النازحون حول العالم... أمل عودة مفقود

 

شبكة النبأ: لاتزال مشكلة النزوح وترك الديار نتيجة الصراعات المسلحة وغيرها من الأسباب الأخرى محط اهتمام الكثير من المنظمات الإنسانية العاملة في هذا المجال، والتي تواجه اليوم جملة من الصعوبات والمشاكل المتفاقمة بسبب ازدياد أعداد النازحين في العديد من دول العالم بحسب بعض المراقبين، الذين اكدوا ان الصراعات المسلحة والعنف المتزايد وخصوصا في أفريقيا والشرق الأوسط الذي شهد العديد من الانقلابات والثورات، التي أسفرت عن تزايد أعداد النازحين والمشردين بشكل خطير يصعب السيطرة عليه حتى بعد استقرار الأمور في تلك المناطق، بسبب الافرازات والمخاوف المترتبة لدى السكان، وفي هذا الشأن فقد عاد نحو 3,000 من الماليين الذين فروا من البلدات والقرى في الشمال بعد أن قام مسلحون باحتلالها إلى ديارهم.

غير أن الغالبية العظمى منهم ما زالوا في الجنوب أو في الدول المجاورة، خوفاً من انعدام الأمن ومن التعرض لعمليات القتل الانتقامية ولأنهم يدركون أن المناطق التي فروا منها ما تزال تعاني من نقص كبير في الخدمات الأساسية. وفي هذا الإطار، قالت هيلين كوكس، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن "الهجمات الأخيرة والقتال والذخائر غير المنفجرة والخوف من الانتقام وعدم توفر الخدمات الأساسية، كلها عوامل تمنع الناس من العودة". وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم اللاجئين الذين يبلغ عددهم 170,300 شخص والمسجلين في موريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر والجزائر، هم من الطوارق أو العرب. ويخشى الكثيرون منهم التعرض للهجمات الانتقامية وقيام الجيش المالي باستهدافهم ومن وجود الجهاديين في بعض المجتمعات المحلية.

وقال مدير مدرسة تمبكتو، أمحيدو حج حمامة، وهو من الطوارق، ويتطوع حالياً كمدرس في مخيم مبيرا للاجئين في شرق موريتانيا: "لا أحد في مبيرا مستعد للعودة . الظروف المعيشية صعبة جداً هنا، ولا يوجد ما يكفي من الغذاء كما أن المعلّمين يعملون دون أجر، لكننا لن نعود حتى يكون هناك سلام مستدام. وأضاف حمامة قائلاً: "لن نعود إلا إذا وجدوا لنا حلاً عملياً، فنحن لا نريد أن نهرب مجدداً بعد سنة أو اثنتين أو ثلاث". وتابع قائلاً: "نخشى أعمال القتل الانتقامية وكذلك الهجمات التي يشنها الجيش المالي. لا أحد يجرؤ على العودة". ولدى حمامة وظيفة مدفوعة الأجر يعود إليها في تمبكتو، لكنه قال: "حتى المال لن يدفعني إلى العودة." وأضاف متسائلاً: "من يستطيع أن يضمن سلامتنا وأمننا؟ لا أحد. فأنا لم أعد أثق بأحد على الإطلاق". ويريد البعض الفرار لكنهم لا يجرؤون على ذلك.

وقال أحد أصحاب المتاجر العرب، ويدعى نجم ولد عبدالله، أنه يريد الذهاب إلى بوركينا فاسو لكنه يخشى التعرض للمضايقات أو الاعتقال على الحواجز العسكرية وهو في طريقه إلى هناك. وبعد اختباء عبدالله في منزله لمدة ثلاثة أسابيع، هرب إلى منزل أحد الأصدقاء وعند عودته وجد منزله منهوباً. وقد قال له أحد الجيران أن جنوداً من الجيش المالي هم من فعلوا ذلك. وقد فرت بعض أسر الطوارق من القرى الريفية في منطقة غاو إلى مدينة غاو، لأنها تشعر أنها أكثر أمناً هناك. ووجد أحمد حيدرة، وهو من الطوارق من دجبوك، التي تبعد 40 كيلومتراً شرق غاو، ملجأ له ولعائلته في ساحة رملية تابعة لمنزل على مشارف غاو. وقال "نحن بمأمن هنا وأنا واثق بأن الجيش المالي سيحمينا". وأضاف أن لا وجود للجنود أو لرجال الشرطة في دجبوك، ويمكن للإسلاميين أن يعودوا في أي وقت".

