التغيير ممارسة... من خلال ممارسة التغيير

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما الذي يجعل من دعوات التنوير في مجتمعاتنا المسلمة عاجزة عن تحقيق شعاراتها واهدافها؟ انه الاعتماد على منجزات الاخرين، وعدم الانطلاق من الانسان اولا.. الكثير من رواد النهضة والتنوير في العالم العربي والاسلامي (ولست في وارد الحديث عن تلك المفاهيم النظرية ومدى قربها او بعدها من المعنى الدلالي)، انصب جهدهم على ابواب السياسة، او الثقافة، او الاقتصاد، من خلال جعلها محورا لكل نهضة منشودة.

وقد غاب او غيّب الانسان، كنفس وروح عن تلك الجهود، وكأن هذا الانسان الذي تتوجه اليه الدعوات للتنوير او النهضة قد امتلك شروط تحققها في كيانه الفردي او المجتمعي، وهي شروط نجدها مفقودة في داخل ذلك الانسان وتلك المجتمعات.

لعل ابرز شرط هو البعد الاخلاقي في حركة الانسان وهل هي باقية على قربها من الفطرة الاولى التي فطر عليها الانسان، ام انها فقدت بوصلتها باتجاه طرق ومسالك وعرة لاتقود الى شيء سوى المجهول، وهو مجهول – معلوم، لا ينتهي الا بالخراب.

هناك قاعدتان عقليتان يمكن الاحتكام اليهما في معرفة الامور واصدار الحكم عليها، الاولى هي: تعرف الاشياء بامثالها، والثانية هي تعرف الاشياء باضدادها..هاتان القاعدتان يمكن الاحتكام اليهما في جميع الامور والشؤون الانسانية، من اخلاق وثقافة وسياسة واقتصاد واجتماع وغيرها.

للامام الشيرازي الراحل، ثلاثة كتب تعتبر رئيسية في مشروعه الفكري التنويري، تعرف هذه الكتب وبسسب موضوعاتها ب (ثلاثية التغيير) وتضم عناوين (السبيل الى انهاض المسلمين) و (الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرفاه والسلام) و (ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين).

كل عنوان من هذه العناوين له دلالة واسعة الطيف تترابط مع البقية وتنسجم معها، فالسبيل هو الطريق الذي يسير فيه الانسان، وهو هنا الطريق المؤدي الى انهاض المسلمين، عبر السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع.

وممارسة التغيير هو الجهد الذي يبذله الانسان المسلم السائر في طريق انهاض المسلمين، عبر خرائط واضحة للتغيير وممارسة مستمرة لفعل التغيير.

والصياغة الجديدة هي القدرة على تشكيل مجتمع جديد يقطع مع المعوقات والقيود التي تعرقل مسيرته، ولا يمكن تحقيق ذلك الا من خلال اربعة معطيات تقود بعضها البعض، او هي بالضرورة متحققة ومنجزة، بعد الاخذ بخرائط الطريق، هذه المعطيات هي ، الايمان الفردي بالقدرة على التغيير، واول شرط لهذا الايمان هو امتلاك الحرية، الدعامة الرئيسية لنبذ كل عبودية وقيود، للوصول الى مجتمعات الرفاه الانساني التي تعيش بسلام بعيدا عما نراه الان من جنون عالمي يشمل الجميع.

التغيير ممارسة منهجية ومستمرة، الغاية منه اعادة ثلاثة اشياء الى المسلمين عبر سؤال: كيف يمكن اعادتها؟، وهي كما يرى الامام الشيرازي: الدولة الاسلامية الواحد ة – الاخوة الاسلامية – القوانين الاسلامية.

هناك عدة مقدمات وصفات اساسية لعملية التغيير التي يراها الامام الراحل شرطا اساسيا لتمكين العاملين من تغيير ما بانفسهم اولا، وهو شرط يعد بمثابة الدلالة الاولى في خرائط الطريق. وهي صفات عامة غير مختصة بامة وشعب، بل تتعدى ذلك الى الحزب او التنظيم او الهيئة او الجماعة او الحكومة وحتى العائلة الواحدة والفرد الواحد.

هذه الصفات العامة، يصح فيها الاحتكام الى القاعدتين اللتين ذكرناهما في البداية، وهما قاعدتا المثل – الضد، لمعرفة مدى تقدم المجتمع او انحطاطه.. يذكر الامام الراحل، بعضا من تلك الصفات، وهي عبادة البطن والفرج، وسرعة الغضب، والاستبداد، وجمع المتزلفين والمتملقين وطلاب الشهوة والشهرة، واصحاب الانانية والفردية، واكثار السجون والتعذيب والضرائب والمكوس، وعدم الاهتمام باراء الناس وشؤونهم، وبث الدعايات الكاذبة، وتأليه الفرد، وحجب العقل والفكر واضطهاد المفكرين والمبدعين وكسر اقلامهم، وزرع الارهاب والخوف وفرض الرقابة والتجسس على الناس، ونزع الاعترافات تحت التعذيب، واتخاذ القرارات الفردية، والبطش بالناس، والكبت والحرمان، ومنح الامتيازات لجماعة خاصة وهم المصفقون للنظام، وزرع الخلافات والفرقة بين الناس.. وغير ذلك من امور لايمكن القطع معها الا من خلال اضدادها الواجب العمل عليها.

كل ماذكر من قواعد وصفات عامة تنطلق من الانسان كفرد، وتعود اليه كفرد ومجتمع هو حصيلة مجموع الافراد في كل زمان ومكان.

هذه القواعد والصفات تتداخل فيها شؤوون السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والقانون والنفس والاعلام والادارة، وجميع اوجه التفاعل الانساني داخل اي مجتمع من المجتمعات.. لكن ما يميزها عن طروحات سابقة، هو البدء بالتغيير من الانسان اولا، وهو تغيير لايبقى ساكنا بانتظار توفر الشروط اللازمة، بل على الانسان توفيرها بقوة وارادة التغييرالتي يمتلكها داخل روحه بعد تحريرها من جميع ما يكبل عملية انطلاقها.

التغيير ممارسة وسلوك لايمكن له ان يتوقف بمجرد تحقيق هدف من الاهداف المنشودة، فالهدف المتحقق يحتاج ايضا الى ممارسة وسلوك مستمرين للاضافة عليه وتطويره تماشيا مع التحديات التي يمكن ان تفرضها شروط جديدة في ازمان اخرى، تجعل من الهدف المتحقق لا يستطيع مجاراة تلك التطورات.

التغيير ممارسة، وهو اشبه بالصلاة اليومية التي لاتتوقف تحت اي ظرف او طاريء، وهو مايجعل من الحركة باتجاه التغيير حركة مستمرة فيها ابداع واختلاف بين لحظة البدء والاستمرار فيه والوصول من خلاله، وهو كما عبر عنه الامام علي عليه السلام بقوله (من تساوى يوماه فهو مغبون).. التغيير ممارسة مستمرة من خلال ممارسة التغيير في كل زمان ومكان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/آذار/2013 - 13/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م