شبكة النبأ: تحتاج النفس البشرية الى
كوابح تحد من غرائزها ورغباتها غير المنضبطة، وهذه الضوابط او الكوابح
وردت عبر الرحلة البشرية في الاديان السماوية وفي الفكر الانساني
الخلاق، وكلها تضع حدودا ومسارات على الانسان أن يلتزم بها، لأنها طريق
الخير وصيانة الحرمات والحقوق، وهي ايضا الطريق الى بناء اسرة بشرية
منسجمة ومتعالية على الصغائر.
ولكن مما يلاحظه المتابعون والمعنيون من العلماء والمصلحين
والمفكرين، أن المبادئ الانسانية التي رسختها الاديان السماوية
والافكار المتنورة، تمر في العصر الراهن في منحدر خطير، قد يؤدي
بالبشرية الى مزالق مهلكة نتيجة الصدامات وتضارب المصالح الحيوية وما
شابه، الامر الذي قد يقود الى حروب قد تقضي على الكرة الارضية ومن يقيم
عليها، فيما لو غاب العقل، وغابت الافكار التي تحد من خطر ضعف المبادئ
الانسانية.
إن ما يؤكده المعنيون الاجتماعيون والاخلاقيون في هذا الصدد، لم يأت
اعتباطا، ولم يعلن المصلحون تخوفهم جزافا، بل إن الانسانية ازاء منزلق
اخلاقي ومصيري خطير، بسبب تزايد التناقضات والصراعات على الموارد
وحماية المصالح بالقوة، بعيدا عن ركائز العدل واعتماد المواثيق
والقوانين التي ينتظم تحتها الوجود البشري اجمع.
موت المبادئ
إن المبادئ الانسانية تموت أمام مرأى الانسان، والاسباب معروفة سلفا،
لذا يجب التحرك الفوري لانهاء هذا الانحراف الخطير في المسار البشري.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه
الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (من اسباب ضعف المسلمين)، حول هذا
الموضوع: (لقد رأى العالم كيف تموت المبادئ غير الصحيحة والتي تخالف
فطرة الإنسان، فلم تنتشر إلا في ظروف خاصة يحكمها الجهل حتى إذا ما وعت
الشعوب ولو بعد مضي سنوات أو قرون نبذوها وراء ظهورهم).
إن انتشار الحالات والظواهر السلبية، يتم في الاوساط التي يكتنفها
الجهل والتخلف والجوع، وهذه البيئة الخطيرة تتولد في ظل الاستبداد
والقمع الذي تنتجه الحكومات المتجبرة والحكام الطغاة، لهذا تبدو الحاجة
للفكر الوضاء كبيرة جدا، لأن غياب الفكر الذي يتسق مع فطرة الانسان
يشكل فراغا نفسيا وفكريا وماديا هائلا بين الناس، ويضطرهم الى ملء هذا
الفراغ بالشعوذات والخرافات والظواهر الفكرية المتخلفة، لهذا يدعو
العلماء والمصلحون ورجال الفكر القويم، الى اهمية ملء الفراغ الفكري
بالمبادئ الانسانية الراسخة، التي تقترب من ميول الانسان الفطرية.
من هنا نقرأ في كتاب الامام الشيرازي نفسه، قائلا في هذا الخصوص: (كما
رأى العالم كيف أن الغرب المسيحي رفض المسيحية واستبدلها بالعلمانية
والمادية، وذلك لأن الإنجيل المحرف لا يملك من القدرة والشمولية ما
يستوعب الحياة في كافة مراحلها، حيث لم يبق منه سوى بعض الوصايا وقد
بدلوها أيضاً ولم يعملوا بها، فقد روي عن السيد المسيح العظيم -على
نبينا وآله وعليه السلام- أنه قال لبعض أصحابه: «ما لا تحب أن يفعل بك
فلا تفعله بأحد، وإن لطم أحد خدك الأيمن فأعطه الأيسر، ولكنهم صيروها
إلى قنابل وصواريخ وحربين عالميتين وحروب لا تعد ولا تحصى في بلاد
المسيحية وغيرها التي يقودها العالم الغربي، إلى ألف شيء وشيء).