ووفقاً للمتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة، جودي داكروز، قام العديد من رعاة الماشية ببيع حيواناتهم لدفع تكاليف التنقل خلال فرارهم ولا يمكنهم تحمل تكاليف العودة الآن. "كذلك، لم يتمكن العديد من المزارعين من زرع المحاصيل بسبب نزوحهم، وبالتالي ما من طريقة لتأمين غذائهم خلال الفترة المتبقية من العام". ولا تقوم كل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية بتشجيع أو تسهيل عمليات العودة بسبب الوضع الأمني، لكن كوكس قالت: "لا يمكننا منع الناس الذين يعودون بشكل عفوي".

وتسافر بعض العائلات إلى موبتي في وسط مالي، وتستقل القوارب من هناك إلى تمبكتو. وقال معظم الناس الذين تحدثت إليهم المنظمة الدولية للهجرة أنهم يريدون العودة في أقرب وقت ممكن، لاسيما وأن جميعهم تقريباً يرغبون في العودة خلال هذا العام، في حين أن مجموعة صغيرة منهم قالوا أنهم سينتظرون لفترة أطول إلى أن يستقر الوضع.

وجنباً إلى جنب مع المنظمات غير الحكومية مثل خدمات الإغاثة الكاثوليكية، تقدّم المنظمة الدولية للهجرة الطرود الغذائية ومستلزمات الطوارئ للأسر النازحة في نقاط عبور رئيسية مثل موبتي في وسط مالي. وبالإضافة إلى الأمن، يقول الكثيرون أنهم ينتظرون عودة الخدمات الأساسية وهيكليات الحكم خاصة رؤساء البلديات والهيكل القضائي قبل أن يعودوا.

وفي دراسة استقصائية أجرتها المنظمة الدولية للهجرة، شدد النازحون الماليون أيضاً على الحاجة إلى وجود فرص لكسب الرزق. وفي حين أن بعض المسؤولين الحكوميين عادوا إلى بلدة غاو، التي احتلّها متمردون انفصاليون من الطوارق وإسلاميون متشددون في الربيع الماضي، إلا أنهم لم يعودوا بعد إلى مزاولة العمل. وما تزال الخدمات الاجتماعية تقدم إلى حد كبير من قبل المنظمات الإنسانية بينما المحال التجارية والبنوك مغلقة، بالإضافة إلى بعض أسواق المواد الغذائية والصيدليات. ولم يمكث سوى عدد قليل من العرب والطوارق في المنطقة. وبعد أن أغلقت المدارس أبوابها في أوائل شهر يناير عقب التدخل الفرنسي في البلاد، بدأت الآن بفتحها من جديد. وقال حمامة أن المدارس في تمبكتو أعادت فتح أبوابها لكنها فارغة، لأن معظم الطلاب والمدرّسين يعيشون في مخيم مبيرا للاجئين.

وقالت كوكس من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الأسر التي سجلت أطفالها في المدارس في الجنوب تريد الانتظار حتى نهاية العام الدراسي قبل إعادة تسجيلهم في أي مكان آخر. وقالت داكروز أنه إذا بدأ الناس في العودة بأعداد كبيرة، فإنهم قد يشكلون ضغوطاً هائلة على البنية التحتية في نقاط العبور مثل موبتي وسيغو، حيث مخزون الإمدادات الغذائية والطبية والمياه مستمر بالتناقص. "على الحكومة والمنظمات الإنسانية البدء في التخطيط لاستقبال النازحين داخلياً".

في الوقت نفسه، ما زال الصراع الدائر في شمال منطقة كيدال الجبلية، وكذلك القتال الذي دار مؤخراً في بلدة غاو، يتسبب بعمليات نزوح جديدة. وقد أكدت المنظمة الدولية للهجرة أن 18,702 شخصاً إضافيين فروا من مناطق النزاع منذ الغزو الفرنسي في 11 يناير 2013.

