الطائرات بدون طيار.. مكافحة الإرهاب بالإرهاب

 

شبكة النبأ: لاتزال الإدارة الأمريكية وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها جراء استخدامها المكثف الاعتماد المستمر على الطائرات بدون طيار التي تستخدم لضرب الأهداف الإرهابية المزعومة خارج الحدود، حيث تواصل دفاعها عن مشروعية هذه الأعمال التي تصفها بالناجحة والمميزة من دون الإشارة الى اي تفاصيل او معلومات او أرقام عن تلك الأهداف التي تعتبر أحدى أهم أسرار الحكومة الأمريكية.

وبحسب بعض المراقبين فان امريكا اليوم تواجه تحدي ومنافسة من قبل بعض الدول الأخرى التي تسعى الى تطوير قدراتها العسكرية وابتكار أسلحة ومعدات جديدة ومتنوعة ومنها هذا النوع من الأسلحة وهو ما قد يسهم بتغير بعض الموازين والنتائج السابقة، فقد كانت الولايات المتحدة هي الأولى التي تستخدم طائرات بلا طيار مزودة بصواريخ لقتل مشتبه بهم في قضايا إرهاب خلال السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر أيلول في نيويورك وواشنطن.

لكن دولا أخرى بدأت تحذو حذوها. واتضح اهتمام الصين بالطائرات بلا طيار في نوفمبر تشرين الثاني الماضي في معرض جوي. وتقول صحيفة جلوبال تايمز الحكومية إن الصين بحثت القيام بأول ضربة بطائرة بلا طيار لقتل مشتبه به في قضية قتل 13 بحارا صينيا عام 2011 لكن السلطات قررت أنها تريد الرجل حيا كي يتسنى لها محاكمته.

وقال تومي فيتور الذي كان متحدثا باسم البيت الأبيض حتى وقت سابق "الناس يقولون ما الذي سيحدث عندما تحصل الصين وروسيا على هذه التكنولوجيا؟ الرئيس يدرك جيدا هذه المخاوف ويريد أن يضع معايير للمجتمع الدولي بشأن هذه الأدوات." وأضاف فيتور أنه مع انتهاء الحروب البرية الأمريكية أصبحت عمليات مكافحة الإرهاب جراحيا "هي الوضع الطبيعي الجديد".

ووسط جدل داخل الحكومة الأمريكية لم تتضح بعد المعايير الجديدة التي تحكم القتل المستهدف وضربات الطائرات بلا طيار التي سيضعها البيت الأبيض للعمليات الأمريكية أو اقتراحها للقواعد العالمية. ولا يخلو موقف أوباما الجديد من مفارقة. إذ ظل البيت الأبيض يحتفظ بسرية عمليات الطائرات بلا طيار لسنوات والتي ظلت سرية بصورة كبيرة عندما كان الاحتكار الأمريكي شديدا.

بدأ ذلك الموقف يتبدل الآن ومن أسباب ذلك الضغط الذي سببه استياء متزايد بين المواطنين وداخل الكونجرس ازاء الطائرات بلا طيار. ويطالب أعضاء بالكونجرس أن يطلعوا على المبررات القانونية للبيت الأبيض في استهداف مواطنين أمريكيين في الخارج ومعرفة ما إذا كان أوباما يعتقد أن من سلطته استخدام الطائرات بلا طيار في قتل الأمريكيين على الأرض الأمريكية.

وقضت محكمة استئناف اتحادية بأن استجابة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) لم تكن ملائمة لدعوى قضائية أقامها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية مطالبا بالحصول على سجلات هجمات الطائرات بلا طيار. وقالت سي.آي.إيه إنها لا يمكنها أن تؤكد أو تنفي ما إذا كان لديها سجلات الطائرات بلا طيار لاعتبارات أمنية. وأشار القاضي الذي كتب هذا الحكم إلى أن الرئيس أقر علنا بأن الولايات المتحدة تستخدم الطائرات بلا طيار ضد تنظيم القاعدة.

وبدأت ضربات طائرات بلا طيار من طراز بريديتور وريبر على المشتبه بهم في قضايا إرهاب في الخارج خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وتوسع فيها أوباما. وقالت كيتلين هايدن وهي متحدثة باسم مجلس الامن القومي في البيت الأبيض إن الإدارة ملزمة كي تشرح للكونجرس وللمواطنين لأقصى حد ممكن سياساته فيما يخص الطائرات بلا طيار بما في ذلك كيفية اتخاذ قرارات الضرب.

