شبكة النبأ: التحليل والتفكيك ثم
الاستنتاج ظاهرة تتحلى بها المجتمعات المتطورة، أما الخمول والتبسيط
واللامبالاة فهي من سمات ومواصفات المجتمعات التي تقبع في أسفل قائمة
التقدم، ونقصد بالتحليل أن يتبصّر الانسان الامور التي تمر به وتهم
حياته، بشقيها الفكري النظري والمادي، وأن يدقق في الاشياء والمواقف
بمنظار دقيق، ومعيار يرجّح كفة الفائدة والنجاح على كفة الخسارة
والفشل.
ينطبق هذا المنظور على حياة الفرد اولا، وطبيعة تعامله مع مفردات
الحياة اليومية، لأن الجهد الفردي سوف يساوي بالتراكم حصيلة كلية لجهود
المجتمع، ولكن لابد أن يتم تدريب الافراد والمجتمع على التحليل
والتبصّر والتفكيك وصولا الى الانتاج الامثل، ولن يتحقق هذا الهدف
الكبير بالكلام فقط، انه عبارة عن سلسلة من الاجراءات الفعلية والتخطيط
المنظم لبث حالة التبصّر والتفكيك بي افراد المجتمع عموما، وجعل الامر
منهج سلوك وطريقة حياة، كما نلاحظ ذلك لدى المجتمعات المتطورة، حيث
يهتم الافراد بدقائق الامور ويحققون بالتفاصيل بدقة، وينظرون الى
الامور من منظار التحليل الدقيق وصولا الى الاستنتاج الصحيح.
هذا لا يعني أن نذهب الى تعقيد الحياة اليومية بطبيعة الحال، بل
ينبغي أن يأتي التحليل من ضمن التلقائية التي يعيشها الانسان، لأنه يجب
أن يكون حريصا على فهم المواقف والاحداث والاشياء التي تهم حياته،
وينبغي ايضا أن لا ينحو الى التبسيط في كل شيء، لأن هذا النوع من
التعامل يؤدي الى الكسل والخمول ويشجع الانسان أن يترك الامور على
الغارب، ويبعده عن وضعها في اطارها الصحيح.
وطالما أن التحليل والاستنتاج يتعلقان بطبيعة حياة المجتمع ككل،
وهما حالة سلوك وتفكير وتبصّر يتم زرعهما في تشكيل الشخصية، فإن
التعليم والتربية لهما دور اساس في تحقيق هذا الهدف، بمعنى اوضح هناك
دور اساسي يجب أن تقوم بها المدارس والجامعات والحوزات العلمية
والمؤسسات والمنظمات الفكرية الاخرى، هذا الدور يتعلق بتعميق منهج
التحليل والتفكيك والتبصّر الدقيق لدى الفرد، وصولا الى القرار الصحيح
بشأن الحالة او الموقف الذي يؤخذ بشأنه القرار، وأن يتم الابتعاد عن
التسرع او الكسل في التعامل مع تفاصيل الحياة اليومية او التعامل مع
المواقف ذات الاهمية القصوى.
من هنا لابد أن تتحرك المؤسسات التعليمية والتربوية والدينية،
والمنظمات ذات الشأن التثقيفي، على التخطيط السليم لزرع حالة او ظاهرة
او منهج التحليل والتفكيك لدى الفرد المتعلم او الطالب، ولدى المجتمع
عموما، وذلك من خلال اتخاذ الخطوات الاجرائية اللازمة لتحقيق هذا
الهدف، علما ان ظاهرة التلقين شائعة في مؤسساتنا التعليمية والتربوية
والتدريسية والدينية عموما، حيث يتم تلقين الطالب واعطائه المعلومات من
دون اللجوء الى التبصّر والتفكيك والتحليل، وبهذا لا تشترك هذه
المؤسسات في صناعة فرد محلل، يفكك الامور بدقة وهدوء ورويّة، بل تنتج
انسانا يميل الى التلقين ايضا، لذلك نلاحظ طلاب الجامعات وسواها من
المؤسسات التعليمية لا يمتلكون القدرة على التحليل ومعرفة بواطن الامور
والاشياء المهمة في حياتهم العملية او غيرها.
وهكذا يكون التدريسي ذا منهج يميل الى التلقين ايضا، فيرسل ويحيل
الى طلابه المعلومات والدروس والتربية عموما بطريقة التلقين، وهي حالة
او منهج يقتل موهبة التفكيك والاستنتاج الجيد، لدى المتعلمين، الامر
الذي يجعل هذه الحالة ظاهرة تنطبق على عموم المجتمع، فيكون مجتمعا لا
مباليا، ولا يهتم ببواطن الامور ولا يهمه عمق الاشياء والمواقف، فيكون
ذا سلوك تبسيطي يميل الى السذاجة في الغالب.
لهذا تتحمل الجامعات والحوزات العلمية وعموم المنظمات والمؤسسات
التربوية التعليمية، مسؤولية اشاعة منهج التحليل في المجتمع عموما،
والحث على الابتعاد عن السهولة في مراجعة المواقف والامور التي تتعلق
بحياة الانسان عموما، حتى يكون الانسان في مجتمعنا متفحصا مدققا
متبصرا، يتعامل مع الاشياء والمواقف وتفاصيل الحياة كافة بتلقائية
وعفوية ولكن بحضور الذكاء والتحليل والاستنتاج السليم. |