زيارة أوباما الى إسرائيل ومحاولات تغيير المسار

 

شبكة النبأ: لاتزال الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما الى منطقة الشرق الأوسط وخصوصا الى إسرائيل، محط اهتمام وترقب لدى العديد من الدول ووسائل الإعلام العالمية، التي انشغلت بطرح بعض التحليلات المهمة عن أبعاد تلك الزيارة وأهدافها، وبحسب بعض المراقبين فأن هذه الزيارة وفي هذا الوقت بذات خصوصا وان المنطقة تشهد الكثير من الاضطرابات والصراعات، هي رسالة تحمل العديد من النقاط، أهمها ان الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر السياسية التي تحدث في بعض الأوقات لاتزال الحليف الأول لإسرائيل.

 وسيسعى أوباما خلال هذه الزيارة الى طمأنة الرأى العام الإسرائيلي والأمريكى بأنه لن يسمح بالمساس بأمن إسرائيل، كما انه سيعمل على حث إسرائيل لتغير بعض سياساتها الخاصة وعدم التسرع فى اتخاذ بعض القرارات المصيرية التي تشمل أحداث الربيع العربي وثورات التغير وملف إيران النووي وتعثر جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

وبعد نحو أربع سنوات من علاقات كثيرا ما شابها التوتر مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بينامين نتنياهو يسعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أن يسلك مسارا مختلفا فيتخطى نتنياهو ويتودد إلى الشعب الاسرائيلي مباشرة. وفي حين أن أول زيارة رسمية يقوم بها أوباما لاسرائيل ستشمل بالقطع اجتماعات مع نتنياهو فإنها ستركز بشدة على إعادة ضبط علاقته مع الرأي العام الاسرائيلي فيما يسعى إلى طمأنته حيال التزامه بأمنه ومصالحه.

وجميع الدلائل تشير إلى أن أوباما يأمل في أن تعزز هذه الاستراتيجية موقفه خلال محادثاته مع رئيس الوزراء اليميني الذي أضرت انتخابات عامة جرت في يناير كانون الثاني بوضعه السياسي إذ حقق فيها تيار الوسط مكاسب مفاجئة. ويأمل اوباما في أن يتمكن من اقناع نتنياهو بانتهاج حل سلمي مع ايران ومعالجة الجمود في محادثات السلام مع الفلسطينيين.

ويواجه أوباما تحديا يتمثل في التغلب على الشكوك الاسرائيلية التي ترجع إلى أيامه الأولى في منصبه حينما مارس ضغوطا على نتنياهو لتجميد التوسع الاستيطاني وبدأ مفاتحة لم تدم طويلا مع طهران عدو اسرائيل اللدود.

ويري بعض الخبراء في سياسات الشرق الأوسط أن أوباما قد يتمكن من الاستفادة من الزيارة في بناء الثقة بين الرأي العام في اسرائيل وهي أول دولة يزورها في فترته الرئاسية الثانية. وتأتي زيارته في وقت تبدو فيه المخاوف الاستراتيجية الأمريكية والاسرائيلية متقاربة أكثر من أي وقت منذ سنوات إذ يمر الخلاف بين الغرب وايران بشأنها برنامجها النووي بمرحلة حرجة ويشكل الصراع الدائر في سوريا تهديدا للاستقرار الاقليمي.

وذكر دينيس روس مستشار أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط "ما من بديل لهذه الزيارة...إنها فرصة ليتواصل مع العقلية الاسرائيلية." لكن الفشل في تحقيق ذلك احتمال وارد أيضا. ويتطلع كثير من الاسرائيليين لأوباما ليظهر لهم عزمه على فعل ما يلزم بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لمنع ايران من امتلاك قنبلة نووية. وتنفي ايران أن لديها مطامح من هذا النوع.

لكن لا يبدو أن الرئيس الأمريكي سيذهب لأبعد من ذلك بالرغم من دعوات نتنياهو المتكررة لان تعلن الولايات المتحدة عن "خط أحمر" أكثر صرامة في تعاملها مع طهران. وكشف مشاركون في اجتماع بين أوباما وقيادات يهودية أمريكية عن أن أوباما الذي يؤكد أنه لا يراوغ في مسألة التحرك العسكري ضد ايران إذا ما أخفقت كافة الحلول الأخرى وأبلغ الزعماء اليهود في أحاديث خاصة أنه لا يري جدوى من المبالغة في استعراض القوة.

