شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال العام 2012 ومطلع العام 2013 سلسلة من
المناورات العسكرية على أكثر من صعيد، ففي الأول من نيسان من العام
الماضي قامت الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيون (دول مجلس التعاون)
بأكبر مناورات عسكرية جوية فوق مضيق هرمز، ردت عليها إيران بمناورات
عسكرية ترتبط باختبار أنظمة الصواريخ في الثاني من تموز، ثم جاءت
المناورات البحرية التي شارك فيها أكثر من عشرين دولة إلى جانب
الولايات المتحدة ودول الخليج من 17 إلى 27 أيلول، والمناورات
الصاروخية الأمريكية – الإسرائيلية المسماة (التحدي القاسي 2012) في
نهاية تشرين الأول ومطلع تشرين الثاني لاختبار فاعلية وكفاءة نظام
القبة الحديدية الإسرائيلي.
من جهتها إيران سرعت وتيرة مناوراتها العسكرية مع نهاية السنة
الماضية ومطلع السنة الجديدة، فمن 28/ كانون الأول/2012 إلى 2/كانون
الثاني /2013 قامت البحرية الإيرانية بمناورات (ولاية 91) التي غطت
مساحة مليون كيلومتر مربع شملت مضيق هرمز وخليج عمان والأجزاء الشمالية
من المحيط الهندي لاختبار أنظمة الصواريخ، والكفاءة القتالية للسفن
والغواصات الإيرانية، وفي 23/شباط اختبرت القوات البرية في محافظة
كرمان جنوب شرق إيران تقنيات وتكتيكات الدفاع في الحرب غير المتكافئة
من خلال مناورات استمرت لثلاثة أيام غطت مساحة 600 كيلومتر مربع، تلتها
مناورات أخرى في غرب محافظة خوزستان على الحدود مع العراق لاختبار مدى
جاهزية وفاعلية القوات الإيرانية لحرب افتراضية، وستجري مناورات عسكرية
أخرى خلال الأسابيع القادمة بحسب تصريحات كبار قادة الجيش الإيراني.
كما أنها تقدمت مؤخرا خطوة إلى الأمام في برنامجها النووي، عندما قامت
بتركيب أجهزة الطرد المركزي من نوع IR-2M وهي أجهزة ستمكنها من إنتاج
يورانيوم عالي التخصيب كافي لإنتاج سلاح نووي في غضون أسبوع بحسب نوا
بيك الخبير في الشؤون الإيرانية.
المنطقة تستعد للحرب
إن وجود هذه المناورات والمناورات المضادة، يدل دلالة أكيدة على أن
منطقة الشرق الأوسط ذاهبة إلى حرب شاملة أو محدودة قد تندلع شرارتها
بسبب تطورات الملف النووي الإيراني، سواء بدأتها إسرائيل أو الولايات
المتحدة وحلفائها أو إيران في ابعد الاحتمالات، وما يؤكد هذا الكلام هو
تحركات الدول النفطية في المنطقة التي يساورها القلق من غلق مضيق هرمز،
وهو الممر البحري الدولي المهم الذي تمر عبره خمس إمدادات العالم من
النفط الخام، إذ بدأت هذه الدول تبحث عن منافذ بديلة للمضيق، فالإمارات
العربية المتحدة شرعت منذ مدة بإيجاد منافذ بديلة لنفطها عبر خليج عمان،
والعراق بحث إمكانية مد أنبوب للنفط عبر الأردن إلى ميناء العقبة على
البحر الأحمر، في وقت يبدو أن مساعيه لمد أنبوب آخر عبر سوريا إلى
ميناء طرطوس على البحر المتوسط تواجه خيبة أمل في الوقت الحاضر، ولعل
الدولة التي ستتعرض لأكبر المخاطر عند غلق المضيق هي الكويت التي لا
تبدو تحركاتها لإيجاد منافذ بديلة واضحة في الوقت الحاضر، علما أنها
ستكون الدولة التي ستواجه النصيب الأكبر من الضرر في حال تورطها في
الحرب القادمة، أما السعودية وعمان، فيبدو أنهما تشعران بأمان نسبي
لامتلاكهما خطوط نقل بعيدة عن مضيق هرمز.
الغرب يستعد للحرب
أن هذه المؤشرات التي تبرز في المنطقة، وتصب في فرضية الاستعداد
للحرب، تدعمها تلك المؤشرات التي تأتي من خطابات وكتابات المسئولين
والباحثين الغربيين، فقد ذكر الكاتب والمفكر الأمريكي (غور فيدال): إن
"..صحافتنا(الأمريكية) مشغولة الآن في تحضيرنا للحرب على إيران ".