وقالت هايدن "نحن نعمل دائما على تحسين وتوضيح وتقوية عملية التفكير في استهداف إرهابيين بأعمال فتاكة." وتابعت إن الإدارة تقر بأننا "نضع معايير أساسية يمكن لدول أخرى أن تتبعها." وفي حين ان إدارة أوباما تتحرك في اتجاه تحسين المعايير وجعلها أكثر شفافية فما زالت هجمات الطائرات بلا طيار تشعل غضبا في الدول التي تستخدم فيها. وسعت واشنطن لتصوير أن أعداد القتلى من ضربات الطائرة بلا طيار عند الحد الأدنى لكن جماعات تجمع بيانات عن تلك الهجمات تقول إنها قتلت مئات المدنيين.

الى جانب ذلك اعتبر وزير العدل الاميركي اريك هولدر في رسالة نشرها سناتور ان بامكان رئيس الولايات المتحدة نظريا ان يأمر بغارات تشنها طائرات بدون طيار على الاراضي الاميركية في ظروف استثنائية مشابهة لاعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001. وكتب الوزير الى السناتور الجمهوري راند بول الذي وجه اليه سؤال في هذا الخصوص ان "الحكومة الاميركية لم تشن غارات بطائرات من دون طيار في الولايات المتحدة ولا تنوي ان تفعل ذلك".

وتابع ان "السؤال الذي طرحته افتراضي تماما، ومن الارجح ان ذلك لن يحصل، وآمل ان تكون مسالة لا يضطر اي رئيس لمواجهتها. ومن الممكن على ما اظن تصور ظروف طارئة يكون فيها من الضروري والمناسب، مع احترام الدستور والقانون الاميركي، ان يسمح الرئيس للجيش باستعمال القوة القاتلة داخل اراضي الولايات المتحدة". ومن امثلة الظروف الاستثنائية ذكر الوزير هجوم اليابان على القوات الاميركية في بيرل هاربور في كانون الاول/ديسمبر 1941 واعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001.

ورد السناتور راند بول وهو في مجلس الشيوخ من اشد المدافعين عن الحقوق الفردية قائلا ان "رفض وزير العدل استبعاد امكانية شن طائرات من دون طيار غارات على مواطنين اميركيين على الاراضي الاميركية مخيف جدا انه انتهاك للحقوق الدستورية لكل الاميركيين". لكن نوابا اخرين اعتبروا ان الوزير يقوم بدوره بترك المبادرة للقائد الاعلى للقوات اذا تعرضت البلاد لهجمات مفاجئة. بحسب رويترز.

وقالت النائبة الديمقراطية دايان فاينشتاين رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ "بعد هجمات 11 ايلول/سبتمبر دار نقاش حول ما اذا كان يجب اسقاط طائرة تتوجه الى مبنى كبير قد يقتل فيه عدد كبير من الاشخاص". وصرحت للصحافيين "اذا شنت حرب على الولايات المتحدة فلا بد من رد فوري، وهذا ما تحاول رسالة وزير العدل ان تقوله".

الطائرات قتلت 4700

على صعيد متصل قال السناتور الاميركي ليندسي غراهام ان نحو 4700 شخصا بينهم مدنيون قتلوا بنيران الطائرات بدون طيار في الحرب السرية الاميركية بهذه الطائرات، بحسب ما ذكرته تقارير محلية. وهذا اول حديث لبرلماني او مسؤول حكومي عن العدد الاجمالي لقتلى غارات تلك الطائرات التي تندد بها مجموعات حقوق الانسان وتصفها بعمليات الاغتيال الخارجة عن نطاق القضاء.

وحصيلة القتلى في مئات الهجمات للطائرات دون طيار ضد عناصر مفترضين في القاعدة في باكستان واليمن ودول اخرى، لا تزال سرا اذ ان المسؤولين الاميركيين يرفضون الحديث علنا عن تفاصيل هذا البرنامج. لكن السناتور الجمهوري ليندسي غراهام المدافع الشرس عن هذا النوع من العمليات العسكرية، قدم في العلن رقما يتجاوز تقديرات مستقلة لحصيلة القتلى.

وقال غراهام بحسب موقع ايزلي باتش المحلي في كارولاينا الجنوبية (جنوب شرق) "قتلنا 4700". واضاف امام نادي روتاري ايزلي "احيانا نضرب اشخاصا ابرياء وهذا ما اكرهه. لكننا في حالة حرب، وقتلنا العديد من الاعضاء الكبار في القاعدة". ولم يشكك مكتب غراهام بما نقل عنه من تصريحات، لكنه قال ان غراهام لم يكشف اي رقم رسمي سري حكومي.