وذكر مصدر قريب من الإدارة الأمريكية أن البيت الأبيض يعتقد أن الاسرائيليين لم يصلوا إلى توافق بعد بشأن أسلوب مواجهة ايران وانه يجب أن تتوقف تهديدات نتنياهو بشن هجوم على المواقع النووية الايرانية ولو في الوقت الحالي على الأقل. وأضاف المصدر أن أوباما سيطلب من نتنياهو التحلي بالصبر ليرى نتائج العقوبات الدولية والجهود الدبلوماسية مع ايران. لكن المسؤولين الأمريكيين يأملون أيضا في أن يؤدي تأكيد أوباما على الالتزام بأمن اسرائيل إلى زيادة ضغوط الرأي العام على نتنياهو لتجنب تصعيد الموقف بينما تتفاوض القوى العالمية مع طهران.

وأصبحت ايران المحور الرئيسي للخلاف بين أوباما ونتنياهو والذي يصفه ارون ديفيد ميلر المستشار السابق في مفاوضات الشرق الأوسط بأنه الخلاف المسبب "لأكبر خلل وظيفي" بين رئيس أمريكي ورئيس وزراء اسرائيلي. ويعتقد ميلر أن تحسن العلاقات لا يزال ممكنا خاصة إذا بعث أوباما بالاشارات الصحيحة خلال الزيارة. وقال "يجب أن يقول لهم: أدرك أن هذه جيرة صعبة وأن لديكم تجارب مريرة. لا أستهين بمخاوفكم." وأضاف "الادارة الحالية لم ترسل بهذه الرسائل على النحو الملائم."

ولا يزال قرار نتنياهو بتجاهل اسرائيل عام 2009 حينما توجه إلى القاهرة حيث عرض "بداية جديدة" مع العالم الاسلامي يترك غصة في حلق الكثير من الاسرائيليين الذين يتساءلون ما الذي أخر زيارته إلى الآن. وكان جورج بوش سلف أوباما قد انتظر أيضا حتى ولايته الثانية لكي يزور اسرائيل. وفي حديث إلى الإذاعة الإسرائيلية قال ايتاي بار الطالب في جامعة بن جوريون حيث تم توزيع تذاكر لحضور خطبة يلقيها أوباما في القدس "يجب عليه (أوباما) أن يخاطب مشاعر الناس لأن هناك عدم ثقة تشوب علاقاتنا مع الولايات المتحدة." وفي مقابلة مع القناة الثانية للتلفزيون الاسرائيلي أذيعت في وقت سابق قال أوباما "سنسعى لاغتنام أكبر قدر من الفرص للتفاعل مباشرة مع الشعب الاسرائيلي."

ومن المتوقع ان يكون الحدث الأبرز في هذه الزيارة سيتمثل كلمة يلقيها أوباما على طلبة جامعيين ويبثها التلفزيون ويتردد أنها ستكون في قاعة الاجتماعات بالقدس وقال عنها مساعد لأوباما أنها تتيح فرصة للرئيس "للتحدث إلى الشعب الاسرائيلي." والرئيس الأمريكي لن يحاول إبعاد نتنياهو عن الصورة.. فكلا الزعيمين يستهلان فترة ثانية في الحكم وربما يكونان قد أدركا أنه لا محيص من التعاون وأن هذه بمثابة فرصة لفتح صفحة جديدة.

وكان لقرار أوباما عدم الخوض في أي مبادرة جديدة للسلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين دور في منع هذه القضية الشائكة من الهيمنة على جدول أعمال زيارته في وقت تتقلص فيه فرص نجاح المفاوضات ويزداد فيه تركيز الاسرائيليين على ما يرى كثيرون منهم أنه تهديد وشيك لوجودهم من جانب ايران. ولا يزال بعض الاسرائيليين يترقبون بتحد إن كان أوباما سيطلب منهم علنا اتخاذ "خطوات صعبة" من أجل السلام منفذا كلمات قالها للقيادات اليهودية الأمريكية.

