البابا الجديد... إنقاذ الكنيسة المتهاوية والخروج من مستنقع الفضائح

 

شبكة النبأ: فرانسيس الأول اسم جديد ومفاجأة كبيرة وغير متوقعة في زعامة الكنيسة الكاثوليكية، فبعد اقتراع صعب وطويل انتخب الكرادلة ولأول مرة بابا من خارج القارة الأوروبية ليكونافي هذا المنصب الرفيع.

حيث اختير الأرجنتيني خورخي برغوليو 76 عاما والذي اختار اسم فرانسيس الأولاوالذي اعتبر من المرشحين الأقل حظا لتولي كرسي البابوية، خلفا لبنديكت السادس عشر الذي استقال من منصبة بشكل المفاجئ ، وهو أول يسوعي وأول بابا من الأمريكيتين على رأس الفاتيكان. وبحسب بعض المراقبين فأن البابا الجديد سيواجه الكثير من المشاكل والتحديات في إدارة شؤون الكنيسة المسيحية المتهاوية بسبب الفضائح والاتهامات غير الأخلاقية التي يقوم بها رجال الدين او أتباع الكنيسة.

يضاف الى ذلك باقي ذلك الخلافات المستمرة والغير معلنة التي تدور في أروقة الكنيسة. وفيا هذا الشأن حث البابا فرانسيس قادة الكنيسة الكاثوليكية التي تمزقها الفضائح والازمات على عدم الاستسلام للإحباط أو المرارة أو التشاؤم وإلى التركيز على مهامهم. ومنذ انتخابه كأول بابا من خارج اوروبا منذ حوالي 1300 عام اظهر البابا فرانسيس اختلافا كبيرا عن اسلوب سلفه البابا بنديكت ووضع مسارا أخلاقيا واضحا للكنيسة التي يزعم انه ينتمي إليها 1.2 مليار شخص والتي تحيط بها الفضائح والمكائد والنزاعات الداخلية.

وقال أمام الكرادلة الذين اختاروه "دعونا لا نستسلم ابدا للتشاؤم ولا لتلك المرارة التي يضعها الشيطان امامنا كل يوم. دعونا لا نستسلم لليأس أو الإحباط." ونفى الفاتيكان بشدة اتهامات وجهها بعض المنتقدين للبابا فرانسيس في الارجنتين بأنه ظل صامتا على الانتهاكات المنهجية لحقوق الانسان التي ارتكبتها الدكتاتورية العسكرية السابقة هناك. وقال المتحدث الاب فديريكو لومباردي ان هذه الاتهامات "يجب نفيها بوضوح وحزم."

ويقول منتقدو خورخي ماريو بيرجوليو اسقف بوينس ايرس السابق الذي اختار اسم فرانسيس اسما بابويا له انه فشل في حماية قساوسة تصدوا للدكتاتورية اثناء "الحرب القذرة" التي دارت بين عامي 1976 و1983 وانه سكت على تواطؤ الكنيسة خلال الحكم العسكري. ووضع البابا فرانسيس نهجا اخلاقيا واضحا وقويا في ايام بابويته الاولى قائلا للكرادلة ان عليهم ان يلتزموا بجذور العقيدة ويرفضوا مغريات العصر والا تحولت الكنيسة إلى مجرد جماعة خيرية كغيرها دون ان تكون لها مهمة مقدسة.

وابدى البابا فرانسيس مؤشرات واضحة بالفعل على انه سيضفي لمسة جديدة على البابوية مفضلا التواضع والبساطة على مظاهر الأبهة والعظمة. وتحدث البابا فرانسيس للكرادلة بالايطالية من خطبة مكتوبة لكنه اضاف إليها عبارات مرتجلة فيما اصبح مظهرا واضحا للفارق الكبير في الاسلوب بينه وبين سلفه الاكثر رسمية وصرامة.

ودعا البابا فرانسيس الكرادلة بوصف "الاخوة الكرادلة" بدلا من "كرادلة الرب" كما كان يدعوهم البابا بنديكت. وقال لومباردي ان البابا فرانسيس ما زال يتناول وجباته مع الاساقفة في مقر الاقامة في الفاتيكان حيث اقام الكرادلة خلال اجتماعهم الذي انتخبوه فيه. وقال "انه يجلس إلى اي طاولة بها مكان خال بقدر كبير من التبسط." ومن الاختلافات الواضحة بينه وبين البابا بنديكت طبيعته المنطلقة وحس الدعابة الذي يتمتع به.

