العراق... من السياسة الى الحرب

هل تمهد الاجواء لحرب طائفية جديدة؟

 

شبكة النبأ: أسهمت الخلافات السياسية المتفاقمة في العراق والتي أصبحت اليوم سمة أساسية من سمات الصراع السلطوي بين قادة الكتل والأحزاب السياسية، بعودة موجة العنف الى الشارع العراقي الذي تأثر كثيرا من جراء الفشل والإخفاق السياسي، و يخشى الكثير من المراقبين من خطورة استمرار الخلافات التي اتخذت اليوم طابع طائفي بحت بعد ان استغلتها بعض الإطراف السياسية التي تسعى الى إثارة وتأجيج الشارع العراقي والدخول في حرب إعلامية ضد باقي الشركاء في سبيل الحصول على بعض المكاسب والامتيازات الخاصة.

وهو ما نعكس سلبا على تحركاتهم الرامية الى إسقاط الحكومة والدستور حيث تشير بعض الحقائق الى ان ما يحدث اليوم قد أسهم بتعزيز ثقة الكثير بالحكومة الحالية، خصوصا بعد كشف العديد المخططات التي تقوم بها مجاميع تنظيم القاعدة وأزلام النظام البعثي البائد ومن يمثلهم من بعض الوجوه السياسية، يضاف الى ذلك وجود بعض المخططات والتدخلات الخارجية التي تقوم بها بعض الدول الخليجية التي تسعى للاستفادة من هذه الأزمات وخلق فوضى أمنية لإشعال الحرب الطائفية في البلاد، لأجل إنجاح مخططها الخاص بقلب موازين القوى في المنطقة والذي بداء في سوريا.

وبحسب بعض المحللين فان تلك الخطوات المفبركة التي يقوم بها بعض الساسة في سبيل خلق فوضى أمنية من خلال استهداف أرواح الأبرياء باتت مكشوفة لدى المواطن العراقي الذي أصبح يعي حجم المؤامرة التي تهدد امن وسيادة العراق، وفي هذا الشأن فقد قالت الشرطة ان تسعة أشخاص على الأقل قتلوا في اشتباكات عندما قاد متشددون مسلحون سيارتين باتجاه نقطة تفتيش شمالي بغداد وفتحوا النار على أفراد قوات الصحوة. وقتل خمسة من قوات الصحوة واربعة متشددين بينهم مفجر انتحاري انفجر حزامه الناسف اثناء القتال الذي استمر نحو 20 دقيقة عند نقطة التفتيش في سامراء الواقعة على بعد 100 كيلومتر شمالي العاصمة.

وفي وقت سابق قتل مسلحون يركبون دراجات نارية ويرتدون ملابس الجيش العراقي سبعة من قوات الصحوة بالقرب من بلدة طوز خورماتو على بعد 170 كيلومترا شمالي بغداد. وجاء ذلك في اعقاب هجوم وقع عندما تسلل مهاجم انتحاري يرتدي ملابس مدنية الى اجتماع لقادة الصحوة وفجر شحنة ناسفة يحملها اثناء تلقيهم رواتبهم في التاجي مما أدى الى مقتل 22 شخصا على الاقل. ورغم تراجع العنف بعد بلوغه ذروة الاقتتال الطائفي الذي اودى بحياة عشرات الالاف في 2006-2007 فان المسلحين لا يزالوا نشطين ويشنون هجمات يومية بهدف زعزعة الحكومة.

في السياق ذاته قتل خمسة أشخاص على الاقل واصيب حوالى 45 اخرين بجروح في انفجار سيارتين مفخختين في الديوانية جنوب بغداد، حسبما افادت مصادر امنية وطبية. وقال العميد عبد الجليل الاسدي قائد شرطة محافظة الديوانية ان "سيارتين مفخختين مركونتين انفجرتا عند سوق لبيع الأغنام على الأطراف الجنوبية لمدينة الديوانية (160 كلم جنوب بغداد) ما ادى الى وقوع عدد من القتلى والجرحى". واكد الطبيب عدنان تركي مدير صحة المحافظة "تلقى مستشفى الديوانية خمسة قتلى و45 جريحا جراء انفجار السيارتين".

الى جانب ذلك قتل 23 شخصا على الاقل واصيب العشرات بجروح في هجمات متفرقة في بغداد ومناطق محيطة بها بينها هجوم انتحاري اعقبه تفجير سيارة مفخخة في منطقة الشعلة (شمال) قتل فيه 19 شخصا، وفقا لمصادر امنية وطبية. وقال مصدر في وزارة الداخلية ان "سيارتين مفخختين انفجرتا قرب ملعب شعبي لكرة القدم في الشعلة في شمال بغداد"، مضيفا ان "تفجير السيارة الثانية وقع بعد وصول القوى الامنية الى منطقة الهجوم".