ونتنياهو يسعى مثل أوباما إلى انجاح جولة الرئيس الأمريكي التي ستتضمن أيضا زيارة سريعة للضفة الغربية المحتلة للقاء الزعماء الفلسطينيين قبل أن يصل إلى محطته الأخيرة في الأردن. ويتطلع أوباما إلى مواجهة خصومه الجمهوريين الذين اتهموه خلال حملته الانتخابية عام 2012 "بإلقاء اسرائيل تحت الحافلة". أما نتنياهو فيريد أن يظهر للاسرائيليين الذين يحبون أن يبدي زعماؤهم صلابة في مواجهة واشنطن والاحتفاظ بصداقتها في نفس الوقت انه لايزال بمقدوره التعاون مع أكبر حليف لاسرائيل.

ولم يخف نتنياهو سرا أنه كان يفضل المرشح الجمهوري ميت رومني قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية العام الماضي ويتساءل بعض الإسرائيليين إن كان أوباما سيبدي استعدادا لعلاج الجراح. لكن نتنياهو لم يكن وحده. فقد أظهر استطلاع للرأي في أكتوبر تشرين الأول أن الإسرائيليين يفضلون رومني بنسبة 57 في المئة إلى 22 في المئة يفضلون أوباما. ومع هذا يعتبر كثير من الإسرائيليين أوباما حليفا قويا وبخاصة بعد أن دعمتهم واشنطن في الحرب مع حماس وبعد أن عارضت بقوة محاولات الفلسطينيين لرفع وضعهم في الأمم المتحدة.

على صعيد متصل التقى الرئيس الاميركي باراك اوباما ممثلي الجالية العربية الاميركية في البيت الابيض مع اقتراب موعد جولته في اسرائيل والاراضي الفلسطينية والاردن، وفق ما افاد مسؤول اميركي. وقال هذا المسؤول "شدد الرئيس على ان هذه الجولة لا تستهدف حل مشكلة سياسية محددة، بل (هي) مناسبة للتشاور مع المسؤولين الاردنيين والاسرائيليين و(مسؤولي) السلطة الفلسطينية حول مجموعة من الملفات".

واضاف المصدر نفسه ان اوباما "اوضح ان هذه الجولة تشكل فرصة بالنسبة اليه لاثبات ان الولايات المتحدة معنية بالفلسطينيين، في الضفة الغربية وغزة، وانها شريك السلطة الفلسطينية فيما تواصل بناء مؤسسات ضرورية ل(قيام) دولة فلسطينية مستقلة بالفعل". كذلك، ابلغ الرئيس ممثلي الجالية العربية الاميركية ان هذه الزيارة ستتيح له "التذكير بالتزام الولايات المتحدة بامن اسرائيل والتحدث مباشرة الى الاسرائيليين عن التاريخ والمصالح والقيم التي نتقاسمها".

واعتبر اربع من المجموعات التي دعاها البيت الابيض في بيان مشترك ان "الولايات المتحدة، عبر التزام دائم ومتوازن وبناء، يمكنها تسهيل حل سلمي للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني، وهو امر لا بد منه من اجل امن بعيد المدى في الشرق الاوسط". وياتي هذا الاجتماع الذي لم يكن مدرجا على جدول الاعمال الرسمي لاوباما، بعد اربعة ايام من لقاء مماثل عقده مع مسؤولين في الجالية اليهودية الاميركية. وخلال لقائه ممثلي الجالية المذكورة، اكد اوباما انه لن يطلق مبادرة سلام في الشرق الاوسط خلال زيارته الاولى للمنطقة كرئيس. في المقابل، افاد مصدر فلسطيني الاثنين ان الرئيس الاميركي باراك اوباما سيزور كنيسة المهد في بيت لحم بالضفة الغربية خلال زيارته المقبلة للمنطقة. وقال المصدر ان السلطة الفلسطينية ابلغت رسميا من الجانب الاميركي ان الرئيس اوباما سيتوجه الى بيت لحم في الاراضي الفلسطينية لزيارة كنيسة المهد.