ومع نهاية شهر فبراير 2013، تم تسجيل حوالى 260,665 شخصاً من الماليين النازحين داخل البلاد بعد أن كان عددهم 227,207 نازحاً في ديسمبر 2012. وفي تينزاواتين، في منطقة كيدال في أقصى شمال مالي، تحاول اللجنة الدولية للصليب الأحمر دعم الأشخاص الفارين من القتال. وفي بيان صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تبيّن أن توفير المواد الغذائية وغيرها من المواد هنا وفي كيدال وتيساليت قد تأثر بسبب النزاع وإغلاق الحدود مع الجزائر. وفي هذا الإطار، قالت فاليري مباو نانا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غاو:" لقد جاؤوا من كيدال وغاو وحتى من بلدات بعيدة مثل ميناكا، التي تبعد حوالى 600 كيلومتر. نقوم حالياً بتقديم المساعدة إلى 1,100 عائلة، وهو رقم قد يرتفع مع استمرار القتال".

في السياق ذاته يقول السكان الذين هربوا من جولة القتال الأخيرة في إقليم خيبر في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في باكستان أنه لم يكن لديهم حتى الوقت لدفن مواتهم قبل مغادرة منازلهم في وادي تيراه. وهؤلاء هم الدفعة الأخيرة من مئات الآلاف من الأشخاص الذي فروا من منازلهم في منطقة الحزام القبلي القريب من الحدود الباكستانية الأفغانية على مدى السنوات الخمس الماضية جراء العمليات العسكرية الباكستانية.

والنزاع ليس السبب الوحيد للنزوح، فقد لعبت الكوارث الطبيعية أيضاً دوراً في زيادة أعداد الأشخاص الذين تركوا منازلهم حيث خلقت "حالة طوارئ معقدة،" كما يطلق عليها العاملون في المجال الإنساني. وعلى الرغم من وجود مخيمات للنازحين داخلياً حيث تقوم الحكومة والمنظمات الإنسانية بتقديم المساعدات لهم، يختار معظمهم الفرار إلى أماكن أخرى، مما يخلق تحدياً للجهات التي ترغب بتقديم المساعدة لتلك المجتمعات الضعيفة.

ويعيش ما يزيد عن 75,000 شخص في ثلاثة مخيمات للنازحين داخلياً (مثل جالوزي الذي يبعد نصف ساعة بالسيارة عن بيشاور) تأوي الأسر في خيام أو مبان مؤقتة ويتم تقديم المساعدات الغذائية ومياه الشرب وتوفير المرافق الطبية لهم. وتعمل تلك المخيمات أيضاً كنقاط مركزية لتسجيل الأسر التي تصل من المناطق التي تضررت من الصراع أو الكوارث الطبيعية.

وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنه على الرغم من كبر حجم تلك المخيمات، إلا أنها تمثل 10 بالمائة فقط من النازحين داخلياً البالغ عددهم 750,000 شخص. ويتم الضغط بشكل متزايد على المنظمات الإنسانية من أجل العناية بهؤلاء الذين يفضلون العيش في أماكن أخرى وخاصة في بيشاور عاصمة إقليم خيبر بختون خوا الباكستاني ومناطق أخرى في الإقليم.

وتقوم الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة في باكستان بإجراء ما يسمى بدراسات توصيف وتقييم أوجه الضعف للنازحين داخلياً IVAP وذلك لجمع معلومات عن أماكن تواجدهم خارج المخيمات ونوع الدعم الذي يحتاجون إليه من مأوى وغذاء إلى مساعدات الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي والنظافة. وتقوم تلك الدراسات أيضاً بجمع معلومات عن ما يقول النازحون داخلياً أنهم سيحتاجون إليه عند عودتهم إلى منازلهم في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية بصفة عامة حيث يمثل السكن والأمن والزراعة أهمية خاصة بالنسبة للأسر. وبعد ذلك يتم إرسال نتائج هذه الدراسات إلى الشركاء في المجال الإنساني في محاولة لضمان أن تستهدف المساعدة الأماكن الأشد احتياجاً.