واهتزت معنويات الكاثوليك بسبب فضيحة انتهاكات جنسية واسعة لاطفال والصراعات الداخلية في الكنيسة التي يعتقد كثيرون انها تحتاج إلى اصلاح جذري. ويعتقد ان البابا فرانسيس يتمتع بمهارات اجتماعية افضل من تلك التي كانت لدى البابا السابق. فبينما ألقى البابا بنديكت عظته الاولى باللاتينية متحدثا عن رؤيته العامة للكنيسة استخدم البابا فرانسيس لهجة اسقف الابرشية مركزا على ضرورة الالتزام بالعقيدة.

واوضح البابا الجديد على الفور نواياه للباباوية عندما تبنى اسم القديس فرانسيس الذي تحلى عن حياة الترف في القرن الثاني عشر مفضلا حياة الزهد. ودعا البابا فرانسيس الارجنتينيين إلى عدم القيام برحلة باهظة التكلفة إلى روما لحضور حفل تنصيبه وحثهم على اعطاء المال للفقراء بدلا من ذلك.

في السياق ذاته عقد مدير دار الصحافة الفاتيكانية الأب فدريكو لومباردي مؤتمراً صحفيا في الفاتيكان، نفى فيه علاقة البابا فرانسيس، بقضية اختفاء كاهنين في الأرجنتين. كما تطرق لومباردي إلى عدد من النقاط التي مثل فيها إلى الأسلوب البسيط الذي يتبع البابا الجديد في التعامل إنسانياً مع زملائه الكرادلة، ومع الرعية خلال الأيام الأولى لتوليه منصب البابوية.

وأشار الأب فدريكو لومباردي إلى أن "الكاردينال برغوليو سبق أن تعرض لحملة شُنت ضده منذ بضع سنوات عندما كان رئيس أساقفة على بوينوس أيريس وقبل تعيينه في هذا المنصب." وأضاف لومباردي بأن هذه الاتهامات تمثل "حملة تشنها ضده جهات معادية للكنيسة اتهمته بأنه لم يقدم الحماية لكاهنين اختُطفا في الأرجنتين عندما كان المسؤول الإقليمي عن الرهبنة اليسوعية في البلاد"، وأنه المتولي لمنصب البابا الحالي استدعي للشهادة في المحكمة، وأنه "بذل جهوداً حثيثة للدفاع عن العديد من الأشخاص في ظل الدكتاتورية العسكرية"، بحسب موقع راديو الفاتيكان الذي نقل المؤتمر الصحفي.

الى جانب ذلك مد البابا الجديد فرانسيس الأول يده إلى الجالية اليهودية في روما قائلا إنه يأمل في أن يستطيع الإسهام في دعم العلاقات الطيبة بين الكاثوليك واليهود. وبعث البابا رسالة إلى ريكاردو دي سيجني كبير الحاخامين في روما يدعوه لحضور قداس تنصيبه. ونقلت إذاعة الفاتيكان عن البابا قوله في بيان "آمل بقوة أن أستطيع الإسهام في التقدم الذي تشهده العلاقات بين اليهود والكاثوليك منذ مجمع الفاتيكان الثاني." وعبر فرانسيس عن أمله في أن يستطيع الإسهام "بروح التعاون المتجدد."

وتحسنت العلاقات بين الكاثوليك واليهود إلى حد كبير بعد مجمع الفاتيكان الثاني بين عامي 1962 و1965 والذي أصدر بيانا تاريخيا يرفض فيه فكرة الذنب الجماعي لليهود في قتل المسيح وحث على الحوار مع جميع الأديان. وكان البابا السابق بنديكت السادس عشر وسلفه يوحنا بولس الثاني قد زارا المعبد اليهودي الرئيسي في روما. والجالية اليهودية في روما هي أقدم جاليات يهود الشتات وتلعب دورا محوريا في العلاقات بين الكاثوليك واليهود في انحاء العالم.

ورحبت منظمات يهودية عالمية بانتخاب فرانسيس الذي أقام علاقات طيبة مع الجالية اليهودية في الأرجنتين عندما كان رئيسا لأساقفة بوينس آيرس. وقال ابراهام فوكسمان رئيس رابطة مناهضة تشويه السمعة في الولايات المتحدة عن البابا الجديد "سجله زاخر بما يبعث الطمأنينة في نفوسنا بشأن المستقبل." وفي 2010 أصدر فرانسيس كتابا حول الحوار بين الأديان بالتعاون مع الحاخام الأرجنيتيني ابراهام سكوركا. وقالت الحاخامية الكبرى في إسرائيل إن "العلاقات الطيبة" التي تمتع بها فرانسيس في الماضي "مع الشعب اليهودي معروفة جيدا" معبرة عن ثقتها في مزيد من التطور لهذه العلاقات اثناء رئاسته للكنيسة الكاثوليكية.

