معركتنا مع الجواسيس.. مستمرة

زاهر الزبيدي

سؤال : هل في العراق جواسيس اليوم؟ الجواب : نعم وبأعداد كبيرة ومن جنسيات مختلفة وتتوفر لهم القابليات اللوجستية المخابراتية بأوسع دوائرها، ولديهم من الإمتدادات الجاسوسية على درجة كبيرة من التطور كفلها لهم واقع حالنا المتردي دائماً والأزمات السياسية المتلاحقة التي تضرب الوطن في كل جزء منه، ومع وجود الألغاز الأمنية القوية التي يصعب على القائمين على الأمر حلها مهما امتلكوا من حس أمني واساليب مخابراتية، فإنتشار دوائر مخابرات لدول عدة في العراق أمر مفروغ منه فالحدود كانت مشرعة يؤوم العراق منها من هب ودب فالظروف كانت مؤاتية جداً لإنشاء أخطر شبكات الجاسوسية.

الحديث عن وجود شبكات الجاسوسية أمر شائك ومعقد قليلاً كون تلك الشبكات تعمل تحت غطاء كثيف من السرية وهي مهيئة بشكل كامل لذلك العمل وفي مثل ظروف العراق المتأزمة ومع وجود الخلافات السياسية والتحركات الإقليمية الكبيرة التي تهدد أمن العراق باستمرار، نعم لقد منحنا تلك الشبكات الفرصة الكبيرة والذهبية لتثبيت أقدامها في العراق فمساحة العراق الواسعة تجعل من الصعوبة بمكان السيطرة عليها مخابراتياً واستخبارياً وعلى حد توقعاتنا البسيطة فان تلك الشبكات زرعت بحنكة بالغة في بعض مؤسسات الدولة وتغلغلت ببطيء، تحت ستار الخلافات والعشوائية في التخطيط والمراقبة، الى مؤسسات حساسة في الدولة مما سيصعب اكتشافها بعد حين، وتوقعنا هذا يستند الى أن العراق ليس من السهولة أن يترك بلا رقابة كاملة وتغطية مخابراتية مضادة واسعة المدى تدعمها دوائر مخابراتية إقليمية ودولية تهيء المستلزمات والأموال اللازمة لإبقاءها نشطة أو خاملة حسب طبيعة محيط الحاجة لها وما يرافق العملية السياسية في البلد.

وفي إشارة برلمانية عراقية، كشف النائب عن كتلة البيضاء كاظم الشمري "عن قيام مخابرات دول إقليمية بمحاولة إستغلال قادة أمنيين وموظفين كبار عراقيين للحصول على معلومات وصفها بغاية السرية " وهي ليست الإشارة الأولى في هذا المجال بل كانت الصحف العراقية قد نشرت في فترات سابقة تقارير عدة عن مستوى خطير لإنتشار شبكات تجسسية مختلفة ولكن الأخطر ما فيها هو موضوع إستغلال القادة الأمنيين والموظفين الكبار، وهذا بحد ذاته يعتبر مكمن الخطر الحقيقي لكون القادة الأمنيين والموظفين الكبار في العراق لديهم حصانة قوية قد تحيل دون إصطيادهم بسهولة ويسر من قبل التشكيلات والأجهزة الأمنية الجديدة التي تنوي القيادة العامة للقوات المسلحة تشكيله لاحقاً.

قد يثير حفيظة البعض أن "العراق في طريقه لأن يصبح قوة عظمى جديدة للنفط"، كما تحدث عن ذلك تقرير مهم اعدته وحدة المعلومات والتحليل المشتركة بين الوكالات (IAU) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وهو يتناول بالتحليل قطاع النفط والغاز في العراق، وجاء في التقرير إن احتياطات النفط المؤكدة في العراق التي تصل عددها إلى 143 مليار برميل بالإضافة إلى احتمال وجود 200 مليار برميل يضع العراق ضمن مجموعة صغيرة من الدول التي لديها قدرة عالية على إنتاج النفط وعلى التأثير على أسواق النفط العالمية، حيث ستكفي تلك الإحتياطات المؤكدة لمدة 70-90 عاما.

