الأردن.. مملكة الشك والإصلاحات المتأرجحة

 

شبكة النبأ: على الرغم من الإصلاحات السياسية الاخيرة التي اتخذتها الحكومة الاردنية والتي اتت على خلفية المظاهرات الشعبية الواسعة، لا يزال البعض يشكك بقدرة الحكومة على كسب رضا الشارع الاردني خصوصا مع وجود بعض الجهات والأحزاب المتشددة ومنها جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى الى تغير موازين القوى في المملكة والحصول على بعض التنازلات المهمة، من خلال اثارة الشارع ورفض القرارات الحكومية التي تواجه الكثير من المشاكل الاقتصادية، وفي هذا الشأن انطلقت في الاردن مشاورات تشكيل الحكومة الثانية لرئيس الوزراء الأردني، عبد الله النسور، وسط تفاوت بمواقف القوى السياسية من إعادة تكليفه، وتحذيرات لجماعة الإخوان المسلمين المكون المعارض الأبرز في البلاد من تجاهل اعتماد بدائل جديدة لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

وجاء تكليف ملك الأردن، عبد الله الثاني، للنسور برئاسة حكومة جديدة وإجراء مشاورات لتشكيلها، عقب إجراء الديوان الملكي لمشاورات مع الكتل النيابية في البرلمان الأردني للمرة الأولى، سعيا لتشكيل أول حكومة برلمانية كتوجه سياسي جديد بعد إجراء انتخابات تشريعية مبكرة مطلع العام الجاري . ويواجه النسور الذي سيشكل حكومته الثانية بعد خمسة أشهر فقط على تشكيل الاولى التي جرت في عهدها الانتخابات تحديات سياسية واقتصادية وشعبية، في مقدمتها تحمل حكومته اتخاذ قرارات في رفع أسعار الوقود.

وشكك الرجل الثاني في جماعة الإخوان المسلمين، القيادي زكي بني أرشيد، بقدرة النسور على إخراج البلاد من أزمتها، معتبرا أن عودته بحد ذاتها، "استمرار لأزمة سياسية واقتصادية بدأت مع حكومته الاولى." وقال بني أرشيد: "القواعد السياسية التي تتحكم في إدارة الشأن السياسي في البلاد لم تتغير،" مبيّنا بعد تأكيد عدم مشاركة الحركة الإسلامية في حكومة النسور الثانية أن المطلوب للمرحلة المقبلة في ظل وضع داخلي وإقليمي عاصف، "إجراء حوار وطني توافقي بمقاربة سياسية جديدة، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة." وأكد أن جماعة الإخوان التي قاطعت الانتخابات النيابية، "ترحب بأي حوار جاد شريطة أن لا يكون حوارا بروتوكوليا."

ويتوقع مراقبون أن تشهد عملية التشاور مع النواب بشأن الفريق الحكومي أزمة مشابهة لسيناريو التشاور معهم بشأن رئيس الحكومة، فيما استبعدوا "تعيين نواب" في الحكومة، في الوقت الذي رأوا بأن اختيار النسور "لم يكن مفاجئا" وأن النواب التقطوا رغبة ملكية بعودته إلى الحكومة. ورغم تأكيد كتاب التكليف الملكي للنسور بأن اختياره جاء بناء على المشاورات النيابية إلا ان مراقبين اعتبروا أن التوافق النيابي جاء بعد التقاط الرغبة الملكية بعودته مجددا، وسط هشاشة الكتل النيابية ، بحسب المحلل السياسي ماهر أبو طير.

وقال أبو طير إن الحكومة المقبلة تواجه تحديا في وضع برنامج سياسي اقتصادي لمدة أربعة سنوات، وفقا للتكليف الملكي، في الوقت الذي تحظى في الشارع الاردني "بسخط شعبي ووسط مناخ سياسي داخلي محتقن وإقليمي خطير." ورأى أبو طير ضرورة تشكيل فريق وزاري "بعيد عن شبهات الفساد والشبهات السياسية" ويضم "كفاءات جديدة، تبتعد عن إعادة إنتاج النخب القديمة،" فيما تساءل عن قدرة الحكومة على مواجهة الرأي العام عند تنفيذ قرارات متوقعة لرفع أسعار الكهرباء قريبا . واستبعد أبو طير توزير النواب تجنبا لإحداث حالة تشظ بين الكتل النيابية، مشيرا الى أن النسور سيجري "اختبارا أوليا" في التشاور مع الكتل، لكنه لن يلجأ لاختيار نواب للحكومة.

وأعلنت قوى سياسية معارضة عن تنفيذ اعتصام هو الاول أمام مقر الحكومة الاردنية، احتجاجا على تكليف النسور. وقوبلت عودة النسور وهو نائب معارض سابق، ردود فعل لاذعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عمت أرجاء البلاد احتجاجات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عقب رفع أسعار الوقود بنسبة وصلت الى 54 في المائة، صاحبتها أعمال عنف واسعة.

