائيل لأول مرة بصفته رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، هذه الزيارة التي استثارتْ همم المحللين والمتابعين وفقهاء السياسة والفضائيات وكل الإعلاميين وحرضت خيالاتهم وأثارت تنبؤاتهم وأحلامَهم، ليست سوى زيارة هدفها النهائي هو (إعلان التوبة) أو تصحيح الأخطاء التي ارتكبها الرئيس الأمريكي في حق حسناء دول العالم (إسرائيل) التي ما تزال تملك حق الفيتو في كل الأمور والمجالات، وحق الفيتو الذي تملكه إسرائيل أقوى من حق فيتو مجلس الأمن، فهي تملك حق الفيتو على كل ما يتعلق بتاريخها وبأمنها وبأفعالها المدنية والعسكرية!

 من الواضح أن أوباما قرر أن يتوب عن بعض تصريحاته السابقة، والتي قالها بدون التنسيق مع اللوبي اليهودي في أمريكا وإسرائيل منذ أربعة أعوام، فقد ظلَّ أوباما مُطاردا من قبل هذا اللوبي، لأنه بدأ مسيرته الأولى في الرئاسة بزيارة (جامعة القاهرة) يوم 4/6/2009، وهناك ألقى خطابه التاريخي في الجامعة العربية العريقة، حينئذِ انهالت علية حجارة سجيل إسرائيل، ففتحوا يومها ملفاته، وأعادوا له اسمه (حسين) وبدؤوا يطاردونه صباح مساء، فهو يُظهِر غير ما يُبطٍن، أخطأ في حق ملكة جمال دول العالم فقال في خطابه في جامعة القاهرة:

" لا يُمكن الإقرار بشرعية الاستيطان والاحتلال"

 ولم يكتفِ بذلك بل قال أيضا قولا آخر لم ينتبه له إلا الإسرائيليون:

" إن إسرائيل أقيمت بسبب الهولوكوست الذي أباد ستة ملايين يهودي على يد السفاح النازي هتلر"!!

وكعادة إسرائيل فقد (علَّبتُ هذين الخطأين في درج ملفاتها) وشرعت في مطاردة أوباما في كل مناسبة، حتى أن حامل لواء الراية الحمراء في وجه أوباما رئيس أطول الحكومات في إسرائيل بعد بن غريون؛ بنيامين نتنياهو (بيبي) أعلن الحرب على أوباما في كل المحافل اليهودية، وشرع اللوبي في مطاردته أينما حل وارتحل!!

 حاول نتنياهو في البداية أن يرد على زيارة أوباما لجامعة القاهرة، فقام نتنياهو نفسه بزيارة جامعة بار إيلان الجامعة التي ترمز إلى الحركة الصهيونية، وألقى فيها أيضا خطابا تاريخيا يحدد شروط قبول دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ويرد على أخطاء أوباما في حق فريضة الاستيطان الدينية السياسية، ودعوته بانسحاب الجيش من الضفة الغربية. وألقى نتنياهو خطابه بعد عشرة أيام فقط من خطاب أوباما أي يوم 14/6/2009 وقال:

لقد انسحبنا من غزة، وكانت النتيجة آلاف الصواريخ على سديروت!!

أما اليوم 22/3/2013 فقد قدم أوباما اعتذاره عن تصريحاته السابقة كلها، ولا سيما عن تصريحه بخصوص إقامة دولة إسرائيل بعد الهولوكوست، فقد ركز كل أقواله في هذه الزيارة على أن إسرائيل هي أرض اليهود الموعودة منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، وهي أرض الميعاد، كما أنه لبس الكيبيا، طاقية المتدينين وزار قبر هرتسل ورابين، وختم برتوكولات التوبة بزيارة النصب التذكاري لضحايا الهولوكوست(ياد فاشيم) وهناك صحح أقواله السابقة وقال وهو ينظر إلى جبال القدس بصحبة الحاخام الأكبر لياد فاشيم إسرائيل مائير لاو:

" لم تقم إسرائيل بسبب مجازر الهولوكوست، بل أقامتها دولة إسرائيل ذات الجذور التاريخية العميقة"!!

ولم يكتفٍ بذلك، بل ردد القسم الذي يُقسمه كل جندي وضابط في جيش الدفاع عند حائط المبكى:

"الهولوكوست لن تحدث مرة أخرى"!!

إن الملفات الحقيقية لهذه الزيارة لن تظهر إلا بعد سنواتٍ طويلة!!

 فمن يحضر معتذرا ونادما على ما فرط في حق إسرائيل، فإنه بالتأكيد سيدفع الثمن مقابل صك الغفران، ولعل الثمن سيكون –ربما- حربا على إيران، أوعدوانا على سوريا ولبنان، وبخاصة بعد المصالحة بين تركيا وإسرائيل، وربما يكون أيضا تعزيزا للاستيطان بخاصة في الضفة والقدس والعيزرية وسلوان، وربما يكون بشيكات لتعزيز منظومات الدفاع الجوي، ومنظومات الفايروسات الإلكترونية!!

أما أغاني السلام، وموسيقى العدل والديمقراطية، وسيمفونيات المفاوضات التي ترددها الفضائيات العربية، ويعزفها السياسيون، ودهاقنة التحليل السياسي في فلسطين، فلن تكون إلا إيقاعات حالمة، تصلحُ أن تُعزف قبل النوم، بشرط أن يتناول الفلسطينيون قبلها جرعات كبيرة من الفاليوم المخدر، منتظرين رئيسا أمريكيا جديدا، أو رئيس وزراء إسرائيليا جديدا لا يلبس ملابس نتنياهو!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/آذار/2013 - 14/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م