وتصريحات غراهام غير مسبوقة فالمسؤولون الاميركيين المحوا في بعض الاوقات لتقديرات للاصابات بين المدنيين لكنهم لم يذكروا ابدا الحصيلة الاجمالية للقتلى. وقال الباحث في مجلس العلاقات الخارجية ميكاه زينكو "انها المرة الاولى التي يعطي فيها مسؤول اميركي حصيلة اجماليا". واضاف انه لو كان هناك تقديرات رسمية لحصيلة القتلى لصنفت بالسرية ملمحا الى احتمال ان يكون غراهام قد خالف قوانين السرية.

وتحاول عدة منظمات غير حكومية مستقلة ان تحتسب، على اساس مقالات صحافية ومصادر اخرى، عدد المتمردين والمدنيين الذين قتلوا في الضربات الاميركية منذ 2004 لكنها توصلت الى ارقام مختلفة. والحصيلة التي اوردها غراهام قريبة من الرقم الاعلى للحصيلة التي توصل اليها "مكتب التحقيقات الصحافية" ومقره لندن. ويقول المكتب ان عدد قتلى ضربات الطائرات بدون طيار في باكستان واليمن والصومال يتراوح بين 3062 و4756.

وتقدر "نيو اميركان فاونديشن" في واشنطن عدد الضربات التي شنتها الطائرات من دون طيار ب350 منذ 2004 نفذت غالبيتها في فترة ولاية الرئيس باراك اوباما. وبحسب هذا المركز، فان الحصيلة تقدر بما بين 1963 و3293 قتيلا بينهم 261 الى 305 مدنيين. ورغم انتقادات المشرعين والمدافعين عن حقوق الانسان الذين شككوا في سرية وقانونية ضربات الطائرات بدون طيار، دافع غراهام عن اعتماد اوباما عليها. وقال غراهام "انها سلاح ينبغي استخدامه". واضاف "انها سلاح تكتيكي. الطائرة بدون طيار هي آلية جوية بدون قائد زودت بالسلاح". وضربات الطائرات دون طيار في باكستان واليمن ودول اخرى هي هجمات سرية تشرف عليها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) فيما يندرج قصف تلك الطائرات في افغانستان تحت سلطة الجيش الاميركي وليس مصنفا بالسرية. بحسب رويترز.

وتصر ادارة اوباما على ان عمليات "القتل المستهدف" هي "الخيار الاخير" ضد اولئك الذين يخططون للهجوم على الولايات المتحدة ولكن لا يمكن القبض عليهم. غير ان المعارضين يقولون ان ضربات تلك الطائرات تصل لمستوى عمليات الاغتيال الخارجة عن نطاق القضاء والتي تثير استياء الاهالي ولا تخضع لاشراف الكونغرس او المحاكم.

انتهاك سيادة باكستان

في السياق ذاته قال مقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الانسان ومكافحة الإرهاب إن الولايات المتحدة تنتهك سيادة باكستان وتدمر هياكل قبلية بهجمات الطائرات دون طيار التي تشنها في إطار عمليات مكافحة الإرهاب قرب الحدود الأفغانية. وزار المقرر الخاص بن إيمرسون باكستان في إطار تحقيق يجريه بشأن أثر استخدام الطائرات دون طيار وغير ذلك من أشكال القتل المستهدف على المدنيين.

وقال في بيان أصدره مكتب مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان في جنيف "فيما يتعلق بالقانون الدولي تجرى حملة الطائرات الامريكية دون طيار في باكستان دون موافقة الممثلين المنتخبين للشعب أو الحكومة الشرعية للدولة." وأضاف "تشمل استخدام القوة على أراضي دولة أخرى دون موافقتها ولذلك تمثل انتهاكا لسيادة باكستان." وكان إيمرسون قال في يناير كانون الثاني انه سيحقق في 25 ضربة بطائرات دون طيار في باكستان واليمن والصومال وافغانستان والاراضي الفلسطينية. بحسب رويترز.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند "رأينا بيانه الصحفي. لن أتحدث عن معلومات سرية هنا. "لدينا حوار قوي ومستمر بشأن مكافحة الارهاب مع باكستان وهذا سوف يستمر." وقال إيمرسون إن قبائل البشتون التي تقطن شمال غرب باكستان تضررت بشدة من عمليات مكافحة الارهاب. وأضاف "الحملة العسكرية وخاصة استخدام الطائرات دون طيار في المنطقة القبلية حطمت هياكلهم القبلية."