وأرهق الاقتصاد الأردني الذي يعاني من أزمة بفيض اللاجئين الهاربين من حرب أهلية عمرها عامان في سوريا جارته الشمالية. وتستضيف المملكة أكثر من 350 ألف لاجئ سوري أي حوالي خمسة بالمئة من سكان الأردن مما يزيد من الضغوط على موارده من المياه والكهرباء. وخنقت الحرب التجارة عبر الحدود وتهدد بإشعال مزيد من الاضطراب في الشرق الأوسط المضطرب بالفعل.

واتخذ النسور قرارا في نوفمبر تشرين الثاني برفع أسعار الوقود مما اشعل اضطرابات استمرت بضعة أيام لاسيما في المناطق الريفية والعشائرية التي تضررت من إلغاء الدعم. وقال النسور إن تحولا من نظام الدعم الواسع الي نظام للدعم النقدي يستهدف الفقراء سيوفر المزيد من الدعم الفعال وهو الخيار الوحيد لتجنب أزمة مالية أدت إلى ارتفاع العجز في موازنة البلاد الي اكثر من 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وأشاد ساسة مستقلون بجرأته في اتخاذ خطوات صعبة اوصى بها صندوق النقد الدولي في تحد لرفض شعبي وهو ما سمح للمملكة بالحصول على تمويل بقيمة ملياري دولار. وذلك التمويل مشروط بخطة للميزانية تتضمن تقليص الدعم على الوقود وزيادة أسعار الكهرباء.

وعين النسور وهو سياسي مخضرم خدم طويلا كعضو في البرلمان وشغل مناصب رفيعة في الحكومات المتعاقبة رئيسا للحكومة في أكتوبر تشرين الأول بعد أن حل العاهل الأردني البرلمان في منتصف مدته استعدادا لأول انتخابات برلمانية تجرى في الأردن منذ انتفاضات الربيع العربي التي اجتاجت دولا عربية في عام 2011.

في السياق ذاته وافقت فرق صندوق النقد الدولي على صرف قرض بقيمة 385 مليون دولار للأردن في اطار خطة مساعدة قيمتها ملياري دولار منحت للبلد في اب/اغسطس لمواجهة "الصدمات الخارجية"، كما جاء في بيان للمؤسسة المالية الدولية. واضاف البيان انه بات يتعين على مجلس ادارة الصندوق الذي يمثل 188 دولة عضوا، ان يوافق على هذا القرض، وقد يسمح في نيسان/ابريل بدفع هذه الشريحة الجديدة من المساعدة، وهي الثانية منذ اطلاق البرنامج.

ورحب فريق صندوق النقد الدولي في الاردن "بالالتزام المتين" للسلطات الاردنية في تطبيق الاصلاحات المطلوبة مقابل خطة المساعدة "على الرغم من اجواء خارجية صعبة" تطغى عليها الثورات العربية وتدفق اللاجئين من سوريا المجاورة. ولفت الصندوق في بيانه الى ان "السلطات طبقت اجراءات قوية على صعيد الاقتصاد القطاعي لتقليص الخلل في الموازنة ومع الخارج"، مؤكدا ان الاقتصاد الاردني "عمل بشكل جيد" في 2012 مع نمو مقدر بنسبة 2,8 بالمئة.

وبالنسبة الى هذه السنة، يعتبر صندوق النقد الدولي ان الافاق "جيدة" ويتوقع نموا "يفوق 3 بالمئة". ويدعو الصندوق السلطات مع ذلك الى تقليص العجز في الموازنة "بشكل تدريجي" بهدف عدم تعريض الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي "للخطر". وفي غمرة الثورات العربية، اقام صندوق النقد الدولي شراكات مع عدة دول في المنطقة. وتجري مباحثات حول قروض مع كل من مصر وتونس، وقد حصل المغرب في اب/اغسطس الماضي على سلفة على سبيل "الاحتياط" بقيمة 6,2 مليارات دولار.

من جهة اخرى نشرت صحيفة الفاينانشال تايمز، مقالا يتناول خطط الأردن لإنشاء مفاعلين نوويين على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب الحدود السورية. ورأت الصحيفة أن هذا سيوسع من امتداد الطاقة النووية في أنحاء العالم العربي حتى في الوقت الذي تعصف فيه بالمنطقة انتفاضات شعبية. واشارت الصحيفة إلى أن عمان ستختار كونسورتيوما روسيا أو فرنسيا-يابانيا لبناء المفاعلين النوويين بالقرب من العاصمة بتكلفة تقدر بـ12 مليار دولار، وفقا لتصريحات خالد طوقان رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية.

وقالت الصحيفة إن خطط الأردن في هذا الشأن تبرز المخاطر السياسية لتزايد الاهتمام بالطاقة النووية في منطقة الخليج وحولها، خاصة بين الأنظمة الغنية بالنفط والمتعطشة للطاقة مثل الإمارات والسعودية. ويواجه الأردن مصاعب اقتصادية وقد عصفت به بعض الاضطرابات على فترات متقطعة منذ بداية الانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي قبل أكثر من عامين. ونقلت الصحيفة عن طوقان قوله "إننا نعيش حاليا في أزمة طاقة، أزمة خطيرة للغاية".