استمرار مسلسل التحرشات

من جانب اخر وفيما يخص فضائح الكنيسة فقد اعترف كاردينال اسكتلندي بإقدامه على سلوكيات جنسية وصفها بأنها "غير أخلاقية" مع أشخاص كانوا إبان ذلك الوقت يتلقون دروسا تحضيرا لرسمهم قساوسة وقدم اعتذارا رسميا لكل الذين أساء إليهم. وقال المطران والكاردينال كيث أوبراين في بيانا رسمي : "أريد أن أعترف بأنه كانت هناك أوقات صعبة في حياتي ولم يكن سلوكي الجنسي مناسبا بالنسبة لي" في إشارة إلى موقعه الديني.

وكان كيث اوبراين، وحتى أيام قليلة مضت، مطرانت لكنيسة سانت اندروز في أدينبره، وقد طاردته ادعاءات بأنه أقدم على القيام بممارسات جنسية على أربعة أشخاص كانوا يتعلمون ليصبحوا قساوسة عام 1980. وقال اوبراين إنه خلال الأيام الأخيرة باتت جميع الادعاءات الموجهة ضده "معروفة للعامة" مضيفا أنه كان قد أنكرها في السابق لأنها جاءت "ذات طبيعة مجهولة وغير محددة." واعتذر أوبراين - 74 عاما - أيضا من الكنيسة الكاثوليكية وجميع سكان اسكتلندا، دون أن يوضح بالتحديد إلى أي سلوك كان يشير.

وقال المكتب الصحفي الكاثوليكي أن أوبراين طلب من البابا بيندكتوس السادس عشر في نوفمبر/تشرين الثاني بأنه ينوي الاستقالة في عيد ميلاده، ولكن البابا طلب منه الاستقالة فورا تزامنا مع استقالته من الكرسي البابوي. وبحسب السيرة الذاتية لأوبراين فقد طلب التنحي عن منصبه عند بلوغه الخامسة والسبعين من العمر لأسباب صحية، علما أن صحيفة "الأوبزيرفر" البريطانية كانت قد كشفت القضية بعد أن تقدم أربعة، بينهم ثلاثة قساوسة وقس سابق، باتهامه بالإساءة الجنسية لهم داخل الكنيسة منذ 30 عاما، دون أن تقدم المزيد من التفاصيل حول هويتهم.

ورد المكتب الإعلامي الكاثوليكي في اسكتلندا آنذاك عبر بيان أظهر فيه اعتراض أوبراين وتأكيده نيته طلب استشارة قانونية، قبل أن يعود المكتب نفسه لنشر خبر اعترافه. وقد ولد أوبراين في أيرلندا الشمالية، وثم ذهب إلى اسكتلندا وهو صغير، تخرج من جامعة أدنبره، وبعد ست سنوات أصبح قسيسا في سن 29 عاما. بعد ذلك احتل عدة مواقع فقد أصبح مدرسا لمادتي الرياضيات والعلوم بالإضافة إلى توليه وظيفة مصلح اجتماعي وروحي، وعين رئيس الأساقفة في عام 1985 وأصبح كاردينالا بعد 18 عاما.

من جهة اخرى تعتزم أبرشية لوس أنجليس دفع مبلغ يقدر بحوالي 10 ملايين دولار لتسوية 4 قضايا تحرش جنسي متهم فيها قس سابق يدعى مايكل بيكر. ونشرت تقارير تفيد بأن الكاردينال روجر ماهوني أسقف الأبرشية كان على "علم بالتحرشات الجنسية التي قام بها العديد من القساوسة في الأبرشية ومنهم القس بيكر الذي أرسل لتلقي علاجاً نفسياً في عام 1986 ثم عاد الى أبرشيته ليعاود التحرش الجنسي بالصبية هناك".

واشارت التقارير الى الأبرشية "ستدفع مبلغ 9.9 مليون دولار امريكي لأربعة من ضحاياه الذين اتهموه بالاعتداء الجنسي عليهم". وتبين من ملفات الكنيسة التي نشرت بناء على طلب المحكمة أن بيكر "اعترف لماهوني بأنه اعتدى على اثنين من الصبية عام 1986". ويتزامن نشر هذه التقارير مع مشاركة ماهوني في مجمع الكرادلة في الفاتيكان لإختيار البابااوهذا الأمر يمثل مزيداً من الإحراج لأبرشية لوس أنجيلس وخاصة الى الكاردينال ماهوني شخصياً".

وقال المحامي عن الكنيسة مايكل هنيجان: "نتحمل المسؤولية عن (تصرفات) مايكل بيكر أيا كان فعله ولكل من فعل معه". يذكر أن بيكر أدين بالاعتداء الجنسي على الاطفال في عام 2007- في نفس السنة الذي دفعت فيه أبرشية لوس أنجليس ملايين الدولارات لحسم دعاوى بالتحرش من جانب قساوسة بما في ذلك 660 مليون دولار في صفقة تعويضات مع المئات من ضحايا الإعتداء الجنسي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/آذار/2013 - 8/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م