استهداف متطرفين سوريين

من جانب اخر ذكرت صحيفة لوس انجليس تايمز ان وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) تجمع معلومات حول الاسلاميين المتطرفين في سوريا لامكانية توجيه ضربات اليهم بطائرات بدون طيار في مرحلة لاحقة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين اميركيين حاليين وسابقين ان الرئيس الاميركي باراك اوباما لم يسمح بتوجيه اي ضربات في سوريا والامر ليس مطروحا. لكن السي آي ايه التي تدير برامج الطائرات بدون طيار التي تستهدف الناشطين في باكستان واليمن، قامت بتغييرات في صفوف الضباط المسؤولين عن توجيه الضربات، لتحسين جمع المعلومات حول الناشطين في سوريا. وشكل هؤلاء الضباط وحدات مع زملاء لهم كانوا يطاردون ناشطو القاعدة في العراق.

وقالت الصحيفة ان الناشطين القدامى في العراق انتقلوا على الارجح الى سوريا والتحقوا بالميليشيات التي تقاتل الحكومة في هذا البلد. ويتمركز الضباط المكلفين التركيز على سوريا في مقر وكالة الاستخبارات المركزية في لانغلي في ولاية فرجينيا، كما قالت الصحيفة. وتابعت "لوس انجليس تايمز" ان الوكالة تعمل بشكل وثيق مع الاستخبارات السعودية والاردنية وغيرها من اجهزة استخبارات المنطقة الناشطة في سوريا.

واوضحت الصحيفة ان هذه الاستعدادات تأتي مع تزايد انتصارات المقاتلين الاسلاميين المتطرفين في سوريا. واكدت ان وزارة الخارجية الاميركية تعتقد ان واحدة من اقوى ميليشيات المعارضة السورية وهي جبهة النصرة، هي منظمة ارهابية لا يمكن تمييزها عن تنظيم القاعدة في العراق.

الى جانب ذلك أظهرت وثائق وبيانات تناقلتها مواقع إلكترونية على صلة بتنظيم القاعدة والحركات الموالية له لجوء المسلحين المتشددين إلى تبادل النصائح والخبرات حول الطرق الأمثل لتجنب التعرض لغارات الطائرات العاملة دون طيار، والتي أوقعت خسائر كبيرة بصفوفهم مؤخرا. وتورد الوثائق 22 نصيحة للمقاتلين الذين تتهددهم تلك الطائرات، بينها ضرورة اللجوء إلى الأماكن التي تنبت فيها الأشجار الكثيفة والبقاء في مناطق مظللة وتغطية السيارات والوقوف بعيدا عنها، إلى جانب عقد الاجتماعات داخل الأبنية وتجنب استخدام الهواتف الجوالة.

كما تورد الوثائق اقتراحات بينها استخدام أجهزة تشويش، وصولا إلى نصب دمى في الأماكن المكشوفة لخداع كاميرات الطائرات العاملة دون طيار. غير أن العقيد المتقاعد سيدريك ليتون، الذي شارك في السابق ببرامج تطوير تلك الطائرات، شكك في فعالية التكتيكات التي يشير المسلحون إليها، مضيفا: "قد تصلح لمن هم في بيئة صحراوية ويحاولون تجنب الغارات، ولكن هناك الكثير من الأمور التي تقيد هذه الإجراءات. فالطائرات العاملة دون طيار فعالة إلى درجة كبيرة." بحسب CNN.

أما بول كروكشنيك، محلل شؤون الإرهاب فأشار إلى أن عناية المسلحين بإعداد هذه النصائح تشير إلى مدى القلق الذي ينتابهم حيال فعالية تلك الغارات في اقتناص عدد كبير من العناصر القيادية في التنظيم خلال الفترة الماضية. ويبدو أن القلق حيال غارات تلك الطائرات ليس جديدا، إذ تُظهر وثيقة عُثر عليها في مخبأ الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، إلى أن الأخير نصح عناصره بأخذ احتياطاتهم لتجنبها، وأوصاهم بعدم ارتياد الطرقات إلا خلال الفترات التي تكون فيها السماء ملبدة بالغيوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/آذار/2013 - 9/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م