الادب والصحافة صنوان لايفترقان ولايُعرف ايهما الاصل، ورغم ظهور
المؤسسات الاكاديمية المتخصصة في صناعة الاعلام والصحافة، فان اهل
الادب من شعراء وقصاصين ونقاد هم السواد الاعظم المهيمن على اغلب
المؤسسات الصحفية والاعلامية، ولعل الثقافة العالية والحس المرهف
والتمكن من ممارسة فن الكتابة بكل انسيابية هي الادوات التي مكنت هؤلاء
من السيطرة على مجريات الامور في هذا المجال، في بلدنا والمنطقة
العربية بل حتى البلدان المتقدمة اكاديميا.
المهم في الامر كيف نوظف العلاقة بين الادب والصحافة لخدمة بعضهما
البعض كي يكمل احدهما الاخر؟ قد تكون عملية مد الجسور بين اية مؤسسة
اعلامية واديب ما قائمة على الاحترام المتبادل في ضوء الثوابت المشتركة
التي تحكم العمل مع وجود افضلية في ممارسة الاديب لنشاطه بحرية بعيدا
عن الاحتكار الذاتي واستغلال العلاقات في فرض نوع معين من الادب على
الآخرين قائم على الذوق الشخصي وهنا الطامة الكبرى هي تجنيد بعض
الادوات لخدمة غايات ذوقية قد تختلف من شخص لاخر، ونجد ان الذي يميل
نحو فن ادبي معين يحاول ان يفرضه على القارئ برغم وجود فنون اخرى
لايمكن انكارها ويجب التعامل معها كحقيقة قائمة.
ربما يتذوق احدهم القصيدة العمودية ويجدها الاساس الاسلم في البنية
الشعرية مدفوعا برغبة شخصية يراد لها ان تعمم على الغير وعلى هذا
المنحى يحاول تجاهل الشعر الحر او قصيدة النثر. هذا النوع من الاحتكار
الادبي قد يجعل المؤسسة الصحفية تعيش عزلة او مقاطقة بعض الادباء من
المؤيدين لهذا الميل وهم عدد لايمكن الاستهانة به ويجب مراعاة نتاجهم
الادبي لان الواسطة الناقلة عليها ان تتجرد من الاراء الشخصية
الانطباعية التي تضع جنساً ادبياً ما في خانة مظلمة بناء على الاجتهاد
الشخصي.
الامر الآخر الذي يعزز العزلة الادبية عند بعض المؤسسات الاعلامية
القصور في فهم معنى مفردة الثقافة والادب والخلط بين الاثنين على
انهما كتلة غير متجزئة.فكل اخبار وزارة الثقافة ومؤسساتها نتاجات
ادبية صالحة للنشر في الصحفات المتخصصة لمجرد ورود كلمة (ثقافة) حتى ان
كانت من قبل دورة في الحاسوب تقيمها الوزارة اعلاه وهذا من الامور
المضحكة المبكية، ويأتي هذا الخلط بناء على عدم وجود ارضية سليمة
للقائمين على عمل هذه المؤسسات اذ هم ينطلقون من املاءات فوقية وليس
على تصورات القناعة التي تعزز مفهوم العزلة الثقافية وتوجهها في قوبلة
قاصرة لاتستطع ان تستوعب الشارع الادبي بل تدخل في خصومة معه لعدم
قناعة كلا الطرفين بالاخر.
وقد يكون هناك سبب اخر واهم مما طرح هو وجود فاصل او حاجز بين
المصدر والوسيلة الناقلة ولعل التركيز على الانترنيت هو من ابعد البعض
عن عملية مواكبة المشهد الادبي ونقله في ضوء رؤية خاصة حيث يتم توزيع
المادة على اكثر من مؤسسة اعلامية دون ان تكون لتلك المؤسسة لمسة خاصة
سوى عملية النقل الى القارئ كما وردت من المصدر ولعل هذا الامر زاد من
العزلة ووسع الهوة في عدم تفاعل الاديب مع الجهة الناقلة وهذه الاخيرة
انقسمت الى نوعين: الاول استقطب الاقلام وابداعاتها والنوع الثاني
عبارة عن ماكنات استنساخ تعيد ما يكتبه الاول.
|