الصحافة في الحقبة الرقمية... تخسر الحرب الاقتصادية

 

شبكة النبأ: بات الاعلام النظام العالمي الجديد في عصرنا الراهن، من خلال ما يقدمه من خدمات واسعة النطاق وعلى اكثر من صعيد سواء كان سياسيا او اقتصاديا او اجتماعيا، حتى صار اليوم ميدان عالمي في مجالات الحياة العامة كافة.

فقد تعرض بعض اهم الصحف الاميركية للبيع راهنا في مؤشر جديد على الصعوبات التي تواجهها الصحافة المكتوبة للتكيف مع الحقبة الرقمية، ولعل ابرز المؤسسات الاعلامية مجموعة نيويورك تايمز التي تملك عدة صحف وإذاعات ووسائل إعلام رقمية المنافس الابرز في الاعلام الامريكي.

بينما تعتزم المجموعة الانكليزية الكندية للمعلومات المالية والمهنية "تومسون رويترز" الغاء 2500 وظيفة في قسمها الرئيسي "مال ومخاطر" بحلول نهاية 2013، في حين كشفت مجموعة "تايم وارنر" الاعلامية الاميركية أنها تجري حاليا مناقشات لبيع الجزء الاكبر من مجلاتها، فيما  باتت الصحيفتان الاستراليتان الشهيرتان "ذي سيدني مورنينغ هيرالد" و"ذي إيدج" تصدران على شكل صحيفتين شعبيتين، في خطوة اخذتها مجموعة "فيرفاكس" المالكة لهما على أمل الحد من تراجع المبيعات وانخفاض العائدات الاعلامية، كما تعتزم نيوز كورب البدء بتطبيق سياسة استدانة والتمكن من الاقتراض من الاسواق ما سيتيح لها "تلبية حاجاتها من السيولة في مستقبل قريب.

حيث أصبح الإعلام في عصرنا الحالي اقوى سلاح اقتصادي وفكري ومعلوماتي في العالم، من خلال قيادته للمجتمعات وتقصير المسافات بينها على الأصعدة كافة، فله الدور الأكبر في تغطية الأحداث وصناعتها الى جانب كونه مورد اقتصاد هام، وبطبع ينتج عن هذه الوظائف انفة الذكر، تنافسا مستعرة بين وسائل الإعلام والمؤسسات الاقتصادية.

صحف كبيرة معروضة للبيع باسعار مخفضة

فمجموعة "نيويورك تايمز" تريد بيع صحيفة "بوسطن غلوب". ومجموعة "تريبيون" تسعى الى ايجاد من يشتري صحيفة "لوس انجليس تايمز و"شيكاغو تريبيون" و"بالتيمور صن". وقد انتقلت صحف اخرى الى مالكين جدد.

ويشدد كين دوكتور املللل في شركة "آوتسيل" للابحاث "هذه الصحف الواقعة في مدن كبرى شكلت قوى اعلامية رئيسية في البلاد. وسجلت اسباقا صحافية على مستوى وطني". ويتابع المحلل قائلا "الا انها كانت الاكثر تأثرا بالتغييرات والاضطرابات المرتبطة بالحقبة الرقمية".

وقيمة هذه الصحف اقل بعشر مرات اليوم عما كانت عليه في ذروة نجاحها قبل عشر سنوات او عشرين سنة. ويقول كين دوكتور ان صحيفة "بوسطن غلوب" التي اشترتها مجموعة نيويورك تايمز في العام 1993 بسعر 1,1 مليار دولار "يمكن ان تباع راهنا بسعر 110 ملايين دولار"، في العام الماضي بيعت صحيفة "شيكاغو صن-تايمز" بعشرين مليون دولار على ما ذكرت الصحف في حين كان سعرها 180 مليونا في العام 1994. اما مجموعة صحف في فيلادلفيا بينها "فيلادلفيا انكوايرر" فبيعت ب55 مليون دولار في مقابل 515 مليونا في 2006، في المدن الكبرى "تعتمد الصحف بشكل كبير جدا على الاعلانات المبوبة التي تراجعت بنسبة 75 % مقارنة باعلى مستوياتها. وهي تتكبد كلفة عالية في التوزيع" على ما يقول آلن موتر المستشار المتخصص في مشاريع مرتبطة بالصحافة والتكنولوجيات.