ويوصي مشروع توصيف وتقييم أوجه الضعف للنازحين الذي تموله المفوضية الأوروبية بأن تقوم المنظمات الإنسانية بتحديد أولويات المساعدات للأسر الموجودة خارج المخيمات التي يضطر 82 بالمائة منها إلى دفع ايجار والعيش في ظروف صعبة وفي أماكن ضيقة. ويمكن أن يمثل تقديم الخدمات الإنسانية خارج بيئة المخيم تحدياً. وعلى الرغم من أن النازحين يتمتعون بفرصة الوصول مباشرة إلى المرافق داخل المخيمات، إلا أن العادات القبلية ومفاهيم الحياة في المخيمات وتفضيل البقاء مع الأقارب والأصدقاء يعني أن عدداً كبيراً منهم يختار العيش خارج المخيمات، مما يصعب على السلطات والمنظمات الإنسانية مهمة تتبعهم وتقديم المساعدات لهم.

وقال سوبات خان أفريدي رئيس تحريك المتأثرين في إقليم خيبر، وهي منظمة غير حكومية قامت أحزاب سياسية مختلفة بإنشائها لمساعدة النازحين داخلياً أن المستفدين سيحصلون على خدمة أفضل في حال كانت عملية توزيع المساعدات غير مركزية. وقال أفريدي أنه "من السهل على المنظمات الكبيرة وخاصة المنظمات غير الحكومية الدولية أن تعمل في المخيمات لأن إدارتها أسهل بالنسبة لها. لكن المشكلة هي أن جميع الأسر التي تعيش خارج المخيمات ما تزال تواجه صعوبة في الوصول إلى جالوزي للحصول على المساعدات".

وأضاف أفريدي أنه "سيكون من الأفضل إذا قاموا بإنشاء نقاط للتوزيع في أنحاء بيشاور في المناطق التي يعيش فيها الكثير من النازحين داخلياً، وهو ما سيترجم إلى ضغوط أقل بالنسبة للسلطات في جالوزي ومشاكل أقل أيضاً للنازحين داخلياً خارج المخيمات". ''النازحون الموجودون في المخيمات هم الأكثر ضعفاً، إذ لا يملكون وسائل أخرى أو موارد لإنشاء شيء آخر لأنفسهم''

وقد قامت المنظمات الإنسانية والحكومة بتحديد المناطق التي يتواجد فيها عدد كبير من النازحين داخلياً في بيشاور ومحيطها حيث تقوم بتقديم بعض المساعدات لهم مثل الرعاية الطبية. وقال أحد عمال الإغاثة التابعين لمنظمة إنقاذ الطفولة في باكستان والذي فضل عدم ذكر اسمه أن "تحديد الأسر خارج المخيمات كان يمثل تحدياً لأن العديد من الأسر النازحة كانت ترفض التسجيل وبسبب المخاوف الأمنية للمنظمات الإنسانية. وقد تم التغلب على ذلك إلى حد ما عن طريق رسم خرائط للأسر في البداية بناء على المعلومات التي تم الحصول عليها من النازحين داخلياً الذين يعيشون في المخيمات ثم توسيع الجهود بعد ذلك لتشمل الدراسات الخاصة بالأسر خارج المخيمات في المجتمعات المضيفة".

ويعيش خالد شاه القادم من إقليم خيبر في صفيد ديري وهو حي في بيشاور يقطن فيه ما يقدر بحوالي 250 أسرة نازحة. وبسبب قلقه منذ عامين على سلامة أطفاله نظراً لتصاعد القتال في مدنية بارا قام خالد بجمع بضاعة متجره الصغير وترك منزله. وكانت المحطة الأولى له هي جالوزي. وقال شاه البالغ من العمر 42 عاماً أن "الجميع أخبرني أن الذهاب إلى المخيم أفضل فكرة لأنه آمن ويوجد به طعام ومأوى. لكن بعد شهرين لم أستطع تحمل البقاء هناك أكثر من ذلك". وبدأ بعدها بالتنقل بين جالوزي وصفيد ديري للعمل حيث استطاع أن يكسب أجراً يومياً من تحميل وتفريغ البضائع في السوق. ويعيش شاه الآن في شقة من غرفتين في نفس الحي مع أسرته لكنه ظل مسجلاً مع سلطات جالوزي وغالباً ما يسافر إلى المخيم في حال احتاج إلى مساعدات.