غير ان وزارة الداخلية اعلنت على موقعها في وقت لاحق ان "انتحاريا فجر نفسه داخل ملعب لكرة القدم اعقبها انفجار عجلة مفخخة متروكة قرب محل الحادث في منطقة الشعلة قرب المطعم الرياضي". وقال مصدران طبيان رسميان ان "19 شخصا على الاقل قتلوا في الهجوم في الشعلة بينما اصيب اكثر من 30 بجروح"، واشارا الى وجود "اطفال بين القتلى والجرحى من ضحايا الهجوم".

وتعرضت منطقة الشعلة التي تسكنها غالبية شيعية والقريبة من مدينة الكاظمية، خلال الاشهر الاخيرة الى هجمات متكررة بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة قتل واصيب فيها العشرات. وفي المحمودية (60 كلم جنوب بغداد)، حاولت الشرطة القاء القبض على "ارهابي ففجر عبوة كانت في يده وخمس عبوات اخرى الى جانبه، ما ادى الى مقتل شرطيين اثنين وجرح اربعة اخرين بجروح"، بحسب المصدر في وزارة الداخلية.

 واكد مصدر طبي رسمي مقتل شرطيين على الاقل في الحادث. كما قتل شخص واصيب سبعة اخرون بجروح في انفجار عبوتين ناسفتين في حي الشرطة الرابعة في جنوب بغداد، بينما قتل شخص واصيب 17 بجروح بانفجار سيارة مفخخة في العزيزية (70 كلم جنوب شرق)، وفقا لمصادر امنية وطبية.

من جهة اخرى فجر انتحاري يرتدي حزاما ناسفا نفسه بين حرمي ضريحي الإمامين الحسين بن علي وأخيه العباس وسط مدينة كربلاء (جنوب بغداد) أسفر عن سقوط عشرة جرحى، مما يثير مخاوف من ازدياد التوتر الطائفي في البلاد. وأوضح جمال الشهرستاني ان "مهندسا يعمل لصالح شركة المنصور للمقاولات العامة التي تقوم بأعمال تأهيل وأعمار في منطقة ما بين الحرمين فجر نفسه، ما أسفر عن سقوط ضحايا". وأكد ضابط برتبة عقيد في شرطة كربلاء (100 كلم جنوب بغداد) ان "الانفجار وقع جراء تفجير انتحاري وأدى الى إصابة عشرة أشخاص بجروح".

بدوره، اكد مصدر طبي في مستشفى الحسين التابع لمرقد الإمام الحسين "تلقي عشرة جرحى" دون الإشارة الى تفاصيل أكثر. وتخضع المنطقة التي يقع فيها الضريحان لإجراءات أمنية مشددة. وهي مغلقة تماما أمام حركة السيارات باستثناء السيارات الخدمية التابعة للعتبات. ويعود أخر هجوم في مدينة كربلاء الى 25 ايلول/سبتمبر عندما قتل عشرة أشخاص وأصيب حوالي 86 آخرين في انفجار سيارة مفخخة وعبوة ناسفة وتفجير انتحاري بحزام ناسف.

ويثر هذا الهجوم مخاوف كونه يعيد للأذهان تفجير القبة الذهبية لمرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في 22 شباط/فبراير 2006، وما أعقبه من موجة عنف طائفي امتدت ذروتها حتى 2008، وقتل خلالها الآلاف من العراقيين. وغالبا ما يعلن "تنظيم دولة العراق الإسلامية" الفرع العراقي لتنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجمات التي تستهدف مراقد شيعية، خصوصا في المناسبات التي يتوجه خلالها الزوار سيرا على الإقدام الى مدينة كربلاء.

ويرى الشيخ نزار التميمي أمام وخطيب ينتمي الى التيار الصدري ان "استهداف كربلاء والمدينة القديمة على وجه التحديد موضوع حساس وخطير للغاية". وأضاف ان "الإمامين يمثلان رموزا لكل شيعة العالم وليس العراق فقط وهو مكان مقدس لكل مسلمي العراق"، مؤكدا ان "هذا الاستهداف له صبغة طائفية ويحمل رسالة من أعداء العراق لإحداث حرب طائفية بين أبناء الدين والبلد والواحد". وحذر الشيخ من "الانجرار وراء الفتنة الطائفية".