وأضافت بأنه بالرغم من أنه من غير الواضح كيف سيتم تمويل المشروع الأردني، فإن مصادر مطلعة ذكرت أن المشروع حصل على دفعة من خلال تمويل منحة مساعدات تنموية حصل عليها الأردن من دولة الإمارات. ويقول مراقبون إن الإمارات حريصة على مساعدة الأردن لأنها تريد الاستفادة من احتياطيات الوقود النووي للبلاد والخبرات التقنية لمشروعها الخاص لبناء أربعة مفاعلات نووية بحلول عام 2020. ونقلت الصحيفة عن أحد الأشخاص المطلعين على هذه الاتصالات قوله إن الأردن "لديه يورانيوم، ومهندسون نوويون مؤهلون".

وبالرغم من وجود خطط لبناء مفاعلات نووية في كل من الإمارات والسعودية، هاتين الدولتين الغنيتين بالنفط، فإن تأخر البرنامج النووي الأردني يظهر العوائق السياسية المحتملة التي تواجه الطموحات العربية النووية. واشارت إلى أن الأردن أراد في بادئ الأمر اختيار كونسورتيوم أواخر عام 2011 لبناء مفاعل نووي، لكن العاهل الأردني الملك عبد الله اتهم العام الماضي إسرائيل بمحاولة عرقلة هذه المبادرة من خلال إثارة مخاوف شركاء محتملين، وهي التهمة التي رفضتها إسرائيل.

وقد رفض الأردن توقيع اتفاقية مع واشنطن تتضمن شرطا لوقف تخصيب اليورانيوم في إطار خطته النووية، مؤكدا أنه لن يقبل بأي اتفاقية "تنتهك حقوقه السيادية". وأكدت الولايات المتحدة أنها لن تسمح للأردن بتخصيب اليورانيوم بسبب ما تراه مخاطر للانتشار النووي في منطقة تفاقمت اضطراباتها بسبب الصراع في سوريا، والتوترات المتزايدة بسبب إيران. واشارت الصحيفة إلى أن استمرار الرفض الأردني قد يسبب مشاكل مع الكونغرس الأمريكي وإسرائيل.

على صعيد متصل قال العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني انه يأمل في ان تعطي زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما المقبلة للمنطقة "زخما حقيقيا" في عملية السلام في الشرق الاوسط، حسبما افاد بيان صادر عن الديوان الملكي الاردني. وقال الملك عبد الله "نتطلع لاستقبال الرئيس باراك أوباما في الاردن قريبا". واضاف "أتمنى ان ارى زخما حقيقيا في عملية السلام عقب هذه الزيارة، السلام الذي يعد مصلحة استراتيجية لبلدينا".

واضاف "تعاملنا مع الربيع العربي باعتباره فرصة لزيادة زخم الاصلاح وتم في هذا السياق تعديل اكثر من ثلث الدستور الاردني عام 2011 وواصلنا وضع المؤسسات وآليات العمل على مسارها الصحيح". وتابع "اجرينا في وقت سابق من هذا العام انتخابات نيابية تاريخية، تلاها اطلاق مشاورات مع مجلس النواب لاختيار رئيس الوزراء المقبل، وستشكل حكومتنا البرلمانية الأولى قريبا". واوضح ان "البرلمان الجديد أكثر تنوعا وتمثيلا ونهجنا قائم على تحقيق الاجماع والشمولية". واكد العاهل الاردني "نحن عازمون على أن يبقى بلدنا ملاذا آمنا، بحيث يتمكن أبناء شعبنا من العيش في جو من الثقة والاحترام المتبادل، كشركاء في صناعة المستقبل"، مشيرا الى ان "الاصلاح كما الديموقراطية، عملية مستمرة ومتواصلة". واوضح العاهل الاردني ان "منطقتنا تشهد اضطرابات بعضها خطير جدا، لكننا نشهد ايضا فرصا جديدة عديدة". ومن المقرر ان يزور الرئيس الاميركي اسرائيل والاراضي الفلسطينية والاردن في الربيع للمرة الاولى منذ توليه منصبه في كانون الثاني/يناير 2009.

الى جانب ذلك صرح مصدر دبلوماسي ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو التقى العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني في الاردن لبحث عملية السلام في الشرق الاوسط. وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته " توجه نتانياهو الى الاردن والتقى الملك عبد الله الثاني .. وناقشا في الاجتماع عملية السلام في الشرق الاوسط".

وهذه هي اول زيارة خارجية يقوم بها نتانياهو، واول اجتماع مع زعيم دولة خارجية منذ الانتخابات الاسرائيلية العامة في 22 كانون الثاني/يناير. وفي كانون الاول/ديسمبر، نقل مسؤولون اسرائيليون عن وسائل الاعلام المحلية تأكيدهم لتقرير في صحيفة عربية عن اجتماع بين نتانياهو والملك عبد الله الثاني في الاردن ركز على ترسانة سوريا من الاسلحة الكيميائية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/آذار/2013 - 4/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م