الى جانب ذلك قرر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تأجيل نشر طلبات العروض لبناء وحدات استيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وذلك حتى نهاية زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما وبحسب صحيفة معاريف، قال نتانياهو للمسؤولين المعنيين ان هذا "التعليق" ليس تجميدا للبناء في المستوطنات وان الهدف منه فقط "عدم احراج" القادة السياسيين اثناء زيارة اوباما. وفي آذار/مارس 2010 اثار اعلان اسرائيل عن مشروع بناء وحدات استيطانية جديدة في حي استيطاني بالقدس الشرقية، اثناء زيارة جو بايدن نائب الرئيس الاميركي، ازمة حادة بين الولايات المتحدة واسرائيل.

وقالت الصحيفة "بناء على التعليمات التي اصدرها مكتب رئيس الوزراء للمسؤولين المعنيين في وزارتي الدفاع والاسكان، لن ينشر اي طلب عروض جديد في هذه المناطق (القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلين) في الاسابيع القادمة". واضافت "كما ان المشاريع التي حدد جدولها الزمني لن تنفذ، وتم ايضا تاجيل كافة الاجراءات الادارية التي تشمل طلبات عروض عامة".

ويشكل الاستيطان احد اهم نقاط الخلاف في مفاوضات السلام المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين والمتوقفة منذ ايلول/سبتمبر 2010. ويطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستئناف المفاوضات، بوقف الاستيطان واعتراف اسرائيل بحدود ما قبل حرب 1967 كاساس للمفاوضات. ويرفض نتانياهو هذه المطالب ويريد مفاوضات "بدون شروط مسبقة". ولا يعترف المجتمع الدولي بضم اسرائيل القدس الشرقية في 1967 التي يريد الفلسطينيون جعلها عاصمة دولتهم المستقبلية كما يعتبر كافة المستوطنات الاسرائيلية غير مشروعة.

في السياق ذاته اجرى وزير الدفاع الاميركي الجديد تشاك هيغل محادثات مع نظيره الاسرائيلي ايهود باراك تعهد خلالها بضمان ان لا يؤثر خفض ميزانية الدفاع الاميركية على تمويل المساعدة العسكرية للدولة العبرية، بحسب مسؤولين. واختار هيغل ان يكون باراك اول وزير دفاع لدولة اجنبية يلتقيه، وذلك على ما يبدو في محاولة لطمأنة اسرائيل ومناصريها في واشنطن بشان مواقفه تجاه الدولة العبرية، وعلى الاخص تصريحات قديمة له حول نفوذ "اللوبي اليهودي" في واشنطن.

والتقى هيغل باراك على مدى ساعتين، من بينها ساعة كاملة في لقاء ثنائي، بحسب المسؤولين. وفي النصف الاول من اللقاء، انضم اليهما قائد القوات الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي والسفير الاسرائيلي في الولايات المتحدة مايكل اورين. وسعى هيغل الى طمأنة باراك على انه سيعمل على ضمان عدم تاثير تمويل واشنطن لبرامج الصواريخ الدفاعية لاسرائيل. واكد هيغل "التزامه الثابت تجاه امن اسرائيل" وذلك بحسب بيان البنتاغون الذي تلاه المتحدث باسمه جورج ليتل.

واضاف ان هذا الالتزام ينعكس "بالمحافظة على تقدمها العسكري النوعي ومواصلة الدعم الاميركي لانظمة الدفاع المضادة للقذائف والصواريخ (الاسرائيلية) على الرغم من مشاكل الميزانية". واكد مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية رفض الكشف عن اسمه ان هيغل اكد انه "سيعمل مع اعضاء الكونغرس للتأكد من عدم انقطاع تمويل" انظمة الدفاع الاسرائيلية "القبة الحديدية" و"السهم" و"مقلاع داود" التي تمولها واشنطن جزئيا، رغم اقتطاعات الميزانية التلقائية.

وتعرض هيغل، السناتور السابق عن ولاية نبراسكا والمحارب السابق في فيتنام، الى انتقادات شديدة من اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين خلال عملية المصادقة على تعيينه، حيث وصفه بعضهم بانه معاد لاسرائيل، كما ان اراءه تجاه ايران ساذجة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/آذار/2013 - 8/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م