وتذهب التحليلات في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية وإسرائيل إلى أن
عام 2013 يجب أن يكون عام الحسم بالنسبة للملف النووي الإيراني، فإما
أن يتوقف برنامج إيران النووي أو تواجه أسوء العواقب وهي شن الحرب
عليها كما أشار إلى ذلك باتريك كلاوسون مدير الأبحاث في معهد واشنطن
عندما قال:" فالوقت يقترب بسرعة عندما يتعين على القوى العظمى، أو على
الأقل الولايات المتحدة، وضع خيار واضح أمام قادة إيران: أما القبول
بعرض سخي لتسوية الأزمة النووية أو الاستعداد لتحمل العواقب "، أما
زميله مايكل سينغ فيعول على احتمالية قبول إيران بالعرض السخي والتخلي
عن برنامجها النووي من خلال إستراتيجية قائمة على زيادة العقوبات
الاقتصادية بحيث تترك تأثيرها الواضح على نظام الحكم، وممارسة الضغط
العسكري الجدي والواضح الذي لا يترك للقيادة الإيرانية إمكانية التفكير
باحتمالات خاطئة حول جدية استخدام خصومها للقوة عند الضرورة، ودعم
المعارضة الإيرانية وتعزيز المكانة الدولية للمنشقين عن النظام، وترك
باب المفاوضات مفتوحا لإيران مع مجموعة الخمسة زائد واحد. إلا أن هذه
الإستراتيجية لا تنفي وقوع الحرب، بل تحاول تلافيها في الوقت الذي تهدد
النظام بقوة من الداخل. إن موضوع الملف النووي الإيراني وصل إلى النقطة
الحرجة لاختبار المصداقية الدولية للمحور الأمريكي – الأوربي –
الإسرائيلي وحلفائه في تصفية هذا الملف نهائيا أو التوجه نحو السيناريو
السيئ المرتبط بحتمية تصفيته بالقوة.
على إيران أن تتخذ قرارها
يقتضي على القيادة الإيرانية أن تدرك أنها اقتربت من النهاية في
موضوع ملفها النووي، فسياسة كسب الوقت والنفس الطويل في التفاوض شارفت
على الانتهاء، وهذا الأمر تستشعره قيادتها السياسية والعسكرية في
صميمها، لذا أصبح واجبا عليها اتخاذ واحد من قرارين في هذا الموضوع، مع
الاستعداد لتحمل عواقب كل قرار.
قرار التسلح النووي
يمكن للقيادة الإيرانية اتخاذ قرار الإعلان للعالم عن نفسها كدولة
نووية من خلال تفجير قنبلتها الانشطارية الأولى، مستفيدة في اتخاذ هذا
القرار من تجارب الدول الأخرى، كألمانيا الهتلرية أثناء الحرب العالمية
الثانية، وعراق صدام حسين، وليبيا ألقذافي، وكوريا الشمالية. ففي حالة
الدول الثلاث الأولى أدى عدم امتلاك السلاح النووي إلى تشجيع خصومها
على الاندفاع نحو إسقاط أنظمة الحكم فيها بالقوة، أما بالنسبة لكوريا
الشمالية، فإنها عندما امتلكت الجرأة على اتخاذ قرار امتلاك السلاح
النووي، جعل ذلك خصومها يتعاملون معها بحذر كبير خوفا من الانزلاق إلى
حرب نووية لا تحتمل عواقبها. لكن على إيران أن تدرك أن الشرق الأوسط
يختلف كثيرا عن الجزيرة الكورية من حيث تقاطع المصالح الدولية، وهذه
الحقيقة هي التي جعلت فرنسيس فوكاياما يقول: " إن منع شرق أوسط مسلح
تسليحا كاملا بالسلاح النووي هو واحد من تلك المصالح الكونية العامة.."،
بل قبل التوجه نحو الحرب الوقائية لمنع دولة ما من امتلاك رأس نووي
بقوله:".. أن الحرب الوقائية تكون أسهل تبريرا كلما كان التهديد أقرب،
فبرنامج نووي على حافة التجربة أو على حافة تسليح الصاروخ بأداة نووية
هو برنامج مرشح لاتخاذ موقف للوقاية منه أكثر من برنامج ما يزال في
مراحل التخطيط ".
ولكن دخول إيران إلى النادي النووي لن يمر بسلام من قبل الغرب
وإسرائيل وجيرانها العرب، إلا إذا استطاعت القيادة الإيرانية التأكيد
لأعدائها بأن نتائج شن أي عدوان عليها ستكون وخيمة إلى درجة لا يمكن
احتمالها، إذا استطاعت إيران إقناع خصومها بقدرتها على التدمير الحتمي
والمؤكد، الذي لا يمكن النجاة منه لاسيما بالنسبة لإسرائيل عدوتها
اللدود، فان توازن الرعب سوف يقود إلى الاستقرار الحذر وربما تقبل
إيران كشريك فاعل وقوي في الشرق الأوسط، والقبول بالدور الجديد لإيران
في المنطقة سيقتضي منها ترصين وحماية جبهتها الداخلية المرتبطة بعلاقة
نظام الحكم بشعبه من جهة، والعلاقة المتبادلة بين أركان النظام من جهة
أخرى، فضلا عن تطمين جيرانها العرب الهلعين بحسن نواياها تجاههم، ومن
المؤكد أن ذلك سوف يفتح الباب لسباق تسلح نووي شديد في الشرق الأوسط،
لن تعرف نتائجه القريبة والبعيدة.