وقال شاه: "لقد استطعت الانتقال إلى هنا لكن أخي وأسرته مازالوا في جالوزي. يعمل أخي معي هنا لكنه ما يزال مسجلاً هناك. لا أحد يدري ماذا سيفعل". ويقوم الأخوان بالتناوب على زيارة أرضهم ومتجرهم في بارا كل شهر. ونظراً لتشاؤمهم حيال آفاق السلام في قراهم ومدنهم فإن الخطوة التالية للعديد من الأسر هي التخطيط لحياة جديدة بعيداً عن خيبر. وقد قام العديد منهم ببيع أراضيهم لشراء عقار في بيشاور وحولها. وقام أولئك الذين يملكون المال بإقامة مشاريع تجارية. وقال شاه "في اليوم الذي أقتنع فيه أن بارا أصبحت آمنة سوف أعود".

لكن مساعدة الأشخاص الذين يملكون موارد مالية متواضعة هي التحدي الحقيقي بالنسبة لواضعي السياسات من حيث استراتيجية العودة. ولا يوجد أمام أفقر النازحين خيار سوى التسجيل والعيش في مخيمات مثل جالوزي حيث الخدمات المقدمة تفوق بكثير ما يتمنوه في موطنهم. وقال فايز محمد كبير منسقي الحكومة في إقليم خيبر بختون خوا أن "النازحين الموجودين في المخيمات هم الأكثر ضعفاً، إذ لا يملكون وسائل أخرى أو موارد لإنشاء شيء آخر لأنفسهم. كما أنهم يحصلون على الرعاية الصحية والتعليم والغذاء في المخيم"، مضيفاً أنها "مسألة واضحة: لماذا يعودون؟" ويقول المسؤولون الباكستانيون أن خطط العودة لا يمكن أن تنجح إلى أن يتم إحلال السلام في المناطق المتضررة. وقال فايز محمد: "يمكننا فقط بدء العمل في برنامج لعودة النازحين داخلياً بعد أن تقرر الحكومة والجيش أن المناطق المتضررة قد أصبحت آمنة".

وفي مخيم اللاجئين على مشارف العاصمة الباكستانية إسلام آباد موطن العديد من الأسر النازحة بسبب النزاع على الحدود مع أفغانستان، قال شير محمد من إقليم مهمند في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية أن الجيش طهر قريته ولكن أفراد أسرته الذين زاروها مازالوا يخشون هجمات المسلحين. وأضاف شير محمد البالغ من العمر 40 عاماً: "عاد أبناء عمي الصيف الماضي واضطروا إلى المغادرة مرة أخرى لأن الوضع مازال خطيراً هناك. لا يمكنني أن أتحمل نفقات العودة إلا إذا كان الوضع آمنا تماماً. سأتكلف 50,000 روبية لإعادة أسرتي. وإذا كان الوضع غير آمن سوف أضطر إلى انفاق 50,000 روبية أخرى للعودة مرة أخرى إلى هنا. وأنا لا أملك هذه الأموال".

على صعيد متصل تخطط الحكومة الصومالية لنقل آلاف النازحين داخلياً الذين يعيشون حالياً في مقديشو إلى مخيمات في ضواحي المدينة، لكن ثمة قلق بشأن قدرة الحكومة على القيام بذلك بالإضافة إلى مخاوف متعلقة بالأمن والوصول إلى الخدمات في المناطق التي اقترحت نقلهم إليها. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يسكن ما يقدر بـ 369,000 نازح أو شخص يعيش حياة النازحين في مقديشو. وقال محمد نور أحمد ترسن، محافظ مقديشو، أنه يمكن نقل نحو 270,000 من هؤلاء النازحين إلى ثلاثة مخيمات في ضواحي العاصمة، مما سيساعد في تخفيف التكدس السكاني في المدينة.

وأضاف ترسن قائلاً: "بصراحة، لن يسمح أي محافظ في العالم بوجود نازحين يقيمون في مساكن من الصفيح في العاصمة. هذه القضية تمس بأمن المدينة وتشكل تهديداً على الصحة العامة"، مؤكداً أن ضواحي مقديشو لا تواجه أية مشاكل أمنية. وأوضح قائلاً: "لا أقول أن علينا وضع هؤلاء الناس في أماكن معزولة وبعيدة، بل كل ما أقوله أن علينا تأمين أماكن أفضل لهم، لاسيما وأنهم يعيشون حالياً في ظروف مروعة."