وهي تعاني من تراجع في مبيعات النسخ المطبوعة ومن منافسة مواقع الاعلانات المبوبة مثل "كريغ ليست" ولم تعد قادرة على المنافسة على صعيد المواضيع الوطنية والدولية الكبرى. اما كلفة تغطيتها لمنطقتها فعالية ايضا.

ويقول موتر انه لن يكون بين الاطراف الشارية المحتملة "مجموعات صحافية باستثناء نيوز كوروب ربما" وهي امبراطورية روبيرت موردوك الاعلامية التي تمتلك خصوصا "وول ستريت جورنال" و"نيويورك بوست"، لكنه يشير الى ان موردوك يشتري عادة اسماء بارزة لانه يهتم بسمعة الصحيفة ونفوذها.

وقد اشترى المستثمر وارن بافيت صحفا صغيرة يفيد محللون انها في وضع افضل بقليل، لكنه يتجنب الصحف الكبيرة التي تواجه صعوبات في تحقيق الارباح مع اقتطاع كبير في النفقات وفي المحررين. بحسب فرانس برس.

وتخفض صحف مشهورة مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بت" من نفقاتها الا انها تسعى بالتزامن الى زيادة عائداتها الرقمية، فتعتمد "نيويورك تايمز" منذ العام 2011 اشتراكات الكترونية مدفوعة وباتت تسجل عائدات من هذه الاشتراكات تفوق عائداتها من الاعلانات. وتدرس صحيفة "واشنطن بوست" ايضا امكانية فرض مقابل مادي على قراءة مقالاتها عبر الانترنت وبيع مقرها في وسط المدينة، ويتابع القطاع عن كثب اختبار خفض ايام الصدور الذي اعتمدته بعض الصحف اليومية مثل "نيواورلينز تايمز-بيكايون" التي تصدر بنسخ مطبوعة ثلاثة ايام في الاسبوع فقط مخفضة نفقاتها بنسبة 25 % مع المحافظة على عائدات الاعلانات على ما يقول دوكتور، ومع انه من غير المؤكد ان الاشتراكات الرقمية تكفي لاستمرارية الصحف فان الميل يذهب في هذا الاتجاه بوضوح. ويعتبر دوكتور ان ذلك "يشكل سبيلا لمستقبل مدر للارباح" شرط "ان يبقى المحتوى قويا. الناس يريدون مزيدا من المعلومات المحلية ويريدون تحقيقات".

ويرى المحلل ان الصحف التي تقوم باقتطاع صارم جدا لتسجيل النتائج على الدى القصير قد تعاني من هذا الوضع في حين ان تلك "التي تتتبع نهجا على المدى الطويل ستحصل على نتائج افضل".

مجموعة نيويورك تايمز

في سياق متصل حققت مجموعة "نيويورك تايمز" الاعلامية أرباحا في العام الماضي، بعد الخسارة التي تكبدتها سنة 2011، مسجلة نتائج افضل للمرة الاولى من مبيعات الصحف الورقية والاشتراكات على الانترنت، منه من الاعلانات.

وذكر المدير العام للمجموعة مارك تومسون في بيان "شهدت المجموعة ارتفاعا شديدا في الاشتراكات على الانترنت وتزايد إيرادات الصحف المنشورة، وللمرة الاولى في تاريخنا، تخطت عائدات المنشورات إيرادات الاعلانات". بحسب فرانس برس.

وعزت المجموعة الاعلامية هذا الارتفاع إلى ازدياد الاشتراكات المدفوعة الثمن على الانترنت والتي وصلت إلى 668 ألف اشتراك في نهاية كانون الأول/ديسمبر، واعتبر المدير العام السابق لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الذي عين على رأس مجموعة "نيويورك تايمز" في آب/أغسطس الماضي أن "عزم قرائنا هنا وفي العالم اجمع على الدفع في مقابل الحصول على صحافة رفيعة المستوى ... من شأنه أن يشكل حجر الأساس في استراتيجية النمو التي نضعها حاليا والتي سأعرضها بالتفصيل في فترة لاحقة من السنة".