الطغاة ومعاناة المسلمين
ولابد اننا نلاحظ ما يعانيه المسلمون في عموم الدول ذات الانظمة
القمعية، من تشرذم وتشتت وضياع في الهوية الاسلامية الحقة، حيث ينتشر
الجهل وتنتهك حقوق المسلمين، ويتم سرقة ثرواتهم واموالهم، وهم يعانون
من قلة التعليم والوعي، مع غياب شبه تام لممارسة الحقوق المدنية،
والسبب دائما موت المبادئ الانسانية وتنمّر الطغاة على شعوبهم من
المسلمين.
لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (إن ما
نشاهده اليوم من حالة ضعف المسلمين هو نتيجة أمور عديدة، من أهمها ما
سببه الحكام الطغاة، غير الشرعيين، على مر التاريخ من الأوائل والأواسط
والأواخر، فإنهم من وراء حالة ضعف المسلمين التي نشاهده ونلمس آثاره
حتى اليوم، فان الضعف السابق والوسط واللاحق يسبب ضعف المستقبل أيضاً
كما هو في صحة الإنسان فان الإنسان الذي لا يراعي صحته في صغره لابد
وأن يكون في كبره معرضاً للآفات والأسقام وما أشبه وهناك العديد من
القصص التاريخية التي تدل على ما ذكر).
ولو ان المسلمين عملوا بقوانين الاسلام وتعاليمه، حول تنظيم الحياة،
وحماية الحقوق الفردية، وحق الانسان بالانتخاب والتصويت والمشاركة
الفعلية في اختيار القادة السياسيين، لما تعرض المسلمون الى شتى انواع
الجهل والمعاناة، والدليل أن الغرب الذي اخذ بقوانين الاسلام، استطاع
ان يحقق نجاحا في مجال الحريات، والحد من ظواهر القمع والتجاوز على
حقوق المواطنين.
لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (لقد تقدم الغرب علينا
عندما أخذوا بالعمل ببعض قوانين الإسلام، مثل حق الانتخاب والتصويت،
وخلع الحكام الطغاة المستبدين، ومطالبة الحقوق والحريات، ومثل النظم في
الأمور، والاتقان في العمل، وما أشبه ذلك).
ثم ينتقد الامام الشيرازي حال المسلمين الآن، مقارنا بين ما كان
عليه المسلمون في صدر الرسالة الاسلامية، ومزاياهم الكبيرة والعظيمة،
وبين ما هم عليه الان من تراجع ونكوص وضعف في الهمة والايمان، فضلا عن
التعامل الشكلي مع الدين الاسلامي وتعاليمه، وعدم اعتماد جوهر الدين
لخدمة الفرد والمجتمع الاسلامي عموما، بسبب موت المبادئ الانسانية أو
ضعفها في افضل الاحوال.
لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع في كتابه المذكور نفسه:
(نعم إن المسلمين اليوم يصلّون ويصومون، ويزكون ويحجون، ولكنهم تركوا
الكثير من القوانين الإسلامية. مضافاً إلى إنه هل إن الكل يصلي ويصوم،
ويزكي ويحج؟ وهل في بلادنا لا توجد محرمات ومنكرات؟ وهل نملك نحن
المسلمين اليوم تلك العزيمة اللازمة، والفكر الكافي، والوعي الإسلامي،
والإيمان الثابت، والجهاد الصادق، وبذل كل الطاقات في سبيل الله كالذي
كان عليه المسلمون الأوائل، وبحسب الذي يريده الإسلام منا، أم أن
الإسلام شيء ونحن المسلمين شيء آخر؟ ولعل هذا هو من أهم علل تقدم
المسلمين في صدر الإسلام وتأخرنا نحن في هذا اليوم). |