ويواجه النازحون في مقديشو ظروفاً صعبة للغاية تحت تهديد الابتزاز والطرد. ولطالما كان من الصعب تقديم المساعدات لهم في الماضي بسبب القيود الأمنية المفروضة. ورداً على خطة نقلهم، أعرب النازحون عن قلقهم بشأن الأمن وتوفر الخدمات الأساسية. وقال عبدالله أولو ديري، وهو نازح يعيش في مخيم درويش في مقديشو بالقرب من البرلمان الصومالي: "سنقبل مخطط الحكومة في حال وفّرت لنا الأمن والخدمات الصحية. لكن إن لم نشعر بالأمان، فسنبقى هنا ننتظر العون من الله". وتشكل المسافة بين المواقع المقترحة وأماكن فرص كسب العيش مصدراً آخر للقلق.

وقد لا يرغب بعض النازحين بالانتقال من مقديشو أو العودة إلى ديارهم الأصلية. وتتمتع الصومال بعدد كبير نسبياً من السكان الشباب، وهذا يعني أنه بالنسبة للبعض، تعد مقديشو الموطن الوحيد الذي يعرفون. وتابع ترسن قائلاً: "لا بد من نقل الأشخاص الذين لا يرغبون في العودة إلى مناطقهم الأصلية إلى مخيمات في ضواحي مقديشو."

ويواجه النازحون في مقديشو انعداماً في الأمن، فيتعرّضون للاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاحتماعي، مما يثير مخاوف من إمكانية تعرضهم للعنف في المواقع المقترحة أيضاً. وقال جاستن برادي، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الصومال، في مقابلة أجراها راديو إيرغو معه مؤخراً: "لا أعتقد أننا سنشهد تحسناً في أمن هؤلاء الأشخاص أو حمايتهم إذا قمنا فقط بنقلهم من مكان إلى آخر، لاسيما الأسر التي ترأسها النساء. فالنجاح ليس مضموناً على الإطلاق ما لم نحدد شروطه". لكن وفقاً لترسن "سيتم قتل المغتصِبين، كما قال الرئيس، ونتوقع أن يتم اجتثاث الاغتصاب نهائياً من مقديشو في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة". وأضاف قائلاً: "نحن نوفّر الأمن كما نوفر الأرض، ويبقى على المنظمات الإنسانية تقديم الخدمات كالصحة والمياه".

وأضاف برادي في حديثه إلى راديو إيرغو: "ما نتطلع إليه هو قيام الشركاء بدعم خطة الحكومة لجعل عملية التوطين أخلاقية وإنسانية وطوعية، لاسيما وأنها جزء أساسي للدفع بالنازحين داخلياً إلى الأمام". "علينا معرفة ما هو مطلوب بالضبط فالمسألة ليست مجرد توفير المسكن أو الحماية، بل عملية تحتاج لمشاركة مختلف الجهات التي تقدم الخدمات في جميع القطاعات".

وفي تقرير صدر مؤخراً عن معهد التراث للدراسات السياسية، وهي مؤسسة فكرية تتخذ من الصومال مقراً لها، حمل عنوان "العودة المتسرعة إلى الوطن: محاولة كينيا إرسال اللاجئين الصوماليين إلى ديارهم"، قام حوالي 20,000 لاجئ صومالي بترك كينيا طوعاً منذ أن بدأت الدعوات إلى العودة إلى الوطن. وأوضح التقرير أن "نسبة المنازل والشقق الشاغرة في إيستلي حي يتمتع بكثافة سكانية صومالية عالية في العاصمة الكينية نيروبي قد ارتفعت وبالتالي انخفضت الإيجارات. كما أفادت المدارس في المنطقة أن أعداد الطلاب قد شهدت انخفاضاً كبيراً."