في سياق ذاته عشاق القهوة الاميركيون بات بامكانهم ان يقرأوا يوميا 15 مقالا من صحيفة "نيويورك تايمز" مجانا مع فنجان الكابوتشينو او الاسبرسو لدى مقاهي ستارباكس بفضل شراكة بين المجموعتين، ومن خلال الاتصال بالانترنت عبر الشبكة المستخدمة في مقاهي ستاربكس في الولايات المتحدة يمكن للزبائن الاطلاع على ثلاثة مقالات في خمس فئات مختلفة من الصحيفة عبر الانترنت، واتى الاعلان عن هذه الشراكة في حين اعتمدت الصحيفة امكانية الوصول مجانا لكن بشكل محدود الى محتوياتها الالكترونية سامحة فقط بقراءة عدد معين من المقالات شهريا الى غير المشتركين في خدمتها. بحسب فرانس برس.

وقالت ياسمين ناميني نائبة رئيس الصحيفة "ستارباكس هي المكان المناسب لكي توفر صحيفة +نيويورك تايمز+ محتويات رقمية اكبر بشكل مجاني". وكانت الصحيفة تعد نهاية كانون الاول/ديسمبر 680 الف مشترك عبر الانترنت اي بزيادة نسبتها 13 % في غضون ثلاثة اشهر.

مجموعة تايم وارنر

وأفادت مجموعة "تايم وارنر" الاعلامية الاميركية بأنها المجموعة ستحتفظ بمجلات "تايم" و"فورتشن" و"سبورتس إلاسترايتد"، وتبيع كل المجلات الاخرى، بما فيها مجلة "بيبول" التي تعتبر المجلة الاكثر درا للأرباح في العالم، وأشار أحد مصادر "فورتشن" إلى احتمال وجود "مشتر جدي" لم يكشف عن هويته. وجاء في صحيفة "وول ستريت جورنال" ان هذا المشتري ليس إلا مجموعة "ميريديث" التي تمتلك عدة منشورات تتمحور حول المرأة والعائلة. بحسب فرانس برس.

ولم ترغب شركة "تايم إنك" المالكة لمجموعة "تايم وارنر" في التعليق على هذا الموضوع والرد على أسئلة وكالة فرانس برس. وقد تعذر الاتصال على الفور بمجموعة "ميريديث"، ولم تسلم "تايم إنك" من شر الازمة التي تضرب مجال الصحافة المكتوبة. وهي كانت قد أعربت في نهاية كانون الثاني/يناير عن عزمها إلغاء حوالى 6% من وظائفها، أي حوالى 480 وظيفة.

تومسون رويترز

كما اعلن مديرها العام جيمس سميث، وقال سميث في مؤتمر مع محللين "سنخفض حوالى 2500 وظيفة في قسم +مال ومخاطر+ بحلول نهاية العام"، واضاف "هذه ليست قرارات سهلة، لكن هيكلية التكاليف لدينا يجب ان تتكيف مع حاجات زبائننا".

واوضح ان خفض عدد العاملين سيسمح ب"المحافظة على الهامش (العملاني) في 2013" بما في ذلك تكاليف هذا الاجراء فور اخذه في الاعتبار: وتتوقع المجموعة اعباء استثنائية بقيمة 100 مليون دولار في الفصل الاول لتعويضات التسريح من الخدمة.

فان قسم "مال ومخاطر" الذي يتولى الخدمات المالية وخصوصا المعلومات عن الاسواق، هو القسم الاكبر لمجموعة تومسون رويترز. وقد شهدت المجموعة تراجع رقم اعمالها بنسبة 1 بالمئة العام الماضي ليصل الى 7,2 مليارات دولار، والمجموعة التي تقوم بانشطة قانونية وضرائبية ومحاسبية خصوصا، وتملك وكالة رويترز للانباء، اعلنت عن رقم اعمال سنوي من 13,3 مليار دولار.

الصحف الشعبية

من جهتها كانت كشفت مجموعة "فيرفاكس عن خطة واسعة لادخار المصاريف تنص على إلغاء 1900 وظيفة في أوساط صحيفة "ذي سيدني مورنينغ هيرالد" التي اطلقت في العام 1931 وصحيفة "ذي إيدج" الصادرة في ملبورن منذ العام 1854.

وتعتزم المجموعة أيضا فرض رسوم على النفاذ إلى بعض المعلومات المنشورة على المواقع الالكترونية التابعة لها، وقال شون ايلمر رئيس تحرير "ذي سيدني مورنينغ هيرالد" "إكتفينا بتغيير الشكل ... ونحن سوف نستمر في تقديم صحافة عالية الجودة". بحسب فرانس برس.