وعلى الصعيد ذاته، قال مصدر في وزارة الداخلية ان "انفجار ثلاث عبوات ناسفة على الطريق الرئيسي في منطقة الحسينية (شمال شرق بغداد) أسفر عن مقتل شخصين واصابة تسعة اخرين بجروح". واكدت مصادر في مستشفيات الشيخ ضاري ومدينة الطب تلقي جثتين ومعالجة تسعة جرحى اصيبوا جراء الانفجارات. وفي هجوم اخر، ادى انفجار عبوة لاصقة على سيارة خاصة لجندي عراقي في منطقة العطيفية (شمال بغداد) الى مقتله، حسبما اكدت مصادر امنية وطبية.

وفي الموصل (350 كلم شمال بغداد) اعلن ضابط في الجيش العراقي "مقتل جنديين في هجوم مسلح استهدف نقطة تفتيش في قضاء تلعفر" الواقعة غرب الموصل. بدوره اكد طبيب في مستشفى تلعفر تلقي جثث الضحايا.

وتتزامن الهجمات مع توتر في الأوضاع السياسية في البلاد اثر تواصل التظاهرات والاعتصامات منذ اكثر من سبعين يوما في محافظات صلاح الدين ونينوى والانبار جميعها سنية، رفضا لسياسة رئيس الوزراء نوري المالكي، متهمين اياه ب"تهميش"العرب السنة وعدم تلبية مطالبهم بإطلاق سراح معتقليهم في السجون. بدورها، شكلت الحكومة لجنة وزارية وبدأت اعمالها في السابع من كانون الثاني/يناير للنظر في مطالب المتظاهرين، واعلنت الخميس الافراج عن اربعة الاف معتقل منذ بداية عملها.

وانخفض عدد ضحايا أعمال العنف في العراق خلال شهر شباط/فبراير بحسب ما أظهرت حصيلة رسمية ووفقا لحصيلة أعلنتها وزارات الصحة والداخلية والدفاع، فقد قتل 136 شخصا في أعمال عنف خلال شهر شباط/فبراير، وهم 88 مدنيا و26 شرطيا و22 جنديا . كما أصيب 228 عراقيا، هم 123 مدنيا و65 شرطيا و40 عسكريا، وفقا للحصيلة ذاتها.

وكانت المصادر ذاتها قد أعلنت عن مقتل 177 عراقيا وإصابة 258 آخرين بجروح خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي. ويعد الثامن من الشهر الماضي الاكثر دموية عندما قتل 33 شخصا على الأقل وأصيب أكثر من مئة آخرين بجروح في انفجار خمس سيارات مفخخة في بغداد وجنوبها.

ورغم ان اعمال العنف لا تزال شبه يومية في العراق، وخصوصا في بغداد وشمالها وغربها، فان حصيلتها لا تقارن بعدد القتلى الذي سجل بين العامين 2006 و2008 والذي كان يناهز الآلاف كل شهر. وغالبا ما يعلن تنظيم القاعدة في العراق مسؤوليته عن الهجمات التي تستهدف في معظمها عناصر الأمن والمقرات الحكومية إضافة الى تجمعات في مناطق شيعية في وسط وجنوب البلاد.

من جانبها حذرت السلطات العراقية من شواحن هواتف نقال مفخخة ملقاة في شوارع العاصمة بغداد، فيما أكد مصدر في وزارة الداخلية إصابة ستة أطفال اثر انفجار خمسة من هذه الأجهزة. وحذر بيان لقيادة عمليات بغداد "المواطنين من استخدام شاحنات الموبايلات بعد ان لجأت التنظيمات الإرهابية الى تفخيخها وإلقائها في الشوارع والأماكن العامة".

من جهته، أكد مسؤول في وزارة الداخلية "العثور على أكثر من خمسين شاحنة مفخخة من هذه الشاحنات مخبأة في داخل صناديق جديدة في مناطق متفرقة من بغداد". وأضاف ان "هذه العبوة تنفجر بمجرد فتح العلبة لاستخراج الشاحنة لوجود مادة تي ان تي بكمية محدودة بداخلها وتؤدي الى جروح وحروق وتشوهات". وأكد المصدر إصابة ستة أطفال على الأقل في انفجار عبوات ناسفة بشكل شاحنات للهواتف النقالة في بغداد.

وأشار الى حدوث هذه الانفجارات في أحياء السيدية والجهاد والدورة، جميعها في غرب بغداد، ومنطقة الشعب في شمال شرق بغداد. وأكد مصدر في مستشفى اليرموك (غرب) انه استقبل عشرة جرحى بينهم ثلاثة نساء وطفل أصيبوا بجروح جراء انفجار عبوات ناسفة بشكل شاحنة هاتف نقال. واكد مصدر وزارة الداخلية ان "الإرهاب يقف وراء هذه العمليات التي غالبا ما تستهدف عامة النساء بهدف زعزعة امن واستقرار البلاد".

سياسيا وفي سبيل الاستفادة من مما يجري من إحداث في المشهد العراقي والتي اعتبرها بعض المحللين دعاية انتخابية سبقت موعد انتخابات مجالس المحافظات قدم وزير المالية العراقي رافع العيساوي استقالته خلال تظاهرة مناهضة لحكومة نوري المالكي في الرمادي غرب بغداد، في خطوة لا تبعث على الامل بقرب التوصل الى حل للازمة السياسية القائمة في العراق.

وقال العيساوي، امام الآلاف من المتظاهرين والمعتصمين في الرمادي (100 كلم غرب بغداد) "اعلن استجابة لكم الآن انني أقدم استقالتي". وأضاف "لست حريصا على حكومة لا تحترم الدم العراقي، لست حريصا على حكومة لا تحترم أبناء الشعب العراقي، وتراهن بالعراق وبدمه وبوحدته وبعشائره، انا منحاز لكم". وتابع العيساوي "لن أكون جزءا من حكومة تلطخت ايديها بالدماء، لن ابيعكم وابيع حقوقكم".

وبعد وقت قصير من اعلان العيساوي، اكد مكتب رئيس الوزراء في خبر عاجل أوردته قناة "العراقية" الحكومية ان المالكي لن يقبل الاستقالة "الا بعد انتهاء التحقيق في مخالفاته المالية والإدارية"، مشددا ان المكتب "لم يتلق استقالة رسمية". والعيساوي عضو في ائتلاف "العراقية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي.

وكانت السلطات العراقية أصدرت في العشرين من كانون الاول/ديسمبر 2012 امرا بتوقيف تسعة من حراس العيساوي وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، وأعلنت في وقت لاحق عن اعتراف بعضهم بارتكاب جرائم. ويأتي اعلان العيساوي عن استقالته بعد يوم من ورود تقارير في وسائل إعلام عراقية محلية عن صدور مذكرة توقيف في حقه بتهمة "التحريض على العنف والارهاب".

وقال المحلل السياسي العراقي احسان الشمري ان "العيساوي اصبح يدرك بانه لم يعد بامكانه الاستمرار في هذه الحكومة خصوصا وان هناك تسريبات بصدور مذكرة لاعتقاله بتهمة التحريض الطائفي". ويرى استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد ان "الاستقالة تكشف بان الازمة السياسية (في البلد) لا يمكن لها ان تحل في الوقت الحاضر، كما ان تأثيرها سيكون واضحا على سير التفاهم بين الاطراف السياسية".

في السياق ذاته قدم وزير الزراعة العراقي استقالته. وقال الوزير المستقيل وهو عضو قائمة العراقية انه يعلن استقالته امام الشعب العراقي واهله في الموصل لأنه ما من سبيل للاستمرار في حكومة لا تستجيب لمطالب الشعب. وتتراوح مطالب المحتجين بين الغاء قوانين مكافحة الإرهاب والغاء دستور البلاد. ويذكر ان رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، وزراء القائمة العراقية الى تقديم استقالتهم من الحكومة الاتحادية معتبرا ان ذلك يمثل مسؤولية تضامنية.

من جهته وصف النائب عن ائتلاف العراقية حيدر الملا دعوة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي لوزراء العراقية بالانسحاب من الحكومة مع تمسكه بموقعه برئاسة مجلس النواب بأنها دعاية انتخابية لا تحمل اي مشروع حقيقي لمعالجة الازمة السياسية الحالية . واضاف ان "النجيفي اذا كان جادا بمعالجة الأزمة سندعوه الى تقديم استقالته هو وصالح المطلك نائب رئيس مجلس الوزراء باعتبارهما يشكلان الخط الاول في العراقية حيث سبق وان طرح المطلك ذلك في الاجتماع الاخير للعراقية .

وتابع: "ان كان حديث النجيفي عن التحول الى المعارضة حقيقيا فهو يشكل تناقضا كبيراً لانه اول من اعترف امام الشعب العراقي وامام مجلس النواب بأنه لا يستطيع محاسبة اي طرف واذا كانت دعوته باستقالة الوزراء جاءت بناء على أحداث الموصل فمن الأجدر ان تقدم عائلة النجيفي على الاستقالة من خلال المحافظ اثيل النجيفي ورئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ، هذا اذا كان الموقف فعلا يراد منه التضامن الحقيقي مع ابناء الشعب الموصلي بشكل خاص والشعب العراقي بشكل عام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/آذار/2013 - 30/ربيع الثاني/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م