رفع الروح المعنوية عند المسلم

عبدالكريم العامري

 

شبكة النبأ: رسول الله محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله) وهو يمثل في رسالته الالهية قيادة انسانية واعية للحق والعدل والخير. كان يعامل نفوس المؤمنين بكل حكمة وخلق وتقدير، سواء أكانت في حالة السلم أم في الحرب.

ومصطلح الروح المعنوية يكاد يكون حديثا نسبيا في الدراسات النفسية الاجتماعية، غير أن مفهوم هذا المصطلح قد عرفته الإنسانية في أزمنتها القديمة، ومنها الأمة الاسلامية.

هناك مواقف نبوية مرشدة تتصل بموضوع وعملية رفع الروح المعنوية لدى المؤمنين، والعمل الجاد على اضعافها في نفوس أفراد العدو وصفوفه. كان ذلك في أيام موقعة (الأحزاب) وتسمى ب (الخندق) في المدينة المنورة في شوال سنة خمس من الهجرة .

أهم المواقف النفسية والاجتماعية التي رفعت من معنويات المسلمين هي:

يجوز للأمة المسلمة أن تحالف أمة غير مسلمة رعاية لمصالح الجوار أو تبادل المنافع العادية مادام التحالف حقنا للدماء ومدعاة للاستقرار فكان أن حالف رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهود المدينة (بني قريضة) وعقد معهم عهدا.

ان عوامل الحقد والبغضاء قد جمعت مشركي قريش مع يهود بني النضير وقبائل غطفان. فجعلوا يؤلفون الأحزاب ويجمعون أعداء النبي(صلى الله عليه وآله) ليقضوا على المجتمع المسلم في مهده الأول وعاصمته الأولى وسار جيش الغدر والانتقام والكفر نحو المدينة المنورة الآمنة في عشرة آلاف.

انه موقف من أشد المواقف النفسية الاجتماعية في حياة المؤمنين حين تتألب عليهم أحزاب الشرك والكفر وتحاصرهم في عقر دارهم ثم يستغل اليهود هذه الأيام العصيبة فيطعنوا المؤمنين من الداخل وفي الظهر حين نقضوا العهد واشتدت الساعات والأيام واستعد الأعداء للهجوم العام والشامل من الداخل والخارج بوقت واحد. أكثر الأعداء اشعال نيرانهم لتخويف المؤمنين ولإضعاف روحهم المعنوية وكثرت مناوشات الاحزاب .

وصل نبأ جيش المشركين واليهود الى المدينة المنورة، فكانت الشورى بين المؤمنين التي استقرت  الآراء على البقاء في المدينة فهي ذات موقع حصين عموما، والدفاع عنها وهم فيها أشد وأقوى .

انه مبدأ اليقظة الاجتماعية وانه مبدأ الشورى ومشاركة الجماعة في اتخاذ القرارات الحاسمة التي تمس المجتمع.

ثم تم تخطيط مكان الخندق، ودعا الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) الناس للمساهمة جميعا بالخندق فالعدو قادم ولا رجعة في ذلك. كان رسول الله مع العاملين: يضرب مرة بالمعول ومرة بالمسحاة يغرف بها التراب ومرة يحمل المكتل لينقل التراب انه مثل كامل للقيادة والقدوة، وتشجيع على الروح الجماعية العاملة يزيد من حماسها واندفاعها وتقويتها ووضع أسس متينة لحياة رصينة قادمة.

لقد أقر النبي (صلى الله عليه وآله) مبادئ هامة في تقوية الروح المعنوية للمؤمنين، في مواجهة الحرب النفسية التي شنها المشركون ثلاثة مبادئ:

الأول: الكتمان في التصرف والتخطيط.

الثاني: السعي الحثيث لتفريق شمل الأعداء، فمن الخطأ فتح جبهات متعددة في وقت واحد.

الثالث: مبدأ الحرب خدعة، فالحرب في شتى أنواعها ليست كلاما لكنها استخدام ذكي في معرفة قوة العدو ومواطن ضعفه، واستخدام ذكي لأنواع الأسلحة التي يعرفها العدو والتي لا يعرفها، وتجميع لشمل أمتنا ومواجهة العدو كالبنيان المرصوص.

الاستخدام الأمثل لهذه المبادئ يعني نجاح هذا السلاح النفسي الاجتماعي في تفريق شمل الأعداء واضعاف روحهم المعنوية وتحقيق الانتصارات، وهو يفيد المؤمنين في اجتياز المواقف الحرجة.

تبدو العبرة من أيام الاحزاب انها كانت في عمومها معركة أعصاب وحربا نفسية دقيقة لأنها كانت قليلة الكر والفر والهجوم والدفاع ولكنها حرب فيها اختبار ذكاء وتقدير وكتمان، مقدرة وتخطيط وتنفيذ مع هدوء الأعصاب وصلابة العزائم. لهذا انتصر المؤمنون رغم قلتهم وحصارهم، بينما انهزم اعداؤهم رغم ما خططوا من غدر ومكر وتشكيك وتثبيط.

ذلك لأن شخصية المؤمن تمتاز بروح معنوية صلبة لا تتهاوى أمام الشدائد لصلتها القوية بالله واهب النصر. فالمؤمن قد يمتحن وقد يخاف ولكنه ختاما يجتاز العاصفة بعون الله وتأييده. لذا نجد وصفا دقيقا لنفسية المؤمنين في سورة الأحزاب، يقول الله سبحانه وتعالى: ( لما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما * من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) الاحزاب 22/23.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/آذار/2013 - 1/جمادى الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م