ما عدا ذلك، يجب أن لا تعول إيران على قدرتها في إلحاق الأذى
بجيرانها وأعدائها من خلال غلق مضيق هرمز، أو تحريك الجماعات المتحالفة
معها لإحداث بلابل في دول الخليج وغيرها من الدول غير الصديقة، أو
الاستفادة من الصداقات التي تربطها ببعض الدول الكبرى.
إن مثل هذا الاعتقاد ينطوي على سوء تقدير، قد تكون نتائجه عكسية،
لأن اضطراب الاقتصاد العالمي وانهيار الأسواق العالمية بسبب انقطاع
إمدادات النفط الخليجية، وإثارة البلابل والاضطرابات الداخلية في الدول
غير الصديقة قد يدفع إلى زيادة معسكر أعدائها لإنهاء الوضع بسرعة
وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، ولتعلم القيادة الإيرانية أنه يجب
عليها عدم الاعتماد على سياسة النفس الطويل في الحرب لقلب الموازين
لصالحها مستفيدة من تجربتها التفاوضية، فحروب اليوم ميزتها أنها خاطفة
وسريعة، وهدف أعداء إيران من أي حرب محتملة معها لن يكون احتلالها، بل
تحطيمها وإرجاعها إلى الوراء كثيرا، لتدمير قدراتها العسكرية وبناها
التحتية لخلق البيئة الداخلية العدائية الممهدة لإسقاط نظام الحكم.
قرار القبول بالصفقة السخية وفقا لشروط
مجموعة الخمسة زائد واحد
ربما تصل القيادة الإيرانية إلى قناعة بأنها غير قادرة على اتخاذ
قرار امتلاك السلاح النووي، كما لا يمكنها المضي في برنامجها النووي
بوتيرته الحالية على الرغم من إعلانها سلميته، لذا تقرر القبول بالصفقة
السخية الموعود بها في العواصم الغربية، والقبول بشروط مجموعة الخمسة
زائد واحد (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وروسيا، وفرنسا، والصين زائدا
ألمانيا)، لكن اتخاذ هذا القرار لن يمنع الحرب مع إيران مستقبلا بل قد
يؤجلها قليلا، لأن جوهر العداء لها ليس الخوف من امتلاكها السلاح
النووي فحسب، بل جوهر العداء يكمن أيضا في طبيعة نظام الحكم الإيراني
من حيث راديكاليته، وطموحاته، وقيمه، ومنظومة تحالفاته وعلاقاته
الإقليمية والدولية، فتخلي إيران عن برنامجها النووي العسكري، مع بقاء
نظام الحكم على ما هو عليه الان، لن يخفف الصراع ويزيل أسباب التأزم،
بل على العكس قد يشجع أعداء النظام في الداخل والخارج على مزيد من
الجرأة للوقوف بوجهه، وبناء منظومة تحالفات مالية وإعلامية
واستخباراتية وعسكرية للقضاء عليه.
فالمطلوب من إيران عند اتخاذ مثل هذا القرار أن تتجه إلى الانكفاء
الايديلوجي والسياسي على الذات الوطنية، وتتخلى عن مشاريعها في بسط
النفوذ والهيمنة الخارجية، وتعيد بناء شبكة علاقاتها الدولية، ومحاور
تحالفاتها الإقليمية، مستفيدة من التجربة اليابانية بعد الحرب العالمية
الثانية، لبناء اقتصاد وطني قوي يكون الأساس في الربط والتكامل مع بقية
العالم، فتترك مناطق التأزم والتهديد الإقليمي تحل مشاكلها بنفسها
بعيدا عن التأثير على أي من أطرافها، وان تقنع الجميع بأنها دولة قادرة
على التعامل مع الجميع لمصلحة الجميع. في هذه الحالة فقط سوف تمنع
القيادة الإيرانية وقوع الحرب عليها وستقف متفرجة على صراعات الآخرين
التي ستشتعل قريبا منها لا محالة بحكم الواقع المتأزم في المنطقة.
إن أي قرار تتخذه القيادة في إيران خلال هذه المرحلة سيحكم على مدى
تعقلها، ورشدها، وفاعليتها، ومستقبل نظامها السياسي، ومستقبل شعبها،
ولن تخلو ظروف اتخاذ هذا القرار من المفاجئات التي تجعل الأمور تسير
بخلاف ما يتوقعه المحللون والمتابعون لمجريات الأحداث في الشرق الأوسط.
* مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات
الإستراتيجية
www.fcdrs.com
khalidchyad@yahoo.com |