وعليه فان عناصر التهديد السياسية عن طريق زعزعة النظام السياسي الداخلي وجعله ضعيفاً، بشتى الطرق، قد يسهم بانعكاساته السلبية على البنية الاقتصادية للبلد للحيلولة دون تحقق وصول العراق الى تلك المرحلة من الطاقات التصديرية والتي يتوقع لها أن تصل الى 5-6 مليون ب/ي وتلك طاقة تصديرية قد تتخطى بها العديد من دول العالم وقد تسهم في خفض أسعار النفط العالمي مما يتسبب بخسارة للكثير منها، وعليه فان التهديدات السياسية ما هي إلا غطاء للتهديد الإقتصادي الذي يرافقه في أغلب الأحيان محاولات شتى لمحاربة إستقدام العراق للإستثمارات الخارجية لتطوير بنيته التحتية المتهرئة بفعل موجات الحروب التي رافقت البلد خلال العقود الماضية ولا زالت تتمثل في الكبوات الأمنية التي نعيشها في حربنا على الإرهاب المنظم والذي لا يخفى على أحد مصادر تمويله والتي أصبحت بالتالي عنصراً طارداً للاستثمار العالمي في العراق.

شيعية، سنية أو علمانية.. طبيعة الحكومة المطلوبة للعراق ليست سوى أحد الأهداف اللوجستية من التدخلات الإقليمية ولكن السبب الرئيس نرى أنه يتمحور في إيجاد وسائل كفيلة لحجب التهديدات المحتملة من تنامي إقتصاديات البلد سيما وأن الكثير من دول الجوار تعتمد على الاستثمار الدولي في تخطيطها لإقتصادياتها، وتنامي قدرات العراق الإقتصادية وتكوين بيئة أمينه فيه هو التهديد الأكثر قسوة من العراق، كما يعتقد، على دول الجوار فالحرب اليوم هي حرب إقتصادية تشهد تزاحم كبير على سوق الإستثمار والمساحة الأكبر لمن يمتلك قابليات إستثمارية أمينة وهذا ما يسعى له العراق اليوم بخطوات،قد تكون بطيئة بعض الشيء، إلا إن إحتماليات الوصول الى الهدف المنشود عالية.

في كتاب لأنجيلو كودفيلا بعنوان "المخابرات وفن الحكم" تحدث فيه كثيراً عن التجسس التقني والذي سهل كثيراً عمل الدوائر المخابراتية العالمية لما يرصد له من تكاليف وموازنات كبيرة تلبي الحاجة اللازمة لتأسيس بنية تحتية متكاملة لجهاز المخابرات مع اعتماد على التدريب المستمر والاستفادة من خطوات النجاح والفشل على حد السواء لتحديد مستقبل الجهاز، والتجسس التقني هنا أحد أهم أركان الحرب المخابراتية في الوقت الحاضر وسيتطور في المستقبل القريب ليغني عن الجواسيس والعملاء حتى، إذ سينحصر دورهم في زراعة الكاميرات الرقمية وأجهزة التنصت، العالم يتوسع وعلى جهاز المخابرات أن يأخذ بطبيعة عمله طبيعة التحولات السياسية في العالم.

خلاصة لما سبق، نرى أن حربنا على الجواسيس سوف تستمر حتى القضاء على أوكارهم التي كانت قد نصبت منذ فترات طويلة ومع وجود جهاز مخابراتي فتيّ في العراق، حيث لم يمض على تأسيسه أكثر عقد من الزمن، سيعاني من صعوبة تحقيق "النظافة الكاملة" من تلك الشبكات على إعتبار أن أقل جهاز مخابرات إقليمي كان قد تأسس قبل عشرات السنين وفارق الخبرة في هذا المجال واضح جداً فعلينا إذن أن نوسع خطواتنا باتجاه الإستمكان من المعلومات المهمة وتفكيك الرموز الكلاسيكية للفنون المخباراتية املاً في عراق نظيف من الجواسيس.

المعركة مع الجواسيس مستمرة وستشهد الأيام على مدى شراستها وعلى الرغم من أن أعتى أجهزة المخابرات في العالم لم تستطع حماية حكوماتها.. فلتحمي شعبها واقتصاده على أقل تقدير.. حمى الله العراق وشعبه.

zzubaidi@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/آذار/2013 - 4/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م