شركة نيوز كورب

الى ذلك تبدأ شركة نيوز كورب الجديدة التي ستضم المطبوعات ودور النشر التابعة لروبيرت مردوك، انشطتها مع 2,6 مليار دولار من السيولة سيتم توظيفها خصوصا في عمليات شراء، وفق وثيقة خاصة بالبورصة.

واشارت الوثيقة التي نشرها موقع اميركي متخصص بالبورصة الى انه "من المقرر ان تقدم الشركة الام مساهمة نقدية في شركة نيوز كورب الجديدة بشكل يسمح (...) بتوقع الحصول على حوالى 2,6 مليار دولار نقدا". وسيسمح هذا المال بتغطية تكاليف التشغيل (رواتب، شراء ورق...) والضرائب انما ايضا استثمارات وعمليات شراء محتملة، واوضحت الوثيقبة ان "شركة نيوز كورب الجديدة درست امكان القيام بعمليات شراء وبيع لبعض الانشطة وتتوقع الاستمرار في تقييمها". بحسب فرانس برس.

ومن المتوقع ولادة الشركة الجديدة بحلول نهاية حزيران/يونيو بعد قرار نيوزكورب العام الماضي فصل انشطتها في الصحافة والنشر عن تلك المربحة اكثر في السينما والتلفزيون. الا ان الموعد المحدد للعملية ليس محددا بعد، ومن المقرر ان يحافظ القسم المتخصص بالنشر والذي يملك حقوق مطبوعات مرموقة مثل وول ستريت جورنال ومجلة التايمز اللندنية لكنه اهتز بفعل فضيحة التنصت غير المشروع في بريطانيا، على اسم نيوز كورب، اما الاصول الموظفة في شركات التلفزيون (فوكس، بي سكاي بي) واستوديوهات شركة توينتيث سنتشري فوكس للسينما فسيتم التداول بها تحت اسم فوكس غروب.

ناتالي نوغيريد اول امرأة تنتخب لادارة صحيفة لومونود

من جهة أخرى اصبحت الصحافية ناتالي نوغيريد (46 عاما) اول امرأة تتولى ادارة صحيفة "لوموند" مع حصولها على 79,4 % من اصوات الناخبين في جمعية محرري لوموند في ختام الجمعية العمومية للصحيفة.

وناتالي نوغيريد مراسلة سابقة في موسكو وخبيرة في شؤون الاتحاد السوفياتي السابق وحائزة جائزة البير-لوندر. وهي تعمل في صحيفة "لوموند" منذ العام 1996 وحلت في هذا المنصب مكان اريك ازرايليفيتش الذي توفي بشكل مفاجئ في تشرين الثاني/نوفمبر جراء ازمة قلبية.

وكان ينبغي ان تحصل على 60 % من اصوات المحررين لكي يتم انتخابها، واكدت امام محرري الصحيفة رغبتها في المحافظة على "تفوق" الصحيفة ودعت الى رفع تحديات الحقبة الرقمية.

وكان مساهمو الصحيفة بيار بيرجيه وكزافييه نييل وماتيو بيغاس اختاروا ناتالي نوغيريد من بين اربعة مرشحين من داخل الصحيفة. وقد عرض خيارهم على التصويت امام اعضاء جمعية المحررين ال450، ونوغيريد خريجة معهد الدراسات السياسية في ستراسبروغ العام 1988 ومركز تدريب الصحافيين في باريس. وقد بدأت حياتها المهنية في قسم الخارجيات في صحيفة "ليبيراسيون" الباريسية في 1990 وانتقلت بعدها الى "بي بي سي". وانضمت الى صحيفة "لوموند" في العام 1996 وقد غطت لحساب الصحيفة في التسيعنات المراحل الانتقالية في اوروبا الوسطى والاتحاد السوفياتي السابق.

وكانت مراسلة دائمة في موسكو بين عامي 2001 و2005 وحازت جائزة البير-لوندر لتغطيتها عملية احتجاز الرهائن الدموية في مدرسة بيسلان في اوسيتيا الشمالية في ايلول/سبتمبر 2004.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/آذار/2013 - 4/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م