وفي كلمة ألقاها خلال إطلاق التقرير، قال سفير الصومال لدى كينيا، محمد علي نور، أنه في الوقت الذي ترحب فيه الحكومة الصومالية بعودة اللاجئين، "للمساعدة في إعادة بناء البلاد، إلا أنها تريد أيضاً أن تتم العودة بطريقة منسقة ". ووفقاً للتقرير، لا يبدو أن الحكومة الصومالية مستعدة لاستيعاب اللاجئين الصوماليين الذين يصل عددهم إلى حوالى 600,000 شخص، ويعيشون بشكل رئيسي في كينيا وإثيوبيا. مع ذلك، "تضع الحكومة الصومالية خطة طموحة لإقامة مخيمات كبيرة داخل الصومال قرب الحدود الكينية. وتأمل في نقل مئات الآلاف من اللاجئين إلى المخيمات الجديدة قبل نهاية عام 2013. وبالإضافة إلى أن تنفيذ هذه الخطة يعد أمراً غير واقعي، لكنه يعرّض اللاجئين الضعفاء كذلك إلى ظروف خطيرة".

من جهته، قال كاتب التقرير، عناب نور، أنه يرى في "إعادة مثل هذا العدد الكبير من اللاجئين إلى ديارهم في هذا الوقت زعزعةً للاستقرار. فالبلاد ما تزال تحاول حل مشكلة النازحين داخلياً". ويوصي التقرير بأن تعمل كينيا والصومال بشكل وثيق من خلال اللجنة المشتركة للتعاون للتوصل إلى حل مرض، كما ينصح الحكومة الصومالية "بالاستفادة من المكاسب الأمنية الأخيرة عن طريق إنشاء مؤسسات حكومية يمكنها استيعاب تدفق اللاجئين".

"ويبقى الأهم معالجة مسألة الأراضي في الصومال التي قد تثير المشاعر. فمن المرجح أن تؤدي النزاعات التي لم تحل على الأراضي إلى اندلاع العنف من جديد في جنوب الصومال. مع ذلك، قد تتمكن عودة اللاجئين المنظمة وفي التوقيت المناسب، من ترسيخ المكاسب الأخيرة وإرساء الأسس المتينة لاستقرار الصومال".

الى جانب ذلك يتذكر عثمان شيشي وهو لاجئ إريتري يبلغ من العمر 26 عاماً ويعيش في العاصمة المصرية، بولع يوم طلب منه رجل مصري ثري أن ينظف فيلته قبل ثلاثة أشهر مقابل 50 جنيهاً مصرياً (7.3 دولاراً). فمنذ ذلك الحين، لم يتمكن شيشي من العثور على عمل، لكن ليس لعدم المحاولة، فهو يقضي أيامه يطرق أبواب المنازل والمصانع والشركات والورش مستجدياً العمل.

وقال شيشي، وهو أب لطفلين "أنا بحاجة ماسة إلى العمل لإطعام أسرتي، لكن أصبح من المستحيل العثور على عمل هنا. نحن نشتري الأساسيات فقط، وحتى الحصول على هذه الأساسيات يصبح أكثر صعوبة يوماً بعد يوم". وتضر الاضطرابات السياسية والأزمة الاقتصادية العميقة في مصر، التي تعاني من تدهور السياحة ونقص الاستثمارات وارتفاع أسعار المواد الغذائية، بأكثر المجتمعات ضعفاً في البلاد.

وتقول جماعات حقوق اللاجئين الأفارقة أنه كثيراً ما يكون اللاجئون والمهاجرون ضحايا لاعتقالات غير مبررة وحالات اختفاء، في الوقت الذي يكافحون فيه لإطعام أنفسهم ودفع إيجارات مساكنهم. "وقد اتجهت حياة اللاجئين في مصر من سيء إلى أسوأ بعد الثورة،" كما أشار علي محمود، وهو لاجئ سوداني ومؤسس جمعية مكارم الأفريقية، وهي منظمة غير حكومية تحاول مساعدة اللاجئين في العثور على وظائف. وأضاف أن "الاقتصاد المصري يتقلص، ولذلك يجد اللاجئون صعوبة أكبر في كسب لقمة العيش أو حتى الحصول على حياة كريمة".

وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عدد اللاجئين الأفارقة المسجلين رسمياً في مصر بلغ 35,180 لاجئ حتى يناير 2013. ويعيش اللاجئون الأفارقة والمهاجرون لأسباب اقتصادية بصفة عامة في أقسى أحياء القاهرة، ويتقاسمون المراحيض القذرة والأزقة النتنة مع المواطنين الأكثر فقراً في مصر. وقالت اليزابيث تان، نائبة الممثل الإقليمي للمفوضية "لقد تأثر اللاجئون بنفس الطريقة التي تأثر بها المصريون. غالباً ما يشكو اللاجئون من زيادة معدلات الجريمة وارتفاع تكاليف المعيشة".

من جهته، قال عبد الله حنظل، مدير مركز دراسات السودان المعاصر، وهي منظمة غير حكومية تهتم بشؤون اللاجئين، أن البحوث التي أجرتها المنظمة وجدت أن معظم اللاجئين الأفارقة في مصر فقدوا وظائفهم منذ قيام الثورة. وأضاف حنظل أن "اللاجئين من الباعة المتجولين قالوا أنهم مضطرون للبقاء في الشوارع وقتاً أطول لبيع منتجاتهم. وعندما يبيعون كل شيء، لا تكاد النقود تكفي لشراء الطعام لعائلاتهم".

ولم يتمكن ثلاثة من أصدقاء علي محمود، مؤسس جمعية مكارم الأفريقية، من دفع مبلغ 200 جنيه مصري (29 دولاراً) لاستئجار غرفة مشتركة في حي أرض اللواء، وهو حي فقير بمحافظة الجيزة، ولذلك طردوا من الحي. وقال محمود أنهم "يقضون الليل في المقاهي والنهار في الحدائق العامة". وأضاف "أصدقائي غير متزوجين لكن الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لأسر اللاجئين التي لا تستطيع دفع الإيجار".

وقال طارق نور، المدير التنفيذي لمنظمة تضامن، وهي منظمة غير حكومية تعمل من أجل تعزيز رفاه اللاجئين المهمشين، أن جماعات الاغاثة المحلية تشعر أيضاً بوطأة الوضع الحالي لأنها "لم تعد تحصل على التمويل، ولأن الجهات المانحة لا تريد أن تعطي المال للمنظمات في البلدان التي تواجه كل تلك الاضطرابات". وأوضحت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن طلبات اللاجئين للحصول على دعم مالي شهدت زيادة كبيرة بعد الثورة. ولا تستطيع المفوضية تقديم الدعم المالي سوى لنحو 25 بالمائة فقط من الـ 35,180 لاجئ المسجلين لديها.

وأوضحت تان أنه "لسوء الحظ، لم ترتفع ميزانية المفوضية بحيث تأخذ في الاعتبار الزيادة في تكاليف المعيشة، غير أن المكتب سيدعم القاعدة الشعبية والمبادرات المجتمعية من أجل تعزيز الاعتماد على الذات وجهود توليد الدخل التي سيقوم بها اللاجئون". وقال حنظل أن اللاجئين الأفارقة والمهاجرين لأسباب اقتصادية عرضة لأشد أشكال الاستغلال وحشية، بما في ذلك سرقة الأعضاء.

وقد "حدثت زيادة ملحوظة في حالات سرقة الأعضاء يقودها التجار الذين يستغلون ظروف مصر الأمنية السيئة بعد الثورة،" كما أشار بشير سليمان، مراسل الائتلاف من أجل حلول فشل الأعضاء (COFS)، وهي منظمة غير حكومية دولية تحدد الناجين من الاتجار بالأعضاء وتحاول توفير دعم طويل الأجل لهم. وأضاف أن "معظم اللاجئين ينخدعون بحيل عصابات الاتجار بالأعضاء التي تندس بين اللاجئين".

 وقالت تان أن المفوضية على دراية بالتقارير الواردة عن الاتجار بالأعضاء في مصر وأجرت محادثات بشأنها مع الحكومة، مضيفة أن "اللاجئين عرضة بشكل خاص لهذا النوع من الاستغلال". وقال سليمان أنه "لسوء الحظ، تعرض عدد كبير من اللاجئين الذين يأتون إلينا لسرقة الأعضاء، حتى من دون أن يعرفوا ذلك. إن الكلى والأنسجة والأرحام والمبايض وغيرها من الأعضاء تأتي على رأس قائمة الأعضاء المسروقة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/آذار/